السعودية.. هل هناك رغبة «مكبوتة» للسلام؟؟
أفق نيوز – بقلم – وديع العبسي
هل تدرك قوى العدوان أن تضييق الخيارات أمام قوات الجيش اليمني يعني تحولاً غير مرغوب فيه إلى خيار فرض الإرادة لاستعادة الحق في كل الوطن؟!
الظهور الغريب والمفاجئ للمبعوث الأممي قبل أيام، يأتي في هذا السياق، فغروندبرغ ظهر فجأة في صنعاء حاملا ما قال بأنها مبادرة أمريكية بريطانيا ليثير هذا الأمر المستجد الكثير من التساؤلات حول حقيقة ومصير تلك التحركات التي قامت بها السعودية في شهر رمضان الماضي، وحول مدى استقلالية القرار السعودي وتحرُره من التوجيه الأمريكي.
الرياض إن تقدمت خطوة أو خطوات إلى السلام فإنما سيكون ذلك عن إدراك لعبثية العدوان أولا ثم عبثية الاستمرار في استنزاف مقدراتها الاقتصادية ثانيا، بينما يمكنها تحويل مليارات الأسلحة إلى الاستثمار في الداخل، الأمر بالنسبة لأمريكا يختلف، اذ يهمها من ناحية ضمان تحقيق مصالحها الخاصة، ومن ناحية أخرى بقاء حالة الاشتعال أو بؤرة الصراع هذه في الشرق الأوسط انسجاما مع رؤيتها لما ينبغي أن يكون عليه العالم ككل من حالة غليان مستمرة تبقى فيه المرجعية والسلطة القادرة على توجيه مصائر الأحداث.
في اليمن لم يعد بالأمر الغريب الحديث عن مساع أمريكية حثيثة لإبقاء الوضع على نفس الشتات الذي هو عليه اليوم بما يمكّن واشنطن من السيطرة والهيمنة طويلة الأمد على البلد واستغلال ثرواته وموقعه فضلا عن استنزاف دول الخليج عبر أقناعها بأن هناك مخاطر على هذه الدول.
ومنذ بداية العدوان والحصار وعمليات التضييق بنقل البنك المركزي، كان واضحا الحرص الأمريكي على استمرار مأساة اليمنيين، وكشفت تحركاتها بأنها تفضّل الإبقاء على كثير من ملفات العدوان معلقة دون حل حاسم ونهائي كي تجعل منها أوراق ضغط لتمرير أجندتها، ولذلك عملت ولا تزال تعمل بقوة لصرف السعودية عن التحرك في أي مسار يمكن أن يعمل على حل بعض الملفات، كما لاحظنا ذلك في ملف المرتبات، وملف الأسرى الذي تبين حسب عبدالقادر المرتضى رئيس لجنة شؤون الأسرى أمس أن أمريكا كانت ولا زالت تعمل على عرقلة تنفيذ هذا الملف الإنساني.
لا تطالب صنعاء باحتلال ارض أو نهب ثروة وإنما بالحفاظ على حقوق المواطنين في أرضهم وثرواتهم ولذلك من الصعب إقناعها بالتخلي عن ذلك ولو بعبارات منمقة، كما لا يمكنها القبول بأن تقوم أمريكا بتحويل الاستحقاقات الإنسانية إلى جَزَر وأثمان مقابل تثبيت رؤيتها بأن تبقى اليمن عامل آخر للحفاظ على مصالح واشنطن.
الظهور الأمريكي الأخير أذن عبر الناقل الأممي إنما يؤكد المؤكد في تحركها لنسف ما جرى التوافق عليه مع الرياض قبل أسابيع من تسوية ضامنة لتحقيق المطالب الإنسانية وتمديد الهدنة.
لكنها مع ذلك تستمر في استغفال الآخرين وتحاول إقناع المجتمع الدولي بأنها حمامة سلام، وليس المجتمع الدولي بحاجة لإثبات زيف ذلك، فصنائعها حول العالم تفضح مزاعمها، بدليل أن مبادراتها كانت دائما تأتي لتفرض وجهة نظرها هي، نلاحظ ذلك مع روسيا ومع الصين وكوريا الشمالية، وطبعا كما هو الحال مع اليمن أيضا.
ظهورها الأخير عبر مبادرة وهمية، دليل آخر على محاولاتها عرقلة أية تفاهمات، ولذلك عبر رئيس المجلس السياسي الأعلى عن استيعابه هذه النوايا بتأكيده أن أمريكا تظهر دائما عندما يلوح في الأفق تقارب ووضع حد للمأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني.
نعم السعودية لا تعير مسألة الجانب الإنساني في اليمن أي اهتمام وإنما تهتم بمصلحتها هي وهذا أمر جدير أيضاً بأن تراعيه، وأن تخرج من هذه العباءة الأمريكية التي تُطْبق على قدرتها في التحكم بمصيرها ومراعاة مصالحها الوطنية العليا، أما إن ظلت رهينة الإرادة الأمريكية فإنها ستبقى في دوامة صراعات لا تنتهي مع المنطقة.