بعد فشل عدوانها المباشر.. عودة سعودية لحرب الكواليس على اليمن
أفق نيوز../
في آخر إصداراتها المترجمة عن الفرنسية بشأن اليمن، تناقش الباحثة (المستقلة) هيلين لاكنر محاولة الرياض العودة للوصاية على اليمن بطريقتها القديمة عبر الكواليس، بعد فشلها في تحقيق ذلك من خلال العدوان المباشر عليه.
تقول لاكنر: «لم يكن هناك شك في أن السعودية ستتدخل في النزاع اليمني عام 2014؛ لكن طبيعة هذا التدخل فاجأت الكثيرين؛ فخلال المراحل السابقة، حرصت المملكة السعودية على العمل في اليمن من خلال وسطاء، بدلا من شن عمليات عسكرية مفتوحة. وقد أظهر تدخلها المحدود في الحرب ضد الحوثيين سنة 2009 نيابة عن نظام علي صالح ضعف السعودية عسكريا، مما عزز الأحكام المسبقة المنتشرة في الخارج بخصوص القدرة الإجمالية لقوات المملكة.
انتهت عقود من التدخل السعودي الخفي في الكواليس في الشؤون اليمنية بشكل مفاجئ في أوائل عام 2015 مع صعود محمد، النجل الصغير المفضل لسلمان، إلى السلطة حين أطلق وزير الدفاع الجديد بكامل التهور عملية «عاصفة الحزم» الجوية في آذار/ مارس 2015، معتقدا أنه سيحقق نصرا سهلا وسريعا بفضل الأسلحة المتطورة والمكلفة التي تحصلت عليها السعودية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ومن بلدان أخرى. من الواضح أنه لم يعر اهتماما لتحذير جده سنة 1934 بأن اليمن «بلد جبلي وقبلي، لا أحد يستطيع السيطرة عليه. كانت الدولة العثمانية آخر الغزاة الذين فشلوا. لا أريد توريط نفسي أو شعبي في اليمن».
لم يحقق التحالف المناهض للحوثيين، والذي يوصف رسميا بأنه تحت قيادة السعودية، إلا نتائج قليلة جدا خلال ثماني سنوات من وجوده، بل تسبب أساساً في مقتل أكثر من 100 ألف يمني بسبب الحرب مباشرة، و220 ألفا آخر بشكل غير مباشر بسبب الحصار الجوي والبحري والأزمة الإنسانية، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية الصحية وغيرها في اليمن والتفتت الاجتماعي. كما قتلت الغارات الجوية التي تقودها السعودية آلاف المدنيين خلال السنوات الخمسة الأولى، في هجمات استهدفت المدارس والمستشفيات والأسواق والمناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والجنائز.
شملت الجبهات الرئيسية للحرب محافظتي صعدة وحجة، اللتين شن منهما الحوثيون توغلات في المحافظات الثلاث: عسير ونجران وجيزان، التي ضمتها السعودية بشكل دائم في الاتفاقية الحدودية النهائية الموقعة في عام 2000، وهي مناطق جبلية، وتشبه ثقافيا الجارة اليمنية. ومن المرجح أن تساهم الإجراءات التي اتخذها النظام للتعامل مع الوضع في تلك المناطق -بما في ذلك تهجير السكان من قرى مختلفة ليتم تركيزهم في عدد أقل من التجمعات الكبيرة- في إثارة السخط بدلا من تعزيز التضامن مع النظام السعودي.
أصبحت رغبة السعوديين في الخروج مما أصبح مستنقعا يمنيا واضحة منذ فترة قصيرة. فعلى المستوى الداخلي، لم تعد الحرب تحظى بشعبية، لأسباب من بينها توغلات الحوثيين البرية بشكل متزايد في المحافظات الجنوبية الغربية، فضلا عن استهدافهم للمنشآت النفطية بالطائرات المسيرة والصواريخ في كثير من مناطق البلاد. وعلى الرغم من أن الميزانية السعودية قد تعززت سنة 2022 بسبب الارتفاع غير العادي لأسعار النفط، يبقى أن التكلفة الشهرية للحرب -والمقدَّرة بين 5 و7 مليارات دولار- تمثل استنزافا هاما لموارد المملكة، خاصة في وقت يحتاج فيه محمد بن سلمان إلى المليارات لتمويل مختلف المشاريع المرموقة التي لا تبدو فوائدها لشعب المملكة جلية.
أما على الصعيد الدولي فقد أدى التدخل العسكري السعودي في اليمن إلى الإساءة أكثر إلى سمعة البلاد.
بعد عدد من الإجراءات المترددة منذ 2020، بدأ النظام السعودي في نيسان/ أبريل 2022 في العودة إلى استراتيجيته التقليدية المتمثلة في العمل بالكواليس. وتحت غطاء مؤتمر للحوار اليمني نظمه مجلس التعاون الخليجي في الرياض، شهد مئات (السياسيين) اليمنيين استقالة هادي بعد إقالته لنائبه الأحمر، في مشهد يُذكّر باستقالة الوزير الأول اللبناني سعد الحريري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.
تم استخلاف هادي بمجلس رئاسي من ثمانية أعضاء، يتكون في الغالب من أمراء حرب مناهضين للحوثيين، ضاربين عرض الحائط بتاريخ فشل المجالس الرئاسية السابقة في اليمن. ويتضمن تفويضه بصفة صريحة التفاوض على اتفاق سلام مع حركة الحوثيين “أنصار الله”.
وبالتزامن مع الدعم السعودي والدولي للهدنة الأولية التي دامت شهرين والتي نظمها المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة، تشير هذه الخطوات إلى أن من المرجح أن يعود النظام السعودي إلى نهج مستتر في اليمن؛ ولكن أيضا إلى أن لديه نية التحكم بالتطور السياسي في البلاد. يبقى أن نرى إن كان سينجح.