ثلاثة أيام من الهدنة المجددة.. سلوك الـ 4 الأشهر سيد الموقف وواشنطن ولندن تتبنياه علناً وصنعاء توجه إنذاراً
أفق نيوز../
مع مرور ثلاثة أَيَّـام على إعلان الأمم المتحدة تجديدًا للهُدنة الإنسانية والعسكرية الموقعة في مسقط مطلع إبريل الماضي، بضمانات أممية تضمن أَيْـضاً صرف مرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين من عائدات النفط والغاز، إلا أن المؤشرات ومع مرور 72 ساعة عن إعلان التجديد، تبدو في طريقها نحو المشي على الأثر القديم الذي سارت عليه دول العدوان والأمم المتحدة طيلة الأربعة الأشهر الماضية، حَيثُ تواصلت الخروقات بشكل مكثّـف وعادت أعمال القرصنة إلى الواجهة، في حين أن ملف الطرقات والأسرى ما يزال جامداً، وهو ما يجعلُ الأممَ المتحدة أمام تحدٍّ لطالما تكرّر، غير أن التحدي هذه المرة مغاير؛ نظراً لأَنَّ المنظمة الأممية قدمت الضمانات عند التجديد الأخير بأنها ستجبر دول العدوان للوفاء بالالتزامات المتأخرة من الأربعة الأشهر الماضية، ليكون تكرار سيناريو الهُدنة المشتعلة بفترتيها السابقتين، الباب الضيق الذي سيخرج الأمم المتحدة من المشهد كوسيط عاجز ومتواطئ، فيما جددت صنعاء التحذير من أية التفافات أَو مزايدات أَو مساومات، والتي ظهرت مؤخّراً بتصريحات تضليلية للطرفين الأمريكي والبريطاني تحاول خلط الأوراق.
تصعيد مشتعل منذ “التهدئة”.. 12 خرقاً لكل ساعة
وفي الـ 72 ساعة الأولى للهُدنة أكّـد تحالف العدوان استهتاره بجهود السلام واستغلاله للعجز والتغطية الأممية، وذلك بارتكابه أكثر من 700 خرق خلال الثلاثة الأيّام الماضية، بينها غارات جوية وقصف مباشر يؤكّـد جديته للتصعيد مع سبق الإصرار والترصد، حَيثُ أفادت مصادر عسكرية لصحيفة المسيرة بأن خروقات العدوان وأدواته الفاضحة بلغت حتى مساء أمس الجمعة، قرابة 600 خرق للهُدنة ونحو 200 خرق لاتّفاق الحديدة، في ظل تواجد البعثات الأممية ومسؤوليها في عدد من المناطق اليمنية التي تطالها الخروق.
وأوضحت المصادر أن الخروقاتِ تمثلت في أكثر من 80 انتهاكاً بتحليق للطيران الاستطلاعي المسلح والتجسسي في أجواء محافظات مأرب، تعز، حجّـة، الجوف، صعدة، الحديدة، البيضاء وجبهات الحدود، فضلاً عن رصد خرق بضربة جوية للطيران التجسسي المقاتل في تعز استهدفت منازل المواطنين في منطقة مقبنة، ما يؤكّـد أن السلوك العدواني في ظل الهُدنة الجديدة ما يزال قيد التفعيل رغم الوعود الأممية.
وما يؤكّـد نية العدوان للتصعيد هو رصد عدد من الخروقات المتمثلة في استحداث تحصينات قتالية في مأرب والحديدة ومحاور أُخرى، في حين ما يزال العدوان مصر على ارتكاب الجرائم بحق المواطنين ضمن خروقاته وذلك بمئات الخروق المتمثلة بالمقصف المتنوع على منازل المواطنين والمناطق المدنية في عدد من المحافظات.
وضمن التصعيد العسكري رصد ما يزيد عن 120 خرقاً بالقصف المدفعي والصاروخي على مواقع الجيش واللجان في مأرب والحديدة وجبهات الحدود ومناطق أُخرى.
يتأكّـد للجميع أن مؤشرات التجديد لا تبدو مبشرة ما لم يكن هناك تحَرّك أممي بقدر الوعود التي قطعتها لمنح العدوان المزيد من الوقت على حساب استمرار التصعيد والمعاناة.
قرصنةٌ جديدة بغطاء بريطاني قديم
وفي الجانب الأَسَاسي المتصل بالهُدنة، والمتعلق بميناء الحديدة، استأنفت بحرية الحصار الأمريكي السعوديّ أعمال القرصنة بحق سفن المشتقات النفطية، لتؤكّـد أن تصعيدها ضد الهُدنة شامل ولا يستثني أي بند، في استهتار وتحد صارخ للأمم المتحدة ووعودها، فيما أن القرصنة هذه المرة تأتي في ظل تظليل بريطاني مساند يبرّر أعمال الحصار بحجج واهية استهلكت المنظومة العدوانية حجماً كَبيراً منها طيلة 7 سنوات.
وأعلنت شركة النفط على لسان ناطقها الرسمي عصام المتوكل، أمس الأول أن تحالف العدوان احتجز سفينة البنزين (سي هارت) في خرق جديد للهُدنة في أول أيامها، مبينًا أن السفينة المقرصنة حصلت على كُـلّ التصاريح الأممية وتم تفتيشها في جيبوتي، وهو ما يشير إلى تحدٍ مزدوج للأمم المتحدة التي تمنح التصاريح للدخول بموجب اتّفاق الحديدة، وكذلك تعطي الضوء الأخضر لعبورها بموجب الهُدنة وتجديداتها، ليكون الاحتجاز وأعمال القرصنة رداً من قبل تحالف العدوان على المنظمة الأممية وتحَرّكاتها.
وخاطب متحدث النفط الأمم المتحدة “كنا نأمل أن تمنع الأمم المتحدة استمرار عمليات القرصنة من قبل تحالف العدوان لكن هذا لم يحدث”، مُضيفاً “لا نريد دعوات أممية للسماح بتدفق السفن النفطية إلى ميناء الحديدة بل نريد شيئاً ملموساً على أرض الواقع”، مؤكّـداً أنه “لا يوجد أي سبب واضح لاستمرار عمليات احتجاز السفن النفطية التي يتحمل الشعب اليمني تكاليف تأخيرها”.
وفي سياق متصل، ألمحت بريطانيا إلى سعيها للتغطية على أعمال الحصار بقولها إنها تبذل جهوداً مع تحالف العدوان لمنع ما وصفته بـ “تدفق الأسلحة للحوثيين”، وعلى لسان المتحدثة باسم حكومة بريطانيا “روزي دياز” أكّـدت ضمنياً أن ما يمارسه تحالف العدوان من أعمال الحصار يأتي تحت مبرّر ” تدفق الأسلحة”، فيما أكّـدت تأييدها للتصعيد العدواني بقولها إن استمرار الهُدنة -بوضعها الراهن المشتعل- أمر مرحب به، فيما وصفت الطرف الوطني بالمعرقل على الرغم من أن حصيلة الأربعة الأشهر الماضية قد حدّدت المعرقل وبشهادة أممية أَيْـضاً، وهو الأمر الذي يؤكّـد أن التجديد الجديد وما قد يرافقه من تصعيد يأتي مستنداً على غطاء دولي تتولاه قوى الاستكبار.
وبهذا الجانب تكون الأمم المتحدة أمام مكاشفة وتحديات جمة عليها مواجهتها بكل مسؤولية لتفادي انفجار الوضع الذي قبلت صنعاء بتهدئته مقابل إزاحة المعاناة، وليس مقابل بقائها ومنح العدوان فرصة ليحلق وحيداً بالتصعيد والحصار.
طرقاتُ تعز.. انسدادٌ بـ “خرسانات” أمريكية أممية
وبشأن مِلَفِّ الطرقات في تعز، يبدو أن التصعيدَ هذه المرة يأتي بمساندة سياسية وإعلامية أمريكية، ظهرت جليًّا على لسان تصريحات مسؤوليها وأبرزهم تيم ليندر كينغ الذي يوصف بـ “المبعوث الأمريكي إلى اليمن”، والذي حاول التغطية على ممارسات تحالف العدوان وعرقلته لكل الجهود ورفضه لمبادرات صنعاء الأحادية في هذا الجانب.
وتزامناً مع تأكيد محافظ تعز صلاح بجاش، أمس للمستشار العسكري الأممي الجنرال أنطوني هايورد، والفريق المرافق له الذي يزور المحافظة حَـاليًّا، بأن الطرق التي وافقت صنعاء على فتحها من طرفها، جاهزة وينقصها تجاوب الطرف الآخر، خرج ليندر كينغ بتصريحات يدعي فيها أن تحالف العدوان أبدى استعداده لفتح الطرق، داعياً من أسماهم “الحوثيون” لـ (فك الحصار عن تعز)، في تأكيد على انخراط أمريكي صريح إلى جانب تحالف العدوان وعراقيله وممارساته في ظل الهُدنة.
وفيما لفت المحافظ بجاش إلى أن القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى وجهت بأكثر من ست مبادرات لفتح الطرق، إلا أنها قُوبلت برفض الطرف الآخر وآخرها طريق الستين -الخمسين وُصُـولاً إلى مدينة النور بمدينة تعز التي لا تزيد مسافتها عن 15 كيلومتراً، مستعرضاً بالصور والإثباتات جهود الطرف الوطني لحلحلة هذا الملف، إلا أن المسؤول الأممي تجاهلها ورفض أَيْـضاً نزوله الميداني للتأكيد، وهو ما ينسجم مع تصريحات “المبعوث الأمريكي” في هذا الجانب، في تأكيد على التناغم السعوديّ الأمريكي الأممي لتسيير الهُدنة المجددة على ذات الحال ومسنوداً بغطاء دولي ظهر جليًّا وبشكل أكبر في بيان مجلس الأمن الأخير الذي استبعد تحالف العدوان من المشهد تماماً وصور الطرف الوطني معرقلاً وفصائل المرتزِقة أطرافاً تملك القرار وتدير جهوداً “مسالمة”!.
وفي هذا السياق، صعّد حزب “الإصلاح”، الخميس، في مدينة تعز واقتحمت فصائل الحزب “المجمع الحكومي” وأغلقت مقر المحافظة في الوقت الذي حاصرت فيه مجاميع أُخرى سكن المحافظ، فيما تزامن تطويق المحافظة مع فوضى أمنية عاشتها المدينة خلال الساعات الماضية، جراء مواجهات متبادلة بين الأدوات، وكلّ هذه الممارسات تشير إلى تمييع ملف الطرق في تعز وصب النار على الزيت في ظل تغطية أممية دولية.
بقيود سعوديّة.. مِلَفُّ الأسرى أسيرٌ لدى الوسيط الأممي!
وإلى ملف الأسرى الذي من المفترض –لإثبات جديته– أن تحَرّك الأمم المتحدة كُـلّ “المياه الراكدة” التي خلفها تنصل العدوان برعاية أممية، إلا أن المنظمة الأممية ما تزال في مسارها الضعيف والهزيل، وهو ما ينذر أَيْـضاً بتجميد لهذا الملف الذي يمثل جزءاً كَبيراً من الهُدنة.
ومع أن رئيس اللجنة الوطنية للأسرى، عبد القادر المرتضى، أكّـد في تصريح لوكالة سبأ، أمس، جاهزية واستعداد اللجنة للمضي في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى التي تم التوافق عليها في مارس الماضي برعاية أممية، إلا أنه قال: “نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات، التي عُقدت في عمّان، لم تكن إيجابية بالشكل المؤمل”، في حين أن الجمود في هذا الاتّفاق برعاية أممية يؤكّـد أَيْـضاً مدى العجز الأممي في هذا الملف على غرار كُـلّ الملفات المعلقة والمعلِقة للسلام.
وفيما لفت المرتضى إلى أن “اللجنة الوطنية للأسرى، حصلت على وعود من الأمم المتحدة بأن يكون هناك تقدّم في الأسابيع القادمة، وخطوات أكثر إيجابية لتنفيذ هذا الاتّفاق”، إلا أن تجربة السنوات الماضية والاتّفاقات الماضية في هذا الصدد تعكس الصورة الأممية المستقبلية، في حين دعا المرتضى “إلى قيام الأمم المتحدة بخطوات أكثر جدية وإيجابية للضغط على الطرف الآخر، لتنفيذ ما تم الالتزام به والتوافق عليه”.
وبيّن المرتضى أنه “تم التوافق عبر الأمم المتحدة على عدة نقاط، أهمها: تثبيت الأسماء التي تم التوافق عليها، والتوافق على تشكيل لجنة من جميع الأطراف للتأكّـد من هُــوِيَّة الأسماء المختلف عليها؛ كونها العقبة الأكبر أمام تنفيذ الاتّفاق”، مُشيراً إلى العديد من العراقيل التي وضعت أمام ملف الأسرى برعاية أممية أَيْـضاً، أهمها عرقلة المرتزِقة لكشوفات أسراهم.
وجدد التأكيد على أن “ملف الأسرى يحظى باهتمام ومتابعة من قِبل القيادة؛ مِن أجلِ الوصول إلى تنفيذ هذا الاتّفاق، وتحرير جميع الأسرى”، مؤكّـداً “أنه ليس هناك من جانبنا أي تأخير مطلقاً في تنفيذ هذا الاتّفاق”، مجدّدًا الدعوة للأمم المتحدة للخروج من سلوكها الراهن، وهو ما يجعل ملعبها مليئاً بالعديد من كرات السلام التي رمتها صنعاء، وأكّـدت بها أن الطرف الأممي ما يزال مصراً على التغطية على ممارسات العدوان وعراقيله.
تحذير وطني أخير.. من يتحمل مسؤولية الانفجار؟
وأمام كُـلّ هذه المعطيات حذرت صنعاء من استمرار الوضع على غرار الأربعة الأشهر الماضية، مؤكّـدةً أنها لن تسمح بالتلاعب بمسار المشهد مهما بلغ مستوى الاصطفاف الدولي الأممي إلى جانب تحالف العدوان وأدواته، وهو الأمر الذي يؤكّـد أن السلوك الدولي الأممي قد يكون السبب الرئيس –إلى جانب خروق العدوان– في إشعال فتيل انفجار الوضع.
وقال عضو المكتب السياسي لأنصار الله عبدالوهَّـاب المحبشي: إن “الأمريكي لا يوافق على الهُدنة حباً بـ اليمن بل خوفاً منه”.
وَأَضَـافَ في تصريحات للمسيرة “أن إرسال الأمريكيين المزيد من الأسلحة للسعوديّة وَالإمارات تعبير جديد على أصل المعركة وأن السعوديّ والإماراتي مقاول فقط”.
ونوّه المحبشي إلى أن “تحالف العدوان يرتب أوراقه للمرحلة المقبلة” مؤكّـداً بالقول: “إن أرادوا استمرار الحرب فقواتنا المسلحة وشعبنا حاضرون بالتوكل على الله”، في إشارة إلى أن الطرفَ الوطني لن يتحمل المزيد من السكوت أمام السلوك السعوديّ الأمريكي الأممي.
بدوره، أكّـد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق الركن جلال الرويشان، في تصريحات لقناة المسيرة، أن تحرير الأرض وحماية الشعب واستقلال القرار السياسي ثوابت لا يمكن تحقيق السلام دونها.
ونوّه الرويشان إلى أن أهداف الصمود والمقاومة ومواجهة الوصاية واضحة والقبول بالهُدنة يأتي في هذا السياق، مُضيفاً “ندرك أن حالة اللا حرب واللا سلم مرهقة لشعبنا ونُعِدُّ لمواجهة خطط تحالف العدوان بهذا الشأن”.
وأشَارَ الروويشان إلى أن الدفع الأمريكي باتّجاه الهُدنة خلفه أجندات استراتيجية في المنطقة بداية بقطع الطريق أمام الشرق وحماية أمن الكيان الصهيوني.
وعن هُدنة الأربعة الشهور السابقة قال الرويشان بأنها “لم تكن مشجعة، ولم نصل لصيغة بشأن الملف الاقتصادي، ولهذا تم رفض تمديد الهُدنة لـ 6 أشهر”.
واختتم تصريحه بالقول: “سنرصد سلوك تحالف العدوان تجاه التزاماته خلال هذين الشهرين وفي ضوء ذلك سيحدّد صانع القرار خياراته المقبلة”، في رسالة تؤكّـد لتحالف العدوان أن المراوغة السياسية وإن كانت مسنودة بمجلس الأمن أَو منظماته الدولية، لم تعد مجدية ولم تنفع تحالف العدوان في شيء، وهو ما يحتم عليه ترك الصبيانية وتجنب الركون إلى تلك الأطراف الدولية التي لا يتعدى موقفها التنديد والشجب حيال وصول المسيَّرات والبالستيات اليمنية إلى نفطه، فضلاً عن عجز دفاعات تلك الدول في توفير ولو جزءاً بسيطاً من الحماية التي يدفع النظامين السعوديّ والإماراتي مليارات الدولارات، ويضحون مقابلها أَيْـضاً بما تبقى من ثوابتَ وانتماءٍ لهذه الأُمَّــة وهُــوِيَّتِها.
المسيرة: نوح جلّاس