نص كلمة قائد الثورة بالذكرى السنوية للصرخة 1445هـ
أفق نيوز | نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة السبت 3 ذو القعدة 1445هـ – 11 مايو 2024م:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
في الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين للصرخة، نتحدث عن الانطلاقة العملية للمشروع القرآني، والموقف التاريخي العظيم، الذي أعلنه شهيد القرآن السيد/ حسين بن بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ”، في تاريخ الثالث من شهر ذي القعدة لعام 1422 للهجرة النبوية، الموافق للسابع عشر/ شهر واحد/ 2002 ميلادية، والذي أطلقه بالاستناد إلى رؤيةٍ قرآنية، وضرورةٍ واقعية، للتصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية على المسلمين، بعد أن وصلت إلى مرحلةٍ بالغة الخطورة على الأمة الإسلامية، بمؤامراتها تحت عنوان مكافحة الإرهاب، حيث أرادت أن تجعل من هذا العنوان ذريعةً لاحتلال البلدان الإسلامية، والسيطرة المباشرة على الشعوب والثروات والجغرافيا، والاستهداف للمسلمين في هويتهم الإسلامية، وتجريدهم من كل عناصر القوة المعنوية، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: من الآية30].
وفي المقدمة للموضوع، نتحدث بإيجاز عن القيمة الإيمانية للتحرك في الظروف الصعبة، والمراحل الخطيرة، وفي مواجهة التحديات الكبرى، عندما يكون ذلك التحرك بدافعٍ إيماني، في إطار المبادئ والقيم الإلهية، واستجابةً لتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
قدَّم الله في القرآن الكريم نماذج لعباده المؤمنين، الذين كان لتحركهم هذه الميزة، ممن كانوا مؤمنين بأنبياء الله، ورسله، ونهجه المبارك، ومنهم: أصحاب الكهف، الذين قال عنهم في القرآن الكريم: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}[الكهف: 13-14]… إلى آخر ما ذكره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من قصتهم، في سورةٍ باسمهم في القرآن الكريم، هي: (سورة الكهف).
كان من المميز الواضح لموقفهم: أنهم انطلقوا في مراحل صعبة، وظروفٍ خطيرة، يتحاشى أكثر الناس عن أن يعلن موقفه الحق، ذلك الموقف الإيماني، الموحد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي يصرخ بوجه الطاغوت المستكبر الظالم، الذي يستعبد عباد الله، ويظلمهم، ويطغى عليهم، فكان تحركهم بدافعٍ إيماني، في ظروفٍ صعبة، يستند فيها من يتحرك فيها استناداً تاماً إلى ثقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوكله على الله، واستجابته لله، مع استعدادٍ تامٍ للتضحية، عندما يكون مثل هذا الموقف في مثل تلك الظروف، فهو لا يكون إلا بالاستناد إلى تلك الحالة الإيمانية الراقية، التي تدل على علاقةٍ عظيمةٍ بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في الإيمان به، بما في ذلك: من المحبة لله “جلَّ شأنه”، من الخوف من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من الرجاء لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من التعظيم لله “جلَّ شأنه”.
وقد تجلَّت هذه الثقة، هذا التوكل، هذا الإيمان، فيما قصه الله من قصتهم، فيما فيها من التفاصيل، من ضمن ذلك: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا}[الكهف: من الآية16]، فكان قيامهم في مقام الخطر، والتحدي، والظرف الصعب جداً، في مواجهة طغاة عصرهم، الذي عبَّر عنه في هذه الآية المباركة، بقوله: {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، كان من منطلق إيمانهم، وربط الله على قلوبهم، كان هذا من ضمن رعاية الله لهم: أن الله ربط على قلوبهم، ثم بقي لموقفهم ذلك امتداده في نتائجه العظيمة في الناس، في القضية التي انطلقوا من أجلها، في دفع الناس واستنقاذهم، دفعهم إلى عبادة الله وحده، واستنقاذهم من العبودية للطاغوت، من هيمنة المجرمين، والظالمين، والمستكبرين، امتد هذا الأثر، وتعاظمت نتائجه عاماً بعد آخر، حتى وصل إلى تغييرٍ كبير لواقعٍ كبير.
أيضاً بيّن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وقدّم نموذجاً آخر في سورةٍ أخرى، هي: (سورة يس)، ذلك النموذج هو: مؤمن أهل القرية، الذين ذكر الله قصتهم في (سورة يس): {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[يس: 20-21]… إلى آخر القصة التي ذكر الله فيها شهادة ذلك الرجل المؤمن، {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}، عندما استشهد، {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس: 26-27].
وفي القرآن الكريم نماذج أيضاً أخرى؛ إنما هذا على سبيل المثال، يبيّن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قيمة الموقف الإيماني، الذي يأتي في ظل ظروف خطرة، يتخوف الآخرون من أن يتجهوا ذلك الاتجاه، من أن يعلنوا ذلك الموقف، من أن يتحركوا ذلك التحرك، الذي هو مطلوبٌ إيمانياً، ويجلّي الحالة الإيمانية، ويعبِّر عن مصداقية الانتماء الإيماني، ويبرز قيم الإيمان، وعظمة المبادئ الإلهية، التي تتجلى في أثرها في الإنسان، وتتجلى أيضاً في نتيجتها في الواقع.
التحرك في الظروف الصعبة، والمراحل المهمة والخطيرة، بدافعٍ إيماني، ومن شأن الإنسان المؤمن؛ لأنه يتوفر له من الدوافع ما يحركه: من ثقته بالله، من توكله على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من علاقته الوثيقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من إيمانه العظيم بالحق، وإدراكه لقيمة هذا الحق في هذه الحياة، وأيضاً لموقفه الحاسم من الباطل، من الظلم، من الطغيان، من الإجرام، من الاستعباد للناس؛ وبالتالي تتجلى القيمة الإيمانية في أثرها في الإنسان المؤمن، وفي ثقته بالله في تحركه في مثل تلك الظروف، ثم فيما يحققه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من نتائج لذلك.
تحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ” بالمشروع القرآني، وإعلانه الصرخة في وجه المستكبرين، ضد طاغوت العصر (أمريكا، وإسرائيل)، هو في ظروف حساسة وخطيرة للغاية، وتوفرت فيه كل العناصر التي تجعل له تلك القيمة الإيمانية العظيمة، فهو أولاً: مشروعٌ قرآنيٌ بدافعٍ إيماني، المشروع في أصله والموقف من أساسه هو إيمانيٌ قرآني، وهو أيضاً في ظروف صعبة، والمرتكز في مثل تلك الظروف بشكلٍ تام هو: الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتوكل عليه، والاستجابة له، والجهوزية التامة للتضحية في سبيله، السيد حسين “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ” لم يبدأ مشروعه ذلك، المشروع القرآني العظيم، في ظل استناد إلى إمكانات، وقوة عسكرية، وقدرات، وحماية يستند إليها، حماية رسمية مثلاً؛ إنما انطلق من ظروف معروفة، ومن نقطة الصفر، ومن واقعٍ على المستوى المادي متواضعٍ جداً، لا يقف إلى جانبه جيش، ولا سلطة، ولا قوة عسكرية، ولا أي مستند يمكن أن يعتمد عليه، إلَّا ثقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوكله على الله.
والمشروع أيضاً هو مشروعٌ ضد الطغيان والاستكبار، ضد أولياء الشيطان فيما يشكلونه من خطورةٍ على المجتمع البشري بشكلٍ عام، على الإنسانية جمعاء من جهة، وعلى وجهٍ أخص على المسلمين، ما يشكلونه من خطر على المسلمين، خطر كبير جداً من جانب أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم على المسلمين.
الهجمة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت أخطر هجمة على المسلمين، في امتداد لما سبقها من مؤامرات، الأعداء يتحركون وفق برنامج طويل وكبير لاستهداف أمتنا الإسلامية، وعلى مراحل، ويتوارثون في هذا الدور، من بريطانيا، والدول الأوروبية التي كانت تقوم بهذا الدور، ثم أمريكا، الحركة الصهيونية التي كان لها تأثيرها الكبير في بريطانيا ثم في الدول الأوروبية، ثم في أمريكا، الحقد الموجود أساساً، والمتوارث منذ الحروب الصليبية في أوروبا ضد الإسلام والمسلمين، ثم في أمريكا؛ لأن أمريكا هي امتداد لأوروبا في الأساس، ثم تلى ذلك أيضاً تغلغل الحركة الصهيونية التي زادت ذلك الحقد إلى أحقاد إضافية، وأضافت إليه أيضاً معتقدات تُرَسِّخ حالة العداء الشديد للإسلام والمسلمين تحت العناوين الدينية، وتحت عناوين معروفة بالنسبة للمعتقدات الصهيونية، مع الأطماع الكبيرة، والنزعة الاستعمارية، التي هي موجودةٌ في عالم الغرب، لدى الحكومات، والأنظمة، والرأي العام الأوروبي والأمريكي، لكن تعتبر تلك الهجمة التي أتت ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ودُبِّرت لها تلك الأحداث أساساً؛ لتكون غطاءً لها، وذريعةً لها، وعنواناً لها، تعتبر الأخطر، ولمرحلة متقدمة، ولأهداف خطيرة للغاية.
وشكَّل الأمريكي تحالفاً دولياً، وحملة ترهيب واسعة، حملة ترهيب فيما يتعلق بالحشود العسكرية، بالهجمة الإعلامية المنظمة، والتي- للأسف- تماهت معها وسائل الإعلام العربية، وفي العالم الإسلامي بشكلٍ عام، كانت كل وسائل الإعلام تؤدي ذلك الدور في ترهيب شعوب أمتنا من الهجمة الأمريكية، وفي الزرع وترسيخ الهزيمة النفسية، التي تهيئ المجال لأمريكا للسيطرة التامة على هذه الشعوب، هذه البلدان.
وقابل ذلك من جانب البلدان في العالم الإسلامي، في المنطقة العربية وغيرها، حالة شتات وضعف من المسلمين، لم يتجهوا في العالم الإسلامي، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك، ولا بغيرها، ليشكلوا موقفاً واحداً، يتعاونون فيه ويتضامنون فيه لحماية الأمة الإسلامية، لحماية شعوبهم وبلدانهم وأمتهم؛ إنما كانت الحالة حالة شتات، وأصبحت أسوأ من ذلك: تسابقت الأنظمة أكثرها مسارعةً لاسترضاء الأمريكي، كانت هذه هي الاستراتيجية التي تحركت على أساسها الكثير من الأنظمة، وتسابق عليها الزعماء في بلدان العالم الإسلامي، يحاولون استرضاء الأمريكي بأي ثمن، ولو كان هذا الثمن هو التضحية بِحُريَّة شعوبهم وبلدانهم، وباستقلالها، وبفتح المجال للنفوذ والتغلغل الأمريكي في كل مجالات حياة شعوبهم، كانوا جاهزين لفتح بلدانهم للقواعد العسكرية الأمريكية أين ما يشاء الأمريكي ويريد، وكانوا جاهزين أيضاً للخنوع للأمريكي في التوجه لتغيير المناهج الدراسية، ليتحكم بالتعليم والتثقيف والإعلام، وكانوا أيضاً جاهزين ليفتحوا له المجال للتغلغل، والسيطرة التامة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، في الجانب الاجتماعي، في الجانب الأمني، في الجانب العسكري… في كل شيء، وكانوا يتجهون ليكونوا كجنود مع الأمريكي، ليكون دور أي زعيم عربي، أو مسلم في أي بلد إسلامي، وكأنه قائد شرطة، خاضع للتوجيهات الأمريكية، جاهزٌ لأن يعمل بشعبه ما يشاءون ويريدون، أرادوا منه أن يعتقل أحداً من أبناء شعبه؛ هو جاهز لتنفيذ تلك المهمة، أرادوا منه أن يشن حرب على أي طرف من أبناء الشعب؛ هو جاهز لتنفيذ تلك المهمة، وهكذا تحول الواقع، واقع الحال بشكلٍ مؤسف، وأُرهِبَت الشعوب، الزعماء بخوفهم، والحكومات بخوفها وذُعرها واستسلامها واتجاهها بتسابق فيما بينها نحو الاسترضاء للأمريكي، أيضاً كانت في أسلوبها الإعلامي، في أنشطتها الإعلامية والدعائية، ولتبرير موقفها المتخاذل، والسلبي، والمتماهي، والخاضع للأمريكي، تُرهِب شعوبها بشكلٍ أكثر وأكثر.
ثم على مستوى النخب، كذلك سادت حالة الخوف، وسكتت النخب؛ لعامل الخوف من جهة، الخوف أثَّر على الكثير من الناس، وأيضاً لانعدام المشروع والرؤية لما ينبغي أن تتحرك به الشعوب، أن تتحرك به النخب في المقدِّمة، لتكون هي من تقود حركة الشعوب من جهةٍ أخرى.
فالتحرك في تلك الظروف، وكسر حاجز الخوف والترهيب من ظروف صعبة للغاية، وبمشروعٍ راقٍ جداً، هو ما تميز به شهيد القرآن السيد/ حسين بن بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ”، أمام كل تلك الحالة تَحرَّك هو، وتحركاً متميزاً، كسر حاجز الخوف الذي طغى، وجعل الكثير يصمتون، هي الحالة التي- مثلاً- نتساءل أين هو دور الكثير من الذين يفترض بهم أن يكونوا طليعة المجتمع، في تبني موقفٍ صحيح أمام تلك الهجمة الخطيرة، التي تشكل خطورةً بالغةً على المسلمين، فهو كسر حاجز الخوف، وتحرَّك- في نفس الوقت- بمشروعٍ عظيمٍ وراقٍ ومميز، سنتحدث- إن شاء الله- في سياق هذه الكلمة عنه.
في مقدمة ما يميز هذا المشروع القرآني هو: النقلة، النقلة العظيمة التي ينتقل بها، ينتقل بالشعوب نفسها، بدءاً بالنطاق الجغرافي الذي تحرَّك فيه، من حالة الضياع واللاموقف، إلى حالة الموقف الواعي، الموقف الواعي، المدروس، العظيم.
الحالة القائمة آنذاك، في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، هي حالة لا يمكن أن تُشَكِّل أي حمايةٍ للأمة، فالأمة- كما ذكرنا- أنظمة معظمها تسابقت باسترضاء الأمريكي، وخضعت له، وفتحت له المجال ليفعل ما يشاء ويريد، مما هو ضارٌ بشعوب أمتنا، مما يمكِّن الأمريكي- أصلاً- من تحقيق أهدافه بسهولة، في السيطرة التامة على هذه الشعوب، والاحتلال لأوطانها، والنهب لثرواتها، والاستهداف لهذه الشعوب في هويتها، وتجريدها من كل عناصر القوة، التي يمكن أن تبنيها وتبني موقفها بما يدفع عنها الخطر، فتلك الحالة بالنسبة للأنظمة الرسمية كانت معروفة، والموقف الرسمي لم يكن ليشكل أي حماية للشعوب.
أيضاً في واقع الشعوب، هناك من هو متجه بنفس الاتجاه الذي عليه الأنظمة والحكومات في معظمها، ومنهم أيضاً من هو في حالة استسلام، استسلام تام، وتجاهل للأحداث وخنوع، لتصل الأمور أينما يمكن أن تصل، البعض ليس لديهم لا وعي ولا بصيرة، ويتأثرون بحالة الخوف، اجتمعت لديهم حالة الخوف واليأس؛ فكانوا في حالة استسلام تام، ولا يتجهون لتبني أي موقف، والبعض أيضاً تنقصهم الرؤية، تنقصهم الرؤية، ليس لديهم فكرة عن: ماذا يمكن أن نعمل؟ وكيف نتحرك؟ وعندما تفرض الأحداث الكبيرة نفسها عليهم، يكون الحديث عنها؛ لأنها فرضت نفسها، لم يعد من الممكن التجاهل لها، ولا الغفلة عنها، فرضت نفسها، فيتحدثون عنها بطريقة غير صحيحة، طريقة إعلامية بحتة، سواءً من النخب نفسها، أو الجهات الإعلامية، أو في أوساط الشعوب نفسها، ومن ضمن ذلك الحالة التي هي في بلدنا كأي حالة في بقية البلدان العربية، وبقية البلدان في العالم الإسلامي.
فمثلا: عند العدوان الأمريكي على أفغانستان، والاجتياح الأمريكي لأفغانستان، حالة فرضت نفسها، على الكثير من الناس أن يتحدث عنها، ولكن عادةً ما يكون حديثهم كما وصفه شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْه” حديثاً لمجرد الفضول، حديثاً بطريقة إعلامية بحتة، تحليل، وحديث عن الموضوع لا ينطلق من رؤية ثابتة، وليس في سياق اتخاذ موقف عملي مما يجري، تلك الحالة التي وصفها بقوله: ((وبدل أن تتحدث كل مجموعة لوحدها عن الأحداث التي تدور في العالم في هذا الـزمان، فلنتحدث جميعاً بدل أن نتحدث كمجموعات في بيوتنا في جلسات القات، فتنطلق التحاليل الخاطئة والمغلوطة، وينطلق التأييد والرفض المغلوط- في أكثره- داخل هذه المجموعة وتلك المجموعة))، إلى أن يقول: ((وبدل أن نتحدث كمجاميع هكذا مفرقة في البيوت حديثاً أجوف، تحليلاً لمجرد التحليل، وأخبار لمجرد الفضول، وبطابع الفضول نتناولها، ثم نخرج وليس لدينا موقف، تخرج كل مجموعة وليس لها رؤيةٌ معينة، ولا موقفٌ ثابت، تتقلب في حديثها ومواقفها تبعاً لما تسمعه من وسائل الإعلام)).
وفعلاً هذه هي الحالة السائدة عند من؟ عند البعض من أبناء شعوب أمتنا ممن تفرض الأحداث نفسها عليهم، فيكون تفاعلهم معها في هذا المستوى فقط، وبحسب وسائل الإعلام التي يسمعونها، ويتابعونها، وما يشاهدونه فيها، فيتأثرون، البعض قد يتأثر بما يسمعه من صيغة خبر وجِّهت بطريقة معينة؛ لتترك قناعة معينة، أو من أحد المحللين الذين يسمعهم، فأولئك يتأثرون بما يسمعونه من قناة فضائية معينة، لها سياستها الإعلامية المعينة، وآخرون من القناة الأخرى… وهكذا، ولكن في هذا المستوى فقط: تفاعلاً مثلما ذكره هنا: حديثاً أجوف، تحليلاً لمجرد التحليل، أخبار لمجرد الأخبار، رؤية متبدلة، يسمع الإنسان تحليلاً يتأثر به، يخرج بقناعة مُعيَّنة، بفكرة مُعيَّنة، بتفاعل مُعيَّن، ثم يسمع تحليلاً آخر، فيتأثر به، وهكذا؛ لأنه لا ينطلق من رؤية ثابتة، ولا من وعي راسخ، ولا من نظرة صحيحة، هذه حالة ضياع، ضياع في واقع الأمة، ولا موقف ثابت، تتقلب في حديثها ومواقفها تبعاً لما تسمعه من وسائل الإعلام، مع ذلك لا يعفينا هذا عن المسؤولية، ولا تسلم به الأمة، ولا من له مثل هذا المستوى من التفاعل، لا يسلم من نتائج ما قد يصل به الحال مثلاً في تفاعله من تأييد أو رفض، فالتفاعل أحياناً حتى على مستوى التأييد بالكلام والموقف النفسي لرؤية معينة أو موقفٍ معين، يجعل الإنسان شريكاً في ذلك الموقف، ويحسب عليه كموقف، يتحمل التبعات المترتبة على ذلك ما بينه وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فالمشروع القرآني أتى للإنقاذ من هذه الحالة، لهذا المستوى الذي قد يصل إليه البعض عندما يتفاعلون مع الأحداث؛ ولذلك يقول شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ”: ((ولنتحدث، ولكن بروحيةٍ أخرى، نتناول أحداثاً ليست على ما تعودنا عليه، ونحن ننظر إليها كأحداث بين أطرافٍ هناك وكأنها لا تعنينا، صراعٌ بين أطرافٍ هناك، وكأننا لسنا طرفاً في هذا الصراع، أو كأننا لسنا المستهدفين نحن المسلمين في هذا الصراع. نتحدث بروحية من يفهم أنه طرفٌ في هذا الصراع، ومستهدف فيه شاء أم أبى، بروحية من يفهم بأنه وإن تنصّل عن المسؤولية هنا، فلا يستطيع أن يتنصّل عنها يوم يقف بين يدي الله)).
هذه النقلة المهمة من حالة الضياع إلى هذا المستوى، فنتحدث ونتابع الأحداث بهذه الروحية: باعتبارنا طرفاً في هذا الصراع، باعتبارنا مستهدفين، نستذكر هذه الحقيقة، التي هي حقيقةٌ لا شك فيها، نحن جميعاً كمسلمين- بلا استثناء- مستهدفون، مستهدفون من أعدائنا، الأمريكي، الإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم، اليهود الصهاينة ومن يرتبط بهم، هم أعداء لنا بكل ما تعنيه الكلمة، خططهم استراتيجياتهم، مؤامراتهم، مشاريع عملهم، أنشطتهم تجاهنا هي كلها عدائية، ومن منطلقٍ عدائي، مهما حاولوا أن يغطُّوا عليها بعناوين مخادعة، أو أن يجعلوها ضمن أنشطة مخادعة، مع العناوين المخادعة، ((بروحية من يفهم بأنه وإن تنصّل عن المسؤولية هنا، فلا يستطيع أن يتنصّل عنها يوم يقف بين يدي الله))، يعني: ونحن نستشعر أيضاً وندرك هذه الحقيقة المهمة، وهي: مسؤوليتنا الدينية في موقفنا من أعدائنا أولئك، من أنشطتهم ومؤامراتهم العدائية ضدنا وضد أمتنا، فعلينا مع أنه ينبغي علينا أن نتحرك بشكلٍ تلقائي، مقتضى الفطرة الإنسانية ونحن أمة مستهدفة، وأولئك أعداء لنا، يعادوننا بكل ما تعنيه الكلمة، سياساتهم كلها مبنية على موقفهم العدائي منَّا، فمقتضى الفطرة: أن نتحرك تلقائياً، وألَّا تحتاج المسألة إلى صعوبة في الإقناع لنا أن نتحرك ضد عدو، وللتصدي لعدو يستهدفنا بكل خططه المعادية لنا، مؤامراته وحربه الشرسة والشاملة ضدنا كمسلمين، كان يفترض بنا أن نتحرك بشكلٍ تلقائي، ولكن مع هذا هناك مسؤولية دينية علينا، في أن نتحرك للتصدي للأعداء، ولمؤامراتهم التي يستهدفوننا بها.
يقول أيضاً: ((نتحدث أيضاً لنكتشف الكثير من الحقائق داخل أنفسنا))، هذا التحرك في مواجهة الزيف، التضليل، الخداع، الذي يستخدمه أعداؤنا ضدنا كمسلمين؛ لأن اليهود الصهاينة ومن يرتبط بهم، الأمريكي، الإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم، في حملتهم ضدنا، حملتهم المعادية لأمتنا، هم يعتمدون على حالة الخداع وأسلوب الخداع والتزييف من الحقائق؛ ولذلك فجزء كبير من النشاط الذي نواجههم به، وجزء أساسي في المشروع القرآني هو: مواجهة زيفهم، التصدي لخداعهم، وكذبهم، وتضليلهم، والفضح لهم، الفضح لهم من خلال هذا المشروع القرآني التنويري، الذي يكشف الحقائق لنا ولأمَّتنا.
((لنكتشف الكثير من الحقائق داخل أنفسنا، وفي الواقع، وعلى صعيد الواقع الذي نعيشه وتعيشه الأمة الإسلامية كلها، نتحدث بروحٍ عملية))، في إطار مشروع عملي، وتحرُّك عملي، وليس كالحالة السابقة: مجرد أن تتحول هذه الأمة كلها إلى إعلاميين، يقتصرون على وظيفة التحليل، التحليل الخبري، هذا لا يفيد الأمة بشيء، الأمة بحاجة إلى تحرك عملي.
((بروحٍ مسؤولة، نخرج برؤيةٍ واحدة، بموقفٍ واحد، بنظرةٍ واحدة، بوعيٍ واحد، هذا هو ما تفقده الأمة))، تفقده الأمة وهي في أمسِّ الحاجة إليه؛ لأنها لا نجاة لها إلَّا إذا تحركت على هذا الأساس: في موقفٍ عملي، بروحٍ عملية، بروحٍ مسؤولة، بموقف موحد، بتوجُّه موحد، بتحرُّك عملي موحد؛ أمَّا تلك الحالة التي تتعامل فيها الأمة وتتعاطى مع تلك الهجمة عليها بمجرد تحليلات متباينة، رؤى متباينة في الحد الإعلامي والتعليق الإعلامي، دون موقفٍ عملي، هذا لا يفيدها.
ثم تحدث كثيراً عن النقطة الأساسية: ترسيخ الوعي بأننا أمة مستهدفة، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأنها تغيب من الذهنية العامة، لا يستحضرها الناس بشكلٍ مستمر، ثم لا يكون التوجه العملي بناءً عليها، بل على العكس من ذلك، يحاول البعض من أبناء أمتنا أن يقدِّم لنا أعداءنا كأصدقاء، نتحالف معهم، نحتمي بهم، البعض من أبناء أمتنا (أنظمة وحكومات) يطلبون من أمريكا الحماية لهم، ويقدِّمون لها كل شيء، في مقابل أن توافق لتقوم بهذا الدور، سيفتحون لها كل شيء، ويقدِّمون لها كل شيء، وهذه نظرة خاطئة جداً، وتجاهل لهذه الحقيقة، التي لا ريب فيها.
يقول: ((نحن نعرف جميعاً إجمالاً أن كل المسلمين مستهدفون، أو أن الإسلام والمسلمين هم من تدور على رؤوسهم رحى هذه المؤامرات الرهيبة، التي تأتي بقيادة أمريكا وإسرائيل، ولكن كأننا لا ندري من هم المسلمون))، يقول: ((المسلمون هم نحن أبناء هذه القرى المتناثرة في سفوح الجبال، أبناء المدن المنتشرة في مختلف بقاع العالم الإسلامي، نحن المسلمين، نحن المستهدفون، ومع هذا نبدو وكأننا غير مستعدين أن نفهم، غير مستعدين أن نصحوا، بل يبدو غريباً علينا الحديث عن هذه الأحداث، وكأنها أحداث لا تعنينا، أو كأنها أحداث جديدة لم تطرق أخبارها مسامعنا، أو كأنها أحداث وليدة يومها)).
يعني: الشيء المؤسف أيضاً هو: حالة الغفلة الطويلة في واقع المسلمين، العدو يتآمر عليهم منذ زمن طويل، بدأ العدو مؤامرته عليهم في أواخر حقبة الاستعمار الأوروبي المباشر، والاحتلال المباشر لبلداننا العربية والإسلامية، ثم أتت عملية التجزئة والتقسيم، ثم قام البريطاني أيضاً بتسليم الدور في الاحتلال لفلسطين إلى العدو الإسرائيلي، وقام بدعم العدو الإسرائيلي مع بقية الدول الأوروبية، ثم أتى الأمريكي ليخلف البريطاني في دور الحماية والإسناد بالدرجة الأولى، والشراكة مع العدو الإسرائيلي، وكل مراحل زرع الاحتلال والعدو الإسرائيلي في أرض فلسطين على مدى عقد من الزمن، والأمة غافلة، غافلة عمَّا يشكله من تهديد وخطورة، وعن خطورة ما حدث، بدءاً بالاحتلال لفلسطين، والاحتلال للمقدسات في فلسطين، وما يجري على الشعب الفلسطيني المظلوم منذ البداية، غفلة مستمرة، وهكذا تستمر الأحداث، المؤامرات الكثيرة على أبناء أمتنا، وعلى شعوب منطقتنا، وهناك غفلة عن كل ذلك، تستمر دون توجُّه إلى تحرُّك، تَحرُّك فاعل.
هذه الحالة السائدة من الغفلة، واللاهتمام، واللاوعي، هي لخدمة الأعداء، وهم حرصوا على ذلك، وعملوا على أن تستحكم حالة الغفلة، حالة اللامبالاة، عدم الانتباه لمؤامراتهم، لمخططاتهم، لأعمالهم ضد هذه الأمة؛ ولذلك يقول: ((إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على ماذا؟ يدل على خبثٍ شديدٍ لدى اليهود، أن يتحركوا عشرات السنين، ونحن بعد لم نعرف ماذا يعملون، أن يتحركوا لضربنا عاماً بعد عام، ضرب نفوسنا من داخلها، ضرب الأمة من داخلها))؛ لأنهم اشتغلوا على ضرب هذه الأمة في كل شيء: في الجانب السياسي، في الجانب الاقتصادي، في الجانب التعليمي والثقافي والإعلامي… على كل المستويات، والأمة غافلة عنهم، لا تتنبه لأفعالهم، لمؤامراتهم، لمخططاتهم، وتتحرك ضدهم في ذلك، ((ثم لا نعلم من هم المستهدفون، أليس هذا من الخبث الشديد، من التضليل الشديد، الذي يجيده اليهود ومن يدور في فلكهم؟))، فالحالة هذه حالة غفلة رهيبة جداً، غفلة جعلت الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية في العالم العربي وغيره، لم يعودوا يستشعرون المسؤولية أمام الله تجاه ما يحدث، ولم يعودوا يحسوا بهذا الخطر والاستهداف؛ فتهيأت الظروف أمام أعداء هذه الأمة، ووجدوا الساحة أمامهم مفتوحة، غير محصَّنة، وهذا واقعٌ مطمع، يطمعهم أكثر وأكثر في الاستهداف لهذه الأمة.
عندما تحرَّك السيد حسين بدر الدين “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ” في تلك المرحلة الخطيرة جداً، أمام تلك الأجواء التي حصلت فيها حملات ترهيب كبيرة من جانب الأمريكيين، ومن يدور في فلكهم، ثم أيضاً تماهى في ذلك واتَّجه في ذلك معظم الحكام، ومعظم الأنظمة في بلدان أمتنا، فحالة الترهيب تلك كانت قد أثَّرت على الكثير من أبناء هذه الأمة، فأصبحت حالة الخوف حالة خطيرة، أصبح الخوف من أمريكا حالة تسيطر على الحكام، الحكومات، المسؤولين، في النخب كذلك، مختلف أبناء هذه الأمة من النخب نفسها يعيشون حالة خوف حقيقي من أمريكا، واتَّجهت هذه الحالة إلى الشعوب، الشعوب خوفهم الكبير كان من أنظمتهم الخائفة من أمريكا، والمتماهية مع أمريكا؛ لأن المشكلة بالنسبة للأنظمة، ليست فقط في حالة الخوف، بل معظم الأنظمة لم تكن مستعدة أن تتحمل مسؤولية، وأن تتبنى أي موقف جاد ضد السياسات الأمريكية، والهجمة الأمريكي والإسرائيلي؛ لأن الكثير من الأنظمة والحكومات هي- أصلاً- لا تحمل تطلُّعات، وتوجُّهات، ومواقف، وقضايا هذه الأمة، وهذه الشعوب، كثيرٌ من الحكام يهمهم مصلحتهم، مناصبهم، مواقعهم، هو يريد أن يؤمِّن- الكثير منهم- لنفسه استمراره في السلطة، وأن يفعل مع الأمريكيين أي شيء في مقابل ذلك، فاجتمعت حالة الخوف من جهة، وحالة عدم القناعة بتبني أي موقف من جهة ثانية؛ أمَّا في حالة الشعوب، فهي شعوب تغلب عليها حالة الخوف من حكوماتها، وأنظمتها، وحكَّامها بأكثر من الخوف من أمريكا. وتحدث السيد حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلِيْهِ” عن هذه النقطة؛ لأنها كانت تشكِّل عائقاً حتى في مجتمعنا، في مجتمعنا خوف الناس من السلطة، من ردة فعلها، من موقفها، وهي تتجه لتسابق الآخرين، وتحاول أن تسبق بقية الحكومات والزعماء في الاسترضاء للأمريكي، والتودد للأمريكي، والتضحية بكل شيء، بحريَّة الشعب، باستقلال البلد… بكل شيء، من أجل استرضاء الأمريكي، فكانت هذه تمثل إشكالية تؤثر على الكثير من الناس.
ولذلك قال: ((عندما نتحدث عن القضية هذه، وعن ضرورة أن يكون لنا موقف، هل نحن نحسُّ بخوفٍ في أعماق نفوسنا؟ وخوف ممن؟ بالطبع قد يكون الكثير يحسون بخوف أن نجتمع لنتحدث عن أمريكا، وعن إسرائيل، وعن اليهود، وعن النصارى، ولكن ممن نخاف؟ هل أحدٌ منكم يخاف من أمريكا؟ لا، هل أحدٌ منكم يخاف من إسرائيل؟ لا، ممن تشعر بأنك تخاف منه؟ من هو الذي تشعر بأنك تخاف منه عندما تتحدث عن أمريكا، عندما تتحدث عن إسرائيل، عندما تلعن اليهود والنصارى؟ إذا شعرنا في أعماق أنفسنا بأننا نخاف الدولة؛ فإننا نشهد في أعماق أنفسنا على أنَّ هؤلاء هم ماذا؟ هم أولياء لليهود والنصارى، أي دولةٍ كانت يحدث في نفسك خوفٌ منها؛ فإنك في قرارة نفسك تشهد بأنَّ تلك الدولة هي من أولياء اليهود والنصارى، هذه واحدة، وإلَّا ما الذي يمكن أن يخيفني من جانبهم إذا ما تحدثت عن أمريكا وإسرائيل، وعن اليهود والنصارى)).
وهذه هي الحقيقة فعلاً، يعني: لو نأتي الآن مثلاً إلى كثير من الدول في المنطقة العربية، ونحن أمام ما يجري الآن في غزة من عدوان همجي إسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ما الذي يحول بين كثيرٍ من أبناء شعوبنا في كثير من البلدان- في العالم العربي ابتداءً- من أن يخرجوا للتظاهر، والاحتجاج، وأن يكون لهم مسيرات، وأن يكون لهم أنشطة فاعلة، وصوت مسموع، كموقف مما يجري على الشعب الفلسطيني؟ أنهم يخافون من زعمائهم، من حكوماتهم، من أنظمتهم، وفعلاً في كثيرٍ من البلدان العربية لو خرجت تظاهرة لتناصر الشعب الفلسطيني، لتقف بصوتها مع المجتمع في غزة؛ لقمعت، ولاستهدف الذين يخرجون فيها- حتى في بعض الأوطان العربية- لربما بالقتل، وليس فقط بالاعتقال، هذه الحالة حالة مؤسفة جداً، وهي تقدم هذه الحقيقة: عن مدى ارتباط تلك الأنظمة بالأمريكي، وعدم اهتمامهم بقضايا أمتهم، بل هم حاضرون لأن يضحوا بها.
ثم ينبِّه أيضاً على حقيقة مهمة: وسائل الإعلام في العالم العربي، وفي بقية العالم الإسلامي، هي- في العادة- تقدِّم مشاهد مأساوية عمَّا يحصل على المسلمين هنا أو هناك، كما يحصل الآن في فلسطين، تأتي وسائل الإعلام لتقدِّم مشاهد مأساوية عن مظلومية أبناء هذه الأمة، التي هي أمة واحدة، وإن قسَّمها الأعداء وفرَّقها ضمن أسلوبهم الاستعماري، واتفاقياتهم المعروفة، إلى فرق، أو إلى بلدان ممزقة، ومؤطرة سياسياً كدول متفرقة، ولكن هي أمة واحدة في الأساس، قضاياها في الأساس واحدة، مصيرها واحد، عدوها- كذلك- يستهدفها جميعاً، فتنقل وسائل الإعلام مشاهد مأساوية، حصل هذا فيما يتعلق بأفغانستان، فيما يتعلق بالعراق، فيما يتعلق بكثير من البلدان، وبكثيرٍ من أحوال المسلمين في بقاع أخرى من العالم، ينقلون مشاهد مأساوية، مشاهد مؤلمة جداً، مظلومية واضحة، فهناك في الواقع قضايا لا يمكن إنكارها، مظالم لا يمكن إنكارها، يعني: في الوقت الذي يحاول البعض فيه أن يبرر تطبيعه وعلاقته مع العدو الإسرائيلي، هل يمكن إنكار ما يجري في غزة؟! حقائق واضحة، جرائم رهيبة جداً يشاهدها كل المتابعين في العالم، في القنوات الفضائية، في الفيديوهات، مشاهد موثَّقة، معروفة، منشورة، توثِّق تلك المأساة، تلك المظلومية الرهيبة للشعب الفلسطيني، وذلك الظلم والإجرام من قِبَل العدو الإسرائيلي، لماذا تنقل مثل هذه المشاهد؟ عندما تقوم وسائل الإعلام بنقلها إلى شعوبنا، من الجهات الرسمية نفسها، هل يريدون أن نشاهدها لنتبنى موقفاً بناءً على ذلك، أم لا؟
عندما ما نتبنى موقف إذا كان هذا يغيظهم، ويغضبهم، ويسوؤهم، لماذا نقلوا لنا تلك المشاهد؟ ولو لم ينقلوها لكانت الإدانة أكبر عليهم، لو حاولوا أن يتكتموا عليها، وأن يجعلوا هذه الشعوب لا تدري بما يحصل هنا أو هناك على أبناء أمتها، فهذه جريمة أكبر أيضاً، وإدانة أكبر، أم أنهم يريدون أن يرسِّخوا حالة الهزيمة النفسية؟
فنحن أمام أحداث واقعية، قضايا واقعية، ومخاطر حقيقية على هذه الأمة، فما الذي تريده وسائل الإعلام؟ ولذلك يقول لهم: ((لنقول لهم إذا كنتم لا تريدون من خلال ما تعرضون أن تُحدِثوا في أنفسنا أن نصرخ في وجه أولئك، الذين يصنعون بأبناء الإسلام ما تعرضونه أنتم علينا في وسائل إعلامكم؛ فإنكم إنما تخدمون اليهود والنصارى، وتخدمون أمريكا وإسرائيل بما تعرضون فعلاً؛ لأنكم إنما تريدون حينئذٍ بما تعرضون أن تعززوا في نفوس أبناء الإسلام، في نفوس المسلمين: الهزيمة، والإحباط، والشعور باليأس، والشعور بالضعة))؛ لأنك ترى نفسك واحداً من أبناء أمة كبيرة جداً، ثم هي تتفرج على ما يحدث من مأساة في من هم منها، مثل ما يحصل الآن في غزة، ما هي الحالة التي يعاني منها المسلم المتابع لتلك الأحداث، لتلك المظلومية الرهيبة، وهو يعرف أنه من أمة كبيرة، من أمة قرابة الملياري مسلم، ثم لا تتحرك هذه الأمة لتمنع ذلك الإجرام من جهة العدو الصهيوني، الذي يوجهه ضد الشعب الفلسطيني، أليست هذه حالة مؤسفة، تُعبِّر عن حالة ضعف، ضعة، هوان، ذل، خزي… إلى غير ذلك؟ هذه حالة خطيرة جداً.
((أو فاسكتوا فلا تعرضوا شيئاً، ولكن لو سكتتم، فلم تعرضوا شيئاً، ستكون إدانة أكبر وأكبر، ستكونون بسكوتكم تسكتون عن جرائم، تسكتون عن جرائم لليهود والنصارى في كل بقعة من بقاع العالم الإسلام، ضحيتها هم أبناء الإسلام، هم إخوانكم من المسلمين)).
ثم تحدث عن خطورة ترسيخ الهزيمة النفسية، وأنها مما يسعى له العدو، يريد العدو أن يكبِّل هذه الأمة، وفعلاً كبَّل الكثير منها، الكثير، أغلب أبنائها على مستوى بلدان بأكملها في الحالة الرسمية والشعبية، كبَّلها من اتِّخاذ أي موقف، الشعوب مكبَّلة بمواقف الأنظمة، والأنظمة لها تلك الدوافع والمؤثرات التي شرحناها وتحدثنا عنها.
ولذلك يقول: ((لا نسمح لأنفسنا أن تشاهد دائماً تلك الأحداث، وتلك المؤامرات الرهيبة جداً جداً، ثم لا نسمح لأنفسنا أن يكون لها موقف، سنكون من يشارك في دعم اليهود والنصارى عندما نرسخ الهزيمة في أنفسنا عندما نجبن عن أي كلمة أمامهم))؛ لأن هذه الحالة التي يريدون أن يفرضوها علينا كأمة، تتحول إلى أمة تخاف من أن يكون لها حتى الكلمة في مواجهتهم.
تحدث عن أهمية كشف الحقائق، عن واقعنا والمسؤولية علينا، بناء على هذا الأساس: نحن في وضعية، وضعية مهينة، ذل، وخزي، وعار، استضعاف، إهانة، إذلال، تحت سيطرة اليهود كعرب كمسلمين، يقول: ((أصبحنا فعلاً تحت أقدام إسرائيل، تحت أقدام اليهود، هل هذه تكفي إن كنا لا نزال عرباً، إن كان لا يزال لدينا الشهامة العربي، وإباءه، ونخوته، ونجدته لتدفعنا إلى أن يكون لنا موقف؟
الحالة الثانية هي ما يفرضه علينا ديننا، ما يفرضه علينا كتابنا القرآن الكريم، من أنه لابدَّ أن يكون لنا موقف من منطلق الشعور بالمسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
نحن لو رضينا وأوصلنا الآخرون إلى أن نرضى بأن نقبل هذه الوضعية التي نحن عليها كمسلمين، أن نرضى بالذل، أن نرضى بالقهر، أن نرضى بالضعة، أن نرضى بأن نعيش في هذا العالم على فتات الآخرين، وبقايا موائد الآخرين، لكن هل يرضى الله لنا عندما نقف بين يديه السكوت من منطلق أننا رضينا، وقابلنا، ولا إشكال فيما نحن فيه، سنصبر، وسنقبل، فإذا ما وقفنا بين يدي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يوم القيامة، هل سنقول: [نحن في الدنيا كنا قد رضينا بما كنا عليه]، هل سيعفين ذلك عن أن يقال لنا: ألم نأمركم، {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ}[المؤمنون: من الآية105]؟))، ثم ذكر كثيراً من الآيات القرآنية، وفعلاً القرآن مليء بالآيات التي يأمرنا الله فيها بالجهاد في سبيله، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأن نكون أنصاراً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تلك الآيات التي تأمرنا بالوقوف ضد الطاغوت والاستكبار، ضد الكفر والظلم والإجرام والفساد، ماذا سنعمل؟ نحن أمة عليها مسؤولية، ولها رسالة، حتى انتماؤنا للإسلام ليس فقط مجرد انتماء للجانب العبادي منه، فيما يتعلق بالطقوس العبادية، هذا جزءٌ من ديننا، ولكن أيضاً هناك رسالة، هناك مسؤولية، هناك دور تتحرك به هذه الأمة، والمنتمون إلى هذا الإسلام.
((ألم يقل القرآن لنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عمران: من الآية110]، ألم يقول الله لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}[الصف: من الآية14]، فإذا رضينا بما نحن عليه، وأصبحت ضمائرنا ميتة، لا يحركها ما تسمع، ولا ما تحس به من الذلة والهوان، فأعفينا أنفسنا هنا في الدنيا؛ فإننا لن نعفى أمام الله يوم القيامة، لابدَّ للناس من موقف، أو فلينتظر ذلاً في الدنيا، وخزياً في الدنيا، وعذاباً في الآخرة، هذا هو منطق القرآن الكريم، الحقيقة القرآنية التي لا تتخلف، {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}[الأنعام: من الآية115]، {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}[الأنعام: من الآية34]، {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق: الآية29])).
فإذاً لابدَّ أن يكون هناك موقف، هذه ضرورة دينية، إيمانية، يرتبط بها مصيرنا يوم القيامة، يوم نقف بين يدي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي ضرورة واقعية، نحن بحاجةٍ إليها؛ لندفع عن أنفسنا كأمة مسلمة، كمسلمين: الذل، القهر، الاستعباد، الهوان، الطغيان؛ لأن تحركنا في إطار الموقف الصحيح، الذي وجَّهنا الله إليه، هو نجاةٌ لنا، هو عزةٌ لنا، هو كرامةٌ لنا، هو الذي ينتشلنا من حالة الضعف والشتات والقهر، إلى أن نكون في مستوى الموقف، إلى أن نكون في واقعٍ قوي، نأخذ فيه بأسباب القوة، والنهضة، والتحرُّك، وأسباب النصر، ونحظى فيه بمعونة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وبتأييده، فندفع عن أنفسنا الذل، والظلم، والقهر، والاستعباد، والإهانة، لابدَّ أن نتحرك. فما هو الخيار عندما نريد أن نتحرك؟
يقول: ((ثم عندما نتحدث، ونذكر الأحداث، وما يحصل في هذا العالم، وما يحدث، ووصلنا إلى وعي بأنه- فعلاً- يجب أن يكون لنا موقف، فما أكثر من يقول: [ماذا نعمل؟]))، كثيرٌ من الناس يقولون بعد أن يصل إلى هذه النتيجة: حتمية الموقف، وضرورة الموقف، كضرورة واقعية، وكضرورة دينية، من حتميات الالتزام الإيماني، ((يقول: [ماذا نعمل؟ وماذا بإمكاننا أن نعمل؟]، أليس الناس يقولون هكذا، هذه وحدها تدل على أننا بحاجة إلى أن نعرف الحقائق الكثيرة عمَّا يعمله اليهود وأولياء اليهود، حتى تلمس- فعلاً- بأن الساحة، بأن الميدان مفتوحٌ أمامك لأعمالٍ كثيرة جداً جداً جداً))، [ماذا نعمل؟] هذا التساؤل يدل على ماذا؟ على عدم معرفة بما يعمله الأعداء، بما يتحرك فيه اليهود، ومن يدور في فلكهم، كيف يشتغلون في كل المجالات، وبالتالي كيف نتحرك للتصدي لهم.
يقول: ((الميدان ليس مقفلاً، ليس مقفلاً أمام المسلمين، أعمال اليهود والنصارى كثيرة، ومجالات واسعة، واسعة جداً، وهم يحسون بخطورة تحركك في أي مجالٍ من المجالات لتضرب عملهم الفلاني))، اعرف في المقدِّمة ما يعمله الأعداء، اعرف مؤامراتهم، أنشطتهم في كل المجالات، وتحرك، لتتحرك كل أمة في كل مجال من المجالات، ليتحول هذا الواقع السلبي الذي هو حال الضياع، إلى تحرك عملي واعٍ في كل ميدان، تتحرك وأنت إعلامي في الجبهة الإعلامية بشكلٍ صحيح، أنت تعرف استراتيجياتهم، مؤامراتهم، دعاياتهم، وتتحرك لضربها، والتصدّي لها، أنت تعرف في المجال الثقافي والفكري والتعليمي ما هي أنشطتهم، مؤامراتهم، خططهم، وتسعى لإفشالها وضربها، أنت تتحرك في المجال السياسي، أنت تعرف مؤامراتهم لبعثرة الأمة، لتضييع الأمة… وبقية التفاصيل التي تندرج تحت هذا العنوان، ثم هكذا في المجال العسكري، الأمني، الاقتصادي… في كل مجال.
((وهم يحسون بخطورة تحركك في أي مجال من المجالات، لتضرب عملهم الفلاني، أو تؤثر على مكانتهم بصورةٍ عامة))، عندما توقظ الأمة تجاه ذلك العدو، وما يعمل، وتدرك الأمة أنَّ ذلك العدو يسعى إلى أن يصنع له قابلية لكل مؤامراته، وأن يجعل من أبناء الأمة من يتحركون عوناً له في اختراق هذه الأمة إلى عمقها، وخدمة العدو في داخلها، ((أو لتؤثر على ما يريدون أن يكون سائداً، غطاء على العيون وعلى القلوب)).
الأحداث أيضاً ليست عابرة، عندما يحصل في كل مرحلة أحداث معينة، اجتياح لبلد، خطة جديدة من جانب الأعداء، ومرحلة جديدة في إطار تحركهم، الذي هو عبر مراحل طويلة، حتى هم يقولون: [المرحلة طويلة]، عندما يتعامل الكثير من أبناء أمتنا مع أي طارئٍ يحصل هنا أو هناك وكأنه طارئ عابر، ينتهي وينتهي معه كل شيء، المسألة ليست كذلك، الأعداء هم مستمرون في مؤامراتهم لاستهداف هذه الأمة، في كل مرحلة هناك أحداث جديدة، ولكن هي في سياق ما حصل سابقاً، وما يحصل بعدها لاحقاً، المسألة لم تنتهِ؛ ولهذا يقول: ((أو قد يقول البعض: [فقط هي أحداث هنا وهناك]، لقد حسم الموضوع بالشكل الذي يؤهل أمريكا لأن تعمل ما تريد، وأن تعمل في بقاع العالم الإسلامي كله)).
الأعداء مع حملتهم على هذه الأمة، هم يحرصون دائماً على حالة التدجين، وعلى تفادي ردة الفعل في داخل الأمة، هذه استراتيجية أساسية لديهم، وهي خطيرة ومؤثرة؛ لأنها تجعل الأمة في حالة جمود، وغفلة، وركود، وبيئة مفتوحة أمام الأعداء، وغير محصَّنة، ولا توجد فيها ردة فعل واعية، ولا تحرك بمشروع عملي، وليس ردة فعل عابرة، أو مؤقتة، تنطلق من مفهوم خاطئ، أن ما يحصل من جانب الأعداء مجرد حدث واحد، أو مشكلة واحدة، أو قضية واحدة ستنتهي وينتهي معها كل شيء، ليست المسألة كذلك، ولهذا يقول: ((ولنعرف حقيقة واحدة من خلال هذا: أنَّ اليهود، أنَّ الأمريكيين على الرغم مما بحوزتهم من أسلحة تكفي لتدمير هذا العالم عدة مرات، حريصون جداً جداً على ألَّا يكون في أنفسنا سخطٌ عليهم، حريصون جداً جداً على ألَّا نَتَفوَّه بكلمة واحدة تُنبئ عن سخط، أو تزرع سخطاً ضدهم في أي قرية، ولو في قرية في أطرف بقعة من هذا العالم الإسلامي، هل تعرفون أنهم حريصون على هذا؟ والقرآن الكريم كان يريد منا أن نكون هكذا، عندما حدثنا أنهم أعداء، يريد مِنَّا أن نحمل نظرة عداوة شديدة في نفوسنا نحوهم، أي: أن ننظر إليهم على أنهم أعداء لنا، ولديننا، لكننا كنا أغبياء، لم نعتمد على القرآن الكريم، كنا أغبياء فجاؤوا هم ليحاولوا أن يمسحوا هذه النظرة، أن يمسحوا هذا السخط)).
فالاستراتيجية التي يعتمدون عليها مع حملتهم ضد هذه الأمة: السعي لتفادي أي تحرك واعٍ من أبناء هذه الأمة للتصدي لهم، ولمؤامراتهم ومخططاتهم، ومسح حتى حالة السخط؛ لتدجين هذه الأمة لتتقبلهم، ولئلا تتحرك في التصدي لهم، ولو حصل ما حصل، حتى عندما يتَّجهون لفعل أي شيء، تكون النتيجة هي نفس النتيجة.
ثم يقول أيضاً: ((نعود من جديد أمام هذه الأحداث، لنقول: هل نحن مستعدون ألَّا نعمل شيئاً؟ ثم إذا قلنا: نحن مستعدون أن نعمل شيئاً، فما هو الجواب على من يقول: ماذا نعمل؟ أقول لكم أيُّها الإخوة: اصرخوا، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا: (الله أكبر- الموت لأمريكا- الموت لإسرائيل- اللعنة على اليهود- النصر لإسلام)، أليست هذه صرخة يمكن لأي واحدٍ منكم أن يطلقها، بل شرفٌ عظيمٌ لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة، فتكون هذه المدرسة، وتكونون أنتم أول من صرخ بهذه الصرخة، التي بالتأكيد- بإذن الله- ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم- إن شاء الله- في مناطق أخرى)).
ثم يقول: ((هذه الصرخة أليست سهلة؟ كل واحدٍ بإمكانه أن يعملها، وأن يقولها، إنها من وجهة نظر الأمريكيين، اليهود والنصارى، تشكل خطورةً بالغةً عليهم))، وهكذا أعلن هذا الموقف العظيم، ليكون في صدارة مشروعٍ قرآنيٍ عظيم، وليعبِّر عن موقف وتوجه على أساس مشروعٍ قرآنيٍ عمليٍ متكامل، وعظيم.
مميزات هذه الصرخة وإيجابياتها كثيرة:
أولاً: أنها كسرت حاجز الخوف، فعلاً مشكلة الخوف مشكلة خطيرة، وهي مؤثرة- كما قلنا- في كثيرٍ من البلدان والشعوب، وبقي هذا الأثر العظيم حتى في ظل الأحداث الراهنة، عندما نجد الموقف المميز في بلدنا على المستوى الرسمي والشعبي؛ لأنه يقود هذا الموقف من يحملون هذا التوجه، من انطلقوا هذا المنطلق، من هتفوا بهذا الهتاف، وهو بالنسبة لهم ثقافة، وروحية، وفكرة، ومعتقد؛ ولذلك لا يخافون من أمريكا، ولا يخافون من عملاء أمريكا، ولا يخافون تجاه ما يمكن أن تستخدمه أمريكا وإسرائيل كوسيلة ضغط أو ترهيب، أو بأي إجراءٍ كان لإسكات هذا الصوت، أو هذا الموقف، كَسَرَ الحالة التي كان الأمريكي يسعى لها، ويتجه معه من اتَّجه ممن يواليه من أنظمة وحكومات في هذه الأمة، وهي حالة تكميم الأفواه، ومن ذلك الحالة التي كانت أيضاً متجهةً على أساسها السلطة- آنذاك- في بلدنا، اتجهوا لمنع أي صوت يواجه الهيمنة الأمريكي، والهجمة الأمريكي الإسرائيلي على أمتنا، محاولة لفرض حالة السكوت، الصمت، الاستسلام؛ لتبقى ساحة خانعة، ليس فيها أي تحرك مناهض للأمريكيين، ساحة مفتوحة للتحرك الأمريكي، ليست مقفلةً على الأمريكيين، فتحوا المجال للأمريكي للتدخل في كل شيء، أصبحت السفارة الأمريكية في صنعاء صاحبة النفوذ الأول في الموقف الرسمي، وفي المؤسسات الرسمية، يتدخل السفير الأمريكي كمندوبٍ سامٍ، كما يقولون، وكما قالوا حتى في مجلس النواب، وفي وسائل إعلام تابعة للجانب الرسمي آنذاك، يعترفون بهذه الحقيقة، ومع ذلك كانوا يريدون أن يكمموا الأفواه تبعاً للموقف الأمريكي.
كان من مميزات هذه الصرخة:
– أنها موقف متاح، وميسَّر، وسهل، يعني: ليست مسألة صعبة، ليست كبعض المواقف التي تشكِّل صعوبة على الناس، وهي نقلة حكيمة، من حالة اللاموقف، من الحالة التي كانت سائدة ما قبلها، نقلة حكيمة، في موقف متاح، ميسَّر للناس جميعاً، صرخة يهتفون بها، ليست أمراً معقَّداً، ولا صعباً، وفي نفس الوقت يفضح الأعداء، فضح الأمريكيين في عنوان الحرية، الديموقراطية، حقوق الإنسان، ومنها: حق التعبير عن الكلمة… بقية العناوين التي كانوا يرددونها، ويجعلون منها غطاءً لاختراق الشعوب، والتأثير عليها.
– في نفس الوقت يرفع الروح المعنوية، الذين هتفوا، وصرخوا، وكسروا حاجز الخوف، وانطلقوا هذا المنطلق، وتثقفوا بالثقافة القرآنية، حملوا الروح المعنوية، والله يمنح أيضاً الروح المعنوية، كما قال “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}[الكهف: من الآية14]، وهو يقدِّم الدرس العظيم من قصة أصحاب الكهف.
– يُحصِّن الساحة الداخلية؛ لأنه يصنع بيئة ساخطة على العدو، بيئة غاضبة على العدو، بيئة متحركة ضد العدو، معبِّرة عن عدائها وسخطها ضد العدو؛ ولهذا ليست بيئة مهيأة للعمالة، الذي يتحرك كعميل فيها؛ يُفضَح، يجد في واقعه من يواجهه، من يتصدى له.
– يعبِّر عن سخط الأمة، وينمِّي حالة السخط بما يترتب عليه، وهي حالة مهمة جداً.
ولذلك يقول: ((إذاً عرفنا أنَّ باستطاعتنا أن نعمل، وأن بأيدينا وفي متناولنا كثيرٌ من الأعمال، وهذه الصرخة: (الله أكبر- الموت لأمريكا- الموت لإسرائيل- اللعنة على اليهود)؛ لأنهم هم من يحركون هذا العالم، من يفسدون في هذا العالم، (النصر للإسلام)، هي ستترك أثرها، ستترك أثراً كبيراً في نفوس الناس إن شاء الله))، هذا الأثر هو: السخط، كما قال: ((السخط الذي يتفاداه اليهود بكل ما يمكن))، يحاولون أن يدفعوا بغيرهم من الأنظمة لتكون هي من يواجه بالنيابة عنهم، ترتكب الجرائم بالنيابة عنهم في كثيرٍ من البلدان، تتلقى الجفاء، تتلقى هي السخط، يحاولون أن يخادعوا أبناء هذه الأمة تحت عنوين مخادعة، من بينها: أنشطة تحت العناوين الإنسانية… وغير ذلك.
فمجال العمل هو مجال واسع؛ ولذلك يقول: ((والقرآن الكريم هو الذي أخبرنا عنهم، وكيف نعمل ضدهم))، فعلى أساس الانتباه للواقع، الوعي بالواقع، اليقظة تجاه ما يعمله العدو، والوعي القرآني؛ لأن القرآن يقدِّم أرقى مستوى من الوعي تجاه حركة الأعداء، نستطيع أن نتحرك بالشكل الصحيح.
فأعلن الموقف، وتجاه محاولة التدجين، التي هي حالة خطيرة على أبناء الأمة، والتي لا يمكن القبول بها، عواقبها سيئة؛ فلذلك يقول: ((إذاً يجب- أيُّها الإخوة- ألَّا نسمح لهذا التدجين، الذي يراد له أن يكون في اليمن))، كان هناك محاولة للتدجين، لأن يبقى الكل في حالة سكوت، وصمت، واستسلام، وتبقى الساحة مفتوحة للأمريكي، هو الذي يتحرك فيها كما يشاء ويريد، يتدخل في كل المجالات، يفرض السياسات التي يريدها، التوجهات التي يريدها، يتدخل في كل المجالات، وفعلاً فُتِحَ له المجال للتدخل في الجانب التعليمي، في الجانب السياسي، في الجانب الاقتصادي، في القضاء… في كل المجالات.
((وفي بقية شعوب البلاد العربية ألَّا تتكلم ضد اليهود، ولا تتكلم ضد النصارى))، يعني: حالة تدجين، حالة تدجين تشكِّل خطورة كبيرة على الأمة، وحالة ترسيخ للهزيمة النفسية، فالصرخة واجهت حالة تكميم الأفواه، حالة التدجين، حالة تعزيز وترسيخ الهزيمة النفسية؛ ولهذا قال: ((لك تجلى في هذا الزمن أن كُشِفت الأقنعة عن الكثير، فهل نأتي نحن لنضع الأقنعة على وجوهنا، ونغمض عيوننا بعد أن تجلت الحقائق))؛ لأنهم يريدون من الكل أن يسكتوا، لا يكون هناك نشاط توعوي للأمة، ولا يكون هناك موقف عملي للأمة، فكان هذا الموقف، مع الوعي القرآني، مع المشروع القرآني، مع مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، التي أتت خطوة ما بعد الصرخة في وجه المستكبرين.
وعلى كلٍّ، تحرك هذا المشروع بفاعلية، بتأثير، وتجلى نجاحه منذ البداية على المستوى النفسي، على المستوى التربوي، في الواقع نفسه، في الواقع، ولأنه مشروعٌ ناجح، مشروعٌ فعَّال، مشروعٌ حكيم ومؤثِّر، نجد كيف كانت ردة الفعل من الجانب الأمريكي نفسه.
ردة الفعل من الجانب الأمريكي بدأت عندما قام السفير الأمريكي آنذاك، بعد ربما عام منذ بداية الشعار والصرخة، وانطلاقة المشروع القرآني، والحركة في توعية أبناء الشعب، وتوجيه هذا الهدى إلى الناس جميعاً، لكن يبدأ عادةً من نطاق جغرافي معين، نزل السفير الأمريكي إلى محافظة صعدة من صنعاء، ووجد مدى انتشار الشعار، والهتاف به، وملصقاته، ولافتاته؛ وانزعج جداً، ووجَّه- آنذاك- محافظ المحافظة للتحرك ضد الشعار، بدأ محافظ المحافظة- آنذاك- يحاول أن يمنع انتشار حتى الملصقات، اللافتات، بدأت حالات الاعتقال، ثم تطوَّر الموقف على المستوى الرسمي أكثر، السفير الأمريكي اتَّجه بدفع السلطة- آنذاك- لتتصدى بشكل أوسع وأكبر، وتحارب هذا المشروع بكل الوسائل.
بدأت الحملات الدعائية، السجون والاعتقالات في عدة محافظات، كلما انتشر العمل؛ كلما انزعجوا منه أكثر، ثم الاعتقالات الأسبوعية، يعني: في كل أسبوع، في كل يوم جمعة، في الجامع الكبير، أيضاً الفصل من الوظائف للموظفين، الذين ينطلقون هذا المنطلق، ويتحركون في هذا الاتجاه، إغلاق بعض المدارس (مدارس التعليم)، عندما عرفوا أنَّ الطلاب والمدرسين يتَّجهون هذا الاتجاه، وصولاً إلى التصعيد الكبير بالعدوان بالحرب الأولى، التي كانت تستهدف شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْه”، والذين انطلقوا هذا المنطلق في عدة مناطق.
وما بعد الحرب الأولى استمرت كذلك هجمة كبيرة، ومحاربة شديدة، على مدى ستة حروب شاملة، كان الدور الأمريكي فيها حاضراً في المقدمة، يُقدِّم الدعم، يحرّض، يطَّلع على التفاصيل، وفي نفس الوقت يقدِّم الغطاء التام للسلطة؛ لترتكب ما تشاء وتريد آنذاك، وما تريد أن تفعله، تستهدف الذين ينطلقون هذا المنطلق بكل أشكال الاستهداف: التدمير للقرى، القتل للأهالي بشكلٍ جماعي، السجون امتلأت بالسجناء… إلى غير ذلك.
لم يكن هناك في ردة الفعل- خاصة من جانب السلطة- أي مبرر لا شرعي ولا قانوني، هذا المشروع انطلق بخطوات حكيمة، وفي نفس الوقت على المستوى الشرعي هي قرآنية إيمانية، على المستوى القانوني نفترض به ألَّا يواجه ما هو قرآن ودين؛ لأننا بلدٌ مسلم، ليس هناك ما يسوِّغ لأحد أن يتحرك ضد ما هو على أساس القرآن والإسلام، الدستور بنفسه يعترف بهذه الحقيقة: أنَّ الأساس هو الشريعة الإسلامية، والدين الإسلامي، ثم مع ذلك لم يكن هناك على المستوى القانوني ما يبرر لا سجن، ولا اعتقال، ولا فصل من وظائف… ولا أي شيء من تلك الإجراءات الظالمة، التي هي في إطار الاستجابة للأمريكي، والتودد إلى الأمريكي، والاسترضاء للأمريكي، ثم الحرب بتلك الطريقة الظالمة، الغاشمة، الإجرامية، الوحشية، والقتل لأبناء هذا الشعب بدون وجه حق، كذلك لم يكن له أي مستند لا شرعي ولا قانوني، كان ظلماً، في نفس الوقت عمل فاشل، لم ينجح أبداً، لم تتحقق له الأهداف التي يصبو إليها، السلطة آنذاك- وكانت تأمل أن تسترضي الأمريكي، أن تتودد إليه، أن تحظى بالقرب منه- كل شيء انتهى بالنسبة لها، خسرت شعبها، وفي نفس الوقت لم يبقَ الموقف الأمريكي بالشكل الذي يمثل حمايةً لها، وفرضاً لها لتستمر على ما تشاء وتريد، هُزِمت في الأخير، ثبت نجاح هذا المشروع، هذا الصوت بقي، وامتدَّ، وتعاظم، وتجذَّر، ووصل إلى مسامع الدنيا بكلها، هو في هذه المرحلة الراهنة بما هو عليه من الحضور على المستوى العالمي والإقليمي، من الموقف المتميز في نصرة الشعب الفلسطيني، وهو في المستقبل- بإذن الله تعالى- بما هو أعظم وأكبر إن شاء الله.
الخيارات الأخرى للذين لديهم خيارات أخرى:
– خيار التخاذل والاستسلام، ليس خياراً يشكِّل أي حماية للأمة.
– خيار العمالة والارتهان للأمريكي والإسرائيلي، ليس فيه أي نجاة للأمة.
الله أكَّد في القرآن الكريم، وهي من الحقائق التي يعتبر الإيمان بها من الإيمان بالله، وبكتابه، وبرسوله، أنَّ عاقبة الموالين لليهود والنصارى هي الخسران والندم؛ ولذلك الموالون لأمريكا وإسرائيل، والمرتهنون لها، والعملاء لها، والمنظوون تحت صفها، المتآمرون على أمتهم، وشعوبهم، وبلدانهم، عاقبة أمرهم المحتومة، المؤكدة يقيناً، هي: الخسران والندم، لا نجاة للأمة إلَّا بالموقف القرآني، الذي تحظى فيه برعاية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو موقف فطري، أن تتجه هذه الأمة بوعي، وبصيرة، وحكمة، وقيم، ومبادئ، وأخلاق، وبالارتباط بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لتتصدى لأعدائها، الذين يستهدفونها أصلاً، هجماتهم، مؤامراتهم، عدوانهم، طغيانهم واضح، ماذا بعد ما يجري في غزة الآن؟! الدور الأمريكي فيما يجري في غزة واضح، الأمريكي بهذه الوحشية، وهو يقدِّم تلك القنابل التي تقتل الأطفال والنساء، لا يعطي أيَّ اعتبار للدم الإنساني، للحياة الإنسانية، حتى لحياة الأطفال والنساء، هل هذا طرف ترى فيه أنه يشكِّل حمايةً لك، تأمل في أن تدخل معه في اتفاقات حماية لك؟! هل سينفعك بشيء، أم أنه سيبتزك دائماً، يأخذ مقابل ذلك الجزية، وأكثر من الجزية، يأخذ بأكثر من ذلك: أموالك، ينهب ثرواتك، يستغلك، يمسخ شعبك، يغيِّر الثقافات والمفاهيم والقناعات، ينشر الفساد، يميِّع شباب وطنك، يصل بك إلى الحضيض على المستوى النفسي والتربوي والأخلاقي والمبدئي، ثم في نهاية المطاف بعد أن تخسر كل شيء: يسيطر على كل شيء ببساطة، بسهولة، وقد هيَّأ الظروف لذلك.
الأمة اليوم ترى إيجابية هذا المشروع القرآني المبارك في مساندة الشعب الفلسطيني بشكل مميز، وموقف متكامل؛ لأنه ليس هناك تلك العوائق والحواجز.
ثم المتغيرات الدولية منذ تلك المرحلة وإلى الآن، يظهر فيها الانحدار الأمريكي، يتراجع نفوذ أمريكا، هيمنتها، سيطرتها، تنشط دول أخرى، ويتنامى موقفها المتحرر شيئاً فشيئاً من النفوذ والهيمنة والسيطرة الأمريكية، تنشأ قوى دولية أخرى، لديها إمكانات اقتصادية، ولديها قدرات عسكرية، وتحاول أن تفرض نفسها على الساحة العالمية، فأين نحن كمسلمين؟! البعض يفكر هكذا دائماً: في الالتحاق بقوة هنا أو هناك.
نحن أمة لديها من المقومات المعنوية، والمادية، والإمكانات، والموقع الجغرافي المميز، والهوية الإيمانية والدينية، والمبادئ، والقيم العظيمة، التي هي مبادئ إلهية، ما يساعد هذه الأمة على أن تكون متحررة، متحررة من أعدائها ومن غيرهم، متحررة، وفي نفس الوقت لها حضورها، لها دورها الإيجابي، النافع، المفيد، الذي يحتاج إليه كل العالم.
العالم يتضرر جداً من الهجمة اليهودية الصهيونية على قيمه، على أخلاقه… على كل شيء، على السلم والأمن والاستقرار في العالم بكله، هم يسعون في الأرض فساداً، والعالم يضجُّ منهم؛ ولذلك يفترض بالمسلمين أن يدركوا مسؤوليتهم.
ثم أن يدركوا أنَّ العدو الإسرائيلي هو عدوٌ لهم، ولو صادقوه، ولو حالفوه، ولو اتَّجهوا إليه بالولاء، هو عدوٌ لهم؛ ولذلك هو لا يغير شيئاً، لا في ثقافته، لا في مناهجه الدراسية، لا في سياساته، هو على ما هو عليه من عداء، من كره للعرب والمسلمين، وللعرب في المقدِّمة أكثر من غيرهم؛ ولذلك أيها العرب: الإسرائيلي هو عدوٌ لكم، فاتخذوه عدواً، إذا اتَّجه الجميع إلى أن يعادوا عدوهم، عدوهم الفعلي، عدوهم الذي هو عدو حقيقي وواقعي، ومسألة واضحة؛ فعندها سيدركون أهمية الخطوات والمواقف الصحيحة، والمشاريع الصحيحة؛ لأن الأمة بحاجة إلى أن تتحرك ضمن مشروع يعالج وضعيتها، وظروفها، يصحح واقعها، يبنيها لتكون في مستوى مواجهة التحديات، والأعداء، والمخاطر.
وهذا هو ما ركَّز عليه شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْه” في المشروع القرآني الذي قدَّمه للأمة، مشروعاً متكاملاً، يبني الأمة، يصحح وضعيتها، يعالج مشكلتها، يبنيها على مستوى كل المجالات.
نَسْألُ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَجزِيَّهُ عَنَّا خَيرَ الجِزَاء، وَأَنْ يُثَبِّتنَا عَلَى هَذَا النَّهجِ الحَقّ، وَالمُوْقِفِ الحَقّ، وَالتَّوَجُّهِ الحَقّ، وَأَنْ يَجْعَلنَا مِنْ عِبَادِهِ المُهْتَدِينَ بِكِتَابِهِ، وَالمُوَاجِهِينَ لِأَعدَائِه، وَالثَّابِتِينَ عَلَى دِينِهِ.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛