الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الرحمة، من بعثه الله بكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
في البداية نقول: ما نحن إلا طلاب علم، ندعو إلى الله، ونحن نعلم أننا مقصرون تقصيراً كبيراً في هذا الميدان، ونحن نستغفر الله من كل تقصير، وإن كان لنا جهد في هذا الموضوع فما نحن إلا ثمرة من ثمار من بذلوا جهوداً عظيمة أكثر منا، وأسبق منا في هذا الميدان الذي هو في الأصل واجب على كل مسلم، واجب على كل مؤمن.
في هذه الآيات التي سمعناها جميعاً في صلاة [المغرب] آيات بليغة مناسب أن نتحدث حولها ولو أطلنا قليلاً في الحديث، نرجو أن نوفّق من الله سبحانه وتعالى إلى ما فيه صلاحنا وصلاحكم جميعا.
ما أعظم كتاب الله، وما أسمى معانيه، وما أشمل دلالاته، هدى ونور، موعظة وشفاء لما في الصدور، يخاطبنا بمختلف العبارات، وبشتى الوسائل؛ بحثاً عن كيف يهدينا بأسلوب عجيب. المتأمل لكتاب الله سبحانه وتعالى من هذه الزاوية يخجل أمام الله، وهو بكل وسيلة، وهو هو من جلَّ سبحانه وتعالى في كبريائه، وتعالى في عظمته، يُظهِر حبه لأوليائه بشكل عجيب، ويدعو جميع عباده للانضواء تحت لوائه والاستجابة لندائه، ويثني دائماً على نوعية متميزة من أوليائه، ممن آمن به، وآمن برسله وكتبه.
{رَبُّنَا اللَّهُ} ربنا الله وحده لا شريك له، لا نعبد سواه، وعندما يقولون: ربنا الله، هم يفهمون ماذا تعني هذه الكلمة: أنه هو وحده الذي يملك حق تدبير شؤوننا في هذه الحياة، هو وحده الذي يملك حق الأمر والنهي فينا في هذه الدنيا، فلا أحد سواه باعتبارنا عبيداً له هو الذي خلقنا، هو الذي رزقنا، هو الذي مهد لنا هذه الأرض التي نعيش عليها، نحن مملوكون له بكل ما تعنيه الكلمة، لا أحد سواه يملك أن يشرِّع لنا، لا أحد سواه يملك أن يتحكم كما يريد في شؤوننا، يأمر وينهى كما يريد في مختلف مجالات حياتنا؛ لأن الربوبية هي من التربية، الله هو الذي ربانا، ويربينا باستمرار، هو الذي يقوم بتدبير شؤوننا، هو القيوم على كل أمورنا.
ما أكثر من يقولون: الله ربنا، ولكن يدينون بالولاء لتشريعات بعيدة عن الله، لأنظمة بعيدة عن الله. هذا إقرار يناقضه العمل، أما الذين يقولون: ربنا الله بفهم كامل لهذه الكلمة فهُم قليل من عباد الله سبحانه وتعالى، هي كما سبق تعني: العبودية المطلقة لله، وفهم معنى العبودية ماذا يعني أنني عبد لله، أطيع الله فيما أمر ونهى، أعمل على كسب رضاه، أحبه وأتولاه، أكون من حزبه، أكون من جنده، أكون من أوليائه، أستقيم، أستقيم على هذا النهج، أفهم تعامله معي سبحانه وتعالى كعبد له في هذه الدنيا أنه لا بد أن يبتليني بتكاليف متنوعة، ما بين شاق على نفسي، أو شاق على جسمي، وما بين سهل، ما بين صعب علي باعتباره مخالف لهواي، أو لمصالحي الشخصية، أو لأي اعتبار آخر من الاعتبارات الدنيوية، وبين ما هو بعيد عن هذا الاعتبار.
جهل كثير من الناس، بمعنى تكليف الله لهم، جهل كثير من الناس بمعنى عبوديتهم لله تخلق إشكالات كثيرة جداً جداً، تؤدي في الأخير إلى مجرد الإقرار، الذي لا يتوافق معه العمل، ولا يتوافق معه حتى الاعتقاد …. أن أعلم بأنني عندما أقول: أنني عبد لله، وأقر بأن الله ربي، أن الله لا يكتفي مني بهذا، لا بد أن يمتحنني، لا بد أن يبتليني؛ ليتبين مصداق ما أدعيه، ويتبين استقامتي وثباتي على ما أدعيه.
وبالطبع تأتي الابتلاءات في مجالين: فيما نحب من الناحية المادية، وابتلاءات فيما يتعارض مع مطامعنا من الناحية المعنوية، ومع شعورنا وحب الاستعلاء لدينا من الناحية المعنوية.
لو كان التشريع، لو كان الابتلاء الإلهي لا يتناول هذه المجالات التي هي محك حقيقي، ودليل حقيقي على الصدق من الكذب، لكان كل الناس يدَّعون الإيمان ويدعون العبودية لله. لكن لا {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (آل عمران: من الآية179) لا بد من الابتلاء {اَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:2-3).
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]