كيف إنعكست المناطقية على المشهد السياسي اليمني؟
أفق نيوز../
كيف انعكست المناطقية على المشهد السياسي اليمني؟ وكيف استثمرها المحتلون الجدد واستغلّوها لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية وأطماعهم على أنقاض واقع منقسم عمودياً ومتشظٍ أفقياً؟
من يتابع مشهدية الصراع المتنقّل في المحافظات الجنوبية منذ العام 2015 وإلى اليوم، يدرك تماماً أنّ “المناطقية السياسية” لا تزال الحاكمة والمهيمنة على أبجديات الخطاب السياسي والإعلامي لأطراف الصراع، من خلال اجترار تاريخي لمصطلحات القرن الماضي، من قبيل “أصحاب المثلث” و”أصحاب القرية” و”الزمرة” و”الطغمة” و”الانقلابيين”، يُضاف إليها ما يتردّد في المناطق الوسطى من مصطلحات مناطقية بخلفية سياسية، كذلك “أصحاب مطلع” و”أصحاب منزل” و”الهضبة الزيدية”… وتوظيف خارجي مبرمج وغير بريء.
إنّ مهندسي الصراع من خارج الحدود اليمنية أدركوا حقيقة أن هذا الداء التاريخي لا يزال متجذراً ومستفحلاً في العقلية اليمنية، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية والوسطى من اليمن، فعمدوا إلى إعادة إحيائها من جديد بما يخدم مصالحهم، من خلال استثارة أبناء محافظة تعزّ أولاً ضد أصحاب “الهضبة الزيدية”، وتالياً باستثارة شريحة كبيرة من أبناء المحافظات الجنوبية ضد “الشماليين”، حتى بات كثير من أبناء الجنوب يرون في اليمني محتلاً، وفي الأجنبي منقذاً ومخلصاً، رغم احتلاله وإحكام قبضته على جزر ومواقع استراتيجية ومنابع نفطية خارج خريطة الصراع، ورغم ما يتعرّضون له من فائض إهانات لها أول وليس لها آخر على أيدي المحتلّين الأجانب.
إنَّ ما يجري اليوم من صراع في المحافظات الجنوبية والشرقية يأتي في سياق مشروع إدارة الفوضى، وهي فوضى محكومة بأطر سياسية خارجية لا يمكن للأدوات تجاوزها بما يمسّ المصالح الأجنبية، بدليل أنَّ الأطراف اليمنية تتقاتل أحياناً بميليشيات مناطقية من دون مرتبات، وتتقاتل غالباً بسلاح ومال من جهات إقليمية معلومة تحت عناوين وشعارات مناطقية، فيما القوى الإقليمية والدولية مستمرة في بناء القواعد العسكرية وتثبيت دعائم الهيمنة في المناطق الاستراتيجية، وتُجبى إلى بنوكها عائدات النفط والغاز اليمنيين، وتستأثر بالقرار والثروة.
من الواضح تماماً أنَّ للعقل البريطاني دوراً محورياً في هندسة الصراع القائم، انطلاقاً من تجربته التاريخية في اليمن من العام 1839 إلى العام 1967، والتي اعتمد فيها استراتيجية “فرّق تسد”، مستغلاً المناطقية من جهة والمذهبية من جهة أخرى، تماماً كما حصل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وذلك بمنع أيّ تقارب أو توحد بين القوى اليمنية شمالاً وجنوباً، ومنع تحقيق “وحدة اليمن الطبيعية”.
وحتى لحظة مغادرته اليمن، أبقى بؤر التوتر والانقسام حاضرة في المشهد، لتأتي قيادات الجبهة القومية وجبهة التحرير على واقع مفخّخ ومنقسم سادته التصفيات بين القبائل الماركسية المناطقية من دثينة والضالع ولحج، وظل الوضع كذلك من 1967 – 1986، لينتهي المشهد بتصفية المكتب السياسي الاشتراكي، وما عُرف بالإخوة الأعداء كلهم رفاق، لكنَّ كلاً منهم يهمّ بتصفية الآخر.
ينسحب الأمر على تعزّ منذ العام 2015، إذ اجتمع الإخواني والناصري والاشتراكي والسلفي وبعض المحسوبين على المؤتمر تحت شعارات مناطقية لمواجهة صنعاء ورفض وجودها، مع الترحيب بتحالف الاحتلال وتقديم الشكر والثناء له، لنجده اليوم يعمل على تصفية من رفعوا له رايات الشكر والعرفان، ويحلّ بدلاً منهم الأدوات السياسية التقليدية والبالية. وهناك معلومات عن خطة “ب” يتمّ فيها إحلال المحسوبين على مؤتمر الإمارات بدلاً من الإخوان المسلمين “الإصلاح”.
*علي ظافر – الميادين نت