أعظم شيء يتعلمه الإنسان هو العلم الذي يأتي من جهة الله
أفق نيوز | من هدي القرآن |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
بما أن الأكثر طلاب علم، وكلنا طلاب علم، سواء كبار، أو صغار. هذا هو الشيء المفترض من جانب الإنسان: أن يكون طالب علم، حتى لو قد هو شيبة، أن يشعر أنه طالب علم. ليس الطلاب يعني الأولاد الصغار، أو الشباب فقط. على أساس أن الإنسان يهمه أن يتعلم.
وأعظم شيء يتعلمه الناس، يتعلمه الإنسان هو العلم الذي يأتي من جهة الله، ومن عند الله. القرآن الكريم أشرف علم يتعلمه الناس؛ لأن الله أنزله ليكون هدى للإنسان في هذه الحياة، فيما يتعلق بهذه الحياة الدنيا، ليسعد فيها، وكذلك ليسعد في الآخرة.
عندما يتعلم الإنسان القرآن يجب أن يفهم أنه كتاب يزكي النفوس، يطهرها، يسمو بها؛ لتصبح نفوساً طاهرة، ونفوساً سوية، ونفوساً قوية، نفوساً يملأُها حب الله سبحانه وتعالى، والخشية منه، والرغبة إليه، والرهبة منه. هذا هو الشيء المفترض.
وقد ضرب الله أمثلة كثيرة في القرآن الكريم؛ ليعرف أولياء الله كيف يجب أن يكونوا، ليعرف المؤمنون على تفاوتهم من خلال أعمالهم كيف يجب أن يكونوا.
ومن أعظم ما ضرب من أمثلة، وأفضلها ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة [الكهف] من قصة أصحاب الكهف. وأصحاب الكهف كانوا كما حكى الله عنهم فتية، مجموعة من الفتيان. ذكرهم هنا كيف كان إصرارهم، كيف كان صمودهم، كيف كانت قوة نفسياتهم. وذكر أيضاً كيف كانت رعايته لهم سبحانه وتعالى، وعنايته بهم، وإجلاله، وتعظيمه لهم أيضاً.
قال سبحانه وتعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}(الكهف1) هنا الله سبحانه وتعالى يتمنن على عباده بهذا القرآن، وأنها نعمة يستحق أن نثني عليه بها، وأن نشكره عليها، ونحمده عليها. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} على عبده محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).
{وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمَاً} تفسر هذه على أساس أن كلمة: {عِوَجَاً}تقابل كلمة: {قَيّمَاً} التي تعني أن هذا القرآن مستقيماً {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت42) ولكن يستوحى من هذه كلمة: عوجاً، أنه لا يوجد أي اعوجاج من قبل الله أمام العمل في سبيل الله، والعمل لإعلاء كلمته، والصدع بالحق.
هنا الله يذكرنا أنه أنزل هذا الكتاب هدى للناس، أنزله ليسيروا عليه، أنزله ليهتدوا به في كل مواقفهم، وهو هو سبحانه وتعالى الذي خلق السموات والأرض، وخلق الناس كلهم، فلم يجعل له في هذه الحياة، في سنن هذا الكون، ما يمكن أن يصطدم به فيرتد. هذا غير جائز على الله سبحانه وتعالى.
{وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} حتى نعرف فعلاً خطورة التوهم بأن هناك في هذه الحياة ما لا يسمح للناس أن يتحركوا في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله. نحن نسمع كثيراً من الناس عادة يقولون: [ما جهدنا، وأعداؤنا أقوياء، والدنيا قد هي كذا، ونحن حالتنا كذا..] تجد أننا نعرض قائمة من العوج، قائمة من العوج.
نتفهم هذه الآية التي تؤكد لنا بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي خلق الإنسان، هو الذي رسم السنن لهذا الكون، السنن لهذه الحياة، لا يمكن أن ينزل القرآن، ثم يقول للناس أن يلتزموا به، وأن يعملوا في سبيل إعلاء كلمته، وأن يسيروا على هديه [ثم يجعل له في هذه الحياة، في سنن هذا الكون، ما يمكن أن يصطدم به] هذا غير وارد، لا فيما خلقه كسنن، وجعله كسنن، ولا في تدبيره أيضاً، تدبيره الدائم بأنه حي قيوم سبحانه وتعالى، وعلى طول [هذه الحياة].
من يتأمل القرآن يجد أنه فعلاً يقطع كل الأعذار، ولا يبقي مجـال لأي تساؤل حول عندما يقول الناس: [ما جهدنا، وأعداؤنا أقوياء، الدنيا قد هي كذا، الدنيا قد هي كذا..] كلها يرفضها، كل العوائق تراها من نفوسنا نحن، لا نتفهم كتاب الله، ونترك أمامنا دائماً قائمة من هذه المفاهيم المعوجة، الأفكار المعوجة التي تجعل هذه الحياة، تجعل هذه الأرض مليئة بالمطبات أمام دين الله.
ومن أغرب ما يقال مثلاً: [الدنيا قد هي ملان نفاق، والدنيا هذه ملان كفر وما باستطاعتنا نعمل شيء] ويقدم الدنيا بالشكل الذي لا يمكن أن تكون ساحة للعمل في سبيل الله، ولا ننطلق للعمل لإعلاء كلمة الله إلا إذا ما فيها شيء من هذا! إذا كانت الدنيا هذه كلها مليئة بأولياء الله فما الذي يبقى لهم أن يعملوا! ما الذي سيفعلون؟!.
إذاً فليفهم الناس هذه الإشكالية؛ لأنها فعلاًً من أكثر ما يهيمن على نفسيات الناس. فعندما يتحرك واحد في أوساط الناس كم تسمع من مفاهيم معوجة! وعندما تسمعها فهم يتحدثون عن الحياة، أليس كذلك؟ [الدنيا كذا والدنيا ملان أعداء، والدنيا ملان مفسدين، وأعداؤنا معهم أسلحة، ومعهم طائرات، ومعهم، ومعهم… الخ] أليسوا يتحدثون عن الحياة أنها ملان عوج، ومطبات؟!.
لكن من يسيرون على هدي كتابه لن يجدوا أيَّ مطب يصنعه هو، أن يكون قد صنعه هو سبحانه وتعالى هو في الحياة أبداً، ولا في تدبيره، بل يصنع ماذا؟ يصنع المتغيرات، ويهيئ الأجواء أمام أوليائه إذا انطلقوا على هديه. هذه القضية مما أكد عليها القرآن الكريم، وخاصة في هذه السورة، سورة [الكهف].
إذاً القرآن هو قيِّم، يرسم طريقاً مستقيماً، ويستقيم بمن يسيرون على هديه، ما ترى عوج، إنما تراه في عملهم هم، في عملهم وهم يسيرون على هدي القرآن، لا يكونون من النوع الذي دائماً يعملوا شيئا ثم يكتشفوا خطأ، عملوا شيئاً في ثاني مرحلة ثم اكتشفوا أخطاء، وأنهم كانوا مخطئين، وأنهم كانوا غالطين.
هذا لا يحصل لمن يسيرون على كتاب الله، وكمثال عملنا هذا الذي يتمثل في رفع شعارات، وتوعية، واهتمام بقضايا من هذه، على نحو ما يقارب من سنتين، عندما انطلقنا على أساس كتاب الله، وعلى أساس الإهتداء بكتاب الله، ألم نجد كل الأحداث تشهد بأهمية هذا العمل؟ وهل أحد منا ندم في هذا العمل، على أساس أننا كنا غافلين، عندما رفعنا شعار واتضح إن ما كان هناك حاجة إلى أن يرفعوه؟!. لا.
تجد كلما مشت من الأحداث، كلما ظهرت أهميته أكثر فأكثر، وكلما تقدمت الأيام، وأيضاً ظهرت متغيرات أخرى، كلما ظهر أهمية أن ننطلق في هذا العمل بجدية، وأن ينطلق الناس أيضاً معنا في هذا العمل، وأنه فعلاً من يسيرون على هدي الله، وهدي كتابه، لا يكتشفون أنفسهم أنهم سلكوا طرقاً ثم ندموا في سلوكها، أنهم تبنوا أشياء، ثم ندموا على تبنيها؛ تجدهم دائماً يلجموا، أخطاء، يخطي ويصحح، ويخطي ويصحح دائماً!.
تأتي هذه الأحداث من خلال تحرك الأمريكيين، تحرك الإسرائيليين، تحرك دول الغرب هذه. من يتأملها بنظرة قرآنية لا يمكن أن يحصل لديه إحباط، ولا يحصل لديه يأس، بل يمكن أن يرى هذه الفترة من أفضل، وأحسن الفترات بالنسبة للإسلام، لمن يعرفون كيف يتحركون في سبيل الإسلام، فعلاً.
ومن لا ينظرون نظرة قرآنية، يجدوها فترة مظلمة، وفترة رهيبة. هي فعلاً رهيبة، وخطيرة، لكن لمن لا يتحركون على هدي القرآن، فهي خطيرة، ورهيبة فعلاً، هنا في الدنيا، وفي الآخرة.
أما من يسيرون على هدي الله، على هدي كتابه – على حسب فهمنا، وتقييمنا – أنها من أفضل المراحل في تاريخ هذه الأمة، لمن يعملون في سبيل الله فقط، لمن يتحركون في سبيل الله، وعلى أساس كتابه.
وأنها يبدو ليست مرحلة من سنة، أو سنتين، بل ربما قد تكون من نحو عشر سنين تقريباً، من نحو عشر سنوات بدأت متغيرات بشكل عجيب في هذه الدنيا. ولكن ما أسوأ حال من يعرضون عن كتاب الله، في مرحلة كهذه.! وبدأت مؤشرات سوء الحال، وسوء المصير، عندما اتجه الأمريكيون للاستيلاء على صياغة المناهج، وإنزال المناهج التربوية، وحتى السيطرة على المساجد في معظم الدول العربية، ثم لا تسمع كلمة، ولا تسمع أي ممانعة، ولا تسمع معارضة. هذه حالة خطيرة جداً على الناس، حالة خطيرة جداً على الناس.
كما قلنا أكثر من مرة: من أسوأ ما في هذه بالنسبة للناس أننا جئنا من جديد نمكن بني إسرائيل من كتابنا، من تثقيف أنفسنا، من تثقيف أولادنا؛ ليحرِّفوا، ليخفوا الكثير منه، وهم من قد نزع الله من بين أيديهم كتبه، ووراثة كتبه، وأنبيائه، فهل نمكنهم نحن؟!.
هذا من أسوأ المواقف التي تدل على أن القرآن الكريم الذي يمجد الله نفسه، ويثني على نفسه بإنزاله إلينا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} وإذا بالمسلمين اليوم يريدون أن يسلِّموا هذا الكتاب إلى بني إسرائيل، الذين قد حرَّفوا التوراة، والإنجيل؛ ليخفوا منه ما يريدون، ويجعلونه قراطيس يبدونها، ويخفون كثيراً.
ألسنا نسمع أخباراً بأنهم يريدون أن يخفوا آيات الجهاد، والآيات التي عن بني إسرائيل، وآيات مدري ماذا! يطلع لك نصف القرآن يخفونه عن الناس! هذا يعتبر من الكفر الرهيب، من الكفر الرهيب بهذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على عباده: القرآن.
لأنه في كثير من الآيات يبين عظمة هذا القرآن، وأنه نعمة كبيرة على عباده، أنه يثنى سبحانه وتعالى على نفسه بإنزاله، {الْحَمْدُ لِلَّهِ} يعني: كل الحمد، وكل الثناء، وكل المجد لله {الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}، والذي هو في نفس الوقت أيضاً لم يجعل عوجاً أمام هذا الكتاب في سنن الحياة، ولا في تدبيره هو، فيصطدم بها.
وجعله قيِّما لمن يسيرون على نهجه، يرسم الطريق المستقيم، والمواقف المستقيمة، والرؤى المستقيمة، والمفاهيم المستقيمة.
الكثير من الناس الآن ممتلئة أفكارهم بمفاهيم معوجَّة، فمن كان هناك لديه مفاهيم معوجة، فمعنى هذا أنه لابد أن يعود إلى القرآن، القرآن هذا القيِّم، الذي يقوِّم أي اعوجاج، يقوِّم أي اعوجاج في النفوس، أي اعوجاج في الآراء، في المفاهيم، في الأفكار، في الطرق، فهو يقوِّمها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة آيات من سورة الكهف
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: الجمعة 29/8/2003م
اليمن – صعدة