نذر الصراع بدأت لكن كلفته الباهظة تكبح التقدم: هل تدفع تايوان ثمن حرب النفوذ الأمريكي الصيني في شرق آسيا؟
أفق نيوز../
تداعيات خطيرة في ملف الأزمة التايوانية الصينية برزت على الواجهة، بعد رفض الصين دعوة البيت الأبيض إلى خفض التوتر، واستمرارها بمناورات عسكرية بمحيط تايوان وأجوائها تحاكي عمليات لاجتياح الجزيرة، بالتزامن مع إطلاق تايوان مناورات عسكرية تحاكي عمليات الصد والدفاع، وبدء واشنطن تحركات استراتيجية في بعض دول شرق آسيا، ما قد تجعل من احتمال اجتياح الصين لتايوان أمرا واردا لمواجهة نفوذ أمريكي متصاعد.
انخراط تايوان باستعدادات عسكرية في المناورات التي تجريها بمقاطعة بينغتونغ في جنوب الجزيرة، بدت للبعض خطوة تصعيدية حمقاء لن تنتهي عند زيادة احتمالات المواجهة العسكرية مع الصين، بل ستفتح المجال لصراع طويل مع الولايات المتحدة الأمريكية التي انخرطت عمليا في ماراثون سباق مع الصين في معادلة النفوذ الجيواستراتيجي بمنطقة المحيطين الهادي والهندي.
بدأت نذر التصعيد في منطقة بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان غداة زيارة “الاستفزاز الاستراتيجي” لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان مطلع الشهر الجاري، وهي الزيارة التي أدت إلى تفاقم التوتر بين الصين والولايات المتحدة وسط اتهامات صينية لواشنطن بالتخطيط لإحداث أزمة تفضي إلى زيادة وجودها العسكري في المنطقة.
هذا السيناريو بدأت ملامحه تتشكل اليوم، في التحركات الأمريكية الأخيرة إلى بعض دول شرق آسيا، التي كانت الصين قد قطعت معها شوطا كبيرا لوضعها تحت المظلة الصينية، بما رافقتها من مواقف صينية غاضبة اتهمت واشنطن بجر العالم إلى قانون الغابة وإعلانها التصدي لأي محاولات أمريكية لاستخدام تايوان للسيطرة على الصين، أو التحكم بمصيرها ومصالحها عبر تايوان، ما اعتبره كثيرون قرعا لطبول أكبر مبارزة جيوسياسية على ظهر الكوكب.
وعلى أن جزيرة تايوان كانت محور الأزمة الأخيرة بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن تداعياتها الجديدة لن تقف عند محيط الجزيرة، بل من المرجح أن تتعداها إلى مضيق تايوان، حيث أكثر طرق الملاحة الدولية نشاطا في العالم، بعد إعلان السلطات الصينية أن جيشها سيقوم بتدريبات عسكرية بشكل منتظم حول تايوان، وتأكيده على أن ” ما تسمى بالمياه الإقليمية لتايوان ليس لها وجود في الواقع” ناهيك عن اقتراب مناوراتها من المنطقة المحاذية للكوريتين على البحر الأصفر الذي يفصل بين الصين وشبه الجزيرة الكورية.
هذه المناطق شديدة الحساسية بالنسبة لواشنطن وحلفائها في شرق آسيا، إذا ما عرفنا أن نصف حركة حاويات الشحن في العالم تعبر من مضيق تايوان سنويا، بما يجعله واحدا من أهم طرق الشحن البحري الرئيسية في العالم، وفقا لتوصيف “بلومبرغ”.
سباق النفوذ
رغم التطمينات التي قدمتها واشنطن للصين بعدم تأييد استقلال تايوان وإعادتها التأكيد على مبدأ “الصين الواحدة”، إلا أن الموقف الصيني الغاضب من زيارة رئيسية مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايبيه، لا يزال عند مستوياته المرتفعة، عبَّرت عنه مؤخرا تصريحات وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال اجتماعات ” آسيان” بقوله: إن الصين لن تسمح للولايات المتحدة بإعادة العالم إلى قانون الغابة، وتأكيده أن بكين ستدافع بحزم عن السيادة الوطنية للصين وسلامة أراضيها، ناهيك عن إعلانه عزم بكين القضاء على ما سماه” وهم القيادة التايوانية بإمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة في السعي إلى الاستقلال”.
وصورة عامة فإن الصين لم تعد تنظر إلى تايوان وحدها كبؤرة في دائرة التحركات الأمريكية في منطقة المحيط الهادي، فعينها تركز أيضا على تحركات أخرى شرعت بها واشنطن في كل من الفلبين وجزر سليمان، وأثارت مخاوف جدية لدى بكين، وأن الأزمة الأمريكية الأخيرة في تايوان ليست إلا جزءاً من مخطط كبير، توضحه التصريحات الأمريكية المتكررة التي ترى في الصين خطرا استراتيجيا على المصالح الأمريكية في شرق آسيا.
يشار في ذلك إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن إلى مانيلا، وكذلك زيارة مساعدته ويندي شيرمان إلى هونيارا، في تحرك متزامن بدا وكأنه جزء من خطة أوسع تسعى فيها واشنطن إلى زيادة نفوذها في شرق آسيا لمحاصرة الصعود الصيني ومنعها من زيادة نفوذها هناك.
لا تخفي واشنطن هذه التوجهات التي تأتي في إطار خططها الجيواستراتيجية في منطقة المحيطين الهادي والهندي، والتي عبَّر عنها تقرير حديث أصدره مؤخرا مركز الدراسات الأمريكية في جامعة سيدني الأسترالية، اعتبر أن خطة الدفاع الأمريكية في منطقة المحيطين الهادي والهندي “على شفا أزمة غير مسبوقة” وأن واشنطن قد تعاني في الدفاع عن حلفائها أمام الصين.
التقرير أكد أن واشنطن “لم تعد تتميز بالتفوق العسكري في منطقة المحيطين الهادي والهندي وأن قدرتها على الاحتفاظ بتوازن القوى لصالحها، أصبحت محل شك”، كما اعتبر أن ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها بكين من شأنها تهديد القواعد الأساسية التي تمتلكها واشنطن وحلفاؤها، ما يجعل من القواعد الأمريكية هناك بلا فائدة مع بداية الضربات الجوية في الساعات الأولى لأيّ صراع عسكري”.
ولكون الفلبين تعتبر نقطة ارتكاز للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، فقد جاءت زيارة بلينكن إليها إلى جانب أهداف أخرى، لتهدئة المخاوف بشأن مدى التزام الولايات المتحدة بمعاهدة للدفاع المشترك في ظل التصاعد الخطير للتوتر حول تايوان.
ذلك ما فسَّر إعلان بلينكن بأن الولايات المتحدة ستهرع للدفاع عن مانيلا إذا ما تعرضت لهجوم في بحر الصين الجنوبي، واصفا الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين أمريكا والفلبين قبل 70 عاما بأنها “صلبة كالفولاذ” وأن “أي هجوم مسلح على القوات المسلحة الفلبينية أو السفن والطائرات من شأنه أن يُفعّل التزامات دفاعية للولايات المتحدة بموجب هذه المعاهدة”.
الموقف ذاته برز خلال زيارة متزامنة لوفد أمريكي رفيع برئاسة مساعدة وزير الخارجية ويندي شيرمان إلى جزر سليمان غداة إعادة واشنطن فتح سفارتها هناك، بعد نحو 30 سنة على إغلاقها، في خطوة بدت للمراقبين غير بعيدة عن التوجهات الأمريكية لمواجهة صعود النفوذ الصيني بعد توقيع بكين وهونيارا اتفاقية أمنية سرية، أثارت قلق واشنطن من إمكان أن تقود إلى زيادة السيطرة الصينية على منطقة جنوب المحيط الهادي على حساب تقليص النفوذ الأمريكي هناك.
وكانت الصين قد سبقت واشنطن بخطوات في هذا الملف، ولا سيما في العام 2019م بإعلان السلطات في جزر سليمان قطع علاقتها بتايوان، في خطوة أرادت من خلالها الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية مع الصين، قبل أن تعود في العام 2021م وتوقع اتفاقا أمنيا مع جزر سليمان، ذكرت تقارير دولية أنه يؤسس لوجود عسكري صيني في هذه الدولة.
سباق صيني- أمريكي
طالما سعت الولايات المتحدة والصين إلى احتواء كل دولة للنفوذ المتنامي للأخرى في دول المحيط الهادي وهو التسابق الذي دعا واشنطن مؤخرا إلى اعتماد تغييرات في سياستها الخارجية مع هذه الدول، بالانتقال من التركيز على قضايا الأمن والديمقراطية إلى المواءمة بين القضايا السياسية والتنموية، وهو ما دعا واشنطن إلى تقديم زهاء 600 مليون دولار دعما اقتصاديا لجزر المحيط على شاكلة الأدوات الناعمة التي تستخدمها الصين لترسيخ نفوذها هناك.
هذا الطابع التنافسي لم يكن بعيدا عن تايوان، فقد تنافس البلدان طوال السنوات الماضية لتقلد موقع الصدارة في الشراكة الاقتصادية مع تايوان، وهذا بدوره أدى إلى ظهور تيارات سياسية متباينة بداخل الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي، بعضها قريب إلى الغرب والآخر قريب من الصين.
وطبقا للمؤشرات الاقتصادية الراهنة فإن الصين تتصدر قائمة الشركاء التجاريين لتايوان، حيث استحوذت على نحو 28.2 % تقريبًا من إجمالي الصادرات التايوانية في 2021م، بقيمة بلغت نحو 126 مليار دولار، فيما جاءت الولايات المتحدة تاليا بإجمالي واردات بلغت قيمتها 65.9 مليار دولار، أي نحو 14.7 % مما تصدره تايوان.
وبجانب ما تستورده الصين، فإن مكانتها بالنسبة لتايوان تعد شديدة الأهمية فيما يتعلق بالاستثمار، فمنذ العام 1991 وحتى نهاية شهر مايو في عام 2021م، استثمرت الشركات التايوانية بنحو 194 مليار دولار في حوالي 5 آلاف مشروع داخل الصين.
ومع ذلك فلدى واشنطن اليوم دافع آخر وهو إرغام الصين على اتخاذ موقف حازم تجاه روسيا، ولذلك لن تكف واشنطن عن محاولات التصعيد، ما سيدفعها أكثر لمحاولة الضغط على الصين بكل الطرق، بما فيها الطريق التايوانية لإرغامها بإحداث تغيير في موقفها، الذي ترى واشنطن أنه يدعم روسيا في حرب أوكرانيا، ناهيك عن مساعيها تقويض قوة الصين الاقتصادية من خلال ضرب المصالح المشتركة بين الصين وتايوان خصوصا في مجال الصناعات التقنية الدقيقة، والتي تعمل أمريكا ما بوسعها لاستعادة السيطرة عليها بعد افتتاح رجال أعمال تايوانيين مصانع للصناعات التقنية الدقيقة داخل البر الصيني.
مخاوف متبادلة
خلافا لأدوات التنافس القديمة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في تايوان، فقد أرغمت التداعيات الجيوسياسية الأخيرة، بكين على اعتماد أدوات أكثر صرامة، بدأتها بقلب الطاولة على قواعد الأمن الأمريكية في مضيق تايوان، بتنظيم مناورات عسكرية فيها، ثم تمديد مناوراتها إلى محيط تايوان، بالتزامن مع شروعها في استعراض القوة النووية والصواريخ البالستية والفرط صوتية العابرة للقارات، في خطوة أشعلت قلقا أمريكيا من احتمال تحول المناورات الصينية إلى “اجتياح” فعلي لجزيرة تايوان.
وترى واشنطن أن المناورات الصينية المكثفة التي تجاوزت بحر الصين الجنوبي إلى مضيق تايوان والبحر الأصفر، تشبه تلك التي قامت بها روسيا قبيل اطلاقها العملية العسكرية الخاصة على أوكرانيا، غير أنها لا تزال تتحدث عن هذه الفرضية بحذر مرتبك، رغم إعلانها مرارا أن جيش التحرير الشعبي الصيني ينتهك سيادة ومياه تايوان وأجوائها ويستخدم كل الأسلحة الثقيلة بما فيها الغواصات لتهديد الجزيرة”.
ولعل السبب في هذا الوضع المرتبك يعود إلى حالة القطيعة بين البلدين منذ زيارة نانسي بيلوسي إلى تايبيه، بما في ذلك قنوات التواصل بين وزراتي الدفاع الصينية والأمريكية وكذلك بين هيئتي الأركان المشتركة والتي كانت نشطة حتى وقت قريب في إطار ما يُعرف بـ “آلية الاستشارات الأمريكية – الصينية لسلامة مياه المنطقة”.
بالمقابل يعتقد الصينيون أن ثمة سيناريواً قد أعدته واشنطن في وقت مبكر لإشعال حرب داخل جزيرة تايوان لمواجهة الصعود الاقتصادي للصين، تماماً كما كانت قد فعلت مع أوكرانيا التي انخرطت مؤخرا بصورة مفاجئة في حرب غير متكافئة مع جارتها الروسية اعتمادا على السيناريوهات والوعود الغربية.
ورغم أن الصينيين يلتزمون الصمت حيال الأدلة على ذلك، بخلاف الروس، فإن الأدلة تظهر بين الحين والآخر، من داخل واشنطن ومنها على سبيل المثال التحركات التي بدأها مشرّعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مؤخرا واستهدفت إقرار مشروع قانون يعزز التعاون العسكري مع تايوان، ويدرجها رسمياً كحليف أساسي خارج حلف “الناتو” ويقترح تقديم نحو 5 مليارات دولار من المساعدات الأمنية لتايوان، ودعم حضورها الفاعل في المؤسسات الدولية.
الأهداف البعيدة لهذا المشروع لخصها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي السيناتور بوب مينانديز، عندما أعلن أن هذا المشروع “سيضع أسسا لنظرة جديدة تحرص على أن تكون واشنطن في موقع تستطيع فيه الدفاع عن تايوان لعقود قادمة”.
أما بكين التي ظلت طوال الفترة الماضية تراقب عن قرب ما تقوم به الولايات المتحدة في أوكرانيا، فلم تعد تستبعد أن تعيد واشنطن تطبيق السيناريو الأوكراني في تايوان بإغراقها بالأسلحة الدفاعية وحتى تزويدها بأنظمة صاروخية متطورة قد تشكَّل تهديدا حقيقيا للصين.
سيناريوهات محتملة
تذهب التقديرات الأمريكية إلى التأكيد على أن ما تفعله الصين اليوم في محيط تايوان يشبه تماما السيناريو الذي فعلته روسيا مع أوكرانيا، باعتبار أن المناورات التي تقوم بها حاليا تحاكي اجتياح تايوان، ما جعل المشهد يبدو مكررا وكأن بكين تحاول استنساخ الخطة التي استخدمتها روسيا في أوكرانيا.
وفي مقابل فرضية الاجتياح العسكري الكامل لتايوان، يتحدث خبراء دوليون عن سيناريو أقل كلفة يمكن أن يحدث بقيام الصين بخطوات عسكرية للسيطرة على الحدود التايوانية الجوية والبحرية دون الحصار الكامل، لإرغامها على الاستسلام والعودة إلى المظلة الصينية، قبل أن ينهال عليها الدعم العسكري من حلفائها الغربيين.
وكلا السيناريوهين لن يأتيا بالسلام في هذه المنطقة، بل سيقودان حتما إلى التصعيد الذي سيقود البلدين إلى حرب بالنظر إلى اعتماد تايوان على الواردات وخصوصا الطاقة التي سيقود انخفاضها إلى انقطاع شريان الطاقة وتوقف جزء كبير من الصناعة التايوانية، ما قد يثير مواقف عدائية دولية واسعة على الصين، خصوصا وأن تايوان تتصدر اليوم الرقم (1) في قائمة الدول المصنعة لأشباه الموصلات بحوالي 90 % من إجمالي إنتاج الرقائق على المستوى العالمي، وأي خطوة تهدد هذه الصناعة، قد تفضي إلى اضطرابات على مستوى العالم.
وثمة سيناريو آخر يقول إن بكين قد تتجنب المواجهات العسكرية المباشرة وتستخدم سلاح الاقتصاد في المواجهة المحتملة مع تايوان والولايات المتحدة، خصوصا أن حجم الصادرات التايوانية إلى دول آسيان والولايات المتحدة في الربع الثاني من العام الجاري فقط، تجاوز عتبة الــ 125 مليار دولار، معظمها في قطاع التكنولوجيا والاتصالات واشباه الموصلات، غير أن هذه الفرضية لا يبدو أنها ستقلل فرص اندلاع المواجهات العسكرية، فرقم التجارة الخارجية لتايوان مع الولايات والمتحدة وحلفائها الغربيين ونوعية الصناعات المتدفقة من هذا البلد تكفي لإشعال عدة حروب وليس حرباً لمرة واحدة.
تداعيات خارج السيطرة
من غير المستبعد أن الصين تسعى من تحركاتها العسكرية في محيط تايوان إلى تقديم استعراض مقنع للقوة دون التوغل في تحركات تقود إلى صراع مسلح، غير أن العديد من تجارب الأزمات الدولية المشابهة تقدم تقدّيرات مختلفة ترجَّح أن تقود هذه الخطوات إلى تصعيد التوتر، ما قد يسبب تأثيرات سلبية في الأنشطة الاقتصادية تقود إلى أزمة تهز الاقتصاد العالمي، يكون معها الانتقال إلى صراع مسلح خيارا وحيدا للحسم أو لتلافي الأسوأ.
ومع ذلك فإن خطورة المناورات العسكرية الصينية الجارية اليوم في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، تكمن في أنها تحاكي الهجوم على تايوان بعدما وصلت قذائفها إلى المياه الإقليمية لتايوان بالتزامن مع مناورات تايوانية تحاكي عمليات الدفاع وصد الهجوم الصيني على الجزيرة، وهي مناورات تزيد من فرص اندلاع مواجهة عسكرية، ستنجر معها بلا شك الولايات المتحدة والحلفاء الرئيسيون لواشنطن في حلف “الناتو”.
ما يعزز ذلك أن واشنطن تعتبر بقاء الوضع على ما هو عليه في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان مؤشراً على استمرارها في فرض السيطرة على العالم، وأي تغيير في المعادلة قد يفقد الولايات المتحدة زمام السيطرة على منطقة المحيطين الهادي والهندي دفعة واحدة.
وثمة معطيات كثيرة تُرجّح أنه لا ضمانات ببقاء الموقف في حدود المناورات العسكرية بين الصين وتايوان من جهة أو في حدود السباق الجيواستراتيجي السلمي بين واشنطن والصين من جهة ثانية، فإمكانية أن يتصاعد الموقف إلى صراع عسكري واردة في أي لحظة في ظل حال التوتر القائم والاحتمالات العالية لسوء التقدير من أي طرف.
وما يجري على الأرض اليوم يقول إن نذر الصراع قد بدأت فعلا وأن تأخره يعود فقط إلى مخاوف كل الأطراف من حجم الكلفة الباهظة التي ستخسرها، ناهيك عن تأثيراتها على الاقتصاد العالمي والتي يتوقع أن تفوق كثيرا التأثيرات التي خلفتها الأزمة الروسية ـ الأوكرانية.
وأكثر ما تخشاه دول العالم أن يؤدي اندلاع صراع عسكري في مضيق تايوان إلى تعطل التوازن الذي أتاح لتايوان في السنوات الأخيرة تطوير صناعاتها في إنتاج أشباه الموصلات، حتى صارت مركزا رئيسيا عالميا يعتمد عليه في الحفاظ على ازدهار الاقتصاد الرقمي الذي تديره حاليا القوى العظمى في العالم وتتوقع أن يكون سلاحها الاقتصادي الأول في المستقبل.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله