الدين مواقف
أفق نيوز | من هدي القرآن |
يجب أن نفهم علاقة الدين بنا، وحاجتنا الماسة، والشديدة إلى الدين الذي يعني: هدي من الله لنا في هذه الحياة؛ لنكون سعداء. الله ما خلق الإنسان في هذه الدنيا ليشقى، هل تعرفون هذه؟ لا يأتي الشقاء إلا من الإعراض عن دين الله، لا يأتي الشقاء في هذه الدنيا إلا بما صنعه المعرضون عن هدي الله.
ليس فقط سيقولون لك: [إن الله خلق الدنيا هكذا تعيبة، ومتعبة، ومصائب، وبلاوي، وشقاء…] وأشياء من هذه، لا، الله خلق هذه الدنيا كحياة للإنسان؛ ليسعد فيها، والقرآن الكريم يؤكد هذا في أكثر من آية.
وهذه الآية نفسها هي واضحة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) ماذا يعني يشقى؟ لا يشقى كما شقي آدم عندما أخرج من الجنة. ألم يكن في جنة جعل الله له جنة يعيش فيها حياة سعيدة، وعيشة واسعة.
ولكن عندما خالف ما نهاه الله عنه شقي، ألم يشق؟ يعني أخرج من تلك الجنة، حتى نزعوا عنهم ملابسهم، وينزل يدبر نفسه، يتعلم كيف يحرث، ويزرع، وكيف ينسج له لباس، ما عاد تستر إلا بورق من ورق الجنة يغطون على عوراتهم بها! فعلاً ليس المعنى أنه لباس التقوى، {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا}(الأعراف27) يعني: لباس التقوى، لا، هذه قضية حقيقية، أن الله يؤكد فيها أن الناس ما يشقوا في هذه الحياة إلا بسبب إعراضهم عن هديه؛ لهذا فالأعداء الأذكياء، الأعداء الأذكياء، الخبثاء أشد عداوة، هم من يتجهون إلى ضرب الدين، أي إلى فصلنا عن ديننا، وهذا العمل الذي يعمل عليه إبليس على مدى آلاف السنين؛ ليضربنا في أهم قضية يتوقف عليها سعادتنا في الدنيا وفي الآخرة.
فيجب على الإنسان أن يكون واعياً، ومنزعجاً جداً عندما يسمع أن هناك توجه لحرب الدين، أن تعرف أنهم يحاربونك في أهم مفصل، ويضربونك في أهم موقع بالنسبة لحياتك كلها، في الدنيا وفي الآخرة.
كثير من الناس يسمع بحرب للدين [وامانة الدين والدين] وعنده في ستين داهية الدين، عنده الدين هناك حاجة ثانية، وهذا – مثلما قلنا أكثر من مرة – هذا مثل واضح فعلاً أنهم بتوجههم إلى السيطرة على مناهجنا الثقافية، أنهـم محاربين لديننا. أليس هكذا؟ وأن توجههم إلى هذه النقطة هم يعرفون بأنها أهم نقطة يتوجهون إليها، فإذا ما تمكنوا منها تمكنوا من كل شيء بالنسبة لنا، وضيعونا في الدنيا، وفي الآخرة.
لأنه بالنسبة للآخرة ما الله حكى عنهم أنهم قالوا: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة111) يريدون أن يتحكموا في الدنيا، وعندهم أنهم أيضاً سيتحكمون في الجنة! ما يريدوا أن يروا عرباً قبلهم في الجنة نهائياً إذا دخلوا، يتصورون أنهم سيدخلون هم، لا يريدون أن يرونا قبلهم، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
هنا يقول في الآية هذه: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ}(الكهف1-2)؛ لأنه سيأتي بالحديث عن ناس انطلقوا في سبيله، وهم أصحاب الكهف، انطلقوا بموقف قوي، أعلنوا فيه إيمانهم بالله الواحد القهار، أعلنوا فيه إيمانهم بالله وحده، وكفرهم بكل ما يعبد قومهم من آلهة أخرى، بموقف علني، وموقف قوي.
إذاً فالقرآن هذا نفسه لينذر بأسا شديدا من لدن الله ألم يقل هكذا: {لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ}؛ لأن الكثير من الناس أمام العمل في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، دائماً يخافون بأس الآخرين، أليس هكذا؟ يخاف أن يسجنوه، يخاف أن يلحقه شيء، يخاف أنه يقتل، يخاف، يخاف.. الخ.
يقول له: أن الشيء الذي يجب أن يخافه الناس هو البأس الشديد من لدنه، من الله، وليس مما لدن الآخرين. {لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ} وبأس في الدنيا، وبأسا في الآخرة أشد من باس أي طرف آخر، أو أشد من أي باس من لدن الآخرين، الذين نخاف منهم فنقعد عن التحرك لنصر الله، وإعلاء كلمته، ومواجهة أعدائه.
ما هذه وحدها عالجت إشكالية ثانية لدينا؟ ما يقعد الناس عن التحرك في سبيل الله إلا مفاهيم معوجة، ونظرة أن الحياة هذه معوجة من عند الله! هذه واحدة أبعدها {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}.
ما يقعد الناس أيضاً عن التحرك في سبيل الله إلا الخوف من بأس الآخرين، البأس الذي يأتي من لدن الآخرين، من لدن الأمريكيين، من لدن دولة، من لدن إسرائيل، من لدن أي شخص كان، أو أي جهة كانت، أليس هذا هو الذي يقعد الناس؟ قل وهذه واحدة.
نجد أن الله يذكِّرنا بأنه لا، وأن البأس الشديد الذي يجب أن نخافه هو البأس الشديد الذي من لدنه هو، أما ما كان من لدن الآخرين لا يمثل شيئاً، وهذا شيء معلوم، حتى تعرف البأس الشديد من لدنه في هذه الدنيا أنظر إلى ما توعد به من أعرضوا عن ذكره، ما توعد به من أصبحوا أولياء لأعدائه، ما توعد به المفرطين في مسئوليتهم، في إعلاء كلمته، خزي شديد في الدنيا، ذلة، قهر، إهانة، معيشة ضنكا في الدنيا، وفي الآخرة سوء الحساب، وجهنم.
أليس هذا بأس شديد؟ يوم واحد في جهنم أشد من مائة سنة عذاب في الدنيا هذه، في زنزانة، أو في سجن كيفما كان، أن يوم واحد في جهنم أشد {لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ}، وفي نفس الوقت: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ}(الكهف2) من انطلقوا يخافون البأس الشديد من لدن الله فيما إذا فرطوا، وقصروا. هل جلسوا يتخوفون من الآخرين، ويرون الآخرين أكبر من الله؟.
هؤلاء انطلقوا فكان عملهم عمل هام، وما أعد الله لهم من الثواب العظيم في الدنيا، وفي الآخرة، بالشكل الذي يقول فيه: {وَيُبَشِّرَ} والبشارة لا تأتي إلا بالشيء العظيم بالنسبة لك، {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ}، ينطلق في العمل الصالح؛ ولأنه عمل صالح يرضي الله، ولأنه عمل صالح في سبيل إعلاء كلمة الله، ينطلق فيه، لا يحاول أن يذهب أولاً يسأل سيدي فلان، أو سيدنا فلان [هو قد وجب علينا نرفع شعار؟ الشعار هذا واجب؟] لا، المؤمنون الذين ينطلقون لمجرد أن يعرف أن هذا عمل صالح يرضي الله يتحرك فيه.
أما الآخرون فما يعبروا فعلاً عن صلاحهم، إنما يعبر عن أنه ماذا؟ لا علاقة له بالله، إلا علاقة إذا يعني أنه يحاول إذا قد الشيء لم يعد منه مجال، قد هو خائف أ ن الباري سيضربه، فلا بأس سيتحرك فيه.
ولكن أنه أحياناً قد يكون الزمن بالشكل الذي لم تعد الإشكالية عند من ينطلق يسأل، بل عند المسئول نفسه، من تسأله، قد هناك إشكالية عنده، يقول لك: لا، ما قد وجب، بعضهم؛ لأن قد هناك خلل، خلل في ثقافتنا، خلل في معلوماتنا، بحيث لم يعد يتذكر أن هذا الشيء قد يمكن أن يكون واجباً وهاماً، من الواجبات الهامة.
إذاً هذا فيما يتعلق بالقرآن، فيما يتعلق بإزاحة بعض الأشياء التي تعتبر عائقاً أمام العمل بالقرآن؛ لإعلاء كلمته.
ننتقل إلى آية أخرى، وهي قول الله تعالى لنبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} ماذا يعني: البخع؟ هو أن تقد بطنك بسلاح، هذا معنى البخع، يعني من شدة أساه، وأسفه، أن قومه ما رضيوا يهتدوا بهذا القرآن، ولا يستمعوا له، ولا يسيروا على هديه، من شدة أسفه.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرف عظمة هذا القرآن، وهو إنسان رحيم بالناس، حريص على الناس، يحب للناس الخير إلى أقصى درجاته، حتى أولئك الأعداء الذين يواجهوه؛ لأنه عرف أنه رسول للعالمين، وما يزال الكثير من الناس معاندين، ومع هذا لشدة أسفه أنهم ما رضيوا يهتدوا يكاد أن يقتل نفسه لشدة أساه.
لاحظوا كيف موقفنا نحن، ما هناك أحد ممكن أنه يدفعه أسفه إلى أنه يتعاون بأبسط شيء من أجل القرآن فضلاً عن أن يقتل نفسه، أو ينطلق في عمل من أجل إعلاء كلمة هذا القرآن.
{إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي بهذا الكتاب {أَسَفاً} عليهم؛ ولهذا أنه يجب علينا – إذا كنا متأسين برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – أن ننطلق ولو بجزء، ونحن نحمل جزءاً من نفسيته، من اهتماماته، من إخلاصه، من حرصه، من صموده، من قوته.
فهنا يكشف لك نفسية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ ولهذا كما نقول: إن القرآن الكريم هو أهم مصدر لمعرفة سيرة النبي، القرآن يعرِّفك حتى على مشاعر النبي، ونفسية النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومواقفه. فهو يعتبر من أهم المصادر للتعرف على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
القرآن الكريم أهم من كتب السير، كتب السير هي تتحدث عن أحداث تاريخية، أحداث، مثل: معركة كذا، كانت في يوم كذا، بتاريخ كذا، وأدت إلى كذا، في سنة كذا، و.. الخ.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(الكهف7) هذه أيضاً قد تكون من العوائق بالنسبة لكثير من الناس، الذين لا يفهمون ماذا تعني الحياة الدنيا، وماذا تعني الحياة الآخرة، كمجموعة مظاهر، مما هي زينة في هذه الحياة، تشده أن يخلد إليها.
ينسى أن هذه الحياة هي فترة محدودة، وأنه قد يضيَّع بسبب الإنشداد النفسي إليها، قد يضيع الحياة العظيمة الآخرة، الحياة الطويلة، في أرقى نعيم، يضيِّع الجنة.
فهذه هي زينة لها في هذه الحياة، ويتمتع الإنسان بها في هذه الحياة، لكن لا يجوز أن تشكل عائقاً أمام الحياة الأخرى؛ لأن هذه ستكون خسارة، تتعمر ولو مائة وعشرين سنة، ولو مائة وعشرين سنة، في أرقى نعيم في هذه الدنيا، وبعدها تموت، وبعدها تدخل جهنم، ما هي تعتبر خسارة كبيرة؟.
لكن نتفهم ما هي الحياة هذه، إذا الناس فعلاً نظروا إلى هذه الحياة نظرة صحيحة، وواقعية تعيش، ومهما تمتلك في هذه الدنيا لا يعد بالإمكان أن يعيقك؛ لأنك ترى نفسك أمام حياتين: الحياة الدنيا هذه، والحياة الآخرة.
تفترض أنك في أرقى نعيم، أنك ملك لهذه الدنيا كلها، هي بيدك، أنك تعتبر خاسر، إذا كان تصرفك فيها بالشكل الذي يجعلك تخسر الجنة؛ لأن الجنة نعيم عظيم، ودائم ملايين السنين، مليارات السنين، ما تنقطع.
ولهذه التي هي من مظاهر الحياة، وزينة الحياة أيضاً لها دور هام في تبين من هو الأحسن عملاً {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أحسن عملاً، أحسن إنتاجاً، أحسن في عمارته للحياة هذه، يعني: لها دخل في عمارة الحياة، لها دخل في إعلاء كلمة الله، في نشر دين الله.
أليس هذا شيئاً معلوماً، أن مظاهر الحياة هذه لها دخل في هذا الموضوع، أنت عندما تريد أن تتحرك في سبيل الله ما هو بيظهر أمامك حاجة إلى قائمة طويلة عريضة من مظاهر هذه الحياة؟ أنت تريد أموال، تريد أجهزة، تريد آليات، تريد أسلحة.
يظهر أمامك مجموعة أشياء من مظاهر الحياة، تكون محتاجاً إليها في التحرك لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، فمعنى هذا أن ما يمتلك الناس في هذه الدنيا، أن يفهموا أن له علاقة قوية بماذا؟ بإعلاء كلمة الله؟ بنصر دين الله؟ بأن يكونوا أحسن عملاً؟ وفعلاً من يتحركون في هذا المجال، هم أحسن عملاً في الدنيا، وللدنيا، وللآخرة. من يتحركون في سبيل الله؛ من أجل إعلاء كلمة الله.
يبتليهم هو {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} يعني ما تنظر إلى ما عندك وكأنه مثل عندما [ينبذوا] للثور، الدنيا هذه ليست [نَبْذَة, نَبْذَة ثور] يأكل منها. حتى تلاحظوا بالنسبة للثور نفسه، عندما يأتي واحد يكلف امرأة تؤكّل الثور، ما هو يريد ليكون الثور أحسن عملاً؟ أو يقدم له [عَلَف]، ويتركه يأكل قليل ويرتاح، ويقدم له [عَلَف] جيِّد أليس من أجل أن يكون أحسن عملاً؟ عندما يكون يعمل عليه؟.
يجب أن نفهم أن الدنيا هذه إذا واحد فهم هذه الدنيا بشكل صحيح، لن ينشدّ إليها، لن ينشد إليها فعلاً، مهما ملك، ويمشيها بشكل صحيح {لنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} إذاً فتفهم بأن ما لديك من الممتلكات في هذه الدنيا، من مظاهر هذه الدنيا، أن المطلوب منك أن تتحرك بها، ومن خلالها؛ لتكون أحسن عملاً، يعني: ما هي [نَبْذَة] مثلما ينبذوا لدابة من الدواب، يأكل فقط.
وفي الأخير: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً}(الكهف8) في يوم من الأيام، بكل ما عليها من مظاهر، بكل ما عليها من أشياء، تصبح صعيداً، ما فيه أي شيء، لا نبات، ولا مطبات، هذا يوم القيامة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة آيات من سورة الكهف
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: الجمعة 29/8/2003م
اليمن – صعدة