بين مشروعية “الرّد الإيراني” والتعنت الأمريكي.. نُذُر الحرب الإقليمية تعود للواجهة
أفق نيوز – تقرير – نوح جلّاس
تشهد المنطقة هذه الأيام، حراكاً سياسياً غزيراً داخل إطار الرد الإيراني المحتمل على العدو “الإسرائيلي”؛ اقتصاصاً للقادة الإيرانيين الذين اغتالتهم “إسرائيل” بغارات جوية داخل قنصلية طهران في العاصمة السورية دمشق.
وعلى وقع هذا يستنفر العدو الصهيوني ورعاته الأمريكيين بشكل غير مسبوق تحسباً للهجمة الإيرانية المشروعة والتي تأتي كرد فعل طبيعي على الاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة والمتصاعدة، فيما تنذر المؤشرات الراهنة بتوسّع رقعة الحرب في المنطقة، خصوصاً مع الإعلان الأمريكي الرسمي تقديم كل أشكال المساندة لـ”تل أبيب”، وما رافق تلك الإعلانات من تحذيرات إيرانية لأمريكا بتداعيات دخول الأخيرة على الخط، وأيضا تصريحات فصائل محور المقاومة بشأن انعكاسات التطفل الأمريكي، وبالتالي فإن كل المعطيات تضع الجميع أمام تحوّل إقليمي واسع في مسار الصراع مع العدو “الإسرائيلي” ورعاته الأمريكيين والغربيين.
حتميّة الرّد الإيراني وأسباب تأخره:
خلال الفترات الماضية، تكررت الهجمات “الإسرائيلية” على المصالح والقوات الإيرانية، سواء في سوريا أو غيرها، لكن لم ترقَ ردود الفعل الإيرانية إلى المستوى الذي وصلت إليه اليوم، خصوصاً مع تصاعد حِدّة التصريحات الرسمية القادمة من طهران، وأيضا ما يقابلها من تكهنات أمريكية إسرائيلية ، علاوةً على التوجّس الإقليمي والدولي، حيال الردّ، وهو ما يجعل الهجمة الإيرانية حتمية بكل الاحتمالات.
وبغض النظر عن تصريحات طهران الرسمية، فإن الأعداء قد أعلنوا يقينهم بحتمية الرد، حيث تحدث مسؤولون أمريكيون لوسائل إعلام دولية، أوضحوا فيها أن هناك تحركاً عسكرياً إيرانياً على كل المستويات، في سياق الإعداد للرد، مشيرين إلى رصد قدرات كبيرة من بينها أعداداً هائلة من الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية طويلة المدى، لكن تلك التصريحات شهدت احتمالات متعددة بشأن توقيت الضربة، فمنها ما توقع تنفيذها اليوم وغداً، ومنها ما توقع الأسبوع المقبل، ومنها لم يحدد الوقت بالضبط، غير أن كل تلك التكهنات تؤكد أن مسار طهران هذه المرّة مغاير عن كل ما سبق، أي لا يمكن أن يخلو من ضربة واسعة ونوعية.
وقد صرّح كبار المسؤولين الأمريكيين بينهم “كيربي” و”أوستن” و”بلينكن”، مؤكدين أن التحركات الإيرانية في غاية الجدّية، مستندين على رصد متواصل لتحركات عسكرية إيرانية واسعة للردّ والتحضير لما بعد الرد، واصفين هذه التحركات بـ”الجدّية، وذات المصداقية العالية”، وفي المقابل صرّح كبار المسؤولين الإسرائيليين بهذا الشأن، وتكهّنوا بأن الرد سيشمل مواقع عسكرية صهيونية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، وقد أوردت تلك التصريحات كبار الوسائل الإعلامية الدولية، بينها “صحيفتي بلومبرغ، وفايننشال تايمز ، وقناة CBS الأمريكية”، ومواقع ووكالات أبناء دولية، في حين أعلن الأمريكيون عن إبلاغ حلفائهم بالاستعداد.
أما عن احتمالات تأخر الردّ الإيراني على العدو الصهيوني، فإنه وبناءَ على التكتيكات القتالية السائدة والمعروفة، يمكن القول ان أهم عنصر تحتاجه إيران في هذا التوقيت، قد يكون غائباً، وهو عنصر المفاجأة والمباغتة، الذي يعتبر أهم عنصر قتالي سائد، يمكن من خلاله تحقيق كامل أهداف أي عملية، وإدخال العدو المستهدف في مرحلة اضطراب وتخبط تسمح أيضاً بتوسيع أوجاعه وبعثرة خططه وتكتيكاته.
وبالنظر إلى الاستنفار الإسرائيلي والاستعدادات الدفاعية التي تجهزها بمعية العدو الأمريكي، وإعلان الأعداء عن خطط التصدي وخطط ما بعد الضربة، وتصريحات الحكومة الصهيونية بشأن طلبها من “الجبهة الداخلية لإبلاغ مديري المستشفيات الاستعداد وتوفير الطواقم خشية رد إيراني”، واجتماع “نتنياهو” ووزيري حربه ودفاعه مع نظرائهم الأمريكيين لتدارس التصدي والردّ بعد الضربة الإيرانية، وتعميم الجيش الإسرائيلي بحظر السفر للخارج دون أسباب، وغيرها من أشكال الاستنفار والاستعداد، فإنه يمكن القول أن عنصر المفاجأة والمباغتة الذي تحتاجه إيران قد يكون غائباً في ظل هذه الاستعدادات المعلنة وغير المعلنة، وبالتالي يتطلب من إيران توسيع العملية وتجهيزاتها فوق تصورات الأعداء وتجهيزاتهم؛ لتتمكن من تحقيق أهدافها في ظل غياب عنصر المفاجأة، أو على الأقل ليكون الرد موازياً لحجم الاعتداء الصهيوني، وحجم الضخّ السياسي والإعلامي الغربي والأمريكي.
الحرب الإقليمية تعود للواجهة:
وفي سياق متصل، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، وقوفها بجانب العدو “الإسرائيلي” وتقديمها كل أشكال الدعم، على الرغم من اقتران هذه الإعلانات بمعرفة واشنطن أن تدخلها سيقود إلى توسّع الحرب في المنطقة، فضلاً عن التحذيرات الإيرانية من تداعيات التطفل الأمريكي، وما صاحبها من تحذيرات حديثة وسابقة لفصائل الممانعة في دول المحور، والتي أكدت أن دخول أمريكا في الخط يعني حرباً إقليمية.
الصحف الأمريكية أوردت تصريحات لمسؤولين أمريكيين قالوا فيها إن “الهجوم الإيراني المحتمل قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة” في إشارة إلى معرفة واشنطن لتداعيات تدخلها، فيما ذكر مسؤولون صهاينة أن واشنطن طلبت من “إسرائيل” إبلاغها قبل أي قرار تتخذه بشأن الرد على هجوم إيران الوشيك، بالإضافة إلى قول “كيربي” و”أوستن” التزام بلادهم بحماية العدو الصهيوني وتوفير كل شيء لتأمينه، وإعلان وزارة الدفاع الأمريكية تحريك قوات عسكرية إضافية إلى المنطقة، وبيان هيئة الأركان الأمريكية ورئيسها الذين أعلنوا الإعداد وتعزيز الجاهزية لكل الاحتمالات في المنطقة واحتمالية إشراك قواتهم في كل المستجدات، فضلاً عن تصريحات وزير دفاع العدو الإسرائيلي الذي أكد اعتماد الكيان بشكل كلي على أمريكا لمواجهة إيران وحلفائها، وكل هذه المؤشرات تؤكد أن التدخل الأمريكي وشيك ومقترن بالرد الإيراني، ما يجعل كل أبواب الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، سيما مع تصاعد التحذيرات المقابلة من مغبّة العربدة الأمريكية.
وتأتي هذه المواقف الأمريكية، في ظل علم واشنطن بمخاطر مغامرتها وحشر أنفها في هذا المسلك الخطير، حيث نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، قولهم إن طهران أبلغت واشنطن عبر دول عربية، أن القوات الأمريكية في المنطقة ستتعرض للهجوم إذا تدخلت واشنطن في مساندة “تل أبيب”، وأن إيران ستضرب أي قوة تهاجمها بعد الردّ، بما فيها القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
“المحور” يتداعى لمواجهة “مهندسي توسيع الصراع”
وفي السياق ذاته، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق استعدادها للرد على أي مغامرة أمريكية، محملةَ “واشنطن وتل أبيب مسؤولية ارتكابهما أي حماقة في العراق أو دول محور المقاومة”، في إشارة إلى تداعي فصائل المحور لمواجهة التحشيد الأمريكي الصهيوني الغربي، وانعكاساته على توسيع الحرب في عدد من دول المنطقة، وهو الأمر الذي يجعل أمريكا تتحمل كامل المسؤولية عن أي حرب شاملة.
وبناءَ على هذه المعطيات، تعود للواجهة تحذيرات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي التي أطلقها في خطاب الذكرى السنوية للشهيد 1441هـ وما تبعها من تحذيرات مشابهة بشأن الصلف الأمريكي الذي يستهدف دول المحور على مسار تجزئة المعركة، وهو المسار الذي أكد السيد القائد رفضه وعمل كل شيء لمواجهته وإفشال كل محاولات الاستفراد الأمريكي بأي من فصائل محور المقاومة في أي بلد، في حين تعود أيضاً تحذيرات “الحرب الإقليمية” التي ذكرها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابيه بيوم القدس العالمي 1442هـ – 1444هـ، وأكد فيها أن تجاوز أمريكا للخطوط الحمر في المنطقة يعني حرباً إقليمية لا تبقي ولا تذر، ليكون التجاهل الأمريكي لكل هذه التحذيرات السابقة واللاحقة، بمثابة الإصرار على تفجير حرباً قد لا تنتهي إلا بزوال أحد القطبين “محور المقاومة، أو محور الشرّ”.
وفي السياق ذاته، فإن المؤشرات تؤول إلى انسياق أمريكا والغرب وراء الرغبة الصهيونية وتجاهل كل التحذيرات والمخاطر، حيث تحدث، اليوم، مسؤولون أمريكيون وتوقعوا تقاطر ضربات صاروخية وجوية من العراق واليمن وسوريا ولبنان رداً على التدخل الأمريكي في مساندة العدو الصهيوني ومشاركة واشنطن العسكرية ضد إيران وفصائل المقاومة في دول المحور، في حين يقف البريطانيون والفرنسيون في الطابور الأمريكي عبر اكتفاء باريس ولندن بالتعميم على قواتها ومواطنيها المنتشرين في المنطقة، بتوخي الحذر والاستعداد لأي احتمالات، بعد أن وقفت هذه الدول متفرجةً أمام تجاوزات العدو الصهيوني وتحركات راعيه الأمريكي، وواصلت دورها المساند لمحور الشرّ بتحركات وخطابات إلى إيران وزعماء المنطقة لإرباك المشهد، والإبقاء على حرّية العربدة الصهيوأمريكية.
وأمام كل هذه المعطيات، فإن المنطقة على موعد مع تحوّلات واسعة في مسارات الصراع، حيث يقترن الرد الإيراني بتدخل أمريكي متهوّر له أجنداته الخاصة والمعروفة، والمذكورة سلفاً، وهو بدوره قد يجرّ باقي دول محور المقاومة إلى التدخل رفضاً لتجزئة المعركة والاستفراد بأيٍ من فصائل الجهاد والممانعة، وكل هذا أمام هندسة غربية مدروسة ضمن المنهج الصهوأمريكي، لتبقى المعادلة مقتصرة على حرب واسعة، تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية كل تداعيتها وانعكاساتها وإفرازتها، وقد تتجرع نصيب الأسد من نيرانها، فهي من أطلق الشرارة منذ البدايات الأولى سابقاً، وهي من يوقد نيران الحرب الواسعة حالياً، وسط تفرّج الأنظمة العربية المحتضنة للقواعد الأمريكية وتجاهلها لمخاطر بيتوتتها كحطبٍ داخل السعير، بعد أن كانت أموالها وقوداً لكل ما حدث وصولاً لما قد يحدث.. كل الأبواب مفتوحة، والرياح تهب بقوة.