من بين الخراب والدمار والعدوان والحصار تتجدد وتتجلى محبة الرسول الأعظم في قلوب اليمنيين بروح الصمود والمقاومة والاقتداء والمحبة والثبات والابتهاج من خلال أعمالهم التي تحيي وتزين القرى والمدن والفيافي والجبال بحلل المحبة والطاعة لاستقبال المولد النبوي المبارك استقبالاً يليق بصاحبه سيد العالمين.
هذا اليمن وهؤلاء اليمنيون أهل عهد وأهل إيمان وأهل محبه، باركهم الرحمن وأثنى عليهم رسول الهداية والمحبة، خاتم الأنبياء و المرسلين، حلت بنا هذه الأيامُ ذكرى مولد الرسول الهادي والنبي المختار صلى الله عليه واله وسلم، تلك الذكرى المباركة التي تُذكِّرنا بميلاد هذا الإنسان العظيم الذي غيَّرَ مجرى التاريخ، وحقق العدلَ والرحمةَ في المجتمع الذي عانى الظلم والاستبداد والجَوْر وشتى الأمراض الخُلقية ردحاً من الزمان قبل بعثته، وأزال الجهل ونشر العلمَ ورسَّخ الإيمانَ في نفوس الناس وقضى على العصبيات والقوميات، وأنقذ أجيالا من الجاهلية ومن براثنها، وقاد البشرية نحو العزة والسؤدد، حتى أصبحت أمتُه خير أمة أخرجت للناس، ملَكَتْ أزمِّة القيادة، ونالت درجات الريادة، وضربت للعالم أروع الأمثلة في كل المجالات، هَزمَت الكفار، وفتحت الأمصار وغرست منهج الله في النفوس ومكنَتْ له في الأرض.
أن المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشرى جميعه؛ فلقد عَبَّر القرآن الكريم عن وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه “رحمة للعالمين”، وهذه الرحمة لم تكن محدودة؛ فهي تشمل تربيةَ البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان؛ بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِم{.
إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلّم هو من قبيل الاحتفاء به، والاحتفاءُ به صلى الله عليه وآله وسلّم أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامته الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فَعَرَّفَ الوجودَ بأسره، وباسمه وبمَبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكونُ كله في سرور دائم وفرحٍ مُطلق بنور الله، وفَرَجِه ونِعمته على العالمين وحجَّته.
اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى كل من ذكر النبي محمدا بالصلاة والتسليم والذكرى الإيمانية.