الهدنة الهشة والإحاطة المزورة (2-2) .. بقلم/ عبد الفتاح البنوس
أفق نيوز | مقالات رأي :
ولا نزال مع إحاطة المبعوث الأممي لليمن هانس غراندبرغ الأخيرة التي قدمها أمام مجلس الأمن والتي لا تختلف كثيرا عن الهدنة الأممية المزعومة ، من حيث افتقارها للواقعية والتطبيق العملي على أرض الواقع ، حيث تحدث عن تسيير 15 رحلة طيران تجارية عبر مطار صنعاء من بينها رحلة واحدة إلى القاهرة ، حيث نقلت هذه الرحلات قرابة 7000 راكب ذهاباً وإياباً، ما بين صنعاء وعمَّان ، ولم يشر إلى عدم تسيير ٦٣رحلة طيران نصت عليها الهدنة بسبب رفض قوى العدوان وعدم السماح لشركة الخطوط الجوية اليمنية بجدولة الرحلات المشمولة في الهدنة والضغط السعودي على السلطات المصرية للحيلولة دون الموافقة على تسيير الرحلات المعتمدة عبر مطار القاهرة ، والمضحك هنا في إحاطة غراندبرغ بعد أكثر من مائة يوم من العدوان قوله إنه ما يزال يعمل عن كثب مع السلطات المصرية سعياً لتيسير الرحلات الجوية من والى القاهرة، على الرغم أن بنود الهدنة كانت واضحة ولم تعلن عنها الأمم المتحدة إلا بعد موافقة السلطات المصرية والأردنية .
وفيما يتعلق بموضوع فتح الطرقات في تعز وبقية المحافظات ، ذكر غروندبرغ أنه يعتمد في هذا الموضوع على خبرة الوسطاء المحليين وممثلي المجتمع المدني ، وقال إنه بعد النقاشات مع الأطراف قام مكتبه بإعداد مقترح حول فتح الطرق على مراحل ، ولكنه قوبل بالرفض من قبل أنصار الله ، ولم يشر إلى مقترح أنصار الله بشأن فتح ثلاث طرق كمرحلة أولى في تعز ، ومبادرة المجلس السياسي الأعلى بفتح طريق الستين- الخمسين بمدينة النور بتعز بمناسبة عيد الأضحى ولم يتطرق إلى عدم تجاوب المرتزقة مع ذلك ، كما أنه لم يشر إلى ملاحظات أنصار الله المنطقية والمعقولة بشأن طريق الحوبان والذي يصر المرتزقة على فتحه والذي لا بد من النقاش والتفاوض بشأنه والقيام بخطوات عملية لضمان عدم استغلاله لأغراض عسكرية وعمليات إجرامية تطال المواطنين في المناطق التابعة لسلطة المجلس السياسي الأعلى، فكان تركيزه على رفض أنصار الله لمقترحه الذي لا يختلف كثيرا عن مقترح قوى العدوان والمرتزقة .
والمثير للاستغراب في إحاطته بشأن فتح الطرقات قوله : ( رأينا مختلف الأطراف تعلن إجراءات متخذة من جانب واحد لفتح الطرق، قد تكون الأعمال الأحادية خطوة نحو الاتجاه الصحيح، ومع ذلك فإن الاتفاق من كلا الجانبين مهم ، ففتح الطرق يتطلب تنسيقاً واتصالاً مستمرين لضمان فتح الطرق بسلامة واستدامة لعبور المدنيين ) ولم نسمع عن أي مبادرات لفتح الطرق المغلقة من قبل المرتزقة ، وكل ما سمعناه منهم هو رفضهم التجاوب والتفاعل الإيجابي مع مبادرات فتح الطرق التي تقدم بها الوفد الوطني ، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول ذهابه لتضليل الرأي العام حول المبادرات الأحادية الجانب من قبل المرتزقة والتي لا وجود لها على الواقع وإنما هي عبارة عن فقاعات إعلامية فقط ، يروِّج لها من أسماهم بالوسطاء المحليين وممثلي المجتمع المدني الموالين للعدوان والمحسوبين على المرتزقة والذين يمثلون وجهات نظر الطرف الآخر ، ويعمدون لتزييف الحقائق وفبركة الأحداث وتكييفها لمصلحة قوى العدوان والمرتزقة .
قلق المبعوث الأممي من تداعيات ما أسماه التصعيد الإعلامي وتبادل الاتهام ؛ هو الآخر مدعاة للضحك والسخرية ، وخصوصا في ظل تجاهله للخروقات المثبتة والموثَّقة التي تتهدد الهدنة والتي تخلف الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين ، واللافت كثيرا في إحاطته حديثه عن سعيه خلال الأيام القادمة للبحث مع الأطراف إمكانية تمديد اتفاق الهدنة لمدة أطول وتوسيع نطاقها ، وتبرير ذلك من أجل ما أسماه ( توفير الوقت والفرصة للبدء في نقاشات جادة حول المسار الاقتصادي والأمني والبدء في معالجة القضايا ذات الأولوية مثل الإيرادات ودفع الرواتب والشروع في اتخاذ الخطوات اللازمة بشأن وقف إطلاق النار)، متجاهلا ضرورة تنفيذ بنود الهدنة فيما يخص الرحلات الجوية وسفن المشتقات النفطية المتأخرة منذ بدء سريان الهدنة في الثاني من إبريل الماضي وحتى اليوم والتي كانت شرطا من شروط موافقة القيادة الثورية والسياسية على تجديد الهدنة .
بالمختصر المفيد، غروندبرغ يتبع سياسة النفاق والمراوغة والتضليل التي تتبعها الأمم المتحدة ، كل همه اليوم تجديد الهدنة، لا تنفيذ مضامينها ، يلعب على ورقة تأليب الشارع اليمني ضد القيادة على خلفية موافقتها على التمديد الأول ، ويظن بأن أي مقترح لتمديد ثان للهدنة سيمرر بكل أريحية ، ولكنه لا يعي أن قبول القيادة بالهدنة جاء من باب الالتزام بالتوجيه الرباني ( إِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ” ، ومن باب الحرص على تخفيف المعاناة التي يكابدها أبناء شعبنا نتيجة العدوان والحصار ، ولا يمكن القبول بأي تجديد لهدنة لا تحمل معها الخير لليمن واليمنيين ، ولا مجال للمماطلة والتسويف والتزييف والخداع في هذا الجانب ، فلن نقبل بهدنة على الورق ، ولا تجديد بدون ضمانات للتنفيذ .
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم وعاشق النبي يصلي عليه وآله.