طبول الدمار الشامل تضع العالم على حافة هاوية: هل تتطور الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا إلى حرب نووية ؟
أفق نيوز / تحليل / أبو بكر عبدالله
رغم أن تقديرات أطراف الصراع الجيواستراتيجي المندلع في أوكرانيا، تعلن مرارا حرصها على عدم اندلاع حرب نووية مباشرة بين روسيا والغرب، إلا أن المواقف المتشددة التي تبديها أطراف الصراع، عززت المخاوف من تطور الحرب إلى مواجهة شاملة مع حلف “الناتو” قد تفتح احتمالات اندلاع حرب نووية في ظل التوجهات الغربية لدعم أوكرانيا بالسلاح المتطور والذي تعتبره موسكو تجاوزا للخطوط الحمراء.
تبدو المخاوف من احتمالات تصاعد الحرب الدائرة بين روسيا والغرب في أوكرانيا إلى حرب نووية، قد بلغ المستوى الأقصى، بعد اعلان البيان الختامي لقمة السبعة الكبار الأخيرة “أن أي استخدام روسي لأسلحة دمار شامل في أوكرانيا سيقابل بعواقب وخيمة جداً ” بالتوازي مع إعلان بريطانيا والولايات المتحدة مراقبة تحركات واستعدادات روسية لنشر أسلحة نووية” ناهيك عن إعلان حلف “الناتو” عزمه تنظيم مناورات مخطط لها مسبقًا على الردع النووي باعتباره السبيل الأمثل لمنع التصعيد.
وعلى أن الضربات الروسية المكثفة التي استهدفت مؤخرا مرافق البنية التحتية جاءت الأوكرانية ردا على الهجوم الذي استهدف جسر القرم، بددت الشكوك باحتمال أن تلجأ موسكو لاستخدام السلاح النووي التكتيكي لإحداث تغيير في المعادلات العسكرية على الأرض، إلا أن المخاوف الغربية تجاوزت مربع التخمين إلى استعدادات عملية لمواجهة ما سماه الرئيس بايدن كابوس “أرميجدون” الذي تقول واشنطن إنه يلوح بنهاية الحياة على سطح الكوكب.
في الضفة الأخرى للصراع أبدت موسكو أيضا مخاوف من التقارير المخابراتية التي تحدثت عن إمكان استخدام الجيش الأوكراني المدعوم من الولايات المتحدة وحلف “الناتو” أسلحة نووية ضدها أو ضد أحد حلفائها وهو ما عبرت عنه المخابرات البلاروسية التي أعلنت رسميا أن “الدول الغربية تدرس إمكانية استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد بيلاروسيا وروسيا”.
والسيناريو الروسي الذي يشير إلى مخطط لاستخدام الجيش الأوكراني أسلحة نووية قفز إلى الواجهة بعد التقارير الغربية التي اتهمت روسيا بالتلويح لاستخدام السلاح النووي وما لحقته من سيناريوهات أشاعت مخاوف دولية، والتي اعتبرتها موسكو عملية تهيئة تكشف نية سلطات كييف باستخدام سلاح نووي في الأراضي الأوكرانية أو أراضي دول حليفة لروسيا، بما يجعل إلقاء اللوم على روسيا مقبولا في المحافل الدولية والعالم.
اما السيناريوهات الغربية التي تحدثت عن ضغوط عسكرية ميدانية وسياسية داخلية قد تدفعها إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي، تحدث عن المشكلات التي ينتظر أن تواجهها موسكو بعد التفجير الذي استهدف شريان التمويل المالي الأول للحكومة الروسية (انابيب تصدير الغاز الروسي نورد ستريم) ومشكلات فنية وتقنية ولوجستية تسببت في الإخفاقات العسكرية الروسية في خيرسون ودونيتسك التي شهدت انسحابات مفاجئة للقوات الروسية مقابل تقدم ميداني نوعي للقوات الأوكرانية وأخيرا العمليات الهجومية في جسر القرم ذي الرمزية السيادية الروسية.
رياح الحرب
الفزع الذي احدثته التقارير الغربية بشأن الحرب النووية الوشيكة لم يأت من فراغ بل اعتمد على ادلة تم تضخيمها بطريقة بدت للبعض طبيعية، بسبب حجم النتائج الكارثية التي قد تسببها أي حرب نووية محتملة، بينما بدت للبعض الآخر مبالغات اشبه بتلك التي شهدها العالم في جائحة ك كوفيد19.
وعلاوة على أن التصريحات التي أطلقها الرئيس بوتين بشأن استعداده الدفاع عن روسيا بكل الوسائل، فُسرت بأنها تلويح جدي باستخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية، كان واحداً من الأدلة التي قدمتها الولايات المتحدة وحفاؤها الغربيون هو الترتيبات التي شرعت فيها موسكو قبل أيام لإجراء تجارب نووية على حدود أوكرانيا، وحشدها ترسانة أسلحة قادرة على حمل رؤوس نووية على حدود أوكرانيا، بعد ان نقلت قطارا يعتقد أنه مرتبط بوحدة بوزارة الدفاع مسؤولة عن ذخائر نووية.
تزامن ذلك مع تقارير غربية تحدثت عن تطابق مشكلات الوضع الميداني للجيش الروسي، ومقتضيات العقيدة العسكرية الروسية الجديدة التي قد تجعل خيار استخدام السلاح النووي بالنسبة لموسكو خيارا وحيدا.
علاوة على ذلك، فإن الفرضيات الغربية بهذا الشأن تتحدث عن تغيير طرأ على العقيدة الروسية بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم إلى أراضيها في العام 2014م أفصح عن إمكان استخدام السلاح النووي، إما للرد على أي استخدام محتمل للسلاح الفتاك ضدها أو ضد أحد حلفائها أو عند وجود تهديد وجودي لروسيا وسيادتها، بما في ذلك أي تدخلات غربية قد تقود على عرقلة موسكو عن تحقيق اهداف عمليتها العسكرية أو مواجهة إجراءاتها الأخيرة في ضم الأقاليم الأوكرانية إلى أراضيها.
هذا الأمر بدا واضحا في الخطاب الذي القاه بوتين نهاية سبتمبر الماضي عندما اتهم الغرب بممارسة ابتزاز نووي ضد بلاده، معتبرا أن « الحديث لا يدور حول دعم الغرب لأوكرانيا في قصف محطة الطاقة النووية في زابوروجيا، الذي يهدد بكارثة نووية، وإنما يخص بعض التصريحات من مسؤولين رفيعي المستوى في بعض دول «الناتو»، حول إمكانية قبول استخدام سلاح الدمار الشامل ضد روسيا (…) ولمن يطلق مثل هذه التصريحات، أود تذكيرهم بأن بلادنا كذلك تملك أسلحة دمار شامل، وفي بعض أجزائها أكثر تطوراً من نظيراتها لدى دول «الناتو» و»أمام أي تهديدات لوحدة أراضينا أو سيادتنا نحن قادرون على استخدام هذه الأسلحة، وهذا ليس خداعا .. أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يجب أن يعلموا أن الرياح قد تنعكس وتهب في اتجاههم».
سائر المعطيات السياسية والعسكرية والاقتصادية الدولية، ترجح أن تلويح الرئيس بوتين، عكس شعور موسكو بأن التقارير الغربية حول سيناريوهات استخدام السلاح النووي الروسي لم تكن سوى تهيئة لخطوة غربية تعمل على توريط الجيش الأوكراني بإدخال هذا السلاح بطريقة أو بأخرى في المعركة الدائرة في الشرق الأوكراني سواء باستخدام قذائف بذخائر نووية أو شن هجمات على محطة زابوروجيا النووية التي صارت بموجب القرارات الروسية الأخيرة محطة نووية روسية، وذلك لفرض تغيير ما في المعادلات العسكرية القائمة، بما يرغم روسيا على الرد بسلاح نووي أو يجعل إلقاء اللوم على روسيا بإدخال هذا السلاح الفتاك في المعركة امرا مقبولا عالميا.
مخاوف وتحذيرات دولية
رغم أن سيناريو اندلاع حرب نووية وشيكة، ظل يتفاعل في كواليس السياسة الغربية طوال الفترة الماضية إلا أنها خرجت إلى العلن مؤخرا بصورة تحذيرات ومخاوف أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن بتأكيده أن الرئيس بوتين «لا يمزح عندما يتحدث عن استخدام محتمل لأسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة بيولوجية أو كيميائية، لأن جيشه ضعيف الأداء إلى حد كبير».
والتقديرات الأمريكية في هذا الملف توسعت إلى تقديرات غربية عبرت عنها القرارات التي أصدرتها قمة الدول السبع الأخيرة، التي حذرت من عواقب وخيمة في حال استخدام موسكو أسلحة نووية، وكذلك لدى حلف الناتو» الذي شرع بمناورات وتدريبات تحاكي عمليات الردع النووي.
مع ذلك ليس من الواضح ما إذا كانت لدى موسكو خطط لاستخدام أسلحتها النووية في المعارك الدائرة الآن في أوكرانيا، غير أن الدوافع التي تحدثت عنها موسكو لاستخدام السلاح النووي، كسلاح ردع لأي تهديد وجودي يهدد الاتحاد الروسي، يضع العالم أمام احتمالات مفتوحة بشأن ما يمكن اعتباره تهديدا محتملا للوجود الروسي.
ذلك أن تلويح موسكو باستخدام هذا السلاح، حدد تداعيات لها صلة وثيقة بالحرب الدائرة في أوكرانيا ومنها على سبيل المثال، وقف التصعيد الأمريكي الغربي الذي يمكن أن يُحدث تغييرا ما في المعادلات الميدانية في ظل مواجهة روسيا صعوبات في السيطرة على الأراضي الأوكرانية التي ضمتها إلى أراضيها نتيجة حرب العصابات التي يعتمدها الجيش الأوكراني.
أكثر من ذلك أن التحركات والمواقف الغربية الأخيرة تجاه أوكرانيا، أرسلت مؤشرات عن تغيير واشنطن وحلفائها الغربيين سياستهم المعلنة منذ بداية الحرب بعدم التدخل المباشر، وهو التغيير الذي بدأت نذره بالإعلان عن انشاء قاعدة عسكرية أميركية في المانيا لدعم الجيش الأوكراني وفي عمليات التدريب والتسليح الواسعة النطاق للجيش الأوكراني انعكست على أدائه العملاني بتحقيقه تقداً ميدانياً نوعياً في دونيتسك وخيرسون، حيث استعاد بعمليات خاطفة مناطق عدة، بينما كانت روسيا تجري استفتاءات شعبية لضم أربعة أقاليم اوكرانية إلى أراضيها وأرغم تاليا الجيش الروسي على الانسحاب من مناطق عدة كان قد سيطر عليها في وقت سابق.
ويشار في ذلك إلى الدعم الكبير بالأسلحة الغربية المتطورة والدعم المخابراتي والعملياتي والدعم عبر الأقمار الصناعية، فضلا عن وجود أكثر من 200 مستشار عسكري من «الناتو» يقدمون الدعم للقوات الأوكرانية والمرتزقة في ظل إعلان واشنطن وحلفائها الغربيين رفع مستوى الدعم إلى إنشاء مركز عمليات في المانيا لدعم الجيش الاوكراني ناهيك عن تهديدها بتزويد كييف بأسلحة نوعية تمكنها من استهداف الأراضي الروسية.
والتغير في المواقف الغربية من أزمة أوكرانيا، عبر عنه إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أكد أن برلين لن تقبل أي سلام تمليه روسيا، وتشديده على ضرورة أن تكون أوكرانيا قادرة على صد هجوم روسيا، وهو الأمر الذي دعا موسكو إلى الرد بتصعيد مضاد استهدف بصورة مباشرة، وضع سقف للتدخل الأمريكي الغربي في أوكرانيا، أو على الأقل وضعه في مستوى يضمن عدم حصول صدام عسكري مباشر بين روسيا ودول حلف «الناتو».
الخطوط الحمر
رغم أن روسيا تجاهلت إلى حد كبير التقارير الغربية التي قدمت سيناريوهات كارثية عن احتمال تسببها باندلاع حرب نووية عالمية، إلا أنها عادت بتصريح ذي مغزى سياسي أطلقه وزير الخارجية الروسي بدعوته الغرب إلى «عدم تضخيم موضوع التهديد بالسلاح النووي بشكل مصطنع» وهو التصريح الذي دعمه نائبه سيرغي ريابكوف والذي لفت إلى أن الولايات المتحدة والدول الغربية تقوم بتأجيج الخطاب النووي على خلفية الأحداث الجارية في أوكرانيا، ومحاولتهم جعل الأمر يبدو كما لو أن روسيا تستعد لشن ضربات باستخدام أسلحة الدمار الشامل».
ورأسا الدبلوماسية الروسية كانا يشيران إلى التقارير الغربية التي تربط بين المحاذير التي أعلنها الرئيس بوتين واعلانات الكرملين بإمكان استخدام السلاح النووي للدفاع عن روسيا، وبين الوضع الميداني الحالي الذي اشار إلى احتمالات أن تكرر الانتكاسة الروسية في أوكرانيا يجعل استخدامها السلاح النووي أمرا وارادا.
وهذا التقدير يبدو واقعيا، فالخطوط الحمراء التي أعلنتها موسكو لم تخرج عن رغبتها بوضع سقف للدعم الغربي لأوكرانيا وتقليل الثغرات التي قد تعرقل جهودها في حماية الأراضي التي ضمتها إلى السيادة الروسية، وأكثر من ذلك تعزيز الثقة لدى الروس بقدرة القيادة على حماية امنهم، وهي أمور يصعب تحققها في ظل الإصرار الغربي على الاستمرار بالدعم العسكري لأوكرانيا، بل وتقديم نفسها كطرف في الأزمة.
ولم يعد سرا أن أي تحركات أمريكية غربية لتعزيز قدرات المقاومة الأوكرانية بمساعدات عسكرية متطورة قد يعيق موسكو عن تحقيق أهدافها في أوكرانيا وهو «الخط الأحمر» الأول الذي وضعته موسكو وتعهدت بأنها مستعدة للذهاب إلى أقصى مدى لتحقيقه.
وتتزايد الضغوط على موسكو في ظل تصاعد الغضب في أوساط النخبة الروسية من إخفاقات الجيش الروسي والتي بدأت تظهر للعلن بشكل كبير وصل إلى حد المطالبة بوضع القيادات العسكرية الروسية في الجبهة الأوكرانية أمام كتيبة إعدام، وغيرها من الانتقادات التي تجاوزت بصورة لافتة القبضة الحديدة للحكومة الروسية وعززت من احتمالات أن تعمل السلطات الروسية ما بوسعها من اجل احتواء أي تداعيات داخلية قد تقوضها من الداخل.
الحرب غير المباشرة
رغم أن التيار الغالب في الولايات المتحدة يرجح ابتعاد واشنطن عن خيار التصعيد النووي المباشر مع روسيا، إلا أنه من غير الواضح مدى استعداد واشنطن وحلفائها الغربيين الرضوخ للتهديدات الروسية بوضع سقف للدعم العسكري الذي تقدمه لأوكرانيا، وهو وضع خطر يجعل احتمال دخول السلاح النووي في المعركة بصورة غير مباشرة أمرا واردا، بعدما تخطت معادلة الأزمة مربع تحييد أوكرانيا وتحرير دونباس إلى الدفاع عن أراضٍ روسية ومواطنين روس في مناطق تعدها أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون أراضي اوكرانية.
تزداد مخاطر هذا المسار في كون المعارك الدائرة حاليا تجري حول محطة زابوروجيا النووية وهي أكبر محطة للطاقة الذرية في العالم، وسط مخاوف من أن يغامر أي طرف من أطراف الصراع بافتعال «كارثة نووية» هناك كمخرج يمكن من خلاله إحداث تغيير في المعادلات القائمة.
ومن جانب آخر فإن المرجح أن تتجه واشنطن إلى زيادة دعمها العسكري لأوكرانيا في الأيام القادمة، وذلك في ردا على التداعيات الاقتصادية التي خلفتها العقوبات على روسيا والتي يتوقع أن تتصاعد بعد القرارات الأخيرة التي اتخذتها منظمة أوبك بتخفيض انتاج النفط وينتظر أن تلقي بتأثيرات خطيرة على المجتمع الأمريكي الغاضب من دفع فاتورة الحرب في أوكرانيا.
الحال كذلك مع العواصم الغربية التي يتوقع أن تزيد من دعمها العسكري لأوكرانيا، بما في ذلك التدخل المباشر تحت مظلة «الناتو» لإرغام روسيا على تغيير سياستها، أو على الأقل لتكبيدها خسائر تضاهي ما ستواجهه دول التكتل الأوروبي من خسائر جراء أزمات التضخم والطاقة.
ونقطة الضوء الوحيدة في هذا النفق هي اتباع الولايات المتحدة والغرب سياسة متوازنة في دعمها العسكري لأوكرانيا، كما كان حالها في الشهور الثمانية الماضية، بما يساعد على إبقاء الوضع عند حدود العملية العسكرية الروسية المحدودة دون أي جديد من شأنه أن يعزز فرص توسعها.
ذلك فقط، يمكن أن يشكل ضمانة لعدم دخول السلاح النووي في معادلة الحرب القائمة، خصوصا في ظل إدراك الروس بأن التداعيات السياسية لاستخدام هذا النوع من السلاح ستكون مرتفعة للغاية وقد تفتح عليهم أبواب جهنم، في حين أن توسع الحرب ودخول حلف «الناتو» كطرف ربما يغيرِّ مسار الحرب، بجعلها حربا مفتوحة بأسلحة تقليدية ونووية في آن.