السعودية.. إنتهاك صارخ للحق في الحياة أمام مرأى العالم!
أفق نيوز../
في ظل صمت مطبق للمحافل الدولية تجاه الانتهاكات السعودية وارتفاع معدلات أحكام الإعدام في البلاد قامت سلطات آل سعود بإعدام العشرات من أبناء البلاد مؤخراً وبشكل سري. حيث أفاد أهالي السجناء السعوديون بأن سلطات آل سعود تعدم أطفالهم بالسر ودون علمهم. فيما تظهر تقارير حقوقية أن السعودية أعدمت ما لا يقل عن 1390 شخصا خلال الفترة من 2010 إلى 2022، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول تنفيذًا لأحكام الإعدام على مستوى العالم. والميزة الأهم التي تميز أحكام الإعدام في السعودية هي السرية لمحاكمات خلف أبواب مغلقة وغير عادلة وعدم الكشف عن الأعداد الحقيقية إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الأطفال ضمن الأشخاص الذين تنفذ بحقهم عقوبة الإعدام في المملكة.
وقد تزايد معدل تطبيق السعودية لعقوبة الإعدام بشكل كبير منذ عام 2015. وقد حدث هذا التصعيد على مرأى من ملك السعودية سلمان، الذي اعتلى العرش في 23 يناير 2015، وابنه ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان.
جدير بالذكر أن المعدل السنوي للإعدامات تضاعف تقريبًا منذ وصول الملك سلمان ومحمد بن سلمان إلى سدة الحكم في عام 2015. وخلال الفترة من 2010 إلى 2014، تم تنفيذ 70.8 حالة إعدام في المتوسط سنويًا.
أما خلال الفترة من 2015 إلى 2022، فقد تم تنفيذ 129.5 حالة إعدام في المتوسط سنويًا، أي بزيادة بنسبة 82%.
ذلك مع العلم بأن الإعدامات الست الأكثر دموية في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث تمت تحت قيادة محمد بن سلمان والملك سلمان (أعوام 2015 و2016 و2017 و2018 و2019 و2022).
من جهة أخرى كشف إحصاء قامت به وكالة الأنباء الفرنسية أن السعودية، عام2022، نفّذت 138 حكماً بالإعدام أي ضعف عدد الأحكام التي نفذتها عام 2021 والبالغة 69 حكماً.
محاولات تبييض تبوء بالفشل
تتعارض معدلات الزيادة في أحكام الإعدام التي تنفذها سلطات ال سعود، مع المحاولات العلنية من قبل بن سلمان، المعروف أيضًا باسم MBS، “لتحديث المجتمع الإسلامي”، وجذب الاستثمار الأجنبي وتقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط.
بالنسبة للسعوديين، الذين يعرفون أن الإصلاحات تأتي بتكلفة باهظة لأي نوع من المعارضة أو الرأي المتصور، لن تكون الأرقام مفاجئة. وتقول جماعات حقوقية إن السلطات بشكل روتيني لا تجعل النشطاء فقط “يختفون”، بل المواطنين العاديين “يختفون” أيضاً.
ويكشف تضاعف عدد الإعدامات التي تنفذها آلة النظام السعودي مستوى الخداع والحيل التي تستخدمها الحكومة السعودية لخداع العالم بإصلاحات خيالية، تسوّق بآلتها الإعلامية الضخمة والشركات العامة التي تصور محمد بن سلمان على أنه مصلح”. محامي دفاع سابق عن العاصمة يعمل في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.
من الجدير بالذكر أنه وفي وقت مبكر من عام 2018، كان قد تعهد بن سلمان للجمهور الدولي بالحد من استخدام البلاد لعقوبة الإعدام. ووعد في السنوات القادمة بوقف إعدام المذنبين الأطفال وإنهاء عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات غير العنيفة. في العام الماضي، تعهد بتخليص المملكة إلى حد كبير من عقوبة الإعدام، واقتصارها في الجرائم “الأكثر خطورة”، بما يتماشى مع القانون الدولي. إلا انه في العام الماضي، اتُهم 90 من أصل 147 شخصًا أُعدموا بارتكاب جرائم غير عنيفة.
انعدام الشفافية في ملف الإعدام السعودي
في ظل انعدام الشفافية في التعاطي الرسمي مع ملف الإعدام، وفي ظل عدم وجود أي دور للمجتمع المدني، تصعب مهمة توثيق مسار القضايا، وبالتالي الانتهاكات التي يتعرض لها المحكومون. من جهة أخرى نجد تغاضيا كبيرا لشركاء المملكة الدوليين ضمنيًا عن إراقة الدماء هذه، وقدموا المصافحات والقبضات وغيرها من مظاهر الشراكة العلنية للقادة السعوديين الذين يشرفون على عمليات القتل… مع كل إعدام نرى العواقب المخزية لهذا الجبن الدبلوماسي.
على الرغم من ذلك، فإن تتبع المنظمة الأوروبية السعودية يبين نهجاً من الانتهاكات، يبدأ من الاعتقال وصولا إلى تنفيذ الأحكام وحجز الجثامين.
القضايا التي تمكنت المنظمة من تتبعها أكدت حرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية، من بين ذلك الحق في الدفاع عن النفس وفي التواصل مع العالم الخارجي، فيما بينت صكوك الأحكام شكوى المعتقلين أمام القضاة، تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة وانتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب.
لم يتم رصد أي تحقيق جدي أو مساءلة فيما يتعلق بالتعذيب، بل اعتمد القضاة على الاعترافات المنتزعة في إصدار احكام الإعدام.
إلى جانب الانتهاكات في مسار المحاكمات، وثقت المنظمة انتهاكات في التنفيذ، حيث استمرت السعودية في حرمان العائلات من حقها في الوداع، وبالتالي تنفيذ أحكام القتل بسرية، دون معرفة مكان وطريقة التنفيذ، والحرمان من الحق في الدفن وفي إقامة مراسم العزاء العلنية، حيث استمرت السعودية في سياسة احتجاز الجثامين.
إضافة إلى الأرقام القياسية، والسياسات الممنهجة التي تكرس الانتهاكات، بين مسار ممارسات السعودية في 2022، إن هناك إصرار على الاستخدام التعسفي والسياسي لعقوبة الإعدام، كما أظهرت واقع تحكم ولي العهد محمد بن سلمان بالقضاء. ودائمًا ما تكون حالات الإعدام في السعودية مُحاطة بالسرية. وترفض الحكومة نشر بيانات عن حالات الإعدام، على الرغم من التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة في هذا الشأن، كما لا يقوم بإخطار العائلات بالإعدامات أو بإعادة الجثث إلى ذويها.
هذا النقص في الشفافية يمكّن السلطات السعودية من التستر على انتهاكاتها ويعرقل جهود الدول والمنظمات الأخرى لمحاسبتها.
تقرير سفك الدماء والأكاذيب
خلص تقرير مشترك للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة ريبريف إلى تفصيل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يمارسها النظام السعودي نتيجة للاستمرار في تطبيق عقوبة الإعدام على المتهمين الأطفال والنساء والرعايا الأجانب وعلى غير مرتكبي جرائم القتل.
ويتضح من التقرير أن تطبيق السعودية لعقوبة الإعدام يعتريه التمييز والظلم، وأن النظام السعودي دائمًا ما كان يكذب على المجتمع الدولي بشأن تطبيقه لهذه العقوبة.
على الرغم من أن السعودية أعلنت دوليًا عن إنهائها إعدام القاصرين، إلا أنها لا تزال تحكم عليهم وتنفذ هذه العقوبة بانتظام. كما أنها تنفذ الإعدامات بحق الرعايا الأجانب على نحو غير متناسب، بما في ذلك إعدام أعداد كبيرة من العاملات في المنازل والمتهمين في جرائم المخدرات.
وقد تم إلغاء الإيقاف المؤقت المزعوم للإعدامات في جرائم المخدرات مع استئناف تنفيذ هذا النوع من الأحكام في نوفمبر 2022. وأوضح التقرير أنه يتم استخدام عقوبة الإعدام بشكل روتيني مع غير جرائم القتل، ولأجل إسكات المعارضين والمحتجين، وذلك على الرغم من وعود ولي العهد بألا تنفذ أحكام الإعدام إلا في حق المدانين بالقتل العمد.
عقوبة الإعدام إحدى أدوات إسكات صوت المعارضة
تحول الحكم بالإعدام في السعودية إلى أداة لإسكات صوت المعارضة فالسلطات السعودية تسلك هذا المسار الدامي بغرض التخويف والقمع السياسي.
وفي هذا السياق أدرج مؤشر دولي يرصد حقوق الإنسان للعام 2022، السعودية ضمن أسوأ 10 دول في العالم في مجال الحقوق العامة، في فضيحة جديدة للنظام السعودي القائم على الاستبداد والقمع.
وأبرز المؤشر الصادر عن معهد Fraser الكندي، تراجع مؤشر حرية الإنسان في السعودية خلال 2022؛ بسبب تزايد القيود القسرية، وهشاشة القانون، وحظر تكوين الجمعيات المدنية، وقمع حرية التعبير عن الرأي. وصنف المؤشر السعودية في المرتبة 159 في مؤشر حرية الإنسان خلال 2022، من أصل 165 دولة على مستوى العالم. كما صنفها في المرتبة 15 على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ظل تصاعد تدهور الحقوق العامة في المملكة. ورصد المؤشر استمرار تراجع الحريات المدنية في #السعودية خلال 2022، والتي بلغت 1.2 درجة، وتتضمن: حرية تكوين الجمعيات المدنية، حظر حرية التجمع، ومنع تكوين أو إدارة الأحزاب السياسية، وقمع المجتمع المدني. ونبه المؤشر إلى تدهور حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات في السعودية خلال 2022، والتي بلغت 1.3 درجة، وتتضمن: قتل واعتقال ومضايقة الصحفيين، حظر وسائل الإعلام المستقلة، قمع حرية التعبير الأكاديمية والثقافية، وسيطرة الحكومة على مختلف وسائل الإعلام.
كل ذلك يشير إلى أنه في ظل حكم الاستبداد وتفشي الظلم والقمع في السعودية، تحول القانون بدلا من أن يحمي حقوق الناس، إلى أداة قمع حكومية يعاقب الأبرياء ويفلت الجناة من العقاب. ومن بين أبرز الملفات الحساسة التي تعكس الواقع المؤلم في هذا السياق ما يتعرض له اليوم معتقلو الرأي من ظلم وتنكيل وإعدامات سرية ممنهجة، في ظل إفلات الجناة من العقاب كما حصل لقاتلي الصحفي جمال خاشقجي.
*المصدر: موقع الوقت التحليلي