عندما أقدمت أمريكا بالاعتداء على اليمن كان لديها معرفة أن العربَ أُمَّـة واحدة وَتحملُ ثقافةَ الخوف من أمريكا مع تسليمِها لها فيما تأمر والاستجابة لها فيما تطلب؛ فأصدرت حُكمَها المُجمَلَ لتنطلق على أَسَاسه في سلوكها العدائي على اليمن دون الاستفادة من هزيمتها في المشاركة والإشراف المباشر في العدوان على اليمن طيلة 9 سنوات أَو قراءة للتاريخ الذي يضع كُـلّ من المجتمعات العربية في موقعِها الذي استمدت من جذوره قوتها وعزتها وقيَمَها اكتفت بدراسة عَيِّنة غير ممثلة لكل العرب فانطلقت في عدوانها على أَسَاس معطياتها الغبية.
نقول لهؤلاء الأغبياء: لقد كانت معرفتُكم عن العرب أنهم أُمَّـة واحدة صحيحة، وتكاد تكونُ هذه المعرفة الوحيدة التي عرفتموها أما غير ذلك فأنتم تجهلون أغوارَ وتاريخَ هذه الأُمَّــة، لقد اعتمدتم في تشخيصكم على ظاهرها المشوّه؛ بفعل عوامل التغريب والتدجين الممنهج لبعض هذه المجتمعات التي لم تكن لها قيادة حكيمة تغرس في مجتمعها الثقافة الدينية، ثقافة “هيهات منا الذلة” ولم تشخِّصوا باطنَها الذي يعكسُ حقيقة الأُمَّــة العربية، الحقيقة التي ران عليها جهلُهم بها؛ نتيجة تشرّبهم بثقافة الذل لعقود من الزمن؛ فأنتجت جيلاً بل أجيال من أشباه العرب يحملون الاسم وليس الوسم، الذي يتسمُ به العربي فأصبحوا كالغمد بدون سيف أصبحوا عربًا بدون هُــوِيَّة، لم تدرك أمريكا وكلّ الغرب أن هناك من العرب من ما زال يحمل الاسمَ والهُــوِيَّة معاً، الهُــوِيَّة التي عزّزها الانتماءُ الديني فأصبح محصَّنًا بالهُــوِيَّة الدينية من اختراقاتهم الفكرية والثقافية.
لقد ذُهل الأمريكي والبريطاني من ردة الفعل اليمنية تجاه ما يحدث في غزّة نتيجة قراءتهما الغبية لطبيعة الشعب اليمني وتعميمهم الخاطئ لعيّنتهم المقروءة، صُعِقت أمريكا أكثر عندما كان الرد اليماني على اعتداءاتهم باستهداف سفنهم الحربية التي لم يجرؤ أحد على قصفها منذ الحرب العالمية الثانية.
لم تتخيل أمريكا بأن هناك في العالم من يرُدُّ عليها بالمِثل؛ لتعرف أخيراً أن عليها مراجعة خططها وإعادة تقييمها للمجتمعات العربية، إذَا كان هناك أغبياء من العرب هناك أَيْـضاً في أمريكا أغبياء، لكن الانطباع الذي ترسّخ في الذهنية العربية عن الشعب الأمريكي وحكّامها بأنهم أذكياء في سياساتهم وَأقوياء في قدراتهم وقراراتهم كان انطباعًا خاطئًا؛ فقد أثبتت الأحداثُ أنهم أغبياء إلى أبعد الحدود فقد ضحَّت بجنودها ومصالحها لخدمة الكيان الصهيوني، وهذا دليل قاطع بأن الحكومات الأمريكية مخترَقةٌ من قبل اللوبي الصهيوني، والدليل أن أمريكا مستعدة للتضحية الاقتصادية وبمصالحها وإحراج حلفائها في المنطقة وتحويل البحر الأحمر إلى ساحة حرب، كُـلّ ذلك حتى يستمرَّ العدوُّ الصهيوني في قتل وحصار الشعب الفلسطيني في غَزّة؛ ما يعكس أعلى درجات التجرد من الإنسانية وقمة الغباء!
على أمريكا والغرب عُمُـومًا أن يعرفوا بأن كُـلَّ الشعب العربي يحملُ في ذاته بذرةَ الصلاح، لو سُقيَت من منابع الطُّهر الديني والعربي وتوفرت سُبُلُ الوقاية من الغزو الفكري، وتوفرت أَيْـضاً القنوات التي تُبصّر مجتمعاتنا بهُــوِيَّتها الدينية الحقيقية فَــإنَّها كفيلة بتنمية بذرة صلاح الأُمَّــة والعودة بها إلى مجدها ودورها الفاعل بين الأمم، والشعب اليمني خيرُ مثال لهذه المعادلة.