إشارة للحليم
أفق نيوز – بقلم – عبد العزيز البغدادي
في البلدان التي يمتلك فيها رؤساء وملوك – أو ملوك ورؤساء الدول – صلاحيات مُطلقة في أدائهم مهام الوظيفة العامة والتصرف بالمال العام تكون علاقاتهم وتصرفاتهم شخصية أي خاضعة لمزاج صاحب الجلالة أو الفخامة أو السيادة أو العظمة أو السمو، وكلها صفات وألقاب تحاول تجريد الإنسان من إنسانيته أو تسعى لتأليهه أو جعله شبه إله لقطيع البشر واللعب بهذا القطيع سلاح ذو حدين، أي للحاكم حسب تصوره وضده وللمجتمع وعليه، وبمعنى آخر تصبح علاقة هذا النوع من الحكام بالمال العام والوظيفة العامة وبالمواطن علاقة المالك بملكيته الخاصة ويكون التأكد من نظافة ذمتهم المالية ضرب من المستحيل وخاضع للفهلوة وتدبيج الخطب والتصريحات وليس على الشعب صاحب الحق في السلطة والثروة – كما يقول الدستور – إلا السمع والطاعة .
أما في البلدان التي ترسخت فيها قواعد البناء المؤسسي المقيدة لصلاحيات الرؤساء وشاغلي ما يُسمى بالوظائف العليا، فلا تحتاج للتأكد من سلامة ونظافة الذمة إلى كبير عناء أو إلى هيئة لمكافحة الفساد يتقاسم عضويتها مراكز القوى في الأحزاب والقوى السياسية التي استخدمت وتستخدم وسيلة لشراء الذمم وتقاسم المصالح مع صاحب القرار المطلق في رأس هرم الدولة لتصبح هذه الأحزاب مجرد عناوين فارغة من أي محتوى يتساوى فيها المشارك في الحكم مع من يطلق عليها أحزاب المعارضة، أي أن المعارضة تصبح أشبه بمن يمارس وظيفة المعارض في دكان السلطة، يقوم بإصدار البيانات الحصيفة أو الخالية من الحصافة حسب الطلب وبذلك يكون بلا طعم ولا لون ولا رائحة ومن يتجاوز ذلك فقد عرّض نفسه للتهلكة أو لشتى أنواع الاتهام والمضايقات من قبل أجهزة الحاكم بأمره القمعية.
الفرق إذاً بين الدول المتقدمة القائمة على مأسسة وظائف سلطاتها والدول التي يمتلكها الحكام بالقوة أو بالخداع والتزوير تعكسه علاقة الموظف العام بالمال العام ووضوح الصلاحيات في ممارسة الوظيفة العامة التي تمنح لرئيس الدولة أو رئيس الحكومة والوزراء ورؤساء الهيئات والمصالح ومختلف الدرجات الوظيفية التي يفترض أن تكون محكومة بالتطبيق الفعلي للقانون وليس بالشعارات، لا تستطيع في النظام المؤسسي أن تقول شيئاً وتمارس شيئاً آخر أو تتصرف في المال العام وكأنه ملك خاص أو أن توظف من تشاء من الأقارب والمحاسيب والموالين وتمنحهم أعلى الرتب والدرجات وتقصي وتحرم من تشاء، لأنك في دولة القانون على يقين بأن كل هذه التصرفات جرائم لا تنتهي بالتقادم وهي تصرفات مُجرَّمة قبل أن توجد هيئة مكافحة الفساد لتكون وسيلة للابتزاز والاستهلاك والتضليل الإعلامي، وأغلب البلدان الأقل فساداً لا توجد بها هيئات مكافحة فساد، ولو وُجدت دراسات علمية جادة وصادقة لتبين أن حجم الفساد قبل نشوء هيئة مكافحة الفساد أقل من حجمه بعد إنشائها وذمة الموظفين من أعلى درجة إلى أدناها أنظف وأنقى مما هو حاصل والمزايدات والخطابات والمواعظ أخف لأن التعيين في الوظائف يتم وفق معايير أقرب إلى العدالة وأبعد عن الشخصنة وامتلاك الحق في السلطة سواء بادعاء شرعية الحق الإلهي الحصري الذي يعطل العمل بالآية الكريمة (إن أكرمُكم عند الله أتقاكم) وكلمة عند الله هنا مبنية على العمل من أجل خير الناس في الدنيا وليس بناء على أي شكل من أشكال المغالطة والتضليل، أو بادعاء الشرعية الدستورية والثورة والجمهورية بالاستقواء بأعتى أنظمة الاستبداد وأكثرها فساداً !؛
البناء المؤسسي واحترام مبدأ سيادة القانون هما الدعامة الأساسية لمكافحة الفساد وبناء الدولة وأي مغالطة أو هروب من هذا الاستحقاق لا ينتج عنه سوى مزيد من الدماء والمعاناة والصراع على السلطة الذي لا ينتهي عند حد صدقوني.
وأكثر الأنظمة بؤساً هي تلك التي لا تدرك أن تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة تصب في مصلحتها أولاً قبل مصلحة الشعب ليس لأنها تملك السلطة وإنما لأنها خادم للشعب وليست وصي عليه ولأن قوة أي سلطة لا تكون بالسطوة والعنف مهما ظن من تجرفهم الخُيلاء إلى مهاوي الردى، إنما القوة الحقيقية تأتي من إشعار المواطن بالحرص الحقيقي على تحقيق العدالة ليستتب الأمن والاستقرار، وهذا شعور لا تحققه الأقوال وإنما بالأفعال.
هاجس ليس من قبيل الشعر:
إنما الاختلاف بالنوايا
ولكل مختلفِ ما نوى
قد يكون رحمة
وقد يولد منه العذاب
إلى أين تتجه نوايا المختلفين
أإلى الهدم تجري أم إلى البناء تستقر
فهل من مجيب أو مستجيب؟؟؟.