إدارة التحقيقات
كانت كل مطالبهم من الدنيا أن يعيشوا حياتهم بسلام واطمئنان بعيداً عن أوجاع الحروب التي تحرمهم أرواحهم وممتلكاتهم حتى ولو كلفهم ذلك المطلب أن يسخروا كل وقتهم وجهدهم ويعملون ليلاً ونهاراً ليؤمنوا لقمة العيش، غير أن تلك الأحلام أو المطالب وأدتها معاول العدوان الذي صادر نعمة الأمن والاستقرار وفتحت معها أبواب ونوافذ واسعة للفقر والجوع والمهانة..
بالطبع تلك الحالة الإنسانية المأساوية يعيشها عامة اليمنيين لكن هناك من الشعب من تجرع أقسى المآسي بفقدهم للكثير من أبنائهم كضحايا حرب..
التحقيق التالي يسلط الضوء على الوضع الإنساني للأسر التي دخلت حياة اليتم، بعد أن فقدت من كانوا يقومون بتأمين احتاجاتها الأساسية خصوصاً الأسر التي فقدت معيلها التي كانت تعتمد عليه في مصدر دخلها، خصوصاً من يعتمدون على الأعمال الحرة، ولا يجدون مصدر دخل آمناً كراتب من الدولة .. نتابع:
في السابع والعشرين من شهر يونيو الماضي كانت أسرة المواطن وهيب العثماني على موعد مع تلقي أقسى الدروس المؤلمة في هذه الحياة، حيث ضربهم القدر ضربة تعتبر بالنسبة لهم قاضية وذلك بعد أن انتزع منهم الرجل الوحيد في الأسرة بعد أن توفي والده قبل خمسة أعوام، لذا فهو الشخص الوحيد الذي كان يعمل ليلاً ونهاراً ليوفر لهم لقمة العيش التي أصبحت الآن لا تأتي إلا بشق الأنفس .. لقي وهيب البالغ من العمر 32 عاماً على يد مجموعة من أفراد جماعة مسلحة بمحافظة الضالع مصرعه .. لم يكن الرجل حين قتل قد ارتكب أي ذنب يستحق عليه أن يدفع حياته كثمن له، فقط خرج الرجل إلى أحد الشوارع هناك وجلس في إحدى الجولات وبيده بعض أدوات النجارة منتظراً لرجل يحتاج لعمال فيذهب معه ليتمكن من تأمين لقمة العيش لأفراد أسرته التي تتكون من سبعة أفراد وهم أمه الطاعنة في السن وأختان له وزوجته وأطفاله الثلاثة، وبينما كان الرجل في حالة الانتظار تلك جاءت جماعة مسلحة على متن سيارة هيلوكس وتفتح النار على مجموعة مسلحة أخرى كان أفرادها يقبعون على الرصيف القريب منه ليحصد الرجل نصيبه من الأعيرة النارية المتبادلة بعيارين ناريين أحدهما في الرأس والأخرى في البطن ليسقط من حينه على الأرض قتيلاً بلا ذنب وضحية بلا سبب..
ولم تقف المأساة بمقتل الرجل بل تعدى إلى ما هو أعظم حيث وقعت أسرته في وحل اليتم ومستنقع الفقر والجوع.. نماذج
ليست قصة وهيب هي الوحيدة فهناك المئات من القصص المشابهة لها، غير أن وقع الألم والفقد يتفاوت من أسرة لأخرى فالطفلة براءة عبدالعزيز التي فقدت والدها بسبب العدوان لم تعترف بالموت ولا تعرفه كحقيقة لا بد منها فهي ترفض كل المعادلات الكونية التي تمنعها من البقاء مع والدها سعداء، فالطفلة تطالب بعودة أبيها من تحت الأرض من قبره وإلا فإنها ستذهب هي إليه ـ حد تعبيرها- وتعلل براءة موقفها هذا بأنها، بعد رحيل أبيها لم تعد تحصل على متطلباتها اليومية وليس هذا هو السبب الوحيد بل إنها تظل جائعة طوال الوقت ولا يوجد شيء تسد به جوعها وتتهم أمها بالبخل، وفي الأثناء التي كانت براءة تتحدث ببراءتها الطفولية كانت الأم تسمع بإمعان وهي تذرف الدموع، فهي ليست بخيلة كما تقول طفلتها بل العوز والفاقة أجبرها على أن تبات هي وأطفالها الأربعة جائعين أغلب الأوقات فزوجها كان يعمل في بقالة لأحد الجيران، وكان من خلال عمله يوفر متطلبات الأسرة أما الآن وقد رحل فهي لا تجد ما تطعمهم به سوى ما جادت به يد بعض الجيران.
أسرة أخرى كان سبب تعاستها ويتمها موت عائلها في قصف العدوان السعودي على أحد الأحياء السكنية بمدينة تعز ففي الوقت الذي كان المواطن سمير عبدالجبار قد قرر النزوح بأسرته من المدينة إلى الريف طلباً لأمانهم كان العدوان يخطط لانتزاع روحه من بينهم وذلك بأن عاد الرجل من القرية بمفرده إلى المنزل بالمدينة ليسكن فيه حتى لا تنهبه العصابات المسلحة التي تستغل غياب السكان وتقتحم المنازل وتنهب محتوياتها، وفي أحد الأيام التي كان يرابط الرجل بمنزله إذ يفاجئ بقصف عنيف من قبل الطيران السعودي على الحي الذي يقطنه وبعد لحظات أخذ الرجل نصيبه من الكارثة إذ استهدف الطيران منزل مجاور لمنزله ولشدة انفجار الصاروخ تهدم المنزلين معاً وقضى الرجل نحبه مخلفاً وراءه أسرة تتقلب على جمر الحرمان.
مساعدات
مجموعة من الناشطين الاجتماعيين والشباب الخيرين قاموا باستحداث مشروع خيري وأسموا مشروعهم بمبادرة “أنقذوا الضحايا” أديب العفيف رئيس المبادرة يتحدث عن مهمتها وآلية عملها فقال: “بداية يجب أن يعلم الجميع أن الحرب واستمرارها تزيد من رقعة الضحايا وترتفع نسب الفقر والمجاعة بين الناس بسبب فقدان الأسر لمعيلهم ففي تعز وحدها هناك مئات الأسر التي فقدت أربابها وهي الآن غير قادرة على تلبية أبسط المتطلبات اليومية، لذا قمت ومعي عدد من الناشطين الاجتماعيين والشباب الخيرين بعمل مبادرة تهدف إلى تخفيف معاناة الأسر الأكثر تضرراً وذلك من خلال جمع التبرعات من أكثر من جهة كالتجار أو المواطنين المتيسرة أحوالهم ونقوم بعد ذلك بتوزيعها على تلك الأسر، وما نأمله هو ألا تنقطع هذه المعونات عنهم لأنهم لا يجدون من يساندهم في الحياة من الناس”.
ختاماً
حتى اللحظة لم يتوقف العدوان، وبالتالي لن تتوقف معاناة الضحايا الأيتام ولن تتوقف أيضاً كتائب الأسر التي تدخل يومياً حياة اليتم لاسيما وأن أغلبهم من الذين لا يجدون مصدر دخل آمناً غير منقطع كراتب من الدولة إذ كانوا يعتمدون في كسب قوتهم على ما تكسبه أيديهم من الأعمال الحرة لا غير وهي ذات الأعمال التي توقفت بشكل شبه كامل منذ أن شن العدوان حربه على اليمن، لذا يتطلب من المجتمع والمنظمات الإنسانية تقديم يد العون لتلك الأسر.