الناخبون اللبنانيون يختارون غداً أعضاء برلمانهم الجديد
أفق نيوز //
في ظل أوضاع صعبة يعانيها لبنان على الصعيدين الاقتصادي والمالي وفي ظل غياب بعض الخدمات الأساسية.. يتوجه غداً الأحد أكثر من 3.9 مليون ناخب لبناني إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء برلمانهم الجديد في المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية الجديدة.
وبحسب أحدث الإحصاءات يبلغ عدد الناخبين في لبنان 3 ملايين و967 ألفا و507 ناخبين، فيما بلغ عدد المرشحين للانتخابات النيابية 1043 مرشحا منهم 155 مرشحة يتنافسون في 15 دائرة انتخابية يقترع فيها الناخبون لاختيار 128 نائبا يتكون منهم البرلمان.
وكانت المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية اللبنانية قد أجريت يومي الـ6 والـ8 من شهر مايو الجاري للمغتربين اللبنانيين في 58 دولة حول العالم وبلغت نسبة الاقتراع 60 في المائة من 225 ألف ناخب مسجلين للمشاركة.
واستنفرت كل المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية فرقها وطواقمها لمواكبة الانتخابات البرلمانية مع المحافظة على “الصمت الانتخابي” بالنسبة للمرشحين واللوائح الذي يفرضه القانون عشية الانتخابات وخلالها.
واستكملت وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية تحضيراتها اللوجستية والادارية لإجراء الانتخابات واتخذت إجراءات ميدانية لمنع حدوث أي معوقات منها إيقاف العمل برخص الأسلحة على كافة الأراضي اللبنانية ومنع المواكب السيارة قبل يومين من إجراء الانتخابات وخلال العملية الانتخابية وتأمين الكهرباء والمولدات الكهربائية لمراكز الانتخاب طيلة فترة الاقتراع وفرز الأصوات.
كما شكل المجلس الأعلى للدفاع اللبناني الذي اجتمع برئاسة الرئيس اللبناني ميشال عون غرفة عمليات في وزارة الداخلية لمواكبة العملية الانتخابية.. مؤكدا “على دور هيئة الإشراف على الانتخابات وعلى أهمية تنفيذ مهامها”.
وقالت هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية اللبنانية: إنها أكملت الاستعدادات اللازمة للانتخابات البرلمانية المرتقبة.. مضيفة: إن بعثات دولية وعربية ستشارك في الإشراف على عملية التصويت.
بدوره أكد رئيس الهيئة القاضي نديم عبد الملك الجمعة، أن جميع البعثات الأجنبية القادمة الى لبنان لمراقبة الانتخابات تنسق مع هيئة الإشراف اللبنانية وتعقد اجتماعات معها وأبرزها بعثة الاتحاد الاوروبي وبعثة منظمة الدول الفرنكوفونية وبعثة من جامعة الدول العربية وبعثة المعهد الوطني الديمقراطي (إن.دي.آي) وهو منظمة أمريكية غير حزبية أو ربحية.
ولفت إلى أن لبنان عقد اتفاقية ادارية مع الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات وقعها كل من وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسام المولوي وسفير الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف ورئيس هيئة الاشراف على الانتخابات.
وقال: “إن خبراء ومحللين ومراقبين من الاتحاد الأوروبي بلغ عددهم 300 شخص قدموا الى لبنان بناء على الاتفاقية ويتابعون الانتخابات النيابية في كل الدوائر وسيقدمون في نهايتها تقريرهم ويصدرون التوصيات بالتنسيق مع هيئة الإشراف على الانتخابات”.
وأشار إلى “أن دور الهيئة منصوص عليه بقانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44 /2017 وتشمل المادة 19 من القانون مراقبة الإعلام والإعلان الانتخابيين ومراقبة الإنفاق والتمويل والمحافظة على مبدأ العدالة والمساواة في الظهور الإعلامي وتطبيق مبدأ المنافسة المشروعة في الانتخابات بين اللوائح والمرشحين”.
وكان قائد الجيش اللبناني جوزاف عون قد أكد في بيان له مع انطلاق المرحلة الأولى من الانتخابات أن الجيش اللبناني جاهز من الناحية العملية والامنية لمهمة انجاز الانتخابات النيابية وأنه على مسافة واحدة من الجميع وما يعنيه هو إتمام العملية الانتخابية بنجاح وديمقراطية.
في السياق ذاته أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، خلال المهرجان الانتخابي في البقاع الليلة الماضية، أنّه “لا بد من الدولة العادلة والقادرة، من أجل معالجة مشاكل المنطقة، في مختلف الملفات التي يواجهها الناس”.
وقال السيد حسن نصر الله: إن “البقاع وأهله كانوا دائماً جزءاً أساسياً من المـقاومة، تأسيساً وجبهةً وحضوراً في الميدان، وإسناداً ودعماً.. وفي أرضه حدثت المواجهة الأهم عام 1982، والتي أوقفت تقدم العـدو الإسرائيلي”.
وأضاف: إن “معركة السلطان يعقوب ومعركة المديرج أعطتا رسالة واضحة إلى الاحتلال، مفادها أنه خلال أيام قليلة بدأت عمليات المقاومة، بحيث تفاجأ باستنفار أهل البقاع.. وبالفعل، فإن الاجتياح توقّف”.
وذكّر السيد نصر الله، في السياق، بالأعوام الأولى للمقاومة، منذ عام 1982، بحيث كانت العمليات تحدث في المناطق المحتلة، بينما “كان يحدث رد الفعل الإسرائيلي في البقاع”.. لافتاً إلى أنّ “القصف الإسرائيلي لم يكن فقط للانتقام من عمليات المقاومة، بل كان سياسةً إسرائيليةً متَّبَعةً دائماً من أجل الضغط على الناس، وهدفه أن يقول لأهل البقاع: أَخْرِجوا المقاومة من بلداتكم”.
وتابع: “يريدون من أهل البقاع التخلي عن المقاومة وسلاحها، عبر القصف، سياسياً ومالياً وإعلامياً”، لكنّ “العمليات انطلقت من البقاع إلى البقاع الغربي، وسقط شهداء قادة إلى أن تحرر البقاع، ومع ذلك لم تتوقف العمليات في جبهة البقاع الغربي”.
وخاطب أهل البقاع قائلاً: “أنتم حزب الله وأنتم المقاومة، ولا يصح أن نقول أنتم مع المقاومة، لأنّكم خلال 40 عاماً لم تبخلوا بدمٍ ولا بعزيز ولا بشيء، وكانت المقاومة خياركم وعزمكم وبصيرتكم”، مؤكداً أنّ “هناك من يتآمر على تضحياتكم وعلى انتصاراتكم، ويجب أن يكون جوابكم في هذا المستوى أيضاً”.
وفيما يتعلّق بملف الإنماء في المناطق اللبنانية، قال الأمين العام لحزب الله: إنّه “في كل مكان حضرنا فيه بقوة، استطعنا أن نكون فيه أكثر في خدمة الناس”.. مضيفاً: “نحن إذا تولّينا مسؤولية وزارة لا نأخذ منها مالاً، بل ننفق فيها مالاً”.
وأوضح في السياق ذاته، أنّه “لا بد من الدولة العادلة والقادرة من أجل معالجة مشاكل المنطقة، وتطويرها في مختلف الملفات التي يواجهها الناس”.. واعداً اللبنانيين بمشروع استراتيجي لكل البقاع، و”هو مشروع النفق الذي يصل بيروت بالبقاع”.
وبشأن الحملات الانتخابية التي جرت، قال السيد نصر الله: “إننا سمعنا، في الحملات الانتخابية، كثيراً من الأمور المضحكة، وشهدنا حالة عجيبة من بث الكراهية والضغينة في لبنان”.
ورأى أنّ ذلك “يؤشر على مستوى الخفة والانحطاط، أخلاقياً وفكرياً، عند بعض من يقدّمون أنفسهم قادةً، ويريدون حل الأزمات”.
وتابع: إن “أحدهم مسؤول عن اختفاء 11 مليار دولار، وعن السياسات الاقتصادية التي أدت إلى الأزمات الحالية، ويقول إن طريق الإنقاذ يبدأ من تحرير الدولة من حزب الله”.
ووفق السيد نصر الله، فإن “هناك استغباءً للناس، عبر التخويف من حزب الله بطرائق سخيفة”.. مؤكّداً أنّ “سلاح المقاومة لم يمنع أحداً من إصلاح الكهرباء وبناء السدود، ولم يقرر السياسات المالية المفجعة خلال العقود الماضية”.
واختتم السيد نصر الله خطابه بالقول: “الاقتراع في يوم الانتخاب هو رسالة إلى كل المتآمرين على المقاومة وسلاحها ومستقبل اللبنانيين”.
وفي انتخابات 2018 كانت الأحزاب التقليدية تمسك بنسبة عالية بزمام المعركة الانتخابية في الخارج، أما في انتخابات 2022 فقد دخلت قوى جديدة على خط مخاطبة المغتربين.
وتتجه أنظار جميع القوى السياسية التقليدية والمنبثقة عن المجتمع المدني نحو نتائج انتخابات المغتربين التي تُعقد للمرة الثانية في لبنان بعد دورة انتخابات 2018، نظرا لقدرة أصواتهم على التأثير في نتائج الانتخابات، وهو ما تجلى في الاستقطاب السياسي بين مختلف القوى، إذ يسعى كل منها لجذب أكبر قدر من المغتربين لمصلحته.
ويبلغ عدد الناخبين اللبنانيين المغتربين المسجلين في الخارج أكثر من 225 ألف و114 ناخباً وناخبة، وهو أعلى بنحو 3 أضعاف من أعداد أولئك المغتربين المسجلين بانتخابات 2018، حين بلغوا نحو 92 ألف ناخب فقط.
وينتشر هؤلاء الناخبون المسجلون في 58 دولة في القارات الست، لكنهم يشكلون نسبة 25 في المائة من إجمالي اللبنانيين المقيمين في الخارج الذين يحق لهم الاقتراع، وتقدّر أعدادهم بنحو 970 ألفا، حسب مركز “الدولية للمعلومات”.
وبالتوازي مع ذلك تواجه انتخابات المغتربين عقبات مالية كثيرة قال مصدر بوزارة الخارجية أنه بعد أن طلبت الخارجية من الحكومة رصد ميزانية تقدّر بـ4.5 ملايين دولار لإنجاز انتخابات المغتربين، خصصت لها فقط 3 ملايين دولار، نتيجة العجز وسوء الأوضاع النقدية، وهي أقل بكثير من ميزانية انتخابات 2018.
ودعا الواقع المادي إلى التقشف بانتخابات المغتربين، فاستعانت وزارة الخارجية بمعظم المراكز المجانية في الخارج، كاستعمال المساجد والكنائس والمدارس والمراكز المجانية حسب كل بلد.
ومع ذلك، تواجه الانتخابات مشكلة عدم تحويل كل الأموال المخصصة إلى البعثات الخارجية، بسبب العقبات المصرفية.. ولتخطي هذه المشكلة، “سمحت وزارة الخارجية للبعثات باستعمال أموال مرصودة لها من واردات القنصليات لتغطية نفقات الانتخابات إلى حين تحويل الأموال”.
وتتميز انتخابات المغتربين اللبنانيين في 2022 بالعدد الكبير للمسجلين مقارنة مع 2018، لكنه يعكس تنامي موجة الهجرة في لبنان بعد حراك 17 أكتوبر 2019 والانهيار الاقتصادي.
وتعتبر هذه هي أول انتخابات تُجرى منذ الاحتجاجات الجماهيرية ضد النخبة الحاكمة في البلاد في عام 2019 والانفجار الدامي الذي شهده ميناء بيروت في عام 2020، وهما حدثان عززا الدعوات للتغيير السياسي.
وقد دفع ذلك بعض النشطاء الشباب إلى مطالبة الناخبين “بالانتقام” في صناديق الاقتراع من جيل السياسيين الذين يرون أنهم مسؤولون عن إقحام البلاد في أزمتها الحالية.
ويقول البنك الدولي: إن الأزمة الاقتصادية في لبنان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم التي مرت بها أي دولة منذ خمسينيات القرن الـ19.. ويعاني لبنان اقتصاديا حتى قبل أن تؤدي أزمة الوقود إلى نقص المواد الأساسية مثل الخبز وحتى قبل الوباء، كان الاقتصاد اللبناني يتجه نحو الانهيار.
ويذكر أن ما يقارب ثلث السكان كانوا يعيشون تحت خط الفقر، وكانت البطالة عند 25 في المائة بينما تكافح البلاد مع انخفاض النمو وارتفاع التضخم، وذلك بحسب تقييم صادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر من عام 2019.. وكانت الحكومة تعاني من مستويات عالية من الديون مع قليل من الموارد للاستثمار في الخدمات العامة.. وكان كثير من الناس يشعرون بالغضب والإحباط بشكل متزايد من فشل الحكومة في توفير حتى الخدمات الأساسية.
ويشار إلى أن خطة لزيادة الضرائب على الوقود والخدمات الصوتية المستندة إلى الإنترنت مثل واتساب في أكتوبر من عام 2019 أدت إلى احتجاجات جماهيرية ضد سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والنخبة السياسية التقليدية.. ما أسفر ذلك إلى استقالة الحكومة.
وزاد الوباء الأمور سوءا من خلال إجبار الاقتصاد على الإغلاق وتسبب في انخفاض السياحة بنسبة 70 في المائة، وذلك وفقا لاتحاد شركات السفر والسياحة في البلاد.. وبحلول الوقت الذي أُعيد فيه فتح الاقتصاد في عام 2021، أدى ضعف العملة إلى ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء والوقود والأدوية ما تسبب في حدوث تضخم ونقص حاد في السلع.
وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبنان قد انخفض من حوالي 52 مليار دولار في عام 2019 إلى 21.8 مليار دولار في عام 2021م، وهو انخفاض بنسبة 60 في المائة.
ويصف اقتصاديون بالبنك الدولي هذا الوضع في تقرير اقتصادي نُشر في عام 2021 بالقول: “مثل هذا الانكماش الوحشي يرتبط عادة بالصراعات أو الحروب”.
ويُقدر أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 6.8 مليون شخص، بما في ذلك مليون لاجئ سوري، يعيشون تحت خط الفقر.
ويقول الخبراء إن إحدى المشاكل التي تواجه السياسة اللبنانية هي نظامها السياسي القائم على الطائفية السياسية، وذلك يعني أنه يتم تخصيص نسبة من المقاعد للطوائف الدينية المختلفة وفقا لتمثيلها الديموغرافي.. وقد أدى هذا النظام المصمم لتخفيف الخلافات الطائفية إلى شبكة من المحسوبية والفساد، وذلك بحسب منظمة الشفافية الدولية.
وتعترف لبنان رسميا بـ18 طائفة دينية، وهي 4 طوائف مسلمة و12 طائفة مسيحية والدروز واليهود.. وتُقسم مقاعد البرلمان الـ 128 بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين (بما في ذلك الدروز).
وتوزع المكاتب السياسية الرئيسية الثلاثة، وهي مكاتب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء، بين أكبر 3 طوائف (مسيحي ماروني ومسلم شيعي ومسلم سني على التوالي) بموجب اتفاق يعود تاريخه إلى عام 1943.. ومنذ نهاية الحرب الأهلية، حافظ القادة السياسيون من كل طائفة على سلطتهم ونفوذهم من خلال شبكات لحماية مصالح الطوائف الدينية التي يمثلونها.