الإنتشار الأمريكي في حضرموت.. التمدد تحت ظل “عناوين مكافحة الإرهاب”
أفق نيوز../
يوماً تلوَ الآخر، يزدَادُ انكشافُ ما تبقى من غُبارٍ حول الأطماع الأمريكية في اليمن عامة، وفي محافظة حضرموت خَاصَّة، ليتأكّـدَ للجميع أن المساعيَ الأمريكية في السيطرة على اليمن وجزره وسواحله، تجري على قدم وساق، وما يحدث في سواحل المحافظات الشرقية بالمهرة وحضرموت إلا جانب من الخطوات التي تسعى من خلالها واشنطن لبسط نفوذها على اليمن.
وفي مساعٍ جديدةٍ للولايات المتحدة نحو ترتيبات إنشاء القواعد العسكرية بصورة علنية في حضرموت على غرار المهرة، كشفت أمريكا أكثر عن حقيقة تحَرّكاتها، بزيارة مشبوهة، أمس الأول الإثنين، إلى حضرموت، حاولت بعدها السفارة الأمريكية التغطية على حقيقة أغراض الزيارة، بيد أنها لم تخف أن هناك توجّـهات أمريكية استراتيجية.
زيارةٌ مفاجئة لا تخلو من الشبهة
وقد ذكرت سفارة واشنطن قيام السفير الأمريكي “ستيفن فاجن” بزيارة إلى محافظة حضرموت، قالت إنها “لمناقشة الجهود المبذولة لمواجهة التحديات”، في إشارة إلى التحَرّكات الاستراتيجية الأمريكية في تعزيز السيطرة على سواحل حضرموت، بعد تحويل مطاراتها إلى قواعد عسكرية تعمل لصالح واشنطن.
وقالت السفارة الأمريكية في تغريدة على حسابها بتويتر: “إن السفير فاجن التقى في رحلته إلى حضرموت شركاء الوكالة الأمريكية للتنمية، في المنطقة وتعرف على عملهم في قطاعات مصايد الأسماك والثروة الحيوانية والعسل والبستنة”، ومن خلال اعتراف السفارة الأمريكية بتحَرّكات في مجال البحار والأسماك، فَـإنَّ هناك ما يؤكّـد أن الزيارة تحمل أهدافاً استراتيجية في البحر، فضلاً عن أن الوكالة الأمريكية للتنمية لها باعٌ طويلٌ في التواجُد بمتارس وأوكار ومخازن قوى العدوان ومرتزِقتها.
وعكس ادِّعاءات السفارة الأمريكية التي حاولت تلافي اعترافها بتحَرّكات في البحر، وزعمها أن “حكومة الولايات المتحدة ومن خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تستثمر في برامج تنهض بالمجتمعات وتخلق فرص عمل لليمنيين”، فقد قال السفير الأمريكي غير ذلك، وأكّـد أن هناك خفايا أُخرى في الزيارة.
وقال “ستيفن فاجن”: إنه التقى، الاثنين، بالمسؤولين المحليين في محافظة حضرموت وناقش معهم الجهود المبذولة لمواجهة التحديات التي تواجه أكبر محافظة في اليمن، في إشارة إلى أن زيارته تحمل معها ذات المساعي الأمريكية للسيطرة على المحافظة، على غرار المهرة وسواحلها المحتلّة.
زيارةٌ مِن أجلِ النهب والاحتلال
وفي تأكيد على أن زيارة السفير الأمريكي تأتي بغرض الإشراف على عملية النهب للثروات النفطية والمعدنية، والاستفادة من التزام صنعاء بضبط النفس، أبدى “فاجن” حرصَه على بقاء الهُدنة كطريقة لضمان تجنب تحَرّكات صنعاء العسكرية، وليس كوسيلة لتحقيق السلام، حَيثُ تحدث عن الهُدنة كفرصة للتحَرّكات الاقتصادية والاستراتيجية، ولم يذكرها من باب السلام، وهو ما يزيد من انكشاف المساعي الأمريكية.
كما أن زيارة السفير الأمريكي تأتي في سياق الإشراف على عمليات نهب النفط بغرض تغطية العجز الحاصل في الأسواق العالمية الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية، حَيثُ سبقه في مطلع مارس المنصرم، ما يسمى “المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندر كينغ” بزيارة إلى حضرموت وشبوة الغنيتين بالنفط، وقد أوضح ضمنياً حينها أن زيارته جاءت؛ بهَدفِ الإشراف على عمليات نهب النفط، غير أن تحذيرات صنعاء حينها وعملياتها النوعية التي استهدفت النفط السعوديّ، جعلت واشنطن تجبر أداتها الرياض بتوقيع الهُدنة كطريقة للوقاية من هجمات القوات المسلحة اليمنية، وليس كطريقة تقود نحو السلام.
ومع كُـلّ المعطيات الراهنة والسابقة، فَـإنَّ هناك اهتماماً أمريكياً ملحوظاً بحضرموت، قد يفوق نوع اهتمامها بالمحافظات الأُخرى، وهو ما يؤكّـد أن واشنطن تسعى للسيطرة على السواحل الشرقية والجنوبية بعد ضمان احتلال أدواتها لأجزاء من السواحل الغربية، وسيطرتهم على مضيق باب المندب، وما الزياراتُ المتكرّرة من قبل المسؤولين الأمريكيين للمحافظة، إلا جانبٌ من الجوانب التي تؤكّـد وجود خفايا مشبوهة للزيارات الأمريكية المتكرّرة.
جانبٌ من الزيارات الأمريكية المشبوهة
وقبل زيارة ليندر كينغ في مارس الماضي لحضرموت، كان السفير الأمريكي السابق ماثيو تولر برفقة محمد آل جابر سفير السعوديّة، قد شاركا في حضور احتفال لمشاركة تسليم “قوات إماراتية” مهام حماية سواحل حضرموت إلى قوات درّبها أمريكيون بتمويل إماراتي وسميت “قوات خفر السواحل”، إذ تلقى قرابة 1000 عنصر منها تدريباً عسكريًّا مكثّـفاً من قِبَل مدربين أمريكيين، في صورة من صور المساعي الأمريكية للسيطرة على محافظة حضرموت.
وفي يونيو من العام 2021م وصل وفد أمريكي رفيع المستوى رأسته ما تسمى “مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الصراعات ودعم الاستقرار”، دينيس ناتالي، إلى المكلا في 25 يونيو، لتكرّر طرح الأجندة التي طرحها قبلها القائم بأعمال السفير الأمريكي في نهاية العام 2018م، عندما زار وفدٌ أمريكي برئاسة القائم بأعمال السفارة الأمريكية، جنيد منير، بعد انتهاء فترة السفير تولر، وكانت كُـلّ التصريحات الأمريكية حينها تتحدث عن الانتشار العسكري الأمريكي تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، وهو العنوان الذي تستخدمه واشنطن دوماً لتبرير انتشارها وسيطرتها على المناطق والسواحل والجزر في منطقتنا العربية والإسلامية.
وقبل ذلك وخلال النصف الثاني من العام 2019م، قام السفير الأمريكي حينها كريستوفر هنزل والمقيم في الرياض بزيارتين للمكلا يرافقه وفد أمني واستخباراتي رفيع المستوى، على متن طائرة سعوديّة هبطت في مطار الريان، وفور وصوله إلى المطار، توجّـه هنزل إلى مقر قيادة ما تسمى “المنطقة العسكرية الثانية” وترأس اجتماعاً للمرتزِق فرج البحسني المعين من قبل العدوان كمحافظ وقائد للمنطقة حينها، فيما ذكرت وسائل إعلام معادية أن الاجتماع ضم مختلف القيادات العسكرية والأمنية، في إشارة إلى خفايا التحَرّكات الأمريكية التي تستند على الملفين الأمني والعسكري.
ووفقًا لوسائل الإعلام الموالية للعدوان، فقد تم تكريس الاجتماع الأمريكي لبحث “الملف الأمني في صحراء حضرموت وواديها”، وكذلك ما “تسميه أمريكا جهود مكافحة الإرهاب في حضرموت”، وهي العناوين الزائفة التي تطلقها واشنطن للتغطية على تحَرّكاتها الاستعمارية، علماً بأن أول حادث “إرهابي” سجلته حضرموت كانت في العام 2011م عقب زيارة قام بها السفير الأمريكي الأسبق جيرالد فايرستاين حينها إلى المحافظة، لتضرب محافظة حضرموت موجة اغتيالات عارمة لم تتوقف حتى اليوم، طالت العسكريين والأمنيين، وهو ما يؤكّـد أن الولايات المتحدة هي من تحَرّك الإجراميين والعناصر التكفيرية لنشر “الإرهاب” الذي يعطيها المبرّر للتواجد العسكري المكثّـف والمكشوف.
وبحسب تسريبات حينها في العام 2019م، ذكرت عدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية أن السفير هنزل ناقش مع سلطات المرتزِقة ترتيبات إقامة قاعدة عسكرية دائمة قرب مقر ما تسمى “قيادة المنطقة العسكرية الثانية”، في حين حاولت سلطات المرتزِقة التغطية على الأمر، بزعمها أن الزيارة ناقشت احتياجات حضرموت التنموية، غير أنها لم تخف الحديث الأمريكي عن الإرهاب في حضرموت، حَيثُ أكّـد متحدث “المنطقة” أن هنزل أكّـد حجم الثقة التي حظيت بها حضرموت بعد دحر العناصر التكفيرية في مناطق الساحل، وذلك دونما معركة تذكر، وهو الأمر الذي يؤكّـد ثبوت الشبهات والخفايا الاستعمارية في كُـلّ التحَرّكات التي تقوم بها واشنطن ومسؤولوها.
كما أن هناك العديد من الزيارات للمسؤولين الأمريكيين إلى قاعدة الريان التي حولها الاحتلال الإماراتي إلى قاعدة عسكرية لصالحه، ويتواجد بها أعداد كبيرة من عناصر الجيش البريطاني والأمريكي.
وعطفاً على كُـلّ ذلك فقد نشرت حسابات السفارة الأمريكية في تويتر، وكذلك حسابات وزارة الخارجية الأمريكية، صوراً أظهرت أن مسؤولي السفارة والقنصلية الأمريكيتين يقومون بالتواصل مع شباب من حضرموت، وتوزيعهم في أنشطة مختلفة، وذلك ضمن تحَرّكات الاستقطاب الواسعة التي تسعى أمريكا من خلالها لتجنيد الشباب اليمنيين، وهو ما يكشف أن التحَرّكات الأمريكية للسيطرة على حضرموت، لم تقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، بل تطال كُـلّ المجالات، بما فيها المجالات الاجتماعية والنشاط عبر استقطاب الشباب.
وكانت صنعاء قد حذرت في عدة مرات سابقة، من خطورة التحَرّكات الأمريكية في الأوساط اليمنية، مؤكّـدة أن ذلك يأتي في سياق تحَرّكات بسط النفوذ الأمريكي على كُـلّ مفاصل اليمن.
كما هدّدت صنعاء بالرد الموجع على التحَرّكات الأمريكية، وهو ما يجعلُ من مساعي واشنطن الاستقطابية والانتشارية، أحد العوامل الرئيسية التي ستكون سبباً في تفجير حرب وسعة على البر والبحر.
المسيرة – نوح جلاس