أفق نيوز | هو أيضاً كما قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} (الأنعام:73) قوله الحق الذي لا يتخلف، قوله الحق الذي لا يمكن لأحد أن يفرض عليه أن يتخلف عن قوله، أو يحول بينه وبين تنفيذ قوله، ومعنى أن قوله الحق: هو الواقع الثابت الذي لا يتخلف، وهو الحق الذي لا باطل فيه، ولا ضلال فيه. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:73) له الملك في الدنيا, وله الملك في يوم ينفخ في الصور, في يوم القيامة، هو عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الخبير.
عندما نقرأ مثل هذه الآيات العظيمة، ليس المقصود فقط هو: أن تعرف أن الله هكذا, هو هكذا سبحانه وتعالى، لكن المطلوب ماذا ستترك هذه الآيات في نفسك من أثر، الله سبحانه وتعالى نزل كتابه الكريم، وكتابه كتاب هداية، كتاب يعمل على أن يهديك بأي وسيلة, فهو هنا لا يتحدث لمجرد الحديث عن عظمة الله سبحانه وتعالى فقط، بل ليقول لك: أنا هكذا.. فبي فثق، وعليّ فتوكل، وإياي فارجوا وهكذا.
عندما يقول عن نفسه سبحانه وتعالى: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.. فهل نجيب عليها بأن نقول: صح, نعم!. نعم هي حق، لكن لنرجع إلى أنفسنا, نبحث عن كيف نجعل لهذه الآيات العظيمة – التي تتحدث عن عظمة الله سبحانه وتعالى – أثراً عظيماً في نفوسنا، كيف نجعل نفوسنا تشعر بعظمة الله، فيعظم الله فيها، فيصغر ما دونه أمامها.
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (البقرة:117) مبتدعهما، أي هو لم يخلقهما على مخطط قدم له من جهة أخرى، أو عملهما على مثال عملته جهة أخرى، هو من ابتدعهما، هو من أوجدهما من حالة العدم على غير مثال احتذاه.
{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الأنعام:101) فأولئك الذين أدعو له ولداً, أو جعلوا أنفسهم أبناء له, اليهود والنصارى، اليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، الله كفّرهم بأقوالهم هذه, وسخر منهم: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} كيف يمكن أن يكون له ولد {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} ليس له زوجة، هو ليس بحاجة إلى ولد، هو بديع السموات والأرض، هو من لا يمكن أن يلد أو أن يكون مولوداً, لا يمكن إطلاقاً، لا يمكن أبداً أن يكون مولوداً، ولا يمكن أبداً أن يلد, أن ينجب؛ لأن هذا هو شأن المخلوقات، شأن المحدثات، تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
فكان من يقولون بأن لله ولداً كاليهود والنصارى الله كَفّرهم, ولعنهم بقولهم بأن لـه ولداً. وما نزال نسمع من إذاعات المبشرين, التبشير بالنصرانية يتحدثون عن المسيح أنه ابن الله، يتحدثون عنه بأنه ابن الله ويقولون: أنه مع أمه ومع الله إله واحد، واحد في ثلاثة! هذا كفر وجهل بالله سبحانه وتعالى.
كثير من الناس حول هذه المسألة لا يتعقل ما فيها من سوء حتى يرى بأن عليه أن ينزه الله منها، فنحن متى ما نزهنا الله ينزهه الكثير من منطلق إيماني: بأنه هكذا نزه نفسه، فنحن ننزه نفسه. لهذا متى ما سمع كثير من العوام إذا ما قلت لهم: فلان يقول: أن الله يُرَى! بعضهم لا يستنكر، لا تثيره هذه القضية، إلا إذا كان قد تعلم وعرف معرفة لا بأس.
الله سبحانه وتعالى عندما ينزه نفسه عن مشابهة خلقه، عندما ينزه نفسه عن أن يكون لـه ولد، أو يكون مولوداً، أو يكون لـه صاحبة، ينزه نفسه؛ لأنه لو كان على هذا النحو لكانت فيه دلائل الحدوث، ولو كانت فيه دلائل الحدوث لكان ذلك يعني: أن هناك طرفاً ثانياً أحدثه على هذه الكيفية التي هو عليها، فيكون ناقصاً محتاجاً، ويكون غيره أكمل منه.
كما هو الحال بالنسبة لنا، أليست فينا دلائل الحدوث؟ مِن تركيبنا على كيفية معينة، ووجودنا بعد حالة عدم، وكوننا مولودين من بطون أمهاتنا. أليس ذلك يدل على أننا محتاجون، أن هناك طرفاً ثانياً عمل هذا بنا؟ فنحن ناقصون بالنسبة له، نحن محتاجون إليه.. إذاً هو أكمل منا.. أليس كذلك؟.
فإذا كان يلزم من هذا من أن يكون له ولد، أو يكون مولوداً، أو تكون له صاحبة أن يكون مُحْدَثاً، وأن يكون محتاجاً، ويكون ناقصاً، فهذا يعني: أن هناك غيره من هو أكمل منه هو من أولده من آخر، أو مَن جعله على كيفية معينة قابلة لأن يلد فينجب فيكون ناقصاً.
ونحن نقول – كما تكرر في القرآن الكريم في آيات كثيرة – : إن من أعظم ما يؤكد عليه القرآن الكريم ويعمل على ترسيخه في النفوس هو: الشعور بكمال الله المطلق, أي هو من لا يحتاج أبداً إلى غيره، هو الكامل، فعندما نصفه ونسميه كما سمى نفسه ((عليم)) فهو العليم الذي لا يجهل شيئاً, هو الذي أحاط علمه بكل شيء, هو عالم الغيب والشهادة.
ومتى ما سمعناه يسمي نفسه بأنه قدير فإنه يقول: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(فصلت: من الآية39) لا يعجزه شيء، والقرآن الكريم عمل على ترسيخ مبدأ الكمال، كمال الله سبحانه وتعالى, وهو المبدأ الذي استطاع أن ينسف الشرك من نفوس العرب, عندما جاء ليقول لهم: إن الإله يجب أن يكون كاملاً، الإله الذي يستحق العبادة يجب أن يكون كاملاً كمالاً مطلقاً، أما إذا كان ناقصاً محتاجاً فغيره أكمل منه، إذاً فغيره أولى بالعبادة له منه، فتحدث عن أصنامهم بأنها لا تنفع ولا تضر، لا تسمع, لا تبصر.. ألم يتحدث في القرآن الكريم عن هذا كثيراً؟.
نبي الله إبراهيم عندما حطم تلك الأصنام؛ ليثير في نفوس قومه أن هذه الأصنام التي تعبدونها ناقصة قاصرة، لا تستطيع أن تنفع ولا تضر، لا تستطيع أن تدفع عن نفسها فكيف يمكن أن تدفع عنكم, فلماذا تعبدونها؟! إن من يجب أن تعبدوه هو الله سبحانه وتعالى الكامل, ذي الكمال المطلق، الذي لا أحد يستطيع أن يقهره، الذي إذا التجأت إليه نفعك، إذا خرجت عن نهجه وتجبرت عليه ضربك، ويستطيع أن يضربك، ويقول لك: بأن كل من في السموات والأرض جنود لـه: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح: من الآية4) {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} (الأنبياء:64) عرفوا أنه فعلاً أصنام تتحطم هي ناقصة، فكيف نعبدها، ماذا يمكن أن تعمل هذه الأصنام؟ من أي وجه تستحق العبادة؟ أيّ كمال لها تستحق به أن نعبدها، ونُخْضِع أنفسنا لها، ونثنيَ عليها.
وهكذا استطاع القرآن الكريم أن ينسف الشرك من نفوس العرب إلى الآن. هل هناك صنم في البلاد العربية ركزوه من جديد ليعبدوه؟ انتهى الموضوع؛ لأن كل واحد يتساءل لماذا أنصب صخرة, أو خشبة, أو تمثالاً فأعبده وأؤلهه, ماذا يمكن أن يعمل؟ لماذا أعبده؟ بأي وجه يستحق العبادة؟ أي كمال فيه يستحق أن أعبده، وأثني عليه، وأمجده، وأعظمه وأقدسه؟ انتهت.
فعندما نسمع أن من عقائدنا: أن الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيئاً, ولا يجوز أن يشبه شيئاً؛ لأن كل الأشياء غيره سبحانه وتعالى فيها دلائل الحدوث، فلو كان مشبهاً لأي شيء من مخلوقاته لكان قد أصبح ناقصاً محتاجاً كمثلها، ولكان هو في نفسه دليلاً على أن هناك طرفاً آخر هو أكمل منه، وهذا نسف للألوهية من أساسها، نسف لاستحقاقه الألوهية والربوبية من أساسها؛ لأننا سنقول فيما بعد: إذاً ذلك الذي منحك هذا الذي أنت عليه هو أجدر بالعبادة, هو أكمل منك. وتلاحظون أن مبدأ الكمال – أيضاً – هو مما رسخه الله سبحانه وتعالى في نفوسنا، فطرة فطر الناس عليها.
أنت في كل أعمالك تبحث عن الأكمل. أليس كذلك؟ أنت تريد أن تبني فيقال لك: فلان وفلان، وفلان, وفلان, فلان هو تعلم عند فلان. ستقول والله سأشوف فلان الذي علمه هو أبصر منه.. أليس كذلك. حتى وأنت تبحث عن زوجة تريد أن تبحث عن الزوجة الأكمل، عندما نقول نحن: أريد أن تكون طبيعتها جيدة, شكلها مقبول, ومن أسرة جيِّدة.. ألست هنا تبحث عن كمال؟. هكذا وأنت تريد أن تغرس شجرة قات ألست ستبحث عن الشجرة الجيدة؟ تقول ما نشتي نغرس حمار أو سواد نشتي نغرس قات زراق هو أحسن, وبيتحمل قطف, هو كذا, وكذا.. وأنت تريد أن تشتري ثور, أنت تبحث في السوق تبحث عن الثور الذي تجد فيه مميزات كمال بالنسبة له، وأنت تريد أن تبحث عن خياط كذلك تريد تبحث عن خياط يجيد الخياطة أي فيه صفات كمال أكمل من الآخر… دكاكين الخياطة واحد اثنين ثلاثة أربعة أنت تبحث عن من؟ عن خياط جيّد وهكذا. مبدأ الكمال, والبحث عن الأكمل هو من الفطر التي فطر الله الناس عليها، وهو ُسلَّم ينتهي بالله سبحانه وتعالى الكامل الكمال المطلق.
حتى عندما نصف شخصاً نقول: عالم كريم فاضل.. ما أنت تصفه بنوع من هذه الصفات التي تسمع الله سبحانه وتعالى يصف نفسه بها؟ لكن وفوق كل ذي علم عليم, إلى أن تنتهي إلى عند العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، عند من قال عن نفسه بأنه لا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا يعلمه، وهو في كتاب مبين، في علمه الذي لا يعزب عنه شيء والكمال المطلق لا يمكن أن يكون إلا لواحد، لا يمكن أن تفترض أن هناك اثنين كاملين, كل واحد منهما سيظهر ناقصاً بالنسبة للآخر، الكمال المطلق لا يمكن أن يكون إلا لواحد، وهو الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا كل ما يستلزم منه أن يكون الله مشابهاً لخلقه بما يعني هذا: أنه أصبح فيه دلائل أنه محدث ومحتاج إلى طرف آخر فهو من أكبر الكبائر عندما تعتقده بالنسبة لله سبحانه وتعالى؛ لأنه ماذا يعني؟ بأنك حكمت بنسف استحقاقه للألوهية من أساسها؛ ولهذا نحن نقول في عقائدنا: لا يجوز أن نقول: أن لله وجهاً, كما يقول الآخرون، وليس له يد, ليس له أعين كما يقول الآخرون، هذه آليات عملها لنا نحن الناقصين، نحن القاصرين، نحن المحتاجين.
لو قلنا بأن له وجهاً, وله يداً, وله رِجلاً حتى ولو قلنا كما يقولون: يليق به, وجه يليق به، يد تليق به، رِجْل تليق به.. هكذا يقولون. اسألهم: هل وجهه غير يده، ويده غير رجله؟ أم أن وجهه يده، ويده رجله, ورجله وجهه؟. سيقول لك: لا, هي بالطبع وجهه غير يده، ويده غير رجله؟ إذاً مَن الذي منحه وجهاً هو مغاير ليده، ويداً مغايرة لرجله، إذاً أثبتم له أعضاء, وإن كنتم تقولون بأننا لا نعرف كيفيتها، فالتنزيه لا يعني فقط بأنك تقول بأنك لا تعرف الكيفية التي عليها هذا الوجه الذي أثبتّه لله، أن تنفي عنه من الأساس أن يكون له عضو، أو يكون مركباً من أجزاء، أن يكون مؤلفاً، لا يصح؛ لماذا؟. لأن التركيب علامة من علامات الحدوث.
ماذا يعني الحدوث؟. أي أن هناك مَن منحه وجهه كما منحك وجهك، ومن منحه يده وجعلها في موضع في غير موضع وجهه, ولها أعمال غير أعمال وجهه، وله رِجْل لها أعمال غير أعمال يده، وموضعها غير موضع يده، كما هو الحال بالنسبة لنا أليس كذلك.
إذاً فهذه علامات الحدوث, إذاً هناك من منحه هذه الأشياء, إذاً فهو ناقص, ومن منحه هذه الأشياء هو أكمل منه، إذاً فليس رباً ولا إلهاً، أليست المسألة تنتهي إلى هذه؟ المسألة تنتهي في الأخير إلى كفر بالله؛ ولهذا أذكر أن أحد أعمامي (رحمة الله عليه) وهو السيد العلامة [حسين بن حسن الحوثي] وزع قبل سنوات فتوى يحكم فيها بكفر من يعتقد: أن الله يُرى, ويقول: أن الله يرى؛ لأنه هكذا تنتهي المسألة إلى هذا الحد؛ ولهذا نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن أن يكون له مشابه، وهنا نزه نفسه عن أن يكون له ولد, ألم ينزه نفسه هنا؟.
تأتي هذه الآيات تتحدث عن تنزيه لذاته سبحانه وتعالى لأنه هو {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الأنعام: من الآية101) هو من لا يحتاج – وهو يخلق ما يخلق ويفطر ما يفطر – إلى أن يعتمد على طرف آخر يسلمه مخططاً ليرسم عليه، أو يسْتَقْدِمَ نموذجاً فيصنِّع كمثله، هو مَن لا يحتاج إلى هذا، هو من ليس هناك غيره يمكن أن يعمل هذا؛ لأن كل ما سواه مخلوق، كل ما سواه محدث، هو الذي خلقه, هو الذي أحدثه, فهو مَن ابتدع السماوات والأرض، هو من لا يمكن أن يكون له ولد.
هل فهمنا الآن بأنها صفة نقص لو حكمنا بأن له ولداً؟ صفة نقص فيه نثبتها.. ما هي صفة النقص هذه؟ أي سنثبت بأنه ناقص. ما هو النقص؟ أننا أثبتنا أنه محتاج لطرف آخر، وأن الطرف الآخر هو أكمل منه، إذاً ونحن مفطورون على إعطاء الحق للأولي أليس كذلك؟ والتسليم للأكمل، سنقول: إن ذلك الذي هو من صنع الله على هذا النحو، أو منحه هذا الشيء هو الأكمل، إذاً فهو الأولى. فهذه تنسف التوحيد من أساسه، كفر, كفر شديد.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]