الجهاد الأكبر
أفق نيوز – بقلم – أحمد يحيى الديلمي
كل المعطيات والمؤشرات تؤكد أن حالة الانفراج وانتهاء العدوان باتت وشيكة، الأمر بالنسبة لصنعاء سيان أما أن تعود أمريكا وبريطانيا إلى رشدهما وتجعل المفاوضات تسير إلى نهايتها وتُلبي كل الشروط التي وضعتها قيادة الثورة والتي تبدأ بمعالجة الهم الإنساني، أو عن طريق الخيار الآخر الأكثر مرارة وهو الحسم بقوة السلاح، وأدوات هذا الخيار جاهزة وعلى استعداد للترجمة في أرض الواقع بفعل سواعد الأبطال الميامين المجاهدين وقوة بأس المصنعين للصواريخ والطائرات المسيرة وكل الأسلحة الفتاكة القادرة على إخضاع المعتدين وجعلهم يستسلمون للسلام .
ما يهمنا في اليمن .. أقول اليمن الطبيعية .. هو أن نعود إلى جادة الصواب ونحقق نقلة نوعية كبيرة تتمثل في الاتجاه نحو البناء بكل أبعاده ونقتدي بهدي الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وتصرفه عقب فتح مكة، فلقد قال كلمته الشهيرة التي تحولت إلى حديث نبوي يروى ( خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )، ألا وهو جهاد النفس، وهذا النوع من الجهاد يبدو أكثر صعوبة من لعلعة الرصاص وانفجار الصواريخ، لأنه يتعلق بإصلاح النفوس وتهذيب السلوك والسير وفق النهج القرآني للاتجاه نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة، وهذا ما ذهب إليه الحديث النبوي الشريف، والفكرة سبق أن ترجمها على أرض الواقع في الزمن المعاصر الإمام يحيى محمد حميد الدين “رحمة الله عليه” عقب صلح دعان وتحقيق الانتصار على الأتراك، فلقد اتجه نحو صنعاء ولم يدخلها مباشرةً، لكنه ظل في منطقة الروضة وخرج إليه كبار أعيان صنعاء والعلماء يدعونه للدخول فأجاب (أنا خرجت من حرب ومعارك طاحنة وهناك من ساعدني من المشايخ والأعيان وكبار القوم ولابد أن كلاً منهم ينتظر ما سيحصل عليه عقب الدور الذي قام به في الحرب التي انتهت وأخشى أن يكون دخولهم صنعاء وبالاً على أهل صنعاء، فلن أدخل حتى أنهي أمورهم )، وبالفعل فرقهم أشتاتاً ولم يبق معه إلا الخُلص من أصحابه الذين آمنوا بفكرته وقاتلوا معه بصدق وإيمان بعد ذلك تسنى له الشروع في بناء الدولة، وهذا ما جعل الأستاذ البردوني المؤرخ والشاعر الكبير يقول عنه بأنه مؤسس الدولة اليمنية الحديثة .
وهنا نُدرك بأننا بحاجة ماسة لتمثل ذلك السلوك باعتباره هدياً نبوياً شريفاً والإمام يحيى مجرد مُقلد وتابع له، فالأمور ستصل إلى حد لا يُطاق إذا ظلت الفوضى هي القائمة وسمحنا للبعض بأن يحققوا رغباتهم، وكلنا بشر وكل البشر خطاءون وخير الخطائين التوابون، كما جاء على لسان سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم .
الانتصار العظيم والتضحيات الكبيرة والدماء الزكية التي سالت كلها بحاجة إلى نكران للذات وتطهير النفوس من الذنوب والأدران لتظل الرايات المرفوعة رايات بيضاء تتمثل الإسلام وتترجمه قولاً وعملاً في السلوك لا مجرد حكايات أو كلام في الهواء، وعلى هذا الأساس ستظل الانتصارات قائمة والإنجازات ستتحقق تباعاً في كل المجالات، وبالفعل نصل إلى بناء دولة نموذجية يُشار إليها بالبنان، وهذا هو حلم كل يمني وحلم كل أولئك الشهداء الأبطال الذين رووا بدمائهم الأرض الطاهرة، ولن نُغيض الأعداء ونجعلهم يتحسرون على ما قاموا به من عدوان همجي سافر إلا إذا اتجهنا صوب هذا الأمر بقلوب مؤمنة وصادقة تكبح جماح الرغبات المشبوهة وتتمثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل أعمالها وهي على يقين بأن هذا هو الإسلام وهذا هو السلوك الذي يتطلبه من يدعي الانتماء إليه .
أرجو أن يستوعب مثل هذا الكلام الجميع وفي المقدمة من هم في مواقع المسؤولية، فهم بالذات معنيون بالأمر ليُدركوا أن الوظيفة العامة تكليف لا تشريف، وأنهم مجرد خُدام للشعب لا أمراء عليه، وفي هذا الصدد أتمنى أن يقرأ الجميع بعناية وإمعان رسالة أمير المؤمنين ويعسوب الموحدين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الأشتر النخعي، فهي دستور ونظام شامل للدولة الإسلامية التي يرغب كل مسلم صادق الإيمان الوصول إليها حتى تُصبح هي النظام السائد ويُصبح العدل والقانون هو الحارس لكل مواطن يمني والحامي لسيادة الوطن واستقلاله وحتى لا نقع في المحذور من جديد وتتوزعنا أهواء ومطامع من يترصدون البلاء لليمن واليمنيين أجارنا الله منهم جميعاً .. والله من وراء القصد ..