أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الأمن الغذائي في الإسلام.. حتى لا يتحوَّل رغيف الخبز إلى ورقة ضغط على الأمة!

287

أفق نيوز../

 

بدأت بلادنا بالتحرك الجاد والفاعل في مجال استثمار القدرات المحلية والاستفادة من خصوبة الأرض في تحقيق الاكتفاء الذاتي بما يحد من فاتورة الاستيراد الباهظة.

 

وقد حث الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي على أهمية الاهتمام بالأمن الغذائي وضرورة الاعتماد على الذات وعدم الخضوع لشروط الاستكبار العالمي الذي يحتكر الغذاء.

 

وفي ظل ما تشهده الساحة الدولية من تداعيات خطيرة سببها الحرب الروسية- الأوكرانية حيث هناك مؤشرات تدل على أزمة غذاء على المستوى العالمي.

 

وفي ذات المسار أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي خلال لقائه بأبناء محافظة ذمار.. على ضرورة أن يكون هناك اهتمام كبير بالزراعة والثروة الحيوانية وهذا يتطلب نشاطا متنوعا وواسعا في هذا الجانب.

 

ويواصل الباحث في هذه الحلقة مناقشة خطورة الفجوة الغذائية في البلدان العربية والإسلامية، كما يشير الباحث إلى أن العالم الإسلامي و(الوطن العربي من أهم أجزائه) يمتد في مناطق واسعة وفي مساحة 13.5 مليون كيلو متر مربع، وبذلك يتفوق الوطن العربي من حيث المساحة على قارة أوروبا بكاملها بل ومساحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

 

تتمثل خطورة الفجوة الغذائية التي تواجه البلدان العربية والإسلامية في ثلاثة عوامل رئيسية :

 

– العامل الأول : هو استحالة تأمين البلدان العربية لما تحتاجه من مواد غذائية من مواردها المحلية، في ظل الظروف والمعطيات الحالية.

– العامل الثاني : يكمن في توافر ما تحتاجه الأقطار العربية من غذاء تحت سيطرة بلدان قليلة في العالم، والتي قد تلجأ إلى استخدام الغذاء كسلاح اقتصادي أو سياسي.

 

الشكل يبين الهرم الغذائي

– العامل الثالث : هو ما تشهده أسعار المواد الغذائية من تقلبات كبيرة في الأسواق العالمية، وخاصة ما حدث بداية القرن الحادي والعشرين بقليل، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً جنونياً مما أثر على المخزون الاستراتيجي لكثير من بلدان العالم الإسلامي والعربي، والأسعار حتى الآن لم تصل إلى حد الاستقرار، فهي في تغير مستمر، بل في ارتفاع مستمر، وهو ما يمثل التحدي الأكبر لبلدان العالم الثالث، فهي مطالبة بإيجاد التمويل اللازم لشراء المواد الغذائية وتأمينها مع تأمين المخزون الاستراتيجي داخل الدولة.

 

وإذا أخذنا العامل الأول – نجد أن البلاد العربية – مثلاً – لو أرادت أن تنتج المواد الغذائية الأساسية من مواردها المتاحة، ووفق المعطيات الحالية من انخفاض مستويات الإنتاجية وضعف استعمال تقنيات التكنولوجيا الحديثة، في الإنتاج الزراعي وضعف الحوافز والسياسات الزراعية التي تشجع الإنتاج، فإن إنتاج ما تستهلكه الأقطار العربية من الحبوب فقط يحتاج إلى 44.8 مليون هكتار، وهذه مساحة تزيد بنسبة 15 % عن مجمل المساحة المزروعة سنوياً في جميع البلدان العربية، حيث بلغ مجمل مساحات الأراضي المزروعة بجميع المحاصيل رياً ومطرياً في جميع الأقطار العربية ما مساحته 38 مليون هكتار سنوياً(10).

 

وإذا انتقلنا إلى العامل الثاني … نجد أنه نظراً للعجز الكبير الذي يعانيه الوطن العرب من الحبوب الغذائية، فإن المعونات الخارجية لكثير من الأقطار العربية، من البلدان المتقدمة ( بخاصة أمريكا، ذات الفائض الغذائي الزراعي) تأتي على شكل مساعدات غذائية تعتبر الحبوب في مقدمتها، وقد أخذت هذه الزيادة في الاستمرار، ففي عام 1974 بلغ وزن هذه المعونات نحو 1.1 مليون طن متري، وصلت في عام 1987 إلى 3.4 مليون طن متري وفي ذلك العام 1987 حصلت مصر وحدها على نحو 13 % من مجموعات تلك المعونات، وقد كان من نتيجة ذلك زيادة واردات الوطن العربي الغذائية من الأقطار الخارجية، مما أدى إلى انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي للبلدان العربية من الغذاء حتى وصلت في مجملها عام 1987 إلى نحو 60 % فقط، وهذا الوضع يحمل الكثير من المخاطر للأقطار العربية، فزيادة اعتماد البلاد العربية على المعونات الأجنبية، أو على تحقيق الاكتفاء من العالم الخارجي يؤدي إلى وقوع الوطن العربي تحت النفوذ والضغوط الأجنبية .. فعن طريق رغيف الخبز تستطيع هذه الدول ممارسة الضغط أكثر من استعمالها لـ أي وسيلة أخرى.

 

العامل الثالث : نجد أن التاريخ الحديث لأسعار الغذاء العالمية قد شهد تذبذباً كبيراً، ففي منتصف السبعينيات من القرن العشرين وصل ثمن الطن من القمح إلى حوالي 250 دولاراً، بعد أن كان 70 دولاراً في نهاية الستينات من نفس القرن، ثم واصل الارتفاع في عقد الثمانيات، ثم استقر نوعاً ما في التسعينيات، ثم ارتفع كثيراً في الألفية الثالثة ( القرن الحادي والعشرين الحالي) حتى وصل سعر الطن من القمح في الأسواق العالمية إلى 300 دولار في عام 2003.مع الارتفاع المستمر في سعر الدولار نفسه – مما يدل على أن أسعار المنتجات الغذائية في الأسواق العالمية لا توحي بالأمن والاطمئنان.

 

ومن ثم، فقد اضطرت معظم الدول إلى استيراد المواد الغذائية التي تنقصها من الخارج بالأسعار الجارية، وفي نفس الوقت طرح هذه المواد في السوق الداخلي المحلي بأسعار تتناسب وذوي الدخل المحدود من السكان، وفي معظم الأحيان كانت تلك الأسعار منافسة للمنتج المحلي، مما اضطر معظم المنتجين إلى الابتعاد عن إنتاج السلع التي تستوردها الدولة وتطرحها بأسعار لا يستطيع معها المنتج المحلي منافسة تلك الواردات، وكان على رأس هذه السلع المستوردة : معظم المنتجات الغذائية الأساسية وإعادة تقديمها للمستهلك بأسعار تتناسب ودخله(11).

 

جوانب الأزمة الغذائية :

 

للتعرف على العوامل التي أدت بالأقطار العربية إلى حدوث الأزمة الغذائية التي تعاني منها الآن نستطيع التمييز بين جانبين رئيسيين لهذه الأزمة، ومن ثم التمييز بين مجموعتين رئيسيتين من العوامل :

1.الجانب الأول : الاستهلاك العربي من الغذاء :

لدراسة مدى العجز، أو الإسراف، في الاستهلاك العربي من الغذاء فإن حجم هذا الاستهلاك يعتبر محصلة لكل من عدد السكان ومتوسط استهلاك الفرد.. وهنا نجد أن العالم العربي يتصف بارتفاع معدل نمو سكانه .. حيث يصل هذا المعدل في المتوسط للأقطار العربية إلى حوالي 2.9 % سنوياً، ومن المؤكد أن هذه الزيادات السكانية الكبيرة تؤدي بالتالي إلى زيادة حجم الاستهلاك الكلي للأقطار العربية من الغذاء، مما يساهم بالتالي في الأزمة الغذائية، ولكننا لا يمكننا المطالبة بالحد من الزيادة السكانية بصفة عامة بين أقطار الوطن العربي، فهناك أقطار عربية تعاني من [ قلةالسكان ].

 

وإذا كان المستوى الغذائي يقاس بمقدار ما يخص الفرد من سعرات حرارية في اليوم، فمن المعلوم أن كمية السعرات الحرارية التي يحتاجها جسم الإنسان تتفاوت بحسب المناطق التي يعيش فيها وبحسب الفصول المختلفة وسن الإنسان ونوعه ونوع العمل الذي يزاوله .. إلى غير ذلك من الأمور.وبناء عليه، لا يمكن تحديد عدد السعرات التي يوصى بها لكل فرد بشكل مطلق، إلا أنه يمكن وضع مستويات التغذية عالمياً.

 

وباستعراض نصيب الفرد من السعرات في الأقطار العربية، نجد أنه يمكننا تقسيم الأقطار العربية – بحسب السعرات الحرارية التي يحصل عليها السكان في المتوسط – إلى ثلاثة مستويات:

· الأول : وهو الذي يفوق المعدل العالمي، ويشمل الأقطار : الإمارات – الكويت – السعودية – سوريا – مصر – ليبيا

· الثاني : وهو يسير حسب المستوى العالمي ويشمل أقطار : المغرب – الجزائر – تونس – العراق – الأردن.

· الثالث : المستوى المنخفض عن المستوى العالمي، ويشمل الأقطار : السودان – الصومال – موريتانيا – اليمن (12).

 

وقد تم تقسيم الأقطار العربية على النحو السابق باعتبار أن المعدل العالمي للمستوى الغذائي هو 2665 سعراً حرارياً .. مع ملاحظة أن هذا هو المتوسط العالمي، في حين أن نصيب الفرد من السعرات الحرارية في أمريكا الشمالية يبلغ نحو 3652، وفي أوربا الغربية 3424 (وفي الاتحاد السوفييتي سابقاً كان 3426).

2. الجانب الثاني : الإنتاج العربي من الغذاء :

يعود انخفاض مستوى الإنتاج من الغذاء في الأقطار العربية إلى عاملين رئيسيين :

 

الأول : ضيق الرقعة الزراعة المنزرعة.

الثاني : انخفاض مستوى الإنتاجية للموارد الزراعية.

 

وعلى حين تقدر المساحة الزراعية في الوطن العربي بحوالي 60.3 مليون هكتار، فإن المساحة المستغلة بالفعل لا تتعدى 38 مليون هكتار سنوياً .. كما تبلغ المساحة التي تحتلها المحاصيل الدائمة نحو 8.2 % فقط من جملة الأراضي الزراعية.

 

مما يعني أن حوالي 91.8 % من الأراضي الزراعة العربية لا تستغل بشكل منتظم، وإنما تترك في كثير من فصول السنة بوراً، بدون زراعة ..

 

كما أن الدارس لمستويات الإنتاجية للموارد الزراعية في البلدان العربية يخرج باستنتاجين رئيسيين:

 

أولهما : وجود تفاوت كبير بين مستويات الإنتاجية لمحصول ما، إما داخل البلد الواحد بين المناطق المختلفة، وإما بين الأقطار العربية وبعضها البعض.

 

وثانيهما : إن مستوى إنتاجية الموارد الزراعية العربية – بصورة عامة – يبدو دون مستوى الحدود الممكنة.

 

وتعتبر المستويات الإنتاجية حصيلة الموجودات المحلية والقومية من سياسات زراعية وجهود علمية وإدارات الموارد ومدى توافر الحوافز – إلى آخر قائمة كل الأعمال التي تتعلق بالإنتاج .. إن جانب الإنتاج يعد المسؤول الأول عن الأزمة الغذائية التي تعاني منها الأقطار العربية، فالإنتاج العربي من الغذاء منخفض للغاية، ولا يتناسب مع حجم الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة للأقطار العربية، كما لا يتناسب مع الزيادات الكبيرة والمستمرة للسكان.

 

عود على بدء ، إن أية قراءة عاجلة للصورة السياسية العالمية في الظروف الراهنة، وخاصة بعد التدخل الأمريكي الفعلي في أفغانستان والعراق والتهديد المستمر لدول عربية وإسلامية عديدة، تظهر أهمية وجود ما يسمى بالأمن الغذائي .. إن الدول المتقدمة التي تتحكم في إنتاج الغذاء وتصديره، وتتحكم بالتالي في أسعاره، تتعمد في أغلب الأحيان تحطيم اقتصاديات الدول النامية وأنماط إنتاجها الزراعي وأنواعه وفئاته، وتتلاعب بالعلوم وبرامج المساعدة والتنمية والإصلاح وغير ذلك، لكي تفرض سلعتها هي ومواردها الغذائية والزراعية هي .. وتدمير ما عداها .. لكي يسهل عليها تنفيذ أغراضها السياسية.

 

وتبرز القراءة السريعة للصراعات السياسية في عالمنا المعاصر دور السلاح الغذائي والحروب التجارية في هذه الصراعات، بدءاً من التحكم في تقديم المساعدات وأحجامها وأنواعها، وانتهاء بالحصار الاقتصادي أو حرب التجويع، مروراً بالأسعار والأنظمة الدولية لتجارة وإيفاد الخبراء والبعثات والنصائح وتقديم الخطط وبيع التكنولوجيا والمنح الدراسية، وغير ذلك كثير.

 

إن كل شيء في هذه المأساة يشير إلى مسؤولية النظام العالمي الجديد في استمرارها وتفاقمها، سواء كانت هذه المسؤولية أخلاقية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .. من هنا ولدت فكرة الأمن الغذائي .. وشاع استخدامها في العالم خلال العقود الأخيرة وتحولت إلى عنصر رئيسي في برامج واستراتيجيات الدول والأحزاب والثورات والمفكرين … وللأسف، فإن صورة الأمن الغذائي في الوطن العربي مخيفة وقاتمة، فالوطن العربي بل – والعالم الإسلامي – هو أكبر مستورد للحبوب في العالم مما يجعله – بلا أدنى شك – تحت رحمة الدول المصدرة لهذه الحبوب.

 

وفي حين تمتع الوطن العربي بمساحة غير محدودة من الأراضي الزراعية والمياه والتنوع البيئي والمناخي والتكامل البشري والثروات الطبيعية الكبيرة، فإن النظم العربية تستمر في إغفالها لبعد القومي في التنمية والأمن الغذائي .. في الوقت الذي يزداد فيه خضوع العرب – عموماً – لضغوط الدول المصدرة للغذاء، لفرض إرادتها على قضايا العالم العربي … وحتى سلاح النفط نفسه لم يستفد منه العرب، بل إن عائدات النفط المستمرة لم تقدم لعالم العربي شيئاً يذكر في مجال الأمن الغذائي (13).

 

ومن الطبيعي أن كل دولة تسعى لتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي، أي : الوصول إلى وضعية معينة تقوم على إنتاج كل ما يحتاجه مواطنوها من طعام وغذاء، وإذا لم يكن ذلك ممكناً نظراً لصعوبة إنتاج كل دولة لجميع العناصر والموارد والسلع الغذائية .. ونظراً إلى أن العالم قائم على التبادل فيكفي أن تصل الدولة إلى وضعية تقوم على التعادل بن قيمة ما تصدره وقيمة ما تستورده من سلع غذائية بحيث لا تشكل قيمة ما تستورده عبئاً على قطاعات الاقتصاد الأخرى.

 

وعندما تعجز الدولة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي فهي لا بد أن تقع في أزمة توفير الغذاء من الخارج وتوفير الأموال اللازمة له .. فالأزمة الغذائية تعني عدم قدرة دولة ما على توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء للمواطنين، وضمان الحد المطلوب منها بانتظام وتوزيعها على المواطنين .. ومن المفترض لكي يتحقق الاكتفاء الغذائي (الأمن الغذائي) أن يتناسب الإنتاج مع عدد السكان وتزايدهم من ناحية، ومع الطلب على الغذاء من ناحية أخرى ..

 

هل توقفت الأرض عن العطاء .. ؟

 

إن إمكانات كوكب الأرض غير محدودة – ولا تضن الأرض على ساكنيها .. ولكن لقد أجرى علماء مخلصون للجنس البشر والحياة أبحاثاً كثيرة وهامة حول قدرة الأرض على تلبية حاجات الناس الغذائية، في ضوء المعدلات المستمرة للتزايد السكاني، وكانت النتائج مبهرة .. شيء لا يتصوره عقل .. وفيما يلي بعض نتائجها ..

 

– تبلغ مساحة الأراضي اليابسة في العالم 13.2 بليون هكتار، نصفها غير قابلة للزراعة وأكثر من ربعها (25.7 %) مراع .. وأقل من ربعها الباقي (24.3 %) أراض قابلة للزراعة، غير أن مساحة الأراضي المزروعة فعلاً أقل من نصف الأراضي القابلة للزراعة (43.5 %)، وما زال القسم الأكبر ينتظر المبادرة الإنسانية لاستزراعه واستغلاله .. وعلى سبيل المثال، فإفريقيا التي تعاني من المجاعات المستمرة لم تستغل من أراضيها سوى 16 %، وما تزال 84 % من الأراضي تمثل احتياطياً هائلاً لإفريقيا والعالم (14).

 

– يحتاج سكان العالم إلى نحو 200 مليون طن من البروتين سنوياً – حسب تقديرات العلماء – وفي حين يبلغ العجز العالمي 22 مليون طن سنوياً، فإن العلماء يؤكدون أن في العالم ما يفوق احتياجاته السنوية بكثير، وهو متوفر في الطبيعة على هيئة مراع أو مصادر إنتاج أخرى، ويشيرون إلى وجود كميات ضخمة من البروتين الصالح لغذاء الإنسان، ولكن الدول التي تملكه تستخدمه في تغذية الماشية والحيوانات الأليفة وترفض طرحه في الأسواق من أجل البشر(15).

 

– يرى العلماء أن كوكب الأرض يستطيع إطعام 47 بليون نسمة، بالمستويات الممتازة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، و157 بليون نسمة، بمستويات التغذية في اليابان، ويرى علماء آخرون أن الأراضي الزراعية لو أحسن استغلالها لأطعمت عشرة أضعاف عدد السكان العالم حالياً (6 بليون نسمة)، وبمستوى استهلاكي مرتفع.

 

– ذهب علماء آخرون إلى مدى أبعد من كل ما سبق، حين قدروا أن كوكب الأرض يستوعب ويطعم ما يكفي لعدد 132.000 بليون نسمة، وهو رقم كبير جداً أشبه بالخيال، ذلك أن الإنسان لم يكتشف ولم يستثمر من طاقة الكون والطبيعة اللذين يعيش في كنفهما سوى 1 % حتى الآن، رغم ثورات العلوم وقفزاتها الكبرى في القرن العشرين(16).

 

إنها إذن مسألة عجز الإنسان ومسؤوليته، لا فقر الطبيعة وشحها، فالعلم يبرهن يومياً أن الكون لا محدود، وموارده لا نهائية، وأن الفكر والعقل والعلوم والجهد والخيال التي يحوزها الإنسان تمكنه من فتح آفاق وراء آفاق أمامه، لا لسد حاجياته وحسب، بل للارتقاء بها وتوسيعها وتطويرها.

 

وإنها أيضاً مسألة تتعلق بعدالة التوزيع على كوكب الأرض كله، ما بين دول الشمال ودول الجنوب، فليس هناك سبب لأن تظل دول الجنوب تعاني المرض والفقر والجهل والإهمال المتعمد، بل والإهدار المتعمد للموارد المتاحة … بينما تظل دول الشمال تعاني من التخمة والامتلاء، وتسرف في الإنفاق على الأجهزة والأدوية الخاصة بإنقاص الوزن والتخسيس وخلافه .. إنه في النهاية اختلال المعادلات على كوكب الأرض …

 

ومما سبق يتضح ما يلي :

 

إن العالم الإسلامي – (الوطن العربي أهم أجزائه) يمتد في مناطق واسعة، وفي مساحة 13.5 مليون كيلو متر مربع، وبذلك يتفوق الوطن العربي من حيث المساحة على قارة أوربا بكاملها، بل ومساحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

 

وبفضل هذا الامتداد الواسع للوطن العربي تتنوع المظاهر التضاريسية وتتباين الأنماط المناخية وتتعدد الموارد الطبيعية، مما يشجع على قيام أنشطة بشرية متنوعة ومتكاملة .. ولكن على الرغم من هذه الإمكانات – التي يتمتع بها الوطن العربي – إلا أن التخلف لا يزال السمة البارزة المميزة له، فالإنسان العربي لم يستثمر الموارد الطبيعية بشكل يحقق الرفاهة لمجتمعه حتى الآن .. بل إن الخلافات العربية المستمرة تسهم في تعطيل كل محاولات التعاون والتكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية .. ؟!

 

ونتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية لأقطار الوطن العربي، فقد برزت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين مشاكل كثيرة أصبحت تهدد الأمة العربية في حياتها وبقائها .. وبعيداً عن السياسة ومشاكلها، فإن الأمن الغذائي يعتبر أخطر مشكلة يعاني منها الوطن العربي ..

 

ومن الناحية الاقتصادية يمكن القول بأن المشكلة تكمن في زيادة الفجوة بين العرض والطلب .. فزيادة استهلاك الأقطار العربية للطعام يفوق نسبة زيادة الإنتاج داخل حدود الوطن العربي، وتقدر نسبة الزيادة في إنتاج الغذاء نحو 2 %، بينما يزداد الطلب عليه بنحو 5 % سنوياً مما يجعل الفجوة في حدود 3 %، ونتيجة لنمو الفجوة الغذائية، فإن نصف حاجة الوطن العربي من الطعام أصبح يستورد من الخارج، مما جعل المنطقة العربية أكبر منطقة في العالم مستوردة للغذاء ..

 

الثورة – علي أحمد الصوري

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com