أفق نيوز
الخبر بلا حدود

دعم غربي عسكري حذر لأوكرانيا.. ما هي حدود المواجهة بين روسيا والناتو؟

174

أفق نيوز../

 

صحيح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يترك فرصة إلا ويبرهن من خلالها التزامَ إدارته بدعم أوكرانيا بالسلاح والسياسة والدبلوماسية، ومن خلال استراتيجية الضغوط الاقتصادية الضخمة والعقوبات غير المسبوقة على روسيا؛ لكنه أيضاً أثبت حتى الآن وبشكل واضح، أنه لم يترك أي ثغرة يمكن أن يُستنتج منها أنه ينوي أو يريد أو يقبل بحصول مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين وروسيا، أو بين الناتو وبين روسيا. السبب في ذلك طبعاً هو معرفة وفهم بايدن -الدبلوماسي الديمقراطي المخضرم الذي عاش فترة غير بسيطة من الحرب الباردة بين القطبين- خطورة وحساسية أية مواجهة مباشرة بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم، وتداعيات ذلك على الطرفين وعلى العالم برمته، بمعزل عمن سوف يتخذ أولاً قرار الضغط على الزر النووي، والذي يتحكم به هو شخصياً، مقابل تحكُّم الرئيس فلاديمير بوتين بالزر النووي الروسي.

 

قد يكون بايدن اليوم (خلال الحرب في أوكرانيا) قد ترك مشاكل الداخل الأمريكي جانباً، من ضغوط نقص الغاز والنفط وارتفاع أسعارهما، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، أو مشاكل البيئة وفقدان حليب الأطفال، وغيرها الكثير، والتزم بتركيز جهوده وجهود إدارته على موضوع مواجهة روسيا في أوكرانيا، والسعي بكل الطرق لهزيمتها هناك. ومن الواضح أنه يعتبر أن معيار إثبات روسيا لنفسها على الصعيد الدولي كقطب رئيسي أو كدولة قوية يحدده مدى نجاحها أو فشلها اليوم في أوكرانيا.

 

فهل يمكن لبايدن أن ينجح في فرض هزيمة روسيا في أوكرانيا دون الاشتباك المباشر معها؟ وبالتالي، هل ينجح في إبعادها عن فرض نفسها قطباً عالمياً أساسياً تنافس دولته، مع البقاء بعيداً عن مواجهتها المدمرة للجميع؟ أم أنه سوف يفشل في ذلك ويستسلم، أولاً: لاستراتيجية روسيا في أوكرانيا، وثانياً: أمام إثبات موسكو لنفسها قطباً ثانياً رئيسياً على المسرح الدولي؟

 

حدود المناورة الأمريكية الفعلية بدأت وما زالت مستمرة وبوتيرة مرتفعة، بقيام واشنطن وحلفائها الأوروبيين بتسليم أوكرانيا أسلحة فتاكة ساهمت بنسبة كبيرة في رفع مستوى قدرة الوحدات الأوكرانية على مواجهة العملية الروسية حتى الآن. واليوم، يتابع الأمريكيون هذه المناورة بشكل متصاعد، حيث ظهرت هذه الاستراتيجية وبشكل ملخص في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” للرئيس الأمريكي، تطرق فيه إلى النقاط الحساسة في هذه الاستراتيجية.

 

أشار بايدن في هذا المقال إلى أنّ إدارته لا تسعى لوقوع حرب بين حلف الناتو وروسيا، مشيراً إلى أنّ واشنطن لن تشارك مباشرة في مواجهة القوات الروسية، مضيفاً: “ما دمنا وحلفاؤنا لم نتعرّض لأي هجوم، فإننا لن نشارك مباشرة في هذا الصراع، سواء بإرسال قوات أمريكية للقتال في أوكرانيا، أو بمهاجمة القوات الروسية”. والأهم أنه فسّر وبوضوح أن بلاده “لا تشجّع أوكرانيا على الضرب خارج حدودها، ولا تريد إطالة أمد الحرب لمجرد إلحاق الألم بروسيا”، مؤكّداً أنّ “الولايات المتحدة لن تحاول التسبّب بالإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو”، وكأنه بهذا الكلام يتراجع عن هفوة سابقة له كانت أثارت الكثير من الاستغراب الدولي والأمريكي، عن أن الرئيس بوتين لا يمكن له أن يبقى في السلطة.

 

هنا يمكن اكتشاف بعض التناقض لدى بايدن في موضوع عدم تشجيع بلاده لأوكرانيا على الضرب داخل العمق الروسي، في الوقت الذي ينوي فيه تسليم الجيش الأوكراني أنظمة صاروخية من الأكثر تطوراً، في التوجيه أو في المدى أو في تآلفها مع إطلاق أكثر من نموذج للصورايخ، وهذه ميزة مهمة تنفرد بها هذه المنظومة الأمريكية، وهنا نتكلم عن راجمات الصورايخ البعيدة المدى (MLRS)؛ إذ كيف يعقل أن تلتزم الوحدات الأوكرانية بعدم استهداف الداخل الروسي من مناطق سومي وشمال خاركوف الحدودية مع روسيا، في الوقت الذي تتعرض مدنها ومنشآتها العسكرية ومواقعها وقطعها العسكرية والمحاصرة بأغلبها في الدونباس وغيرها لقصف روسي مركز وواسع؟

 

في الواقع، ومن خلال متابعة تفصيلية لمسار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل عام، وبمعزل عن تفاصيل ووقائع استراتيجية الناتو والأمريكيين، يمكن استنتاج تقدم المسار الروسي نحو تحقيق أهداف العملية بشكل متدرج ومؤكد، مع بعض الحذر في التقدم في مناطق الدونباس الآهلة، وها هم الروس قد أكملوا تقريباً السيطرة على مقاطعة خيرسون الجنوبية بشكل شبه كامل، مع تحقيق تقدم واضح في تجمع المدن الاستراتيجية شرقاً، بين سفيروندتسيك وليشهانتسك، أو على محور (سلوفينتسك ـ كراماتورسك) جنوب غرب خاركيف أو على محور (زاباروجيا ـ كريفي ري) شمال شرق خيرسون، بالإضافة لفرضهم سيطرة واسعة ومركزة على كامل الواجهة البحرية لأوكرانيا على البحر الأسود حتى جنوب غرب أوديسا والحدود مع رومانيا، وما لذلك من نفوذ وتأثير وأهمية استراتيجية في موضوع تصدير الحبوب الأوكرانية إلى الدول المحتاجة لها عبر العالم، وإيجاد الحل لأزمة الغذاء العالمية التي بدأت تظهر يوماً بعد يوم.

 

من هنا، يمكن القول إن الروس استطاعوا تجاوز المناورة الأمريكية، والبدء بفرض شروطهم وتحقيق أهدافهم، وذلك من خلال إبقاء الناتو والأمريكيين بعيدين عن الانخراط المباشر في الحرب، وفرض تغيير ميداني في شرق وجنوب أوكرانيا سيكون مستحيلاً بعد اليوم تخليهم عنه، ومن خلال تجاوزهم للضغوط الاقتصادية عبر فرضهم استراتيجية مركبة بين الطاقة والغذاء والعملة، وضعت الغرب (الناتو والأمريكيين) في موقع لا يُحسدون عليه وأجبرتهم على البحث بأنفسهم عن الحل والتسوية الدولية لهذه الأزمة التاريخية.

 

شارل أبي نادر – خبير عسكري واستراتيجي لبناني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com