إدارةُ بايدن تواجهُ نهايةً مسدودةً في اليمن: مفتاحُ “باب المندب” في غزة!
أفق نيوز | تقرير| ضرار الطيب
على وَقْعِ فشلِها العسكريِّ المعلَنِ والمعترَفِ به في التأثير على مسارِ الجبهة اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك العمليات البحرية النوعية، لجأت إدارة بايدن إلى الهروب نحو محاولات التضليل المكشوفة بشكل فاضح، وإلى الحيل الدبلوماسية التي أثبتت فشلها سابقًا، لتكشف بذلك عن وصولها إلى نهاية مسدودة، وانعدام خياراتها في مواجهة الموقف اليمني الذي يتجه نحو التصعيد أكثر؛ وهو ما يعيد وضع واشنطن مجدّدًا أمام ضرورة وقف العدوان الصهيوني على غزة، أَو المخاطرة بالغرق أكثر في بحار اليمن.
آخر محاولات التضليل التي سعَت من خلالها إدارةُ بايدن إلى التغطية على فشلها المدوي في اليمن، جاءت في تصريحات لقائد القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال أليكسوس غرينكويتش، الذي لم يمتلك ما يقوله لوكالة “أسوشيتد برس” سوى تكهنات بأن مخزونَ الأسلحة اليمنية ربما يكون قد انخفض؛ بذريعة أن العمليات اليمنية لم تعد بنفس الكثافة.
وقد رد غرينكويتش على نفسه بنفسه عندما ذكر (أو ربما تذكّر) أن القواتِ الأمريكيةَ لا تملِكُ أيةَ معلوماتٍ استخباراتيةٍ حول الترسانة العسكرية، وبالتالي لا تستطيعُ أن تتوصَّلَ إلى أيِّ تقييمٍ حول حجمِها؛ وهو ما كان العديد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين قد أكّـدوه عدة مرات على امتداد الأشهر الماضية، وبالتالي فَــإنَّ الحديث عن انخفاض مخزون الأسلحة اليمنية ليس فقط مُجَـرّدَ تكهُّنٍ لا أَسَاسَ له، بل محاولة مكشوفة لصناعة إنجاز وهمي للعدوان على اليمن، وتغيير صورة الفشل الواضحة التي كرَّستها اعترافاتُ كبار الضباط في البحرية الأمريكية خلال الفترة الماضية والتي أكّـدت أن الأخيرةَ تواجه أكبرَ تَحَـــــدٍّ لها منذ الحرب العالمية الثانية من حَيثُ كثافة العمليات، وأنها تواجه هجمات لم يسبق أن حدث مثلها في التأريخ.
أما “انخفاض وتيرة العمليات” الذي استند عليه قائد القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط كدليل، في ظل العجز عن توفير أية معلومات حقيقية؛ فهو أَيْـضاً تضليل واضح ومكشوف؛ فمن الطبيعي أن تتباعد الفترة الزمنية بين بيانات القوات المسلحة قليلًا بشأن استهداف السفن، بالمقارنة مع الأشهر الماضية إذَا كانت حركةُ السفن المرتبطة بالعدوّ الإسرائيلي والولايات المتحدة وبريطانيا قد أصبحت نادرةً جِـدًّا في المنطقة، بحسب ما أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وبحسب ما تؤكّـد بيانات الملاحة وَأَيْـضاً تحذيرات وزارة النقل الأمريكية للسفن المملوكة للولايات المتحدة بتجنب المرور في باب المندب قدر الإمْكَان، بالإضافة إلى سيل التقارير الأمريكية والبريطانية و”الإسرائيلية” التي تؤكّـد باستمرار وبشكل شبه يومي أن المشكلة في البحر الأحمر والبحر العربي لا زالت مُستمرّة وأن التأثيرات الاقتصادية تمضي في تصاعد.
وفي هذا السياق، وعلى سبيل المثال فقط، فقد أعلنت شركة “أوشين نتوورك إكسبرس” الصينية للشحن، يوم الخميس، عن تأجيل تشغيل الخط الملاحي الذي يصل بين آسيا والساحل الشرقي للولايات المتحدة؛ بسَببِ الوضع في البحر الأحمر.
وبالتالي فَــإنَّ عدمَ الإعلان عن استهداف الكثير من السفن -كما كان الحالُ في الأشهر الماضية- هو دليلٌ على نجاح القوات المسلحة في فرض الحظر البحري على السفن ذات العلاقة بالعدوّ، ولا علاقة له بانخفاض مخزونِ الأسلحة اليمنية، بل إن قيامَ قائد القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط بمحاولة الربط بين الأمرَينِ يشير إلى إفلاس كبير حتى في الدعاية، ويوضح أنه حتى التكهنات الأمريكية أصبحت مرتبكة جِـدًّا.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـده القيادة المركزية الأمريكية التي يقود غرينكويتش قواتها الجوية، والتي لا يكاد يمر يوم بدون أن تصدر بيانٌ عن الاشتباك مع صواريخ وطائرات مسيَّرة يمنية في البحر الأحمر، بل إنه لم تمضِ ساعاتٌ على تصريحات غرينكويتش حتى أعلنت القيادة المركزية أن هجومًا بصاروخ بالستي وطائرتَينِ مسيَّرَتَينِ انطلق من اليمن باتّجاه المدمّـرة “يو إس إس غريفلي” في البحر الأحمر؛ وهو ما يعني بوضوح أن القوات المسلحة اليمنية لا زالت تغطي المنطقة بكثافة نارية تناسب كثافة الأهداف المتواجدة في المنطقة.
وبدلًا عن التكهنات عن حجم الترسانة اليمنية الذي أقر قائد الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر، مارك ميجيز، في وقت سابق بأنه يعتبر بمثابة “ثقب أسود للاستخبارات الأمريكية” كان على الجنرال غرينكويتش أن يجيب عن سؤال بسيط يمتلك حوله كُـلَّ المعلومات اللازمة وهو: هل تستطيعُ السفنُ المرتبطةُ بـ “إسرائيل” والولايات المتحدة وبريطانيا العبورَ من باب المندب والبحر الأحمر بأمانٍ؟ ولن يكونَ بمقدوره أن يجيبَ بنعم، مهما بلغت جرأتُه على التضليل.
الإنجازُ الوهمي الذي حاول قائد القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط أن يصنعه بتكهنه غير المنطقي، اصطدم أَيْـضاً في اليوم نفسه مع اعتراف للمبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، قال فيه: إنه “لا يوجد حَـلٌّ عسكري” وإنه يأمل أن يتم التوصل إلى “حل دبلوماسي” وهو اعتراف واضح بوصول حملة العدوان على اليمن إلى طريق مسدود، وبإدراك إدارة بايدن لحقيقة عجزها العسكري عن التأثير على الجبهة اليمنية المسانِدة لغزة.
وقد عزَّزَ هذا الاعترافَ بالعجز أَيْـضاً تلويحُ ليندركينغ بعرض سبق وإن لم تأبه له صنعاء، وهو أن يتم إلغاء تصنيف “أنصار الله” كمنظمة إرهابية، مقابلَ وقف العمليات البحرية المساندة للشعب الفلسطيني، حَيثُ يكشف الرجوع إلى هذه النقطة تخبُّطًا أمريكيًّا كبيرًا في الخروج من مأزِق الجبهة اليمنية التي أسهمت واشنطن نفسُها في تعميقه عندما قرّرت الاعتداء على اليمن.
وبحسب تقرير نشره موقع “المونيتور” الأمريكي يوم الخميس فَــإنَّ الولايات المتحدة تبحث بالفعل عن مخرج دبلوماسي بعد أن أثبتت الضربات العسكرية فشلها في وقفِ الهجمات البحرية اليمنية، لكن التقرير يذكر أن معظم المحللين يرون أنه لا يوجد أيُّ شيء أقل من وقف الحرب في غزةَ يمكن أن يقنع صنعاء بالتوقف؛ وهو أمرٌ سبق لـ ليندركينغ نفسه أن اعترف به في وقت سابق نهايةَ مارس الماضي، في مقابلة مع شبكة “سي سبان” الأمريكية، حَيثُ قال بوضوح: “إن هناك حاجة للوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة؛ مِن أجل وقف الهجمات في البحر الأحمر”.
وبين الحَلِّ العملي الواضح الذي يبدو أن إدارةَ بايدن تعرفُه جيِّدًا، ومحاولات التضليل الإعلامي والاحتيال الدبلوماسي، والاعترافات الصريحة بالفشل العسكري، فَــإنَّ الورطةَ هي أنسبُ عنوان يصف الموقف الأمريكي في مواجهة الجبهة اليمنية؛ إذ يبدو أن البيتَ الأبيض يحاول جاهدًا البحثَ عن حَـلٍّ لا يصطدمُ فيه مع التزامه بحماية الكيان الصهيوني، ولا يجد؛ وهو ما يعني أن استمرار المعركة لن يجلبَ عليه سوى المزيد من الإخفاقات والهزائم التي ربما لا يستطيعُ التعافيَ منها.