الله يريد أن نؤمن بالأمرين معا: غفور رحيم وشديد العقاب
أفق نيوز | من هدي القرآن |
الإيمان السائد بالله سبحانه وتعالى هو إيمان: (الله غفور رحيم) أليس كذلك؟ {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}[الحجر: 49-50] {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}[غافر: 3] أليس يريد أن نؤمن بالأمرين معاً؟: أنه غفور رحيم، وأن عذابه هو العذاب الأليم، أنه غفور رحيم، وأنه شديد العقاب، أنه {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}؟
أعمالنا في هذه الدنيا أليست تسير على شق واحد: هو شق: (الله غفور رحيم)؟ أليس هذا الذي يحصل؟ أيْ إيماننا ناقص بالنسبة لله سبحانه وتعالى؛ لأن الإيمان به ليس – فقط – إيماناً بمجرد وجوده. الإيمان به مرتبط بالإيمان برسوله، بكتبه، باليوم الآخر.
أن تكون مؤمناً بالله ثم لا تكون مؤمناً باليوم الآخر، أو تكون غافلاً عن اليوم الآخر، أو ناسياً لليوم الآخر، سيبدو إيمانك بالله سبحانه وتعالى ذاته ناقصاً؛ لأنك فقط آمنت بأنه هو الغفور الرحيم، وهو في نفس الوقت – كما وصف نفسه، أو كما سمَّى نفسه – : الملك، القدوس، السلام، المؤمن، العزيز، الجبار، المتكبر، هو غافر الذنب، هو شديد العقاب، كما قال: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} قل لهم: أنا هكذا؛ ليؤمنوا بي هكذا إيماناً كاملاً؛ لأن القضية مهمة. الإيمان بالله سبحانه وتعالى على هذا النحو الكامل هو ما يدفعني إلى أن أرغب إليه وأرهب منه، إلى أن أتقيه. والتقوى – لاحظوا – كيف التقوى في القرآن الكريم؟ تأتي بعبارة: {وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة: 197] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ}[التوبة: 119] {اتَّقُواْ اللَّهَ} تتكرر كثيراً.
أين يتجه الأمر بالتقوى؟ أين يتجه؟ إلى غفور رحيم، أو الاتقاء لأنه سبحانه وتعالى شديد العقاب؟ فلا تتحقق التقوى لدي إذا لم أؤمن بالله سبحانه وتعالى على هذا النحو.
أين موضع شدة عقابه؟ أين موضع جبروته وبطشه؟ هنا في الدنيا وفي الآخرة على أعلى مستوى، وأشد ما يمكن أن يكون، جهنم. إذاً فالإيمان بجهنم، الإيمان باليوم الآخر على هذا النحو الذي يجعلني خائفاً، هو نفسه الإيمان بأن الله شديد العقاب، الإيمان بأن عذابه هو العذاب الأليم، ومن هذا الطريق تأتي إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وليترسخ في نفسي الخوف من جهنم. ولهذا جاء في القرآن الكريم الآيات الكثيرة التي تتحدث عن تفاصيل جهنم بشكل رهيب.
القرآن الكريم تحدث عن وقودها فقال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة: 24] وقودها الناس والحجارة تصبح أنت مجرد وقود لجهنم من شدة العذاب – نعوذ بالله – تصبح أنت جزءًا من النار، وكتلة من النار، ووقودها الحجارة، الصخرات التي تتحول إلى جمرات متوهجة، نار ليست ذات درجة حرارة ثابتة بل هي نار متسعرة، ملتهبة، متسعرة فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}[النساء: 55] والعذاب فيها – نعوذ بالله منها – ليس فترة محدودة أو لعمر محدود قد ينتهي فينتهي الألم. الله يقول عن أهل جهنم وهم يُعذبون فيها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ}[النساء: 56] يقال: إن الجلد هو منطقة الإحساس، فالجلد هو الذي يحترق، فكلما احترق يبدل؛ ليبقى الألم مستمرًّا.
الآلام في الدنيا قد تصل إلى درجة أن تفقد وعيك، فتفقد إحساسك فتصبح في واقعك مرتاحاً غير متألم، لكن في جهنم لا يفقد الإنسان وعيه، ولا يتلاشى حتى ينتهي وجوده فيدخل في غيبوبة مطلقة فلا يعود يحس بشيء، بل يبقى يتألم، وكل عضو يفقده من احتراق في آنٍ يتجدد ذلك العضو من جديد.
جهنم الشيء المؤسف، والشيء العجيب من حالة الإنسان: أن تكون جهنم التي تحدث الله عن شدة عذابها، تحدث عن حالة أهلها السيئة، البالغة السوء، أن يكون اتجاه الناس إليها، اتجاه الناس، أغلب الناس إليها! وتلك الجنة التي تحدث عنها في كل كتبه، ووصفها لعباده، القليل منهم من يدخلها!
يقول عن جهنم، يبين لك أن من يدخلها هم أمم، أمة بعد أمة، وجيل بعد جيل: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاَءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 38] هذه الآية تشبه الآية الأخرى، لتدل على أن الأكثرية من البشر هم متجهون إلى النار {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}[يس: 60] هذا مما سيقوله الله سبحانه وتعالى لبني آدم يوم القيامة، فترى كيف الخطاب خطاب عام {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[يس: 60-63] أليس جزءًا من الكلام معهم؟ {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}[يس: 64].
قضية مؤسفة جداًً، وهذا هـو مـا كان يؤلِّم أنبياء الله في كل زمـان، وهـو مـا كان يظهر على الرسـول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) شدة تألمه، تحسُّره على الأمة، تلك الأمة التي يعيش في عصرها والأمة من بعده إلى آخر أيام الدنيا، متألم جداً ومهتم بأمرهم جداً، يعمل بأي طريقة أن يصرفهم عن جهنم.
ولهذا كان (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وكذلك كان أنبياء الله جميعاً يعملون بكل جد واجتهاد لنصح الناس، ويعانون، ويتعبون، ويعذبون، ويُشردون، ثم يُقتل كثير منهم وهم في جد في عملهم في إبعاد الناس عن جهنم، لكن لا ينفع؛ لأن الناس كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس: 62] أفلم تكونوا تعقلون: ما جاء من آيات في كتبي، ما جاءت به رسلي؟ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}[الأنعام: 130] أفلم تكونوا تعقلون ذلك الهدى؟ أفلم تكونوا تعقلون ذلك الهدى الذي فيه نجاتكم، الذي فيه إبعادكم من أن يضلكم الشيطان، من أن يدفع بكم جميعاً على هذا النحو: إلى أن تكونوا من أصحاب السعير؟ أفلم تكونوا تعقلون؟
هنا: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ} – أممٍ – أمة بعد أمة {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا}[الأعراف: 38] يتلاعنون (أنتم الذين أَضْلـَلْتُمونا، أنتم الذين عملتم كذا، لعنة الله عليكم..) هكذا يصبح أهل النار: حياتهم فيها حياة اللعن لبعضهم بعض، أصبحوا هناك عاقلين، أصبحوا فاهمين، أصبحوا كتلاً من الحقد على بعضهم بعض، خاصة الضعاف المستضعفين، تكون حسراتهم أشد، العذاب النفسي يكون عليهم أشد.
فالقرآن الكريم عرض ما يتعلق بالمستضعفين من هؤلاء الناس العوام، عامة الناس، البسطاء، هم أكثر الناس عذاباً نفسيًّا، تألماً وحسرات، هم لهم عذاب، لكن الحسرات التي تقطع القلوب تكون على المستضعفين، على الأتباع، على المساكين، المساكين – بتعبيرنا – فيما يتعلق بالمقارنة بين الكبار والصغار.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ملزمة معرفة الله وعده ووعيده الدرس التاسع
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 28/1/2002م
اليمن – صعدة