«21 سبتمبر» الثورة التي طــوت صفحة تنظيمات الموت
أفق نيوز – تقرير – عبدالجليل الموشكي
في إطار سيطرتها على البلدان وإخضاعها واحتلالها، تعمل أمريكا على تمرير مشروعها الاستعماري الخبيث، تحت ذريعة الإرهاب التي لم تعد تنطلي على أحد، وهو ما حدث في اليمن خصوصاً من بعد 2010م، حيث عاش اليمنيون مرحلة من أسوأ المراحل بالنسبة لهم، بما شهدته من الإرهاب والفوضى الأمنية والتفجيرات، حتى اندلاع شرارة ثورة انبثقت من مشروع قرآني طالما خاض حروباً شرسة مع النظام العميل وأياديه من التكفيريين، ونحن هنا نطل عليكم من نافذة الأمن الذي حققته ثورة 21 سبتمبر 2014م، ومعاركها وانتصاراتها ضد الإرهاب ومموليه.
الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه- حذّر من ذلك، في «دروس من وحي عاشوراء»، قائلاً عن الأمريكيين «هم من سيدخِّلون من يسمونهم إرهابيين إلى اليمن، قد يدخِّلون أفراداً من (القاعدة) فيبثونهم في مناطق في اليمن، ثم يقولون: هناك في تلك المنطقة واحد من أفراد القاعدة، هناك في تلك المنطقة واحد من تنظيم طالبان، أولئك هم يحتضنون إرهابيين، هم يساندون إرهابيين، اضربوهم».
علاقاتٌ قديمةٌ
تربط النظام السابق في اليمن والذي قبله علاقات وطيدة بالقاعدة، حيث يقفون جميعهم في خدمة المشروع الأمريكي، وفي نوفمبر 2000م، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر استخباراتية أمريكية، أن المدعو علي محسن الأحمر سافر إلى أفغانستان في الثمانينيات للقاء المدعو أسامة بن لادن، وساعد في تجنيد عناصر من دول مختلفة للقتال هناك، إضافة إلى ما ذكره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط في تحليل نشره عام 2011م بعنوان «قائد عسكري يمني مرتبط بالإرهاب يتعهد بحماية المتظاهرين».
وفي مارس 2021م نشرت قناة المسيرة الفضائية مكالمتين هاتفيتين أجريت بين الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ومدير وكالة الـ CIA الأمريكية «جورج تينيت»، طلب الأخير حينها التدخل لدى الأمن السياسي لإطلاق أنور العولقي الذي كان مسجونا في الجهاز، وهو من قيادات تنظيم القاعدة وأبرز زعمائها ويحمل الجنسية الأمريكية، جرى إطلاقه في عام 2008م، وتمت تصفيته في الجوف عام 2011م.
قناة المسيرة نهاية عام 2016م نشرت مجموعة وثائق، كشفت دعم وتمويل النظام السعودي لتنظيم “القاعدة”، لتمكين قيادات من تنظيم القاعدة من الوصول إلى مراكز قيادية في الدولة، ومن بين الوثائق رسالة من المدعو الشيخ يحيى مقيت أحد مرتزقة تحالف العدوان، موجهة إلى السعودية، تعود للعام 2010م، وتكشف قيام حزب الإصلاح بدعم القيادي بتنظيم القاعدة، المدعو ناجي علي الزايدي، في انتخابات المحافظة ليصبح بعدها محافظاً على مارب.
في 14 يناير 2010م، أعلنت الحكومة وقتها ما سمتها بالحرب المفتوحة على القاعدة، على وقع اشتباكات ومناوشات جرت في أبين، التي أعلن تنظيم القاعدة فيها إمارته في مارس 2011م، واستمر في السيطرة على مدن في الجنوب، منها جعار ولودر وشقرة، علاوة على زنجبار عاصمة أبين، الوقت الذي سيطر فيه حوالي ألف من مسلحي القاعدة على مدينة رداع دون مقاومة وانسحبوا بعد أسبوعين.
وقتها تصاعدت الهجمات لطائرات أمريكية بدون طيار، إلا أن واشنطن لم تكن تعترف بتنفيذ مثل تلك العمليات، فيما ذكرت وثائق ويكيليكس المسربة أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح أكد انه سيقول لشعبه ان الهجمات الجوية الأمريكية ضد القاعدة ينفذها الجيش اليمني، في حين أن أمريكا والنظام العميل قبل ذلك وبعد كانوا يعملون على شن الحروب على صعدة ويحاولون إعاقة المشروع القرآني.
أدواتٌ واتهامات
إلى ذلك استثمر خصوم المشروع القرآني بعد الحرب السادسة منطقة كتاف المتاخمة للأراضي السعودية، وحولوها إلى بؤرة للعناصر التكفيرية، وعادت الحرب لينتصر المجاهدون، وتفقد أمريكا ورقة من أخطر أوراقها، خصوصاً أنها كانت تهدف من خلال إشعال فتيل الحرب هناك، إلى إيقاف أي تقدم للمجاهدين.
في سياق آخر متصل، ومنذ بداية سيطرة القاعدة عليها في عام 2011م، ظلت أبين تشهد معارك بين الجيش وعناصر القاعدة، ليتمدد نفوذ العناصر الإرهابية ويستمر الجيش في معركة استنزاف، استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، بين شدٍ وجذبٍ، راح ضحيتها مئات الجنود، في الحين الذي لم تكن تتوفر الإرادة لقمع عناصر الإرهاب، وفيما حققته ثورة 21 سبتمبر من انتصارات ضد العناصر التكفيرية في ظرف أسابيع شاهد على ذلك.
كما شهد مارس 2011م، انفجار وحريق مصنع 7 أكتوبر للذخيرة في منطقة الحصن بمديرية خنفر محافظة أبين، الذي استولت عليه عناصر تنظيم القاعدة، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات، كما يجدر بالذكر أن نظام صالح في سبتمبر 2011م، أعلن أن عناصر القاعدة التي تقاتل في محافظة أبين كانت تمتلك من الأسلحة التي تم صرفها للفرقة الأولى مدرع التي يقودها حينها الفار علي محسن الأحمر.
قبل ذلك في 23 أبريل، كان المؤتمر الشعبي العام أدان بشدة الجرائم التي استهدفت عدداً من أفراد القوات المسلحة في محافظات مارب ولحج وأبين وحجة وأدت إلى مقتل وإصابة نحو 40 جندياً، متهماً فيها «عناصر تنظيم القاعدة والمليشيات المسلحة التابعة لأحزاب اللقاء المشترك وفي مقدمتهم حزب الإصلاح»، وفي 23 من يونيو 2011م، بحسب إعلان وزارة الداخلية حينها، تمكن 63 من عناصر القاعدة من الفرار من سجن المكلا.
سنواتُ الموت
شكّل الانهيار الأمني أهم سمات المرحلة من 2011 – 2014م، في انعكاس طبيعي لحالة الهيمنة الأمريكية، التي تضع وجودها تحت يافطة مكافحة الإرهاب، فعملت على تحريك عناصرها الاستخباراتية من التكفيريين، وساء الأمن ليتربع الرعب على سدة الوضع العام في اليمن، ووصلت الأمور بترديها إلى أن كانت ترفع أعلام القاعدة في سعوان بالقرب من الحي الذي توجد فيه السفارة الأمريكية وبالقرب من السفارة الأمريكية، وفي المحصلة يمكن الإِشارة إلى المشهد الأمني العام حينها.
300 عملية اغتيال راح ضحيتها ٥٠٠ قتيل، هو إجمالي إحصائيات جرائم الاغتيالات من العام ٢٠١٢م- حتى نهاية ٢٠١٤م، 20عملية منها في ٢٠١٢م، و120 في 2013م، من بينها اغتيال الدكتور عبدالكريم جدبان عضو مجلس النواب وعضو مؤتمر الحوار الوطني، أما العام ٢٠١٤م فشهد ١٥٠ عملية اغتيال، منها اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين والدكتور محمد عبدالملك المتوكل.
أما التفجيرات والعمليات الانتحارية من العام ٢٠١٢- ٢٠١٤م فبلغت ٦٣٠ تفجيرا وعملية انتحارية راح ضحيتها ٣٨٠٠ شهيد، منها 15 تفجيراً وهجوماً انتحاريا استهدفت معسكرات ونقاط أمنية وتجمعات في العام 2012، و15 تفجيراً واقتحاما راح ضحيتها ٥٠٠ شهيد وجريح من الأطباء والممرضين والجنود وأفراد الأمن والمدنيين، فيما ارتفعت الوتيرة في عام 2014م إلى 600 حالة راح ضحيتها 3000 شهيد.
وعلى ذكر أبرز التفجيرات، فقد شهدت اليمن مجزرة مروعة العام 2012م جراء تفجير انتحاري إرهابي، تحديداً يوم 21 مايو، أثناء عرض عسكري لقوات الأمن المركزي في ميدان السبعين، الذي راح ضحيته أكثر من مائة شهيد و300 جريح، ما يدل أيضاً على هشاشة الوضع الأمني، حيث أن الانتحاريين من القاعدة استطاعوا أن يفجروا من يعتبرهم المواطن مصدراً لأمنه واستقراره.
أما العام 2013م، فحدثت فيه مجزرة بشعة لن تُمحَ من ذاكرة اليمنيين، بهجوم القاعدة على مستشفى العرضي بوزارة الدفاع، في 5 ديسمبر 2013م، الذي قام به 12 من العناصر الإرهابية معظمهم يحمل الجنسية السعودية، وأوقع قرابة 60 قتيلاً وأكثر من 170 جريحاً من الأطباء والممرضين والجرحى، في إهانة واضحة للدولة وسيادتها، بما يكشف الاختراق الكبير للأجهزة الأمنية وحتى السياسية.
أمّنوا أنفسكم!
في 17 مايو 2013م أهاب مصدر أمني بأبناء محافظات البيضاء وإب ومارب وحضرموت بأخذ الحيطة والحذر ومنع تسلل العناصر الفارة من مديرية المحفد وشبوة إلى مدن وقرى وعزل هذه المحافظات، في 23 من مايو 2014م شن تنظيم القاعدة عدداً من الهجمات على المنشآت الحكومية والمصارف في مدينة سيئون، ما أدى إلى مقتل 12 جنديا وإصابة 11 آخرين.
في 20 سبتمبر 2013م، هاجم عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي قوات الأمن الخاصة في مديرية ميفعة والنقطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة على طريق النشيمة محافظة شبوة بسيارة مفخخة وبمختلف الأسلحة نتج عنها مقتل 21 جندياً وجرح 15 وعدد من المفقودين، أما الرئيس حينها عبدربه منصور هادي فخرج ليؤكد نهاية نوفمبر 2013م في مقابلة له مع صحيفة الشرق الأوسط أن نشاط تنظيم القاعدة في اليمن بدأ في الانحسار مقارنة بالعامين الماضيين!.
شهد مطلع فبراير 2014م وقوع انفجار استهدف حافلة عسكرية، ما أدى إلى مقتل جنديين وجرح 14، فيما هاجمت عناصر إرهابية انتحارية السجن المركزي في العاصمة صنعاء بعدها بأيام، ما أدى إلى وقوع ضحايا وإفساح المجال لمسلحين آخرين للدخول إلى باب السجن وحدوث اشتباكات، ليبث تنظيم القاعدة في نهاية مارس فيديو يظهر عملية هروب عناصر تابعين له من السجن المركزي بالعاصمة صنعاء.
أضف إلى ذلك التفجير الانتحاري الغادر في ميدان التحرير بصنعاء في أكتوبر 2014م، الذي راح ضحيته أكثر من 45 شهيداً، وأكثر من 70 جريحاً، في وقت متزامن مع هجوم للقاعدة في المكلا، قتل فيه عشرة جنود في هجوم انتحاري نفذه تنظيم القاعدة ضد نقطة تفتيش في ضواحي المكلا، كما هاجمت القاعدة مقاراً عسكرية وأمنية في محافظة البيضاء، وسقط إثر الهجمات العشرات من الجنود بين قتلى وجرحى، في أكتوبر من نفس العام أيضاً.
في 11 من ديسمبر 2014م هاجم عناصر تنظيم القاعدة قاعدة العند العسكرية بمحافظة لحج، وأطلقوا عليها عدداً من القذائف الصاروخية من على متن دبابات عسكرية، وبعدها بخمسة أيام استهدفت العناصر التكفيرية حافلة تقل طالبات مدرسة الخنساء بمدينة رداع محافظة البيضاء في عملية هي الأبشع من نوعها بواسطة سيارتين مفخختين راح ضحيتها أكثر من 20 طالبة وحوالي 10 شهداء من المارة.
تفجيرات واقتحامات 2014م من قبل عناصر القاعدة استهدفت نقاط تفتيش ومقرات أمنية وعسكرية وتجمعات جنود ومعسكرات ومناطق عسكرية، وإعدام ١٤ جنديا على متن حافلة في حضرموت وتفجير في مدينة رداع بالبيضاء، في إشارة إلى القوة التي كان العناصر الإرهابية قد امتلكتها، والإيعاز الأمريكي لها بتفجير الوضع، بالتزامن مع توقيت كانت فيه اللجان الأمنية تضبط الانتحاريين والسيارات المفخخة في صنعاء، وشتّان بين جيش وأمن مسلوبي السلاح عاجزين عن تأمين نفسيهما، وجيش ثوري طارد فلول العناصر التكفيرية وحرّم الأراضي المحررة عليها طِوال ما بقي حارساً لها.
ثورةٌ ضد الإرهاب
تصاعُد وتيرةُ الاغتيالات والتفجيرات، والانتشار المتزايد المخطط له والمُتغاضى عنه لعناصر القاعدة مقصود في كثير من المحافظات، وتقييد دور الأجهزة الأمنية أمام الفوضى والإرهاب، كان سمة بارزة لمرحلة ما بعد 2010، حتى 2014م، وبالمقابل انتشار واسع لعناصر القاعدة حيث سيطروا على مناطق برمتها وأصبح لهم وجود علني ومعسكرات وعتاد عسكري، بتسهيلات من الأب الروحي لهم علي محسن الأحمر.
في 7 من يناير 2015م وقع الانفجار الإجرامي لسيارة مفخخة أمام كلية الشرطة بصنعاء، وأدى إلى استشهاد أكثر من ثلاثين شخصاً وجرح العشرات من الطلاب المتقدمين حينها للكلية، وفي 20 من مارس قبل العدوان بخمسة أيام طالت أيادي الغدر من العناصر الإرهابية مسجدي بدر والحشوش بثلاثة تفجيرات إرهابية، أثناء صلاة الجمعة قتل فيها ما يزيد عن 140 من بينهم الشهيد الدكتور المرتضى المحطوري، وجرح المئات، أما قبلها بيومين فطالت أيادي الإجرام الصحفي عبد الكريم الخيواني.
صمتٌ مطبقٌ وتبلدٌ مطلقٌ اعتريا السلطة أمام الفوضى والانفلات الأمني، ليعقب ذلك الانهيار الأمني هيكلة للجيش وتدمير للأسلحة النوعية التي يمتلكها، وما أبشع ذلك والجيش يتعرض لهجمات إرهابية من قبل عناصر القاعدة التابعين للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تتبعت «الثورة» هذا وأكّدته في مادة سابقة، كشفت التخادم الأمريكي مع عناصر القاعدة والدور الذي تقوم به عناصر التكفير، في سياق العدوان على اليمن، حينها هيكلت أمريكا الجيش اليمني، وعملت على تسليح العناصر الإرهابية من القاعدة وداعش.
حين بدأت العصابات التكفيرية التابعة للإصلاح في معسكر يحيص بأرحب بقطع الطريق الواصل بين صنعاء وعمران وصعدة، في فبراير 2014 حضر الثوار لكسر الحصار عن مديرية أرحب وتحرير المختطفين، وإجبار التكفيريين على تنفيذ بنود اتفاق الوساطة حينها، وفي يوليو طهّر الثوار عمران من التكفيريين، الأمر الذي أدّى لقلق السفارة الأمريكية، ودق ناقوس الخطر لتبدأ بالاستعداد للرحيل بحسب وثائق ويكليكس.
الجماعات التكفيرية وقفت أمام ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر من صعدة إلى عدن، وفي سياق المعركة تهاوت متارس عناصر الإرهاب في كتاف ودماج، وثم في عمران حين استقدمهم المدعو حسين الأحمر، وقاتلوا إلى جانب الإصلاح في المدينة أيضاً، وفي العاصمة، بيد أن بنادق الثوار حسمت المواجهة معهم في ظرف أسابيع.
في أغسطس 2014م نقلت السلطة العميلة المعارك إلى الجوف ومارب، لتشتيت الثوار، الذين بدورهم تصدوا للعصابات التكفيرية ودحروها وقاموا بتطهير المناطق وتسليمها لأبناء القبائل، ومع تسارع خطوات الحسم الثوري اتجه الثوار لإسقاط أبرز قلاع التكفيريين في العاصمة صنعاء، ووكرهم الأول معسكر الفرقة الأولى مدرع، الذي بسقوطه توجت الثورة بالنصر في 21 سبتمبر 2014م.
لماذا العدوان؟
ما إن انتصرت الثورة الشعبية الخالصة في سبتمبر 2014م، وبعد أن كانت نسفت على هامش طريقها الجماعات التكفيرية، إلا وانطلقت لتطارد الخلايا الإرهابية، وتبدأ بتثبيت الأمن، وفي فترة زمنية وجيزة امتد النفوذ الثوري لتأمين حياة الناس، بدك العناصر التكفيرية في العاصمة والحديدة والبيضاء، ومن ثم إلى المناطق الجنوبية، التي كانت تعيش حينها الانفلات في أعلى مستوياته.
ضمن فصول ملحمتها في العاصمة صنعاء، وفي سياق معركتها في الأيام الأخيرة، دكت الثورة معاقل التكفير والإرهاب ومنها معسكر الفرقة الأولى مدرع الذي كان مرتعاً لقُطّع الرؤوس، وجامعة الإيمان التي كانت تمثل مأوىً للعناصر التكفيرية، لتهرب بعدها رؤوس الإرهاب إلى السعودية التي ترعرعوا بين يديها منذ أفغانستان.
فيما سبق عبدربه والقاعدة وداعش بالتحرك في الجنوب واحتلوا المعسكرات ومقرّات الأمن، وبدأوا التحرك العسكري نحو تعز، بترتيبات سعودية للتقدم نحو بقية المحافظات، طلب قائد الثورة في خطاباته حينها من الإخوة في المحافظات الجنوبية منع أولئك من استخدام المحافظات الجنوبية في الاعتداء على المعسكرات والأمن والتحرك العسكري منها إلى بقية المحافظات، ولم يفعلوا.
إن من أهم أسباب إقدام أمريكا ومن تحتها التحالف العدواني على التدخل المباشر، هو تهاوي وسقوط الأدوات المحلية وعلى رأسها القاعدة وبعض الأدوات النظيرة لها، بعد أن كانت الفرصة تُركت لها من جانب الأمريكي للانتشار والتغلغل في اليمن، إلا أن ثورة 21 سبتمبر قتلت الطموح الأمريكي، وحدث ما حدث ويحدث حتى اليوم من العدوان والحصار.
قبل دخول المجاهدين للمناطق الجنوبية كان الوضع قد ساء وتصاعدت وتيرة الإرهاب، والسيطرة على ألوية عسكرية، وذبح الجنود والهجوم على المواقع والنقاط الأمنية، وكذلك في مارب كانت عناصر الإصلاح في يناير 2015م قد عملت على تسليم عناصر القاعدة كتيبة عسكرية كاملة بعتادها في منطقة السحيل، وفي فبراير سيطر تنظيم القاعدة على سلاح لواء كامل في شبوة.
الجيش يُذبح
أفسحت السلطات العميلة المجال أمام عناصر القاعدة للسيطرة والتوسع في شبوة، في فبراير 2015م، وارتفعت وتيرة الانفلات في المحافظات الجنوبية عقب استقالة حكومة بحاح، كما انتشرت العمليات التخريبية ومهاجمة المعسكرات ونهب أسلحة الجيش، وكان الأبشع ذبح عدد من الجنود في مقر اللواء ١٩ مشاة في بيحان، ما دفع الثوار للتقدم نحو شبوة والمحافظات الجنوبية، ومع انطلاق العدوان في مارس 2015م كان قد تم طرد العناصر التكفيرية من شبوة.
استمرت معارك الجيش واللجان الشعبية لدحر التكفيريين من المحافظات الجنوبية خلال شهور الأولى للعدوان، وتمكن أبطال الجيش واللجان من صد زحوف العناصر التكفيرية المسنودة بغارات تحالف العدوان، وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
منذ ما قبل انتصار الثورة وبعد، لم يألُ المجاهدون جهداً في مطاردة التكفيريين، ليمتد النفوذ الثوري الهادر إلى المحافظات، وتغطي الثورة بمقاتليها جبهات المواجهة مع العناصر التكفيرية في رداع البيضاء وإب وتعز والمحافظات الجنوبية، التي كان تقدم الجيش واللجان نحوها ضرورة حتمية نتيجةً لانتشار القاعدة في عدن ولحج وقتلها للجنود وتفجير بيوت الله وقتل المصلين، واتساع رقعة الانتشار العسكري لها في مناطق مختلفة من لحج والضالع ومارب.
تفاوتت انتصارات الثوار خلال الشهور الأولى للعدوان، بين السيطرة على السلاسل الجبلية، وتطهير المناطق الواسعة في المحافظات، وتكبيد المرتزقة من عناصر القاعدة وداعش خسائر فادحة في الأرواح بينها من جنسيات متعددة، وبرغم انسحاب أبطال الجيش واللجان الشعبية من المحافظات الجنوبية، بقيت الثورة تخوض غمار المواجهة مع العناصر التكفيرية، وما زالت حتى اليوم.
حال تحرك اللجان الشعبية وطردها للعناصر الإرهابية من ثمان محافظات، انبرت أمريكا والدول الأوروبية بغضب مسجلين موقف سخط من مطاردة وقمع أدواتهم الإقليمية، كون ذلك يعني بالنسبة لهم إفشال تمرير مشاريعهم الاستعمارية، ومؤامراتهم لاحتلال اليمن ونهب ثرواته بشكل خاص، وهو ما يتكشف ويظهر جلياً هذه الأيام من خلال واقع المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
«لهُم الأمن»
إن واقع المحافظات الحرة فيما يتعلق بالأمن والاستقرار، يقدّم النموذج المشرق عن الثورة السبتمبرية الأمنية اليمنية، التي بترت كل الأيادي الإرهابية في ظرف شهور، وما زالت مستمرة في مطاردتها وخوض المعركة معها وملاحقتها إلى أوكارها، وخلال سنوات العدوان خاضت الثورة معارك هي الأشرس مع العناصر التكفيرية، سواء في الداخل المحرر أو على جبهات القتال، حيث تنضوي العناصر التكفيرية ضمن تشكيلات تحالف العدوان.
خلال سبع سنوات من العدوان، كشف الأجهزة الأمنية وأحبطت أكثر من 347 مخططا تخريبيا إرهابيا كان العدوان قد حرك عملاءه وخلاياه الإجرامية لتنفيذها في جميع المحافظات الحرة، وجرى تفكيك أكثر من 2700 عبوة ناسفة كانت قد زرعتها العناصر الإجرامية التابعة للعدوان لاستهداف أمن هذا الوطن وحياة المواطنين، وهناك العديد من العمليات النوعية التي شهدها اليمنيون ضد العناصر التكفيرية، ونحن هنا لتقديمها في سياق زمني رمزي يبرز الأهم.
منذ بداية العدوان، حرص ممولوه على تحشيد التكفيريين وتوزيعهم لقتال الجيش واللجان الشعبية، وتعز هي إحدى الجبهات المتقدمة التي خاض فيها الجيش واللجان مع العناصر الإرهابية، وما زالوا يخوضونها، على امتدادها الشاسع، مروراً بالساحل الغربي وصولاً إلى الحديدة التي استعرت فيها الأطماع العدوانية منتصف 2018م، حينما قام العدو بتقديم الحشود التكفيرية التي عمل على تجهيزها منذ ما قبل العدوان.
مع كل ما أولاه العدو من اهتمام بمعركة الحديدة ودعم وإسناد، وكل الحشود التي حشدها من التكفيريين والآليات، شكّل أبطال الجيش واللجان سياجاً منيعاً أمام قوى الغزو والتكفير، وسطروا أروع الملاحم البطولية، وفي ملحمة الدريهمي شاهد على ذلك، حتى أصبحت الحديدة كابوساً يؤرق العناصر الإرهابية التي طالما حلمت باحتلال المدينة التي تحولت من عروس للبحر الأحمر، إلى حارس أمين له، وشهدت مؤخراً عرض «وعد الآخرة» وهو من ثمار الثورة، كما أنه لذات الجيش الذي قهر العناصر التكفيرية، وأجبرها على الفرار.
أما في البيضاء فشهد أبريل 2019م عملية خاطفة طهّر فيها أبطال الجيش واللجان مديرية ذي ناعم، وحرروها من عناصر داعش والقاعدة، وأغسطس 2020 هو الآخر شهد دك القوات المسلحة أكبر أوكار العناصر التكفيرية في الجزيرة العربية، وتحرير ألف كيلو متر مربع، في ولد ربيع والقرشية بالبيضاء، خلال أسبوع فقط، رغم مساندة قوى العدوان للعناصر الإجرامية بعشرات الغارات، والعملية وقع فيها ما لا يقل عن 250 من التكفيريين بين أسير وقتيل ومصاب من جنسيات مختلفة.
البيضاءُ بيضاء
بعد لقاء جمع بين قائد القوات المركزية الأمريكي مع علي محسن الأحمر، أعلنت قنوات مرتزقة العدوان، في يوليو 2021م انطلاق ما سمتها ب «معركة النجم الثاقب» في الزاهر بالبيضاء، ووصفت العناصر التكفيرية ب «المقاومة الوطنية، لاحت بروق النصر المؤزر، بتنفيذ القوات المسلحة عملية في 72 ساعة فقط، استعادت خلالها 120 كم مربع من المناطق التي احتلها تحالف العدوان في الزاهر والصومعة في البيضاء، وتلك هي الأولى فقط من النصر المبين.
وفي 20 يوليو، اندلعت شرارات الملحمة الثانية من النصر المبين، وتحررت إبّانها مديريتا نعمان وناطع بمساحة 380 كم مربع، ولقي فيها أكثر من 150 تكفيري مصرعهم، وأُصيب وأُسر المئات، ليبدأ قوس النصر بالاكتمال بتحرير مديريات الصومعة والزاهر ونعمان وناطع، في الأولى والثانية من «النصر المبين»، بمساحة 500 كم مربع.
واكتمل قوس النصر المبين تماماً بنجاح المرحلة الثالثة من العملية العسكرية؛ بتطهير 1200 كم مربع، وهي مديريتي ماهلية والرحبة في مارب، ليخسر التحالف ومن ورائه أمريكا ورقة من أهم الأوراق، ويندحر كيان استخباراتي بغيض يقبع في البيضاء منذ قرابة 20 عاماً، رغم إسناده لعناصره بمئات الغارات، وإسناده لهم بالسلاح، وخلال النصر المبين ظهر ختم ما يسمى ب” الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” على سلاح العناصر الإرهابية الذي اغتنمه أبطال القوات المسلحة.
مطلع العام الحالي حاول تحالف العدوان إعادة تدوير أوراقه المحروقة، ومنها العناصر التكفيرية المهزومة في الساحل الغربي، حيث نقلها إلى شبوة، ومع بدئها التصعيد تلقت ضربات قاتلة من الجيش واللجان الشعبية، بمقتل قادة ألوية ما يسمى بالعمالقة، واستمر أبطال الجيش واللجان بتلقينهم الدروس، التي طالما أكدوا فيها مصاديق أن ثورة 21 سبتمبر فعلاً ثورة ضد الإرهاب في كل زمانٍ ومكان.
وبشكلٍ عام فإن الثورة تخوض المعارك ضد التكفيريين، منذ الحرب الأولى والتي قادها والحروب التي بعدها الأب الروحي للتكفيريين علي محسن الأحمر، لوأد المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد رضوان الله عليه، واتسع وتعاظم وما هذه الثورة إلا بركة من بركاته، حيث قض مضاجع الأنظمة العميلة، ومن ورائها أمريكا وقوى الاستكبار العالمي، منذ الانطلاقة حتى اليوم، وما يزال.
إن من يتتبع الأحداث ويتقصى حقائقها، يصل حتما لنتيجة فارقة وجوهرية، بين سنوات الاغتيالات والتفجيرات والفوضى، وسنوات الأمن والاستقرار، الأولى قبل الثورة انفجرت من عمق الاحتقان، والثانية بعد ذات الثورة التي أرعبت قوى الطغيان، وانبرت لمواجهة العدوان، الذي استخدم الإرهاب ذراعاً لقتل اليمنيين وسلبهم أمنهم، كما أن من يتأمل يدرك حقيقة الفارق بين جيش وأمن كانا عاجزين عن توفير الأمن لمنتسبيهما، وجيش وأمن يحييان اليوم الذكرى الثامنة للثورة، بعروض عسكرية جبّارة لأبطال انتزعوا الأمن من أعين المتربصين بالوطن، ويستعدون لاستكمال المعركة لينعم كل وطن الإيمان بالأمن والأمان.