المبادرات المجتمعية.. سلاح الشعب في مواجهة العدوان
أفق نيوز../
تُعتبَرُ المبادراتُ المجتمعية رافداً هاماً في النهوض بالمجتمع ورقيه، إذ أنها تحيي الروحَ التعاونيةَ في أوساط المجتمع وتجسِّدُ تماسُكَه، وتلاحُمَ فئاته وطبقاته ناهيك عن دورها الأَسَاسي في سَدِّ ثغرات قد لا يكونُ بوسع المؤسّسات الرسمية القيام بها نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي نجمت عن العدوان والحصار.
ويؤكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في العديد من الخطابات على ضرورة تفعيل المبادرات المجتمعية وإنشاء الجمعيات التعاونية والتي تسهم في تنشيط أبناء المجتمع وجعلهم رافداً أَسَاسياً في النهوض بالدولة ومواجهة التحديات التي تتطلبها المرحلة.
وعلى مدى السنوات السبع الماضية كان لليمنيين دورٌ ملموسٌ في التكافل، فكانت قوافل العطاء والمدد للجبهات تتواصل دون توقف، وكان السخاء سيد الموقف، ويمكن القول إنه لولا هذه الملحمة الشعبيّة الكبرى لما تحقّقت الانتصارات العسكرية في الجبهات، ولما صمدنا طيلة هذه المدة.
ويمضي اليمنيون في تأسيس المبادرات المجتمعية على قدم وساق رغم كُـلّ التحديات التي يمر بها الشعب اليمني من حصار وعدوان أمريكي سعوديّ غاشم، ومن بينها الاستمرار في شق الطرقات وتوسعتها رغم ما يمر به المجتمع من مصاعب جمة جراء العدوان، كما نشطت الكثير من المبادرات في الجانب الزراعي في إطار حشد الجهود لدعم الجبهة الزراعية، حَيثُ أسهمت تلك المبادرات في التنمية المجتمعية كمشروع الحراثة المجتمعية وإصلاح الحواجز والكرفانات وغيرها، كما أن المسؤولين لا يتوقفون يوماً واحد عن حَـلّ قضايا الناس، ومعالجة مشاكل الثأر التي تم توارثها من النظام السابق في مختلف محافظات الجمهورية.
ويحرص المسؤولون على ردمِ كُـلّ هذه الفجوات، بمباركة القيادة السياسية والثورية؛ ولذا فقد تم حَـلُّ المئات من قضايا الثأر، وتم العفو لوجه الله في كثير من هذه القضايا، في مشاهد تجسد ملامح الأخوة والترابط بين اليمنيين.
ويشيرُ قائدُ الثورة إلى أن المبادرات الاجتماعية هي طريقةٌ ناجحة، يجب أن تتعزز، وأن تتقوى، وأن تتوسع، وأن تنظم بشكلٍ أفضل، وأن تدعم بشكلٍ أقوى، وأن يلتفت الجميع على ضوء مبدأ التعاون، لأهميته الكبيرة، ونتيجته المهمة.
ويزيد قائلاً: على مستوى الجانب الاجتماعي في المشاكل الاجتماعية، التعاون لا بُـدَّ منه، التعاون مثمر في حَـلّ المشاكل الاجتماعية، التعاون أَيْـضاً على تقوى الله “سبحانه وتعالى” في الحد من الظواهر السلبية، والسلوكيات التي قد تكون أحياناً؛ بهَدفِ إفساد المجتمع، عندما يكون هناك وعي مجتمعي لنبذها، لمحاربتها، لمنعها، للحد منها، بتعاون من أبناء المجتمع، بتفاهم من أبناء المجتمع، هذا تحصين للمجتمع من الاختراق المعادي، لافتاً إلى أن مجتمعنا المسلم في هذا العصر مستهدف، في أخلاقه، في قيمه، في عفته، في طهارته، في صلاحه، مستهدف بشكلٍ كبير، والاستهداف عبر مختلف الوسائل، بما فيها الإنترنت، بما فيها مواقع التواصل، بما فيها وسائل كثيرة جِـدًّا، فإذا كان المجتمع نفسه مجتمعاً يتعاون على البر والتقوى، فهو سيحد بتعاونه وتفاهمه من الفساد، ومن الظواهر السلبية، وَسَيُحَصِّن نفسه بهذه الطريقة.
ويرى أنه أَيْـضاً بالحفاظ على القيم الأصيلة في المجتمع، والعادات الحسنة في المجتمع، ولدى مجتمعنا -بحمد الله- موروث عظيم من القيم الأصيلة، التي هي قِيَمٌ قَبَلية إسلامية فطرية، إذَا حافظ عليها المجتمع تصونه، تحصنه، تحميه من الاختراق، تحافظ على هُــوِيَّته، على قوته، على تماسكه، على انتمائه الإيمَـاني.
نماذجُ فريدة
وبناءً على توجيهات القيادة الثورية والسياسية، برزت العديد من المؤسّسات المدنية الناشطة في تفعيل الشباب وتنمية المجتمع، ومن أبرز تلك المؤسّسات “مؤسّسة بنيان التنموية” والتي حملت على عاتقها مسؤولية تنشيط الشباب وتفعليهم ضمن مبادرات تعاونية وجمعيات تعمل على النهوض بالمجتمع، ورقيه وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وذلك من خلال العمل الطوعي.
ويؤكّـد حمزة المنسكي -مسؤول المبادرات المجتمعية- أن المبادرات المجتمعية تسهم إلى حَــدٍّ كبير في تنمية المجتمع وتوفير احتياجاته من التعليم والصحة وغيرها من الخدمات التي يحتاجها الإنسان بأقل الإمْكَانيات، موضحًا دورها في تخفيف العبء على الدولة.
ويرى المنسكي في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن المبادراتِ المجتمعيةَ والعملَ الطوعي تحيي القيمَ الإنسانية وتجسد الإيمَـان الحقيقي للمجتمع المسلم، مُشيراً إلى أن الأعمال الخيرية تجعل المجتمع متماسكاً ومتكافلاً وقادراً على مواجهة التحديات والصعاب.
ويلفت إلى أن مؤسّسة بنيان عملت على تنفيذ العديد من الأنشطة التنموية والخدمية وذلك من خلال إطلاق العديد من المبادرات الشبابية كمبادرة إصلاح وتكافل ونماء وغيرها.
ويدعو المنسكي كافةَ الشعب اليمني إلى الانخراط في الجمعيات التعاونية، وُصُـولاً إلى تحقيق أطر إنتاجية وتسويقية قادرة على تحقيق نهضة زراعية شاملة تحقّق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، الذي بموجبه يصبح اليمن بلداً حراً يمتلك قراره.
من جهته، يوضح الفارس التنموي مجاهد إسماعيل من مديرية الرجم بمحافظة المحويت، أن انطلاقته في العمل كانت امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى “إن الله يحب المحسنين”، طامعاً في نيل ثواب الله وإحسانه على عباده المحسنين في الدنيا والآخرة.
ويؤكّـد إسماعيل لصحيفة “المسيرة” أن العمل الطوعي يسهم في تحفيز المجتمع على النهوض ونحو استغلال الإمْكَانات والقدرات المتاحة وتجميع الإمْكَانيات والقدرات في قوالب مبادرات مجتمعية تنشط في مختلف المجالات التنموية والخدمية اقتدَاء بما قام به ذو القرنين مع قومه، وأُسوةً بما عمله نبيُّ الله يوسف والأنبياء عليهم السلام جميعاً والذين كانوا من المحسنين.
من جهته، يقول الفارس التنموي رشدي محمد صالح الوجيه من محافظة البيضاء: إن ما دفعني للعمل الطوعي هو الظروف التي يمر بها اليمن من عدوان وحصار، وما أحدثته الأنظمة السابقة من تضليل وتجهيل في أوساط المجتمع من خلال تشجيع الاتكالية والاعتماد على هبات ومساعدات الخارج والأيادي المحسنة، ما أَدَّى إلى التقاعس عن العمل التنموي وتحقيق النهوض الاجتماعي والاقتصادي على مستوى واسع، وعدم استغلال ما تملكه اليمن من إمْكَانات طبيعية وكوادر بشرية”.
أهدى الطرق
ويعتبر العمل الطوعي والمبادرات المجتمعية ثورةً خدميةً تنموية واقتصادية تسند الناس وتعينهم على رفع المعاناة وحلحلة مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية وإسداء المشورات وبذل المساعدات اللوجستية في تمكينهم من التعرف على ما لديهم من القدرات والإمْكَانيات ومن ثَــمَّ إرشادهم حول كيفية استغلالها في مشاريع إنتاجية ترفع من المستوى المعيشي حسب ما يفيده الفارس التنموي محمد فؤاد عبده مرسم من محافظة ريمة.
أَمَّا الفارس التنموي راشد سعيد من مديرية حيفان محافظة تعز فيؤكّـد أن انخراطه في العمل الطوعي يأتي من رغبتِه في نشر الوعي بأهميّة المشاركة المجتمعية في التنمية، أملاً أن يوفَّقَ في نقل ما اكتسبه من معرفة وخبرات تلقاها أثناء دراسته بأكاديمية بنيان للتدريب والتأهيل والعمل الميداني إلى أكبر قدر من أفراد المجتمع المحلي، مشيدا بما تبذله مؤسّسة بنيان التنموية في مجال تأهيل المتطوعين بأهميّة العمل الطوعي وفق هدى الله.
ويشيرُ إلى أن دخولَه في العمل الطوعي جعله أكثر جدية في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في خدمة المجتمع والذي يعتبره جاهداً في سبيل الله تعالى.
ويذكر سعيد أن أعمالَ الإحسان بدءاً بإحياء ما اندثر من العادات والأسلاف اليمينة الأصيلة في نجدة الملهوف، والتعاون والتكافل الاجتماعي بإطلاق مبادرات (جايش، غرم، عانةـ فزعة) لإصلاح الخدمات من مجار وحواجز وقنوات السيول، أَو البرك العامة، والطرق، ومساعدة مضطر أَو غارم أَو مسكين أَو ابن سبيل، هذا العادات والأسلاف أياً كانت قد اندثرت بفعل ما أوجدته المنظمات بتواطؤ الأنظمة السابقة من ترهل واتكالية على المساعدات والمعونات، حاثًّا المجتمع على العودة إلى ما كان عليه الآباءُ والأجدادُ في الماضي من تكاتف ونجدة وتعاون وإحياء المبادرات المجتمعية لتعزيز المشاركة المجتمعية في التنمية وتحقيق النهوض والاكتفاء الذاتي في الأولويات الثلاث الغذاء والملبس والدواء.
مشروعُ الشهيد الرئيس
من جهته، يوضح المتطوع بكيل طرموم من محافظة ذمار أنه وانطلاقاً من مشروع الشهيد الرئيس صالح الصماد (يد تحمي، ويد تبني) بدأت مؤسّسة بنيان التنموية خطوات زرع الوعي المجتمعي بأهميّة الزراعة والجانب الاقتصادي بما من شأنه الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من منتجات بلدنا الحبيب التي وصفها سبحانه وتعالى “بلدة طيبة ورب غفور”.
ويذكر أن اليمن في الحرب العالمية الثانية هو البلد الوحيد الذي لم يتضرر في أمنه الغذائي، وإنما كانت اليمن تمثل يد العون التي أمدت بها الكثير من البلدان حول العالم بالحبوب، وفي مقدمتها ألمانيا التي لا زالت تكن لليمن كُـلَّ احترام وتقدير إلى يومنا هذا، وفي ذلك دليل قطعي على أن بلدنا ليس كما جاء في تقارير الفاو والمنظمات الدولية التي زرعت في قلوبنا أن اليمن لا تملك الأراضي الصالحة للزراعة، وأنها تواجهُ خطراً ماحقاً يتمثل في نقصٍ حادٍّ في المخزون المائي.
أمَّا خيرية المحفدي -إحدى المتطوعات العاملات في مركز (ابني) لأطفال التوحد- فتقول: التطوع عمل خيري يقوم به الإنسان مخلصاً من تلقاء نفسه، وبنفس طيبة راضية، صادق النية، لا يرجو الأجر والثواب إلا من القائل سبحانه وتعالى: “وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرٌ وأعظم أجرًا”، “فمن تطوع خيراً فهو خير له”، ويقتدي في ما يعمل بأقوال وأفعال سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وتشير إلى أنها تشعر مع العمل التطوعي براحة وسعادة، منوّهة بأنه لا يقدم على عمل الخير والتطوع في أي مجال إلا من أراد الله به الخير، وهو يوفقه ويرشده إلى أيسر الطرق وأقوم الأعمال.
بدورها، ترى ذكرى محسن أبو لحوم أن التطوع هو تقديم المساعدة والعون والجهد في سبيل تحقيق الخير في المجتمع عُمُـومًا ولأفراده خُصُوصاً، مردفة بالقول: “وأطلق عليه مسمى عمل تطوعي؛ لأَنَّ الإنسان يقوم به طواعية دون إجبار من الآخرين على ما يفعل، فهو إرادَة داخلية وغلبة لسلطة الخير على جانب الشر ودليل على ازدهار المجتمع”.
وتضيف أبو لحوم ننشد من خلال العمل التطوعي تحسين مستوى عيش المواطنين، وتحقيق الأمان الاجتماعي الذي تنشده كُـلّ الحكومات والأمم والشعوب وتقوية الشعور بالمواطنة، ومساعدة أطفال التوحد على إعادة الحياة لهم من خلال المشاركة في تدريبهم وتأهيلهم”.
قيمة إنسانية
من جهته، يؤكّـد أحمد محمد النهمي أن ما يقوم به المتطوعون من بذل مالي أَو عيني أَو بدني أَو فكري هو عمل نابع من قناعة وبدافع ديني وإنساني وبدون أي مقابل.
ويؤمل النهمي من العمل الطوعي هو تحقيق أهداف كثيرة، منها تطوير قدراتي واكتساب مهارات جديدة، وتخفيف معاناة المجتمعات من خلال العمل الطوعي الذي نستطيع به أن نعيدَ الأمل لأطفال التوحد وإخراجهم من عالمهم الذي يعيشون فيه إلى عالم فيه أمل وتفاؤل بتطوير مستواهم الذهني إلى الأمام.
وتأتي كُـلّ هذه المبادرات كأحد تجليات ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م التي قضت على الوصاية والهيمنة، وحرّرت القرار اليمني من التبعية، فجاءت المبادرات والمشاريع الخيرية في هذا السياق، وهي بذلك تنقل المجتمع اليمني إلى مراحل متقدمة، لا سِـيَّـما إذَا ما استمر العطاء والإخلاص في العمل، واستمرت هذه المبادرات المجتمعية بوتيرة عالية تنفيذاً لتوجيهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- وإيمَـاناً بأن اليمن لا يُنبى ولا يستقيم إلا بتعاون أهله على البر والتقوى، والتعاوُنُ في كُـلّ ما هو جميل، وهو بذلك أحد الأسلحة التي يتم من خلالها مواجهةُ العدوان الأمريكي السعوديّ، وإظهار أن الشعب اليمني صابرٌ صامد لا يمكن أن ينكسر على الإطلاق، مهما تكالب عليها الأعداء، ومهما توحد الأعداء في خندق واحد؛ بهَدفِ هزيمته وتركيعه.
(صحيفة المسيرة)