الانتخابات الأمريكية.. المقاومة لا تنتظر الدخان الأبيض من البيت الأسود
146
Share
أفق نيوز | يحلو لكثير من التحليلات المصاحبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية الربط بين مصير الحرب الراهنة في المنطقة وبين الرئيس الأمريكي القادم. كما يشيع تحليل مفاده أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يكسب الوقت حتى يصل لعتبة إعلان اسم الرئيس الأمريكي القادم وأنه ينتظر نجاح ترامب، كونه عونًا وسندًا لخططه.
بالرغم من أن الإدارات الأمريكية، مهما كان لونها وحزبها ورئيسها، تعمل لمصلحة الصهيوني، ومع أن الرئيس بايدن الذي أعلن صهيونيته قدم للكيان ما يصعب تقزيمه أو توقع استكمال نواقصه، فإنه قد يمكن تفهم انتظار الكيان لرئيس بعينه من منطلق إخراج المشهد فقط بشكل يلائم الصورة الأمريكية الدعائية التي يراد تصديرها.
إلا أن المستغرب، هو ما يشاع عن انتظار جبهات المقاومة للانتخابات ونتائجها، بدعوى أنها تخشى نجاح “ترامب” وتفضل نجاح “هاريس”، إلى درجة أن يستخدم ترامب في حملته الدعائية أن إيران تتجسس عليه لمصلحة هاريس، وكل هذه الخرافات، وهو ما يشكل أكذوبة تتطلب بيان زيفها وأضاليلها وتهافتها.
في هذا الصدد؛ نرى مناقشة هذه الخرافة من عدة زوايا وحقائق سياسية:
1- المساعدات الأمريكية لا تتوقف على حزب حاكم :
العدو “الإسرائيلي” هو أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقا للأرقام الرسمية الأميركية، فقد بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة للكيان، بين عامي 1946 و2023، نحو 158.6 مليار دولار، على شكل مساعدات مباشرة، ونحو 130 مليار بشكل غير مباشر. وبشكل عام، وبحسب بيانات “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” فإن حجم المساعدات أكبر بكثير مما جاء في التقديرات الرسمية.
هذا المدى الزمني شهد تعاقبًا للإدارات الديمقراطية والجمهورية ولم يتأثر الدعم بنوع الحزب ولا شخص الرئيس. يضاف إلى ذلك الدعم السياسي والغطاء لجرائم الحرب كافة والحماية القنونية التي تخطت 46 فيتو في مجلس الأمن.
هذا؛ ومنذ نشأة الكيان، وعندما اعترفت أميركا به- وهي أول دولة تعترف بالكيان- عبر بيان الرئيس ترومان الديمقراطي، كان كل رئيس أميركي يؤكّد بعد تنصيبه التزامه بأمن “إسرائيل” واستقرارها، وهو التزام غير مرتبط بالحزب الحاكم، بل هو قضية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإستراتيجية العامة للولايات المتحدة.
تاليًا؛ المقاومة تعي جيدًا أن أمن الكيان هو التزام رئاسي أمريكي، فلا معنى لانتظار رئيس دون رئيس أو حزب دون حزب.
2- الجناح العسكري الأمريكي والجناح السياسي في البيت الابيض:
من واقع التاريخ المشترك للحزبين المتناوبين على حكم أميركا وخدماتهما الجليلة للكيان، ومن واقع الحقائق المنطقية التي تقول إنّ قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة لا يمكن أن تترك قرارها الاستراتيجي المتعلق بنفوذها الإمبراطوري بيد رئيس أو حزب حاكم.
في المحصلة؛ هي وجود نخبة لصناعة القرار الاستراتيجي الإمبراطوري وإدارة المصالح العسكرية والاقتصادية، يسميها البعض “الدولة العميقة”. ويمكن أن نطلق عليها “الجناح العسكري الأمريكي”، في مقابل جناح سياسي يحاول تصدر المشهد واخراجه، تارة بصورة محافظة، وتارة بصورة يسارية، وجوهر التمايز بينهما يكمن في القضايا الداخلية، بينما يضيق الهامش في السياسة الخارجية، والتي يظهر سيطرة الجناح العسكري عليها بشكل أوضح.
في هذا السياق؛ المقاومة هي مشروع مناهض للهيمنة؛ وهي تتعاطى مباشرة مع عصبة صناعة الهيمنة وإدارتها، أي مع الجناح العسكري الأمريكي العابر للأحزاب والرؤساء، فلا تنتظر المقاومة في أميركا انتخابات ولا أحزاب ولا رؤساء.
3- المشروع التصفوي للقضية مشترك بين ترامب وهاريس:
إذا انتقلنا إلى الأسماء المشار إليها تحديدًا في الانتخابات الأمريكية، حتى بمعزل عما سبق، فإنّ كلا المرشحين يحمل مشروعًا تصفويًا للقضية، ولا توجد نقطة التقاء بين أي منهما مع المقاومة. فقد حمل ترامب على عاتقه مشروعًا أسماه “صفقة القرن”، يقضي بتفريغ كامل لجوهر القضية عبر صفقة تنازل عربي شامل، حيث التطبيع الشامل مع العدو تحت مسمى “اتفاقات إبراهيمية” وحصار شامل وعزلة للمقاومة، وترجمة ذلك عسكريًا بحلف على غرار الناتو اشتهر بـــــــ”الناتو العربي” لتنسيق الحماية لأمن الكيان.
هذا؛ بينما تحمل هاريس مشروع بايدن ذاته القائم على تصفية القضية بشكل يبدو أكثر ديمقراطية، عبر الوعد المفتوح بحل الدولتين، مع أن إدارة بايدن استخدمت الفيتو على قرار الاعتراف بفلسطين دولةً في الأمم المتحدة، ويقوم المشروع على نهج “كامب ديفيد” نفسه بالخلاص من فكرة المقاومة والهدنة الطويلة لأجال غير مسماة، مع الوعد بهيكل شكلي لدويلة مقطعة الأوصال ومنزوعة السلاح والإرادة.
تاليًا؛ كيف تنتظر المقاومة أيًا منهما، وهي التي لا تعترف بالكيان ومشروعها هو حرية فلسطين من النهر إلى البحر؟
قد يحلو لبعض الدعايات الزج باسم الجمهورية الإسلامية في هذا الانتظار زعمًا للتسوية والعودة للاتفاق النووي، وهو ما يتطلب سؤالاً عن السنوات الأربعة الماضية ومنها ثلاثة على الأقل قبل التوترات واندلاع “طوفان الأقصى”، ولماذا لم تحدث هذه التسويات؟
إن المقاومة وجبهاتها لديهم مشروع تحرري وبوصلة ثابتة، ولديهم وعي وتوصيف بحقيقة القائد الفعلي للعدوان الصهيوني والمتسبب الرئيسي في كل أزمات المنطقة.. والمقاومة لا تنتظر تصاعد الدخان الابيض من البيت الاسود ولا تنتظر هذا أو ذاك لتعوّل عليه في قضيتها، بل ربما تنتظر هذا أو ذاك لتعرف من سيتصدر واجهة العداء ومن هو عدوها القادم.