الثُلثُ العربي المُعطِّل و تباشير ربيعٍ عربيٍ حقيقيٍ قادم…
237
Share
بقلم الشيخ عبد المنان السنبلي
من ينظر بتمعن إلى معطيات الواقع و التاريخ و بحيادٍ و تجردٍ تام، يدرك جيداً أن ما بدى للناس ربيعاً عربياً مع البدايات الأولى لعام 2011 لم يكن في حقيقة أمره ربيعاً حقيقياْ و لا عربياً – مع إحترامي طبعاً لكل من خرج و هو يحمل هماً و طنياً و قومياً غير مدركٍ لأبعاد و خفايا المؤامرة – و إنما كان مزيفاً بما تحمله الكلمة من معنى و يدلل على ذلك ما خلّفه من أحداث إتسمت بحالة من عدم الإستقرار الحاد و الفوضى العارمة في الدول التي زارها ذلك الربيع المزيف…
نعم من حقنا أن نحلم و نتوق لربيعٍ عربيٍ حقيقيٍ تَعُم شذى رياحينه و أزهاره وطننا العربي الكبير و الممزق كاملاً لتعيد له ألقه الضائع و حلمه المفقود في إقامة الدولة العربية الواحدة الكبرى من المحيط إلى الخليج، و لكن أين ؟! و من أين يجب أن يبدا هذا الربيع المنشود ؟!!
لو نظرنا و تأملنا إلى الخارطة الجغرافية و الديموغرافية و السياسية العربية قبل أقل من مائة سنة من الآن و نظرنا إلى ما طرأ عليها من متغيرات بفعل عوامل كثيرةٍ أهمها و أبلغها أثراً هو العامل الخارجي ، لوجدنا أن دولاً لم تكن موجودة أصلاً تم إستحداثها و زرعها في الخارطة العربية و هي ما باتت تُعرف اليوم بدول مجلس التعاون الخليجي بإستثناء عمان و قد كان لبريطانيا العظمى يومها الدور الأبرز في إنشاء هذه الدول و دعم بقاءها.. .
في الواقع فرح العرب بتلك الكيانات الناشئة حتى أن البعض كلما تم الإعلان عن قيام دولةٍ من هذه الدول كان يفاخر قائلاً أن العرب قد حصلوا بذلك على مقعدٍ أضافي في الأمم المتحدة !!
لم يكن العرب يعلمون يومها ماذا تُخبئ لهم الأقدار من وراء إنشاء هذه المشيخات و الممالك الكرتونية !! فقد إستطاعت قوى الإستعمار العالمي بقيادة بريطانيا و من بعدها أمريكا من دفع العرب إلى تأسيس ما بات يُعرف اليوم بإسم الجامعة العربية، و لكي تضمن تقييد و شل حركة و قدرة هذه الجامعة فقد رأت في إستحداث هذه الممالك و المشيخات المرتبطة أصلاً معها بإتفاقيات و معاهدات حماية طويلة المدى ضمانة لذلك عن طريق الحيلولة دون حدوث أي توافق عربي على أي أمرٍ قد يمس مصالح تلك القوى العظمى في المنطقة بواسطة هذه المشيخات و التي تمتلك الثلث من مجموع مقاعد الدول المنضوية تحت لواء الجامعة العربية ، و لو رجعنا بالزمن قليلاً إلى الوراء و نظرنا منذ نشأة هذه الدول إلى الدور السلبي الذي لعبته في سبيل إضعاف الجانب العربي و ترويضه لصالح أعداء الأمة، لرأينا العجب و كيف أنهم لم يكونوا إلا ثُلُثاً معطلاً لكل قرارٍ قد يضر بمصالح دول الإستكبار العالمي المتمثلة بأمريكا و إسرائيل ، فما من قضيةٍ عربية مصيرية إلا و سعت هذه الدول إلى تمييعها و المتاجرة بها، و ما من مشكلةٍ يواجهها العرب إلا و عمدوا إلى تعقيدها و التملص منها لا لشئٍ إلا أنهم ملتزمون بما تعهدوا به لأربابهم و أسيادهم في أوروبا و أمريكا !! و ما مواقفهم المعلنة و غير المعلنة في قضايا فلسطين و لبنان و العراق و من قبل مصر و اليمن في ستينيات القرن الماضي و سبعينياته إلا دليلاً واضحاً على و قوفهم في الجبهة الأخرى المواجهة للجبهة العربية و إن أبدوا للبعض شكلياً أنهم غير ذلك !!
و اليوم و قد كان من أمر هذه الممالك و المشيخات ما كان من تشتيتٍ لآمال و تطلعات الأمة العربية و إسهامٍ فاعلٍ في تمزيق الأوطان العربية من الداخل و تسهيلٍ لعملية التغلغل الأجنبي فيها، و بعد إن إفتضح أمرها و حقيقتها ليس لدى الشعوب العربية فحسب و إنما لدى شعوبها أيضاً، فقد بدأت تظهر على السطح تململات شعبية تؤطّر لإنتفاضاتٍ و ثوراتٍ قادمة في أوساطهم الشعبية و النخبوية يدعمها نفيرٌ شعبيٌ عربيٌ واسعٌ و مستاء بفعل عوامل و متغيرات جديدة أفرزتها الكثير من تداعيات و آثار سياساتهم الممنهجة الخاطئة و دورهم التآمري السلبي ضد آمال و تطلعات الشعب العربي على المستويين المحلي و القومي، فإن ذلك يُعدُ بمثابة مؤشرٍ قويٍ على تغيّرِ في حالة الطقس و المزاج العام للإنسان العربي على إمتداد هذه الرقعة من الأرض العربية في الجزيرة و الخليج أولاً و على كامل التراب العربي ثانياً ينبئ بربيعٍ قادم حقيقيٍ يعيد التاريخ إلى مساره الصحيح و يرد إعتبار الأمة بإجتثاث هذه الأنظمة العميلة المستبدة و المبددة لثرواتها و طاقاتها في خدمة مصالحها الخاصة المرتبطة مصيرياً بالقوى الإستعمارية الطامعة…
يا الله !! ما أجمله من ربيع !! لن يكون بيننا من يثير الفتن أو من يحرض على الطائفية أو يستدعي الأجنبي أو يبدد ثروات الأمة أو يودعها في خزائن الغرب و الأمريكان ليستفيدوا منها غير الشعوب العربية… أنه بلا شك لهو الربيع العربي الحقيقي يوم أن تُزال هذه المجسمات الغريبة من على خارطتنا العربية لنعود كما كنا عرباً حاملين إلى الدنيا مشاعل هداية و نور ..يومها يحق لنا جميعاً و بكل فخر أن نقول :