وارتقى قمراً
أفق نيوز | احترام عفيف المُشرّف
نحن هنا لن نرثي هنية فهو لم يمت ليخلد في باطن الأرض، هنية ارتقى قمراً في السماء إلى جانب من سبقوه من الشهداء وفي انتظار من سيلحقونه؛ فدرب الشهادة مفتوح ما بقي ظالم لمقارعته وما بقي مظلوم لنصرته وما بقيت أرض مغتصبة لتحريرها، وهو درب لا يسير فيه إلا من ارتضاه الله ورضي له؛ فمنذ أن قرّروا أن يكونوا مجاهدين فهم يعرفون أنهم منتصرون منتصرون، فكلاهما نصر إما ظافرون في الميدان أَو خالدون في الجنان.
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وإننا؛ إذ نتكلم عن هؤلاء الصفوة الأخيار من عباد الله فَــإنَّنا نقف عاجزين مسلمين ومستسلمين، وأنى لنا أن نصف من بذلوا أرواحهم في سبيل الله فهم شموع جهاد احترقت لتضيء الدرب لمن خلفها، هم أجساد جعلت مِن نفسها جسر عبور لمن يأتي من بعدها ودماء أروت الأرض بطهرها.
«ومن أين للكلمات جيد تمده ليخترق السبع الطباق ويصعدا»؟
وكيف للأقلام أن تختارَ عبارات تليق بهم، ومن أين للفاني في حياته أن يستطيع أن يصف من حياتُه أبدية؟
وإذا كان للمجد درجات فَــإنَّ الشهادة في سبيل الله أعلى درجات المجد، إنهم من بذلوا شبابَهم وعنفوانهم الجسدي وتخلو عن الدنيا بقلوب راضية وتعفروا بدمائهم الزاكية.
فقد توجّـهوا إلى الميدان وهم على يقين بأنهم قد لا يعودون، توجّـهوا مبايعين على إحدى الحسنيين النصر أَو الشهادة، فهم تربية المدرسة القرآنية التي علمتهم أن كليهما فوز وفلاح، الشهداء هم نجوم الأرض الذين آثروا الاختفاء في باطنها لينيروا الدرب لمن يمشي عليها.
الشهداء هم من وضعوا حجر الأَسَاس لمستقبل هم يعلمون أنه لغيرهم سيكون، الشهداء هم من زرعوا بذور الحرية ليهنأ بالعيش بها غيرهم.
الشهداء هم وحدهم واسمهم فقط هو من يجسد معنى الإيثار والتضحية، فمن يهب حياته في سبيل حياة من بعده هو فقط من يستطيع أن يقول ويقال عنه إنه من أكرم الناس، فهو لم يبذل دينارًا ولا درهمًا، هو لم يهب منزلاً أَو أرضاً، هو لم يتخلَ عن وظيفة أَو منصب.
الشهيد وهب ما لا يوهب وجاد بما يعز الجود به، جاد بروحه، وأعطى ما لا يعطيه إلا أفذاذ الرجال النجباء الأبطال، الشهيد وهب لنا حياته لنحيا نحن، فما هي العبارات أو الكلمات التي بمقدورنا أن نصوغها لمن هذه صفاتهم، وماذا نستطيع أن نقول في ذكراهم، ولن نوفيهم حقهم بمقال أَو كتاب؛ فمن جاد بروحه لكي يحمي غيره ووهب حياته لتكتمل بها حياة من بعده هو فقط الكريم الذي يقف الكرم عند رجليه خجلاً ويقول له لْـو كان لي أن أتمثل ببشر فلن أتمثل بغيرك يا شهيد، ولذلك كانت منزلتهم عالية عند العزيز المتعالي جل شأنه، الذي منحهم وألبسهم ما لا يحصل عليه غيرهم من صلحاء ونساك وأنبياء.
قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).