تعرف على واردات المواد الغذائية الأساسية في اليمن
أفق نيوز../
لا يمكن مقارنة التحديات الاقتصادية الصعبة جداً التي يواجها اليمن قبل العدوان بالوضع الحرج الذي تواجهه البلاد اليوم. حيث أصبح اليمن اليوم موقع لأسوأ أزمة إنسانية في العالم، تسبب بها العدوان والحصار المفروض من التحالف بقيادة السعودية، وتضررت واردات الأغذية والوقود بشدة وانخفضت صادرات النفط التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني، مما أدى إلى نقص في توافر العملات الأجنبية وتسبب في تسارع التضخم وزيادة أسعار المواد الغذائية.
نناقش في هذا المقال، تأثير العدوان على اهم الواردات من السلع الغذائية الأساسية الى اليمن، من خلال معرفة القيود المالية واللوجستية التي يواجهها القطاع الخاص لاستيراد السلع الغذائية الأساسية، بما في ذلك القمح والدقيق والأرز. ونستعرض بعض الحلول المقترحة التي تساعد على تسهيل استيراد المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية لتخفيف الأوضاع الإنسانية في اليمن.
يعتمد اليمن بشكل شبه كامل على الواردات لتلبية طلب السوق المحلية على السلع الغذائية الأساسية بما يقارب (٨٠-٩٠ في المائة). منذ بدء العدوان والحصار عام ٢٠١٥ وهذه الواردات مؤمنة بالكامل تقريبا من جانب القطاع الخاص الذي أظهر مرونة كبيرة ونجح في الحفاظ على استمرار عرض هذه السلع الأساسية إلى البلد. ومع ذلك، وعلى الرغم من قدرتها على الوصول إلى الآن، فإن آليات السوق هذه قد تفشل بسبب ارتفاع التكاليف والمخاطر.
ووفقاً للبيانات، التحدي الأكبر للأمن الغذائي في اليمن، هو عدم استقرار أسعار الصرف والتحديات التي تواجه الحصول على الائتمان، وكذا زيادة مراقبة تمويل الواردات من قبل التحالف السعودي وتعقيد اصدار خطابات الاعتماد للاستيراد، والسياسات النقدية الغير مستقرة وزيادة تكاليف النقل بسبب منع وصول سفن المشتقات النفطية الى الموانئ اليمنية.. كلها تزيد من تعقيد سلاسل الامداد الغذائي وبالتالي تنعكس على تكاليف الاستيراد ومن ثم على أسعار المواد الغذائية. لأن اليمن يعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات، فإن أي انخفاض في قيمة الريال اليمني ينعكس بشكل مباشر تقريباً في ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين.
أدى العدوان منذ ٢٠١٥ الى تعطيل متكرر واستهداف لحركة الأسواق وتوريد السلع الغذائية وغير الغذائية مما تسبب في نقص في المدادات المحلية وارتفاع في تكاليف المعاملات وتقلبات الأسعار وزيادتها. قبل العدوان في ٢٠١٥ كان اليمن يستورد شهرياً حوالي ٣٥٠ ألف طن متري من الغذاء و٥٤٤ الف طن متري من الوقود. ومع ذلك تعرض جزء كبير من حجم الاستيراد لعدة تخفيضات خاصة منذ نوفمبر ٢٠١٧ بسبب الحصار المطبق على ميناء الحديدة والصليف والتي تغطي حوالي ٧٠ في المائة من احتياجات السكان.
بسبب انخفاض القوة الشرائية للمواطن، لاحظ مستوردو الأغذية وتجار الجملة وتجار التجزئة لاحظوا ضعف الطلب، والذي يعد تحديا رئيسيا لأعمالهم التجارية، حيث فقدت غالبية السكان مصادر دخلهم، مما أدى إلى ظروف معاناة كبيرة يواجهها المواطنون كل يوم، مما سبب ظهور آليات جديدة ساعدت جزء كبير من السكان للتكيف مع الحياة بسبب انخفاض القوة الشرائية. واليوم، يلجأ عدد متزايد من الناس إلى زيادة مستويات الاقتراض من أجل الاستهلاك الغذائي، فضلا عن الاعتماد على مصادر الدخل الثابتة حيث توقف دفع رواتب القطاع العام التي تعد مصدر لحوالي ثلث العمال اليمنيين، والعراقيل المستمرة للتحويلات المالية من المغتربين بالخارج.
بناء على البيانات المأخوذة من قاعدة بيانات الأمم المتحدة الرسمية الخاصة بالتجارة الدولية، فنجد ان واردات القمح في اليمن من الحبوب تراجعت بنسبة ٥٠ في المائية الى ما يقارب ٨٥٢ مليون دولار أمريكي خلال عام ٢٠١٩، بعد ان كانت بمعدل ١٦٠٠مليون دولار قبل العدوان حسب الرسم البياني (اخر تحديث في مارس ٢٠٢١) ، اما واردات اليمن من منتجات المطاحن والشعير والنشويات والكولين والقمح الغلوتين فقد توقفت بشكل شبة تام في ٢٠١٦ و ٢٠١٧ بسبب قرار حكومة هادي في ٢٠١٨ بإغلاق ميناء الحديدة وتحويل خطوط الشحن التجاري إلى ميناء عدن الخاضع لسيطرتها.
وبعدها بدأت الواردات تصل الى اليمن وارتفعت قيمتها الى ما يقارب ١٣١ مليون دولار في عام ٢٠١٩. اما فيما يخص السكر فقد تراجعت واردات اليمن من السكريات وحلويات السكر الى ما يقارب ٢٦٣مليون دولار أمريكي خلال عام ٢٠١٩، بعد ان كانت بحدود ٦٥٠ مليون دولار في ٢٠١٤م. وفقا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية COMTRADE.
إن من اهم الصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص من مستوردي الأغذية على الاستيراد هي الحصول على النقد الأجنبي، (علما ان متوسط مساهمة القطاع الخاص في تكوين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الفترة ٢٠١٥-٢٠٢٠ تبلغ ٧٠٪) (وزارة التخطيط). حيث يشكل توافرها المحدود وارتفاع التكاليف أكثر التحديات إلحاحاً. وأشار الدكتور جغمان ان كل هذا بسبب الحصار الاقتصادي على اليمن، المتمثل بشكل رئيسي بنقل البنك المركزي الى عدن الذي نتج عنه تآكل الثقة في النظام المصرفي وكذا صعوبات في سحب وتحويل أموال البنوك وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الريال بسبب إنزال إصدارات جديدة من العملة تم طباعتها بدون غطاء خارجي الامر الذي سرع من انهيار سعر العملة اليمنية وجعلها تفقد أكثر من ثلثي قيمتها بحسب الخبراء الاقتصاديين.
كما تسبب الحصار على الموانئ الرئيسية في البلاد الى ارتفاع مستوى التكاليف والمخاطر الذي انعكس سلباً على البورصات النقدية باعتبارها المزود الرئيسي للتمويل. وأخيراً، يواجه مستوردو الأغذية تحديات لوجستية تشمل تعطيل الوصول إلى الموانئ الرئيسية مثل الحديدة وعدن وارتفاع التكاليف بسبب التأخير في الحصول على تصاريح للشحنات الواردة. وهنا نقول أن التكاليف الباهظة لنقل البضائع داخل اليمن إحدى أكبر آثار الحرب الاقتصادية، حيث إن تكلفة الرسوم الجمركية والضريبة المفروضة رسميا على البضائع أصبحت مضاعفة نتيجة الازدواج الجمركي والضريبي الذي تفرضه السلطتان في صنعاء وعدن.
وفي دراسة لغرفة صنعاء والاتحاد العام للغرف التجارية، بالاستناد إلى بيانات التجار المستوردين اتضح أن المدفوعات النقدية التي يدفعها المستوردون والذين تأتي بضائعهم عبر ميناء عدن ويتم نقلها إلى مخازنهم في صنعاء تصل لحوالي 180 مليار ريال (300 مليون دولار) في العام. وتشير الدراسة إلى أن نقل الحاويات من ميناء عدن إلى صنعاء مرتفع جدا ويعتبر الأغلى عالميا، حيث يكلف نقل الحاوية الواحدة أكثر من 3 آلاف دولار حاليا مقارنة بـ 500 دولار للحاوية عام 2017، فيما لا تتجاوز تكلفة نقلها من ميناء الحديدة إلى صنعاء 600 دولار فقط.
في ظل كل هذه المعاناة خرج فريق الخبراء البنك المركزي بتقرير يوضح تسهيل عملية اختلاس مبلغ 423 مليون دولار أمريكي من الوديعة البالغة ملياري دولار أمريكي قدمتها السعودية للبنك أوائل عام 2018 لتمويل واردات السلع الأساسية والمساعدة في استقرار سعر صرف الريال اليمني. أكد تقرير فريق الخبراء أن البنك سهّل خلال الفترة من يوليو/ حزيران 2018 إلى أوائل أغسطس/ آب 2020 الوصول إلى الأموال المسحوبة من الوديعة السعودية من خلال آلية تمويل قدمت للتجار سعر صرف أفضل من سعر صرف السوق عبر خطابات الاعتماد المستندية لتمويل شراء واستيراد البضائع من الخارج. قال فريق الخبراء إن من بين أولئك التجار مجموعة هائل سعيد أنعم -أكبر مجموعة تجارية في اليمن- والتي تلقّت مبلغ 194.2 مليون دولار أمريكي من الأموال غير القانونية، أي ما يقرب من نصف إجمالي المبلغ المختلس بحسب زعم فريق الخبراء.
ونجد ان واردات المواد الغذائية الأساسية على مستوى اليمن كاملاً يتحكم فيها مجموعة من كبار التجار حسب الكشف المرفق وبشكل رئيسي واردات الدقيق، الأرز والقمح والسكر والحليب وزيت الطهي. وبهذه السيطرة يتحكمون على كافة سلسلة التوريدات ويعظمون الأرباح لهم من خلال تعاونهم مع فاسدين في أجهزة الحكومة ويحصلون على تسهيلات كبرى من المعنيين في حكومة هادي وهنا يجب على الحكومة العمل على إيقاف الاحتكار وفتح السوق والعمل على صياغة تشريعات معينة تقلل من سيطرتهم على السوق وتشجيع صغار التجار ليتمكنوا من الاستيراد والمنافسة في السوق التي سوف يستفيد منها المواطن بشكل رئيسي.
وهنا يمكننا القول.. ان الحلول بشكل عام تتمثل في وقف العدوان رفع الحصار عن اليمن والتي يمكن ان تفصل الى ما يلي:
• رفع يد الوصاية عن اليمن ودعم الجهود الرامية إلى وقف المنافسة النقدية والمالية والاقتصادية وتحجيمها
• توحيد إدارة المالية العامة للدولة والسياسية النقدية تحت إدارة مشتركة للبنك المركزي لممارسة اعماله وخلق حلول عاجلة لمعالجة العقبات المالية الحالية التي تؤثر سلبا على سلاسل الإمداد بالأغذية وأسعار الأغذية للمستهلكين/تشوهها
• ضمان حصول البنك المركزي اليمني صنعاء على احتياطيات جديدة من العملات الأجنبية لمواصلة إصدار خطابات الاعتماد. وعلى الرغم من التساؤلات حول هذه العملية، يبدو أن إعادة تقديم خطابات الاعتماد في أواخر عام ٢٠١٨ كان فعالاً في تثبيت الريال اليمني. وبدون مصادر جديدة للنقد الأجنبي، من المرجح أن يشهد الريال المزيد من الانخفاض، مما يرفع بشكل كبير تكلفة الغذاء في البلاد.
• مساعدة المصارف اليمنية على الحصول على العملات الأجنبية المجمدة في الخارج، لا سيما إذا كانت مخصصة للواردات الغذائية الأساسية، وتحسين إعادة إدماج المصارف والتجار اليمنيين في أنظمة التمويل الدولية.
• استعادة السيولة في النظام المالي ضرورة لخفض تكاليف المعاملات ومخاطر المدفوعات ليس فقط بالنسبة لسلسلة القيمة الغذائية، ولكن للاقتصاد بأكمله.
• رفع القيود عن الاستيراد وإلغاء التصاريح الأممية وتسهيل مرور السفن في الممرات البحرية والدخول للمياه الإقليمية اليمنية وللموانئ اليمنية بدون قيد او شرط.
• تعزيز القدرة الشرائية للمواطن وذلك من خلال استعادة صرف المرتبات ودعم الاقتصاد الوطني والمجتمعي.
• تبني نهج الاكتفاء الذاتي والبدء في زراعة القمح والحبوب ودعم مشاريع الصناعات الغذائية بما يحقق الاكتفاء الذاتي وتقليل فاتورة الاستيراد
• رفع الحصار عن المشتقات النفطية كون الوقود هو المحرك الأكبر لمدخلات التكلفة المحلية في سلسلة الإمداد الغذائي، فإن منع حدوث طفرات غير منتظمة في أسعار الوقود، ويهدف إلى خفض السعر الرسمي للوقود لخفض تكاليف نقل الأغذية وإنتاج الأغذية المحلية.
• وقف العدوان والذي سينعكس بانخفاض تكاليف التأمين على مخاطر العدوان بالنسبة لمستوردي الأغذية.
الثورة / تحليل/ د. عبدالغني جغمان