أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الهداية جعلها الله أفضل نعمة على الإنسان

296

أفق نيوز | من هدي القرآن |

 

[أدعوك يا ألله، وأنت من لك الثناء والمجد، أنت] رب العالمين، وأنا بحاجة في حياتي، بحاجة، وأنا مقر، ومؤمن بأن هناك يوم جزاء على الأعمال، وأن للجزاء الحسن طريقة واحدة محددة، هدى الله إليها، أنا بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى أن يهديني.

 

أن يأتي بعد هذا، أن يدعو الإنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: {اهدِنَـــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(الفاتحة6) اهدنا الصراط المستقيم، اهدنا أنت يا الله، من لك الثناء، {الْحَمْدُ للّهِ}، من أنت {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، من أنت {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، من أنت {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، نريد منك أن تهدينا إلى صراطك المستقيم.

 

يأتي بلفظ دعاء للتعبير عن أنها قضية تهمنا، قضية أن نهتدي، وأننا نبحث عن الهدى، ونريد الهدى، فنحن نطلب، فأنت عندما تدعو يأتي الشيء بتعبير الدعاء، ولفظ الدعاء؛ لأنها قضية هامة لديك، أنت تنشدها. أليس الدعاء طلب، أنا أنشد الهداية، هل نحن ننشد الهداية؟ تجد أننا متى ما جاء أحد يهدينا [فيا الله نسمع له، يا الله نجامله] ليست قضية مهمة لدينا قضية الهداية، مع أن الله سبحانه وتعالى جعلها أفضل نعمة على الإنسان.

 

نِعَمَه عظيمة جداً علينا، لكن أعظم نعمة له على الإنسان هو الهداية، نعمة الهداية، الهداية بدينه، الهداية بكتابه، الهداية بنبيه، هذا الدين الذي هو هدى، فنحن نقول: اهدنا أنت يا الله، اهدنا إلى صراطك المستقيم. الدنيا مليئة بالطرق، وأنت لك يوم جزاء، وجزاء محدود، وجزاء حاسم، ونحن نثق بأننا بحاجة في حياتنا إلى هدايتك، هناك طرق قد نسير عليها فنضل في حياتنا، ونشقى كما ضل أبونا من قبل، كما شقي.

 

نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، ونحن بحاجة إليك أنت مهما كثر المرشدون، مهما كثر الدعاة، مهما كثر الموعظون، نحن بحاجة إليك أنت أن تهدينا. أليس هذا دعاء يقوله المسلمون جميعاً؟ حتى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو يدعو: اهدنا الصراط المستقيم.

 

ولأن الدنيا هنا يمر الإنسان فيها بأحداث كثيرة، ومتغيرات كثيرة، ومواقف كثيرة، متعددة، وليس هناك موقف، أو قضية، أو حدث هو خارج عن إطار أن يكون حق، أو باطل، أن يكون فيه لله رضا، أو يكون مما يؤدي بالإنسان إلى سخط الله سبحانه وتعالى. فنحن بحاجة منك يا الله أن تهدينا في كل شئون حياتنا، في كل مواقفنا، أن تكون أنت ترعانا، نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، لا نضل، لا نشقى.

 

من الذي يكون لديه هذا الشيء مهم؟ هو من هو مؤمن بيوم الجزاء، ومن هو مؤمن بأنه بحاجة إلى الهدى في الدنيا، أنه إذا ما انحرف عن هدي الله، وانحرف الناس عن هدي الله، سيضلون، ويشقون، ويعانون، وسيكون الشقاء ليس فقط من جانب أعداء الله.

 

لاحظوا نحن عندما نقصر، لا نستجيب لله سبحانه وتعالى، ما الذي يحصل؟ المفسدون في الأرض يعملون عملهم في الشقاء، والله سبحانه وتعالى من جانبه يمنع خيراته، يمنع بركاته، ويحول دون أشياء كثيرة؛ لأنه رآنا غير مستحقين، عقوبة لنا، فيكون الإنسان بإعراضه عن هدي الله جلب على نفسه الشقاء، سواء ما كان من جانب أعداء الله، وما كان من جانب الله عقوبة له على إعراضه عن هدي الله.

 

فالإنسان الذي يفهم أهمية الهدى، والآية نفسها عندما نرددها دائماً هي تذكرنا أيضاً بأن قضية الهداية قضية مهمة، لماذا الله يأمرنا بأن نقرأ هذه السورة، والموضوع الرئيسي فيها موضوع الهداية. ألم يأخذ الكلام عن الهداية نحو ثلثي الفاتحة، موضوع الهداية هو أكبر موضوع داخل الفاتحة؛ لأنه أكبر موضوع داخل القرآن؛ لأنه هو الموضوع الرئيسي، الهداية.

 

القرآن من أجل هداية الناس، الرسول من أجل هداية الناس، كل ما جاء من خطاب من جانب الله، من توجيهات كلها تصب في قالب الهداية للناس، كل عمل الله بالنسبة لنا هو هداية، توجيهات للهداية. فجاء الحديث عن الهداية في سورة [الفاتحة] نفسها يأخذ أكبر مساحة داخل سورة [الفاتحة] التي هي نفسها تعبر عن محتوى القرآن بصورة عامة، وباختصار.

 

فمن يتأمل يجد أنه عندما نؤمر بأن نقرأ هذه السورة، وأهم شيء فيها هو: طلب الهداية، أي: أن الهداية قضية مهمة جداً جداً، أي: أنها قضية يجب أن نحرص عليها، وأن نبحث عنها وأن نبذل في سبيلها كل غال ونفيس، من أجل أن نهتدي.

 

فكيف بالناس الذين تعرض عليهم الهداية بالمجان، كيف بالناس الذين طريقتهم طريقة صحيحة، وعقائدهم صحيحة، والهدى يقدم إليهم بسهولة، وهم لا يرون له قيمة، ولا يلتفتون إليه، ولا يعتبرونه شيئاً!.

 

أليس هـذا كفر؟ كفر بأعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان. ولأن واقع الناس هكذا قال الله عن الإنسان: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(عبس17).

 

كان الأنبياء يأتون إلى الناس فيقولون: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الشعراء109) يكاد أن يتفجر من الأسف، من الألم، عندما يرى قومه لا يهتدون، يوجههم، يهديهم، يعلمهم، يبصرهم، ويقول: أنا لا أسألكم أجراً على هذا أبداً. لا يلتفتون إليه ولا يبالون به!.

 

نوح ظل في قومه كم؟ تسع مائة وخمسون سنة، ولم يستجب له إلا القليل القليل منهم؛ لأنه لا قيمة عند أكثر الناس لهداية الله؛ لأنهم لم يفهموا بعد أهمية هداية الله بالنسبة لحياتهم، وارتباطها بحياتهم. هذه هي المشكلة الرئيسية لدى الإنسان، وهي مشكلة نحن نعاني منها، نحن نعاني منها.

 

{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} الصراط هو: الطريق الواضح. والمستقيم: قيِّم، لا عوج فيه، ولا التواآت، طريق واضح؛ لأن هدي الله، ودين الله، هو: طريق واضح، لا يضل من يسير عليه، ولا يشقى من يسير عليه. فنحن نقول: أنت يا الله، {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}.

 

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}(الفاتحة7) ألم يكن يكفي أن يقال: اهدنا الصراط المستقيم؟ لكن القرآن الكريم كله يؤكد قضية هي: أن للحق أعلاماً، وللباطل أعلاماً، لصراط الله أعلام، ولطريق الشيطان أعلام، فلا نتصور أن صراط الله صراط مستقيم هكذا، شيء ينبت في الأرض، أو شيء ينزل من السماء، أو شيء تأتي به الريح، إنه طريق ناس، إنها مسيرة بشر، يهديهم الله، ويهدي بهم عباده.

 

فيقرر المسألة؛ لأن هذه قضية مهمة، وهي مهمة خاصة بالنسبة لطلاب العلم، أحيانا قد يأتي الإنسان يطلب العلم، ويظن أن باستطاعته أن يطلع لوحده [بَصَلَة]، فهو لا يحتاج إلى أحد، ولا يبحث عن ناس يسير وراءهم، لا يبحث عن ناس يسيرون على صراط الله، يسير وراءهم، [أنا عندي عقل، واستطيع أعرف حق وباطل، ولست بحاجة إلى أحد، والحق له طريق يستطيع الإنسان أن يعرفه!] يظن أنه يمكن أن يطلع لوحده!.

 

سورة [الفاتحة] تقرر بأن الصراط المستقيم هو صراط أولئك، صراط ناس يسيرون عليه. ألم يقل: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} {الذين} أليست تعني ناس أنعمت عليهم، يعني: ناس من خلقك، من عبادك؟.

 

فالإنسان الذي هو معبد نفسه لله، ليس لديه أنفة بأنه ليس مستعداً أن يمشي وراء أحد، القضية عنده نعمة كبيرة جداً، وهو لا يخطر بباله بأنها إشكالية أن يسير وراء أحد ممن هم يسيرون على صراط الله المستقيم.

 

إنه يهمه أن يبحث عن الهداية، أنا أريد أن أبحث عن الهداية، وأنا فاهم، وأنا واعي، وأنا مؤمن، والقضية مسلَّمة لدي، أن لصراطك المستقيم أعلام، وأن صراطك المستقيم يتمثل في مسيرة فئة من عبادك، أنعمت عليهم بالهداية، وأنعمت عليهم بأن جعلتهم أعلاماً لدينك، وهداة لدينك.

 

الذي يقول: [لسنا ملزمين نتبع أحد، ولست بحاجة أن أتبع أحد، وأنا باستطاعتي أن أهتدي] هو ممن ليس للهداية قيمة لديه أبداً. لاحظ أنت عندما تكون ماشي إلى منطقة، وأنت لا تعرف الطريق، فيأتي طفل يعلمك الطريق، ألست ستعتبر له فضلاً كبيراً، أن تمشي وراءه، تمشي وراء هذا الطفل، لا تتذكر بأنك يعني أنت فلان، وماشي بعد ذلك الطفل! أنت القضية لديك هو أنك تريد أن تعرف الطريق، أنا أريد أن أصل إلى المنطقة الفلانية.

 

من الذي يخطر في باله بأنه [والله شوعه أن أمشي وراء طفل] هل أحد يخطر في باله هذه؟ يهمه أن يصل إلى الغاية.

 

فأنا هنا، و[الفاتحة] تقرر أن القضية مسلَّمة هي: أنه، أنا أريد أن أمشي على صراطك المستقيم، وأنا أعرف أن صراطك المستقيم هو صراط ناس أنعمت عليهم، هل لدي مانع أن أمشي وراءهم؟ لا، لا يخطر ببالي أنها قضية أتمنع عنها، أن أمشي وراءهم، يهمني أن أهتدي إلى صراطك، وسأمشي وراءهم {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} (الفاتحة7).

 

ونفس الشيء بالنسبة للباطل، بالنسبة للضلال، له ماذا؟ له أعلامه، وله من يمثله، الضلال هو مسيرة بشر، والحق هو مسيرة بشر، حتى عندما يأتي شخص أحياناً قد يقول لك بعض الناس [هذه المذاهب لا، إنس أبوها إتِّباع فلان، واتباع فلان، نحن نريد أن نتبع كتاب الله وسنة رسوله] أليسوا يقولون أحياناً هكذا؟ [نحن نريد نتبع كتاب الله وسنة رسوله نكن نحاول ما هو نتبع الناس] وهكذا.

 

لكن لاحظ عندما يدخِّل لك مجموعة ناس إلى بيتك، قل له: بَعْدَك، وما دريت إلا وقد دخِّل لك البخاري! أليس البخاري رجَّال. مكتبة حاول أن تستعرض عناوين صف من الكتب ماذا تجد؟ عندما يكون لديك خزانة داخلها خمسون كتاباً، معناه داخلها خمسون رجَّالا، أليس كذلك؟ داخلها خمسون رجَّال.

 

يقدم لك البخاري، ومن هو البخاري؟ هو اسم بخار؟ لا، رجَّال، ومعك ابن تيمية رجَّال، ومعك محمد بن عبد الوهاب رجَّال، ومعك الهادي يحيى ابن الحسين رجَّال، ومعك مكتبة، تجد عند ما يقول لك: نحن لا نريد نتبع الناس، ولا شيء، نحن نتبع سنة رسول الله، وأعطاك البخاري، وأعطاك مسلم، وأعطاك كتاب لمحمد بن عبد الوهاب، وأعطاك كتاب لمقبل، وأعطاك كتاب لابن تيمية.

 

لاحظ كم معك! قائمة رجال، اكتب أسماءهم، ألم يدخل لك ناس؟ لا تتصور بأن الحق والباطل يمكن أن يكون شيئاً لا علاقة له بالناس، لا أحد يستطيع أبداً، إلا إذا الحق والباطل يمكن أن يعلب كبسولات، حتى يأكل واحد حبه بعد كل أكله، ممكن؟! لا يوجد.

 

الحق له أعلامه، وهو مسيرة ناس، لا أحد يستطيع أن يتخلى عن هذه، والباطل مسيرة ناس لها أعلامها، طريق لها أعلامها، ولها دعاتها، ويسير عليها الصفوف الكثيرة من الناس؛ ولهذا جاءت سورة [الفاتحة] تتحدث بأنه طريق الحق واحدة، في مقابل طريقين، من هنا، ومن هنا، طريق مغضوب عليهم، وطريق ضالين

 

{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} نحن لا نريد أن نمشي على صراط المغضوب عليهم. أليست كلمة غير المغضوب عليهم [الألف واللام] : موصول حرفي؟ تعني ماذا؟ المغضوب عليهم، أليست تعني ناس؟ أي: لا أريد صراط المغضوب عليهم، {وَلاَ} أريد صراط {الضَّالِّينَ}.

 

 

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

وأقم الصلاة لذكري

 

‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

 

بتاريخ: 1423هـ

 

اليمن-صعدة

 

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com