المعاهدات اليمنية مع السعودية باطلة ولاغية في ظل تكرار العدوان وخرق العهود والمواثيق
252
Share
شــــرعية المعاهــــــدات (1-4) د.حسين محمد مطهر
تجدر الإشارة إلى أن أول ما يلفت الانتباه عنوان المعاهدة “معاهدة صداقة عربية وأخوَّة إسلامية” بين المملكة اليمانية وبين المملكة العربية السعودية، فالمعروف أن المعاهدة أعلنت في الوقت الذي كانت فيه الأعمال الحربية لم تنته بعد وقد كانت أول عبارة ترد في الديباجة “رغبة منهما في إنهاء حالة الحرب”.. ثم تتابعت الكثير من مواد المعاهدة لمعالجة ذلك الأمر, وقد جرى العرف على أن تسمى مثل هذه المعاهدات بـ “معاهدات سلام” أو “اتفاق هدنة” أو “معاهدة صلح”.. إلخ.
إن لفظ “الصداقة العربية والأخوة الإسلامية” يوحي باتجاه نية الطرفين إلى تعزيز الروابط والعلاقات بينهما حتى تصبح وكأنها علاقة “تحالف”, هذا الفهم تعززه بعض النصوص, فالديباجة تقول: “ورغبة في أن يكونا عضداً واحداً”.. والمادة (3) تنص على أن “يتفق الفريقان”.. على الطريقة التي تكون فيها الصلات والمراجعات بما فيه حفظ مصالح الطرفين، على أن لا يكون ما يمنحه أحد الفريقين للآخر أقل مما يمنحه لفريق ثالث، وجاء في المادة (16) يعلن الفريقان.. “اللذان تجمعهما روابط الأخوة الإسلامية والعنصرية العربية أن أمتهما أمة واحدة”.. إلخ.
كما نصت المادة الثانية والعشرون على أن تظل سارية المفعول مدة عشرين سنة قمرية تامة, وهذا لا يتوافق مع عنوان المعاهدة، فكيف يستقيم أن “الصداقة العربية والأخوة الإسلامية” تحدد بعشرين سنة، بينما المعاهدات السعودية البريطانية لا أمد لها، كما أن معاهدة الصداقة والتعاون بين الإمام وبريطانيا حددت بأربعين عاماً.
الحقيقة أن الأراضي والحدود هما العائق أمام استمرار الصداقة العربية أو الأخوة الإسلامية، ويبدو أن آل سعود كانوا يطمحون في المزيد، وكان الإئمة يأملون في استعادة ما فقدوه، ومما يؤكد ذلك أن النص الذي حدد مدة المعاهدة لم ينص على التجديد الضمني حيث اعتبر أن المعاهدة تصبح لاغية بانتهاء مدتها، بل إنه ساوى بين التجديد والتعديل فوضع ضوابط زمنية لكيفية إجرائهما تمثلت في:
– تحديد الوقت الذي يقدم خلاله اقتراح التجديد أو التعديل قرر النص أن اقتراح التجديد أو التعديل يجب أن يقدم خلال ستة أشهر من تاريخ تقديم أحدهما للمقترح، فلو افترضنا أن أحد الطرفين قدم المقترح في اليوم الأخير من انتهاء المعاهدة فإنها تظل سارية المفعول لمدة ستة أشهر من اليوم الذي قدم فيه المقترح، فإذا انتهت الستة الأشهر دون اتفاق الطرفين انتهت المعاهدة.
وبناء على ذلك فإن المعاهدة لم تحسم مسألة الحدود بل رحلتها لأن النص عندما تحدث عن التعديل لم يستثن أي بند من بنودها وقد احتوت المعاهدة على مادة وجزء مادة تتعلقان بالأراضي والحدود، هما نص المادة الرابعة وعجز المادة الثانية.
كان المراقبون يرون أن هذا الصلح أغرب من الحرب، فرغم قسوة الحرب والانتصار الذي حققه ابن سعود، إلا أن الصلح جاء بغير ما كان يتوقعه كل المراقبين أو المعلقين سواء من العرب أو الأجانب عموماً, ولكنهم لم يوضحوا سبب ذلك، واقتصر على إثباته بنصوص من المعاهدة نفسها، والشروط التي وضعتها والنظم التي أقامتها، والحقيقة أن هذه المعاهدة قد أقامت قواعد ثابتة متينة لعلاقات البلدين بعضها ببعض وهذا هو سبب أهميتها.
فإذا ألقينا نظرة سريعة على مواد المعاهدة، نجد أنها لم تكن معاهدة صلح خاصة فحسب، بل كانت معاهدة عامة نظمت العلاقات بين المملكتين العربيتين المتجاورتين بشكل دقيق.
وقد سارت الدولتان في تثبيت الحدود التي نصت عليها المعاهدة سيراً حثيثاً، حتى تقضى على أسباب التوتر الذي ساد علاقتهما منذ عام 1926م إلى 1934م، لذلك تألفت لجنة حدود من مبعوثين، مسؤولين من كل من الطرفين، للقيام بهذا التخطيط طبقاً للأسس التي وضعتها المعاهدة نفسها وقد راعت اللجنة في التنفيذ الدقة مع ملاحظة مصالح القبائل المنتشرة على طول الحدود حتى لا تثار هناك أية شكوك فيما بعد، في ولاء أو تبعية إحدى القرى أو القبائل لأحد الطرفين.
يلاحظ هنا أن منطقة التخوم اليمنية ـ السعودية المشتركة (وفي مقارنة مع مثيلاتها الأخريات) انفردت بكثافة سكانية عالية، أدى ذلك إلى تشكيل عدة لجان وقفت على أرض الواقع بتفصيلاته الدقيقة، وقد تضمنت المادة الرابعة من اتفاقية الطائف وصفاً تفصيلياً لتوزيع القرى والأودية والبقاع على جانبي الخط الحدودي الجديد وتبعاً لذلك، تولت لجنة فنية مشتركة وضع عدد كبير من العلامات الحدودية على الأرض غطت المنطقة الممتدة من الساحل حتى جبل ثار شرقي نجران.
وبذلك تنفرد التسوية الحدودية السعودية ـ اليمنية بكونها الحالة الأولى وربما الوحيدة لوقت طويل التي تضمنت، ليس فقط رسماً لخط حدودي على خريطة مرفقة كما في الحالات الأخرى، بل وتثبيته على الأرض أيضاً لعلامات حدودية.
وجدير بالذكر أنه على الرغم من الملاحظات التي أثارتها الأطراف المحلية في مناسبات عدة سابقة على مبدأ الحدود السياسية الغربية الشمالية، قامت تسوية الطائف على المبدأ ذاته, وهو ما يعني أنه كان حلاً عملياً وضرورياً صاحب ظهور نظام الدول القومية وتقسيم السيادات الوطنية على الأرض، وهكذا، وضع الجاران العتيدان نهاية للفصل الأول من ملفهما الحدودي الشائك.
ويتبادر إلى الذهن سؤال هام قد تردد عند إبرام المعاهدة وهو كيف ظهرت هذه المعاهدة في هذا الثوب الودي الأخوي مع أن هناك انتصاراً وهزيمة ولماذا كان هناك ميل إلى التسامح والصداقة من الجانبين فأسرعا إلى الاتفاق على هذا الشكل المرضي من وجهة النظر العربية على الأقل؟
والاجابة على هذا السؤال لا تحتاج منا بحثاً طويلاً، بل تحتاج فقط أن نعود إلى أسباب قيام الحرب وأغراضها ونتائجها، وقد يتضح من استعراض الأحداث السابقة أن الملك عبدالعزيز آل سعود قد تمكن من تحقيق مطالبه كلها عندما تم انتصاره، وعندما وافق الإمام يحيى حميدالدين على شروطه لوقف الحرب، ويتضح من ناحية ثانية – أن ابن سعود كان يعلم علم اليقين – أن الحرب كانت لم تبدأ بعد، فزحف القوات السعودية السريع في تهامة كان نتيجة تقهقر ولجوء القوات اليمنية إلى الجبال للتحصن بها حتى تتمكن من الدخول في معارك حقيقة فاصلة في ميادين تجيد الحرب فيها.
كل هذه النواحي مجتمعة جعلت ابن عسود يوافق على الصلح مادام قد حقق أغراضه، وبالتالي دفعته إلى أن ينتهز الفرصة حتى يضع المعاهدة التي يرغب في عقدها منذ أمد طويل.
ولهذا كله أيضاً فإننا لا نعتبر هذا الصلح جاء مفاجأة أو أن هذه المعاهدة جاءت بغير ما كان متوقعا بل كانت في الحقيقة استجابة صادقة لوقائع الاحداث حينئذ وللظروف والأوضاع المحيطة بها.
وهكذا كان عام 1934م عاما متميزاً في تاريخ حياة الإمام السياسية حيث استطاع تسوية مشكلاته المعلقة تسوية نسبية ترضيه، فقد تم عقد المعاهدة مع السعودية في يونيو 1934م.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين السعودية واليمن ومن أهمها تلك الاتفاقية التي وقعت في الطائف عام 1934م والتي عالجت مسألة الحدود بين البلدين ورسمت جزءاً صغيراً من الحدود بشكل مؤقت وتحت ظروف الحرب الشاملة التي شنتها السعودية على اليمن والمدعومة من القوى الاستعمارية البريطانية المتواجدة في المنطقة.
ويرى الباحث أن المملكة العربية السعودية لم تلتزم بشكل واضح باتفاقية الطائف مع أنها تعتبرها حجر الأساس في التعامل مع أية حكومة تضطلع بمسؤولية الحكم في اليمن، ولذا فإن أي محاولة للتنصل من هذه الاتفاقية أو غيرها أو الإخلال في أي بند من بنودها إنما هو خرق واضح للقانون الدولي وخروج على الأعراف والتقاليد الدولية، وتعتبر لاغية نظراً لتكرار التعدي عليها وعدم الالتزام بكل بنودها وبالرجوع إلى نصوص المعاهدة المكونة من ثلاث وعشرين مادة فقد خرقت السعودية المواد التالية من معاهدة الطائف (5، 8، 9، 10، 12، 14، 17، 18).
لا شك أن الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي توقع عليها الدول أو أشخاص القانون الدولي يعتبر من الأمور الهامة التي لا يقتصر أثرها على الأطراف الموقعة عليها وإنما على المجتمع الدولي بأسره، ذلك أن احترام المعاهدات والمواثيق الدولية لم يعد مسألة شرف تمس أخلاقيات الأطراف المتعاقدة فحسب، وإنما هو مسألة تتعلق بجوهر الأمن والاستقرار والسلام في العالم، والدول مسؤولة كما هو معروف أكثر من غيرها عن تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تدخل طرفا فيها وتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يعتبر، إلى جانب ذلك، جزءاً من المسؤولية الدولية ومطلبا لكل من يهمهم استقرار الأمن والسلام.
وقد نص القرآن الكريم صراحة على ضرورة الوفاء بالعهود وتنفيذ الالتزامات واحترام المعاهدات حيث يقول الحق تبارك وتعالى (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحث المسلمين في كل أقواله وأفعاله على ضرورة الوفاء بالالتزامات وعدم خرق العهود والمواثيق، كما فعلت السعودية مع اليمن والأدارسة في إمارة عسير لأن ذلك يعود إلى الفوضى وإلى الإخلال بالمسؤولية وفقدان التوازن في المجتمع، ومن أبرز الفضائل التي ترتبط بتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول منع العدوان ومقاومة الظلم وحفظ المصالح المتبادلة بالتعاون والإنصاف.
يتضح مما سبق بأن السعودية خرقت معاهدة الطائف 1934م في دعمها ومساندتها للملكيين بسخاء من الناحية المالية والعسكرية والسماح باستخدام أراضيها لمقاومة الجمهوريين منها لمدة ثماني سنوات من عام 1962م وحتى 1970م كما تم احتضان المعارضة اليمنية الانفصالية بعد حرب عام 1994م واتخاذ الأراضي السعودية مركزا رسميا لهم ضد الدولة والحكومة الشرعية وتسخير كل إمكاناتها المادية والعسكرية والإعلامية من أجل إفشال الوحدة اليمنية ودعم قادة الانفصال محليا وإقليميا ودوليا، لأن المفروض كان يجب على السعودية أن تلتزم الحياد ولكنها للأسف الشديد لم تكتف بذلك بل أصبحت طرفا فاعلا ومشاركا في الحرب، وكذلك موقفها في النزاع اليمني الارتيري 1995م على جزيرة حنيش، فكان عليها أن تكون طرفا مراقبا أو محايدا بل عمدت إلى دعم الطرف الارتيري ضد الجمهورية اليمنية وهذا مخالف لكل بنود الاتفاقيات المعقودة بين الدولتين.
ومن خلال تحليل المواد السابقة للمعاهدات يجب على السعودية أن تحافظ على مكاسبها التي اكتسبتها بالقوة وتلتزم بكل بنود المعاهدات والاتفاقيات وأن تحافظ على مصلحة الطرف الآخر، وإلا فهي الخاسرة وستضر بمصالحها وسيطالب الشعب اليمني بإعادة أراضيه المحتلة نظراً لتكرار خرق المعاهدات من قبلها دون مراعاة لخصوصية العلاقات بين الشعبين اليمني والسعودي المتمثلة في رابطة الجوار الإقليمية ووحدة التاريخ والعقيدة واللغة والثقافة والعادات والتقاليد ووشائح القربى والرحم ووحدة المصير المشترك.
ولذلك فإن السعودية لم تكن لتدع اليمن يعيش في أمان واستقلال في قراره والاعتماد على نفسه, بل هذه المرة حشدت تحالفا عربيا وخليجيا وقيادة أمريكية اسرائيلية ودعما لوجستيا من كل دول العالم للقيام بحرب كونية ضد شعب مسلم ومسالم وفقير، فقتلت آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ومحاصرته براً وبحراً وجواً منذ أكثر من تسعة أشهر ومنعت عنه الغذاء والدواء والمشتقات النفطية بدون أي ذنب صدر منها ضد الأشقاء أو الأصدقاء.
إن استمرار السعوديين في خرق العهود والمواثيق والمعاهدات وقيامها باحتضان الرئيس الخائن هادي والمنتهية ولايته وحكومته المستقيلة والعملاء والمرتزقة المؤيدين للعدوان يعد مخالفاً لكل ما تم الاتفاق عليه منذ اتفاقية الطائف 1934م وحتى يونيو 2000م، لأن العدوان والغزو يلغي المعاهدات بين الدولتين.