حقيقة التحالف الإسلامي: إرادةٌ أمريكيةٌ وسط مباركة اسرائيلية ومخططات الدم طائفية ( تحليل )
231
Share
كتب/ حسين الجنيد
في نسخةٍ إسلاميةٍ أطلقت السعودية تحالفها الجديد، بقيادةٍ أمريكية، ومباركةٍ إسرائيلية، تحت عنوان مواجهة الإرهاب، تغيب عن هذا التحالف كل الدول التي تعاني من الإرهاب وعرف عنها محاربتها له، مراقبون عدوها خطوة متقدمة لإشعال الحرب الطائفية في المنطقة والتي يجري التحضير لها على نارٍ هادئةٍ في المطبخ الأمريكي؛ كون التحالف لم يضم سوى دول السنة حسب تعبير الكيان الإسرائيلي، والإدارة الأمريكية.
في سياقٍ مشابهٍ لتحالف العدوان على اليمن، أعلنت السعوديةُ عن تشكيل تحالفٍ عسكري جديد أطلقت عليه اسم “التحالف الإسلامي” في فترةٍ قياسيةٍ لم تتجاوز 24 ساعة، ضم 34 دولةً إسلامية، تقول بعض المصادر إن معظم الدول المشاركة فيه، لم يتم إبلاغها إلا بعد الإعلان عنه، وشملت قائمةُ الدول في هذا التحالف 17 دولةً عربيةً على رأسها السعودية والتي قدمت نفسها قائدةً لهذا التحالف، إضافةً إلى الإمارات والأردن والبحرين وتونس والسودان والصومال وفلسطين وقطر والكويت ولبنان وليبيا ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن وجمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، فيما شاركت من الدول الإسلامية 17 دولةً، هي باكستان وبنجلاديش وبنين وتركيا وتشاد وتوغو وجيبوتي والسنغال وسيراليون والغابون وغينيا وكوت دي فوار والمالديف ومالي وماليزيا والنيجر ونيجيريا.
ومن الملاحظ أن هذا التحالف غابت عنه إيران على الرغم من أنها بلدٌ إسلاميٌّ أكدت في كُلّ المناسبات الدولية استعدادها لمحارَبة الإرهاب، فعلى ما يبدو بأن الدولَ المشاركة خضعت لمعايير السياسة السعودية من حيث التصنيف المذهبي أثناء الاختيار، فعلى غرار إيران، تم إسقاط كلٍّ من سوريا والعراق من قائمة المشاركين، على الرغم أنهما تعدان على رأس قائمة الدول التي تعاني من خطر الإرهاب، وهذا ما جعل الكثير من المراقبين يصفون هذا التحالف “بالسُّني”؛ نظراً للرغبة وَالإرادة السعودية، ويعد أمراً أثار الكثير من الشكوك حول ماهية وحقيقة المساعي السعودية وراء هذا التحالف الجديد الذي تسعى لتشكيله.
قيادة أمريكية ومباركة صهيونية
وفي مؤتمرٍ صحفي له، عُقِدَ على هامش اجتماع دول التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بمقر حلف “الناتو” في بروكسل، صرّح عسيري الناطق الرسمي لتحالف دول العدوان على اليمن، “أن التحالف الإسلامي والذي تم تشكيله بدعوةٍ من المملكة سيكون تحت قيادةٍ أمريكية”، وهذا ما أثار سخرية الكثير من المراقبين والمهتمين، فكيف يكون تحالفاً إسلامياً في عنوانه ومضمونه وأهدافه، وتقوده وتتزعمه أمريكا!.
من جانبه، أكد نبيل نعيم، القيادي السابق بجماعة الجهاد، “أن هذا التحالف مجهول الملامح والأهداف، فهو لم يحدد الأرض التي سيعمل على مكافحة الإرهاب فيها، ونستغرب وجود أمريكا على رأس حربته، والحقيقة هي أن هذا التحالف جاء نتاجاً لدعوةٍ أمريكيةٍ، الغاية منها معروف، وهو إشعال الحرب الطائفية في المنطقة”.
وتزامناً مع الإعلان عن هذا التحالف، سارعت الصحافة الإسرائيلية بمباركته، ووصفته بحسب محللين سياسيين بالإنجاز الدبلوماسي العالمي من الدرجة الأولى، بغض النظر عن اختبار النتائج، وإذا ما كانت العمليات التي سيقوم بها هذا التحالف ستثبت فاعليتها، مقدرين أن المملكة العربية السعودية بهذه الخطوة، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها ماضيةٌ في قيادة العالم الإسلامي السُني.
وفي مقالٍ له نشرته صحيفة “يدعوت أحرنوت” كتب المحلل العسكري في الصحيفة “روي بن يشاي” تحليلاً مطولاً حول هذا التحالف وأهدافه وانعكاساته، وبنى رؤيته على أساس أن “الوقت قد حان لتشكيل تحالفٍ للدول السنية المعتدلة الصديقة، لمشاركتنا مواجهة الخطر الإرهابي والذي تدعمه وتموله ايران”.
الهروب من الهزيمة والفشل في اليمن
هذا وجاء الإعلانُ عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي، عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار في اليمن، وتدشين مؤتمر (جنيف2)، في تزامنٍ أثار موجةً من التساؤلات لدى الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين، فربط البعضُ منهم تشكيل هذا التحالف كتغطيةٍ لخزي الهزيمة التي واجتها السعودية وتحالفها “العربي” في اليمن، فلو كان انتصاراً، لأبقت السعودية على تحالفها القديم، وأكملت ما روّجت له في بداية العدوان بأن “عاصفة الحزم” ستمتدُّ إلى دمشق وحزب الله وصولاً إلى طهران.
بينما أرجأ البعض الآخر إنشاء هذا التحالف لعدة أسباب وعوامل أهمها، أن العدوان على اليمن لم ينجح في استفزاز إيران وجرها إلى المعركة؛ لتنقسم المنطقة على إثر المشاركة الإيرانية إلى خندقٍ سني تقوده السعودية وخندقٍ تقوده إيران وحلفاؤها المنتمين للمذهب الشيعي، فكان على الإدارة الأمريكية إيجاد طريقةٍ مثلى لتأسيس تكتلاتٍ مصنفةً على أساسٍ طائفي في المنطقة، فكانت فكرة التحالف الإسلامي والذي لن تجد فيه بعض الدول الإسلامية السنية أي حجةٍ للإنسحاب منه كما فعلت باكستان في مسألة تحالف العدوان على اليمن.
وجاءت تصريحات السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام في مقابلةٍ له على شبكة الـ CNN مؤكدةً هذا الطرح حيث صرح بإنشاء تحالفٍ إسلامي قبل أن تعلن عنه السعودية، حيث سأله المذيع عن “إمكانية محاربة الإرهاب دون التواجد على الأرض”، فأجابه السيناتور: “سيكون هناك تواجد على الأرض ولكن ليس بقواتنا بل بقوات دول إسلامية سنية ستشكل تحالفاً في القريب العاجل”، في تأكيدٍ واضحٍ منه، أن الإرادة الأمريكية هي التي تقف خلف إنشاء هذا التحالف.
الطبخة الأمريكية ومخطط الدم
وحسب ما ذكرته دراسات سياسية عديدة فإن أول من دعا إلي إشعال حرب طائفية في الشرق الأوسط هو الصهيوني «عوديد ينون» الذي عمل لفترة طويلة في المخابرات والخارجية الإسرائيلية، ففي عام 1982 طرح بينون ما عُرف بخطة ينون، ووقتها كانت لبنان تمزقها حروب الطوائف والملل، والخطة ببساطة تقوم على (لبننة) العالم الإسلامي كله، بإشعال الخلافات الطائفية من أجل تقسيم العراق لـ3 دول: شيعية – سنية – كردية، ومن بعد لبنان والعراق، مصر وليبيا والسودان وسوريا والمغرب العربي وإيران وتركيا والصومال وباكستان، استمد ينون واقعية مخططه من إشكالية أن الحدود العربية الحالية غير قابلة للدوام؛ مما يجعل الدول العربية أشبه ببيوت مبنية من أوراق اللعب، حسبما قال ينون.
وبعد ينون جاء برنارد لويس الذي عمل لسنوات طويلة أستاذاً لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون البريطانية، ففي عام 1992 طرح “برنارد” خططه لمنطقة الشرق الأوسط، ووقتها كانت العراق قد غزت الكويت فوقعت حرب الخليج الثانية، وحاصر العراق تحالف دولى بقيادة أمريكا وشاركها عرب مسلمون في قتال عرب مسلمين بشكل مباشر للمرة الأولى، ثم تواجدها العسكري غير المسبوق في دول الخليج.
وفي هذه الأجواء، خرجت خرائط برنارد لويس، التي تضمنت تقسيم المنطقة طبقًا لخطوط عرقية طائفية لغوية، وتضمنت الخرائط تقسيم العراق لـ3 دويلات: سنية وشيعية وكردية، مع ضم سيناء لإسرائيل، وبقاء سوريا موحدة دون تقسيم.
وتقوم خطة برنارد لويس على إشعال الصراعات الطائفية والعرقية، وتضمن الخطة إشعال 9 حروب في المنطقة، وعاشرتهم حرب البلقان في أوروبا التي توقع أن تمتد لشرق البحر المتوسط، تلك الحروب ستسرع عجلة تقسيم المنطقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية- إيرانية بمجرد هيمنة إيران على الدويلة العراقية الشيعية.
هذا بالضبط ما قاله برنارد لويس الذي قال أيضا أن هناك دولتين فقط، ينبغي الحفاظ على استقرارهما وقوتهما واستقلالهما والاعتماد عليهما وهما: إسرائيل وتركيا، والمثير للإستغراب، هو الإنسحاب التركي من التحالف الإسلامي بعد أن أعلنت المملكة مشاركة تركيا فيه، مما دفع ببعض المراقبين القول أن “تركيا انسحبت من التحالف بعد أن ألمحت أن هذا التحالف الغاية منه استهداف إيران بمواجهةٍ طائفيةٍ وجر المنطقة لهذه المواجهة، وتركيا ليست مستعدةً لخوض حرب ضد إيران حيث تجمعها بإيران مصالح إقتصادية كبيرة”، وذلك حسب ما نشره موقع الوفد الإخباري المصري.
ومن خلال المعطيات والوقائع التي أحاطت بهذا التحالف، خلص بعض المراقبين والمحللين السياسيين أن التحالف الإسلامي ليس سوى مشروع أمريكي تنفذه السعودية لإحداث فرزٍ شاملٍ في المنطقة على أساسٍ طائفي ولا علاقة له بمحاربة الإرهاب وإنما توظيفه تحت هذه العناوين من أجل تأجيج الصراع الطائفي والعرقي وإحداث الصدام بين التنظيمات الإرهابية السنية والفصائل المسلحة الشيعية المتشددة، وهو بالضبط ما تحدثت عنه بدايات مخطط الحرب الدينية في الشرق الأوسط.