أفق نيوز
الخبر بلا حدود

بعد سقوط الأهداف العسكرية.. صنعاء تفاوض في ملعب تحالف العدوان وعلى آخر أوراقه “فك الحصار”

159

أفق نيوز – بقلم – إبراهيم الوادعي

في 2016م وعقب سقوط مفرق الجوف بيد تحالف العدوان عرض السفير الفرنسي حينها على كبير مفاوضي صنعاء الانسحاب من العاصمة شمالا مقابل ضمانات بعدم المس بالثوار، فما الذي تغير حتى بات التحالف يستجدي هدنة تلو أخرى.
الهدنة الأممية في اليمن تجدد للمرة الثالثة، لم يحصل تحالف العدوان بقيادة أمريكية سعودية على مراده بتجديد الهدنة لمدة 6 أشهر على الرغم من الضغوطات والعروض التي مارسها الممثل الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ واطراف أخرى، صنعاء فرضت كلمتها للمرة الثانية تجديد لشهرين فقط وبشروط محسنة بعد وساطات عمانية وحديث عن وساطة ألمانية .
البحث عن هدنة من قبل طرف تحالف يضم الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى كما تصور نفسها في العالم ، والسعودية القوة النفطية الكبرى في العالم هو بمثابة هزيمة مغطاة لا يريد أصحابها الإقرار بوقوعها بعد 8 سنوات من القتال المرير وحشد الإمكانات والطاقات، وشن مختلف الحروب الاقتصادية والناعمة ،ضد طرف محلي وقوة وليدة جُلّ رصيدها احتضان شعبي لخيار الاستقلال ، وثورة شعبية ورثت لتوها بلداً منهّكا جراء عمالة وصدامات النظام السابق ، ودولة في صدارة قائمة الدول المنهارة على مستوى العالم أصبحت عبئا على الثوار بدلاً أن تكون رافعة في المواجهة ضد العدوان العسكري والحصار الاقتصادي.
بالعودة إلى عشية انطلاق العدوان على اليمن 26 مارس 2015م وبقراءة الأهداف التي أعلن عنها السفير السعودي عادل الجبير من حديقة البيت الأبيض وما أعقبه من مؤتمرات صحفية للناطق باسم التحالف احمد العسيري كان واضحا حجم الأهداف المرتفع للتحالف والمتمثل في احتلال عاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء والقضاء على الثورة الوليدة وإعادة نظام الرئيس هادي العميل كليا لواشنطن والرياض، في الساعات الأولى اعلن العسيري سيطرة التحالف الجوية الكاملة على الأجواء اليمنية بحيث لم يعد ممكنا إقلاع أي طائرة حربية يمنية – يملك اليمن حينها سلاحا جويا متهالكا ونظام دفاع جوي متواضع للغاية جرى تعطيل أهّم صواريخه وهي سام 11 بمدى من 300 إلى 400 كيلو متر – خلال الأشهر الأولى من العدوان جرى تدمير مقدرات الجيش اليمني رغم تواضعها وضرب أغلب مخازن تسليحه المتركزة في العاصمة صنعاء، قدم الجنرالات العسكريين الفارين إلى الرياض علي محسن والعليمي الذي يرأس اليوم ما يسمى مجلس القيادة المشكل في الرياض كافة المعلومات إلى قيادة التحالف التي شنت ما يقرب من مليون غارة خلال ثماني سنوات – 200 الف غارة في العامين الأوليين للحرب – 2015م ،2016م – استهدفت مخازن الجيش ومعسكراته والبنى التحتية على امتداد المناطق اليمنية من صعدة شمالا وحتى حضرموت شرقا .
بعد أشهر من العدوان سقط الجنوب اليمني عدا محافظة شبوة في يد التحالف، شكل دخول القوات الإماراتية بقيادة بريطانية إلى عدن نجاحا كبيراً حينها على الأرض، ظل هذا هو الإنجاز الأكبر .
وفي العام 2018م سيطر تحالف العدوان على معظم الشريط الساحلي الغربي لليمن وصولا إلى إطباق الحصار من الجنوب والشرق على مدينة الحديدة ودخول بعض أحيائها، وسبق ذلك في عام 2016م احتلال قوات التحالف فرضة نهم، ووصلت قواته قريبا من العاصة صنعاء بعد سلسلة عمليات قضم تدريجي على مدى 4 سنوات في مديرية نهم، حينها تعمد اللواء المالكي الناطق الحالي للتحالف زيارة المديرية والتقاط الصور ليرى بمنظاره العسكري المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء .
تذكر مصادر خاصة أنه وعقب سيطرة قوات تحالف العدوان على مفرق الجوف في العام 2016م ، طلب السفير الفرنسي حينها لقاء كبير مفاوضي صنعاء في العاصمة العمانية مسقط محمد عبدالسلام عارضا انسحابا آمنا لقوات الجيش واللجان الشعبية من صنعاء شمالا وعدم المسّ بالثوار، فيما بدا رسالة من تحالف العدوان وعرضا مغرياً لطرف يخسر عسكريا وأضحت عاصمته تحت التهديد من قبل طرف يضم 17 دولة ويتفوق عسكريا وتكنولوجيا ولديه موارد الأموال الكافية لمواصلة القتال بزخم يمتد لعشرات السنين ، تلقى السفير الفرنسي حينها ردا صادما على رسالة التحالف بأن الحرية والسيادة لا تقاس بفقدان الأرض بل يزيد ذلك الأمر عزيمة على القتال والمواجهة.
في موازاة التقدم العسكري لتحالف العدوان استمر الحصار القاسي ونفذ تحالف العدوان إجراءات اقتصادية مؤلمة جدا ضد صنعاء بغرض معاقبة البيئة الشعبية التي وفرت ذلك الكم من الصمود الأسطوري غير المتوقع ، وجعلت التحالف يعدل تقديراته بالوصول إلى صنعاء من أسبوعين إلى شهرين إلى عامين، وأخيرا الإقرار بالاستحالة ، شملت نقل البنك المركزي إلى عدن وقطع رواتب الموظفين وتجفيف موارد الجمارك والضرائب التي تورد إلى صنعاء عوضا عن نهب الثروات النفطية الواقعة منابعها في مناطق سيطرة تحالف العدوان في مارب وجنوب شرق اليمن والدفع باليمن إلى اكبر أزمة إنسانية في العالم.
حتى فبراير 2020م كان التحالف يرفض هدنا لأسابيع تطمح إليها صنعاء التي ترفض اليوم طلبا للتحالف بهدن تمتد لـ 6 أشهر، وترفض عروضا لإنجاز اتفاقات سياسية كانت في السابق على استعداد للقبول بها بما في ذلك القبول بمشاركة عملاء السعودية في السلطة، فما الذي تغير حتى تحولت صنعاء من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم، ومن موقع الباحث عن الهدنة إلى موقع من يضع اشتراطاته عليها، وكيف اصبح التحالف الكبير يتوسط بالعمانيين والألمان والأمم المتحدة للضغط على صنعاء لقبول الهدن .
يفرض هذا الوضع إعادة قراءة مسار الأحداث من لحظة سقوط عدن في مايو 2015م، والتقييم الذي أجري لوضع مسار معركة نفس طويل لا تقتصر على زخم المواجهة في مواجهة طرف لديه القدرة على إدارة معركة بزخم أكبر ولديه القدرة على جلب مرتزقة بأسعار متفاوتة من كل أنحاء العالم، بل تركز على بناء القدرات والمزج بين حروب الجيوش النظامية والمجموعات المسلحة والجمع بين العمليات العسكرية الخاطفة والتشبث بالأرض.
ولأن المقام هنا ليس لشرح مفصل عن مسار ذلك التطور المذهل والذي لفت إليه أنظار الأكاديميات العسكرية العريقة في العالم والمعنية بدراسة تطور الجيوش وفنون القتال، فنسرد أبرز العناصر .
•فبراير 2020م – نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية بعد سنوات من البناء وشهور من الإعداد والتحضير في قلب المعادلة العسكرية في نهم واجتثاث أهم نقاط تفوق تحالف العدوان بالسيطرة على مديرية نهم ومفرق الجوف – عملية البناء المرصوص- ..
وعقب عملية البناء المرصوص وانطلقت قوات الجيش واللجان الشعبية بعملية عسكرية واسعة استعادة بها محافظة الجوف وأجزاء من مديريات مارب المحاذية للمحافظة – عملية نصر من الله – وشكلت العمليتان الكبيرتان قلبا لمعادلات الميدان اليمني بشكل مذهل ومربك لتحالف العدوان وللعالم الذي يراقب سير المعارك في اليمن .
•2021م — عملية عسكرية واسعة في محافظة مارب انتهت بالسيطرة شبه الكاملة على مديريات المحافظة ماعدا المدينة وحقول صافر، أجبرت العملية العسكرية في مارب للجيش واللجان الشعبية تحالف العدوان على التخلي عن مكتسباته في الساحل الغربي بما في ذلك فك الحصار عن مدينة الحديدة رغم أهميتها الاستراتيجية في المعركة الدولية على طرق التجارة البحرية مع روسيا والصين، وامتلاك صنعاء قدرة مناورة أوسع لفرض سيطرتها على البحر الأحمر .

•2022م – تحالف العدوان يدفع بالقوات التي جرى سحبها من الساحل الغربي إلى مارب في محاولة إسعاف أخيرة لبقائه هناك، صنعاء ترد بضرب الجناح الأمريكي في قاعدة الظفرة في أبوظبي ما شكل صدمة للأمريكيين حول مدى جرأة صنعاء وإلى أين باستطاعتها الذهاب في تقدم لافت على بقية محور المقاومة، على مدى سنوات من القتال في سوريا تجنبت اطراف محور المقاومة الذهاب إلى صدام مباشر مع الأمريكان، قبل أن تقدم على ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران وتضرب القواعد الأمريكية عقب اغتيال القائد الكبير قاسم سليماني .
ضرب القاعدة الأمريكية باعتراف الطرف الأمريكي بأن قواتهم تعرضت لتهديد سبقه ضرب مصفاتي بقيق وخريص في سبتمبر 2019م، عماد الصناعة النفطية السعودية والمنشأتان الاستراتيجيتان للطاقة أمريكيا وغربيا بالدرجة الأولى وإحداث أزمة وقود عالمية – لم تتعرض المنشأتان لأي قصف خلال الحرب العراقية الإيرانية أو من قبل نظام صدام حسين منعا لغضب أمريكي – ضرب المنشأتين من قبل صنعاء وما استتبع ذلك من استهداف مراكز الصناعة النفطية السعودية وفي الإمارات وتنامي ذلك كما ونوعا، كل ذلك أطلق جرس إنذار كبير للأمريكيين والبريطانيين أنهم يخسرون الحرب في اليمن، وللعالم بان هناك قوة صاعدة ستفرض لاحقا شروطها على العالم ويجب مد جسور التعامل معها، كثير من السفراء التقوا ممثلين عن صنعاء وأعربوا عن رغبتهم علنا أو سراً في إعادة العلاقات معها بمجرد رفع الحصار .
تصريحات رئيس حكومة الإنقاذ عبد العزيز بن حبتور بأن صنعاء لن تسمح بصهينة البحر الأحمر في أعقاب تشكيل تعاون سعودي خليجي إسرائيلي أمريكي في البحر الأحمر، مؤشر أكثر وضوحا عن الهزيمة التي بلغها تحالف الولايات لمتحدة الأمريكي، فها هي أهم مقررات زيارته لجدة تتبخر، عوضا عن أن الدول الحليفة له بدأت تتبرم وترفع صوتها باستثناء السعودية والإمارات لمطامع شخصية بالقبول بإبن سلمان ملكا وإنهاء عزلته، ووصول بن زايد ملكا بمسمى رئيس على الإمارات التي أنشأها البريطانيون في سبعينيات القرن الماضي .
وبالنظر إلى المتغيرات الدولية نتيجة للمواجهة الأمريكية الروسية ومع الصين، وعجز تحالف العدوان عن توحيد أدواته رغم إنهاء فترة هادي قبل نحو أربعة اشهر وتوحيد ميلشياته في مجلس قيادة مستحدث ، يبدو خيار الهدنة خيارا اضطراريا لتحالف العدوان ، بدلا من وقوع هزيمة واضحة ، تبقى لهذا التحالف ورقة الحصار والورقة الاقتصادية – الرواتب ، إيرادات النفط والغاز – ليضغط بها ومن غير المتوقع أن يسلم بها سريعا بعد اضمحلال الورقة العسكرية نتيجة ما سبق وعدم القدرة على الذهاب إلى تفعيلها نتيجة تشتت الأدوات على الأرض والانشغال بالملفات الدولية الناشبة.
صنعاء تفاوض حاليا في ملعب تحالف العدوان وعلى آخر أوراقه فك الحصار والورقة الاقتصادية – وذلك نجاح ومؤشر عن انتصارها في القتال على مدى 8 سنوات – هي تمضي خطوة خطوة في خلخلة جدار الحصار وفتح ثغرات فيه عبر توسيع وجهات السفر من مطار صنعاء، وفتح ميناء الحديدة لتدفق الوقود، وفرض بند إعادة الرواتب وإطلاق الأسرى على صدارة أجندة تجديد الهدن الأممية .
وبمعزل عن طاولة التفاوض، صنعاء لا توفر وقتا في مراكمة تراكم القوة العسكرية النوعية والتقليدية كما شهدنا خلال أيام الهدنة الفائتة، والأخطر هو مالا يعلن عنه في وسائل الإعلام وستكشفه ميادين المعارك، فلا يمكن لحالة اللا حرب واللا سلم أن تطول متى رأت صنعاء أنها استكملت عناصر المعركة الفاصلة والحاسمة، ويذهب الاعتقاد إلى أنها ستكون خاطفة وحاسمة بما يكفي ليستوضح العالم نصراً واضحا لصنعاء، والإعلان عن ولادة طرف إقليمي ودولي من بوابة مضيق المندب والبحر الأحمر .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com