عرض العيد الثامن : يمن 21 سبتمبر يتجاوز الخطر الوجودي ويثبت حتمية النصر
أفق نيوز../
مثل العرض العسكري الأكبر لوحدات الجيش والأمن يوم العيد الثامن لثورة 21 سبتمبر، التجسيدَ الكاملَ للرسالة الرئيسية التي أرادت القيادة الثورية والسياسية إيصالها تحذيراً للعدو وطمأنة للشعب، وهي رسالةٌ قد وصل مضمونها بنجاح منذ أول محطة في مسار العروض العسكرية، غير أن العرضَ الأخيرَ قدّمها بأبعاد جديدة مفاجئة ومدهشة وبتفاصيل إضافية تبلور فيها مستوى “الخطر الإقليمي والدولي” الذي حذّر منه قائدُ الثورة في خطاب ذكرى الثورة كنتيجة لاستمرار العدوان والحصار، وهو ما من شأنه أن يضعَ العدوّ أمام حقيقة انسداد أُفُق كُـلّ الآمال والخطط الاحتياطية التي ربما ما زال يعتمد عليها، وفي نفس الوقت، يضعُ الشعب اليمني أمام واقع نجاح التحول التأريخي النهضوي الذي حاول الأعداء إعاقته، وتجاوُزه مرحلة التهديد الوجودي كما أكّـد رئيس الجمهورية، وانتقاله إلى مرحلة جديدة يلمس فيها حتمية النصر.
في تعليقه على مشاهد العرض العسكري غير المسبوق لقوات الجيش والأمن، وفي سياق رسالة التحذير للعدو، ذكّر رئيسُ الوفد الوطني محمد عبد السلام تحالف العدوان ورُعاتَه بأن ما تضمنه العرض هو “بعض ما أعلنوا القضاء عليه من ترسانة صواريخ قبل ثماني سنوات” مُضيفاً أن رسالةَ صنعاء ونصيحتها اليوم هي أن: “من أخطأ في فهم ثورة 21 سبتمبر حينها، عليه ألا يكرّر الخطأَ ثانية”.
إن العرضَ بحجم حشوده وبترسانة الأسلحة الاستراتيجية المفاجئة التي كشف عن جزء منها، يُعيدُ ضبطَ ميزان الرهانات ليكشف بوضوح أن الاعتماد على المرتزِقة أَو على “الضغوط” أَو على كسب الوقت، هو فعلاً “خطأ” واضحٌ ومُثبت بثماني سنوات من المحاولة، وبنتائج عكسية صادمة بالنسبة لأصحاب هذا الرهان، إذ لا يمكن بأية حال من الأحوال اعتبارُ صعودِ قوة عسكرية وأمنية استراتيجية، مُجَـرّد فجوة صغيرة في خطة ومشروع تحالف العدوان التي كان على رأسها تدمير هذه القوة قبل أن تدخل مرحلةَ البناء أصلاً!
حتى دعاياتُ “الدعم الإيراني” وأكاذيبُ “تهريب السلاح” لا تستطيع أن تخلقَ أيَّ تشويش على ما يمثله هذا العرض من دلالة على أن رهانَ تحالف العدوان ورعاته في اليمن كان رهاناً خاسراً في كُـلّ تفاصيله؛ لأَنَّ المسألة ليست مقتصرة حتى على الفشل في تدمير القوة العسكرية والأمنية أَو إعاقة عملية بنائها، بل تتجاوَزُ ذلك إلى الفشل في شيطنة الثورة وفصلها عن المجتمع، فالحشودُ العسكرية والأمنية التي احتضنها العرضُ والعروضُ السابقة وتواجد القيادة العليا للدولة والجيش والأمن واستعراض السلاح على الملأ، هي معطياتٌ تعكس بوضوح أن المسار الثوري ليس مُجَـرّد “سلطة أمر واقع” بل هو مسارٌ شعبي ورسمي متماسك ومتوحد لم تستطع الحربُ ولا الحصار تفكيكه، بل إنه يزداد تماسكاً.
الرئيس المشاط كان قد تطرق إلى هذا البُعدِ خلال خطابه الأخير في ذكرى الثورة، عندما أعلن “تجاوُزَ مرحلةِ التهديد الوجودي للثورة ودخول مرحلة البناء” وهو ما يعني أن كُـلَّ الحسابات التي شُنَّ على ضوئها العدوانُ قد انتهت احتمالات تحقّقها، وأن الحربَ قد أصبحت بين دول العدوان من جهة، والقَدَر من جهة أُخرى، وأقل ما يقال عن هذه المواجهة إنها انتحاريةٌ تماماً بالنسبة للطرف الأول.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته بشكل خاص الأسلحةُ الاستراتيجية التي أزيح عنها الستار خلال العرض لأول مرة، والتي شملت عدداً غيرَ مسبوق من أنواع الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة متعددة المديات والاستعمالات، ومنظومات الدفاع والمعدات البحرية والبرية، وبمواصفات مفاجئة في مستوى التطور التقني والقدرة العملياتية والتدميرية.
صحيحٌ أن حقيقةَ امتلاك اليمن ترسانةَ أسلحة استراتيجية فاعلة قد باتت مؤكّـدة منذ سنوات وبدلائلَ وشواهد عملية على الميدان، لكن ما تم كشفه خلال عرض العيد الثامن للثورة كان أكثرَ من مُجَـرّد تأكيد على وجود هذه الترسانة، إنه تأكيد لوصول القوة التي يمتلكها اليمن إلى مستوى التأثير الإقليمي الدولي الثابت بثبات مسار الثورة ونجاحها في تأسيس الدولة اليمنية المستقلة، وهو ما حرص قائدُ الثورة بشكل ملحوظ في خطابه الأخير على توضيحه من خلال إعادة توجيه تحذيراته للعدوان من زاوية “الخطر الإقليمي والدولي” المترتب على استمرار الحرب والحصار.
وهذا التحذيرُ الذي تم تجسيدُه من خلال الكشف عن الأسلحة الاستراتيجية، يأتي بعد ثماني سنوات من المواجهة أثبتت خلالها القيادة الوطنية أنها تمتلك الشجاعةَ والجُرأة الكافية لشن عمليات غير مسبوقة في تأريخ المنطقة، وأن مسار الردع اليمني لا يتأثر بأية ضغوط أَو “خطوط حمراء” لدى الإدارة الدولية للعدوان، فضلاً عن الأدوات الإقليمية، وبالتالي فالكشف عن الأسلحة لم يكن مُجَـرّد استعراضٍ فحسب، بل هو إعلان عن دخول مرحلة جديدة من المواجهة، وتقديم فرصة للعدو لتجنبها قبل فوات الأوان؛ لأَنَّ نتائج رهانه الخاسر وتقديراته الخاطئة ستكون مدمّـرة هذه المرة.
بعبارة أُخرى، وبحسب عضو الوفد الوطني المفاوض عبد الملك العجري فَـإنَّ الرسالةَ الموجَّهةَ للأعداء في هذا السياق هي أن “الخيار بأيديكم سلماً وحرباً، وإن كانت الحربُ فاليمن لم يعد لقمةً سائغة وسيغض به حتى الموت كُـلّ من يحاول ابتلاعه”.
والحديثُ هنا هو عن المعادلة الرئيسية التي أعلنتها صنعاءُ للحل الشامل والتي تتمثل بإنهاء العدوان والحصار والاحتلال ودفع التعويضات ومعالجة آثار الحرب، كمنظومةِ متطلبات متكاملة غير قابلة للتجزئة، وطريق وحيد لتحقيق سلام فعلي، وهو ما شدّد عليه قائد الثورة أَيْـضاً في خطابه الأخير بطريقة عكست حرصا على تذكير العدوّ بثبات هذه المعادلة واستحالة التراجع عنها أَو استبدالها بخطوات أُخرى على رأسها الهُــدنة المؤقتة.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ العدوّ اليوم أمام مسار وحيد للخروج من مأزق تقديراته الخاطئة وما قد يترتب عليها في المرحلة القادمة، وأول خطوة في هذا المسار هي التوقفُ عن عرقلة التهدئة المؤقتة، وتنفيذ التزاماتها المتعلقة بدفع الرواتب ورفع قيود الحصار وفتح الطرق والمعابر، لتكونَ مدخلاً نحو بدء تناول معادلة السلام الفعلي، وهو الأمر الذي لا يبدو حتى الآن أن تحالف العدوان ورعاته ينوون فعله برغم كُـلّ النتائج العكسية الصادمة التي ترتَّبت على هذا الموقف، وُصُـولاً إلى ما كشفه العرض العسكري الأخير.
ويؤكّـد نائبُ وزير الخارجية حسين العزي أن “الاستمرارَ في إعاقةِ الحاجات الأَسَاسية للإنسان اليمني من قبيل منعِ استفادته من موارده الغازية والنفطية أَو التضييق على حقه في السفر أَو حجز سفن الوقود هو عملٌ يعيق السلام ويندرجُ بشكل واضح ضمن أعمالِ التصعيد وإطالة أمد الحرب” ما يعني أن تحالفَ العدوان ما زال يواصلُ مسارَ رِهانه الخاسر، وبالتالي ما زالت احتمالاتُ تحقُّقِ تحذيرات القيادة الثورية والسياسية ورسائل العروض العسكرية هي الاحتمالات الأقرب التي تتصدر واجهة المشهد، وإصرارُ العدوّ على تجاهل ما يعنيه ذلك، لا يقلِّلُ من درجة المخاطر التي يوشك أن يصطدمَ بها.
(صحيفة المسيرة)