بعد الفشل في لبنان، الأعداء يجربون المجرب في سوريا
لم تضع الحرب أوزارها بعد في غزة، لكن ملامح الهزيمة الاستراتيجية لكيان العدو الإسرائيلي بدأت تتجلى، ويظهر للعالم أجمع حقيقة أن هذا الكيان إلى زوال بإذن الله تعالى، وتلك حتمية يؤكدها القرآن ويعززها الصمود والثبات للمقاتلين من فصائل المقاومة الفلسطينية لنحو عام وثلاثة أشهر، وفرض حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار ليفضح بذلك نتنياهو ومجلس حربه الذي أرعد وأزبد وأسرف في بيع وتسويق الأوهام للمستوطنين بتغيير شكل الشرق الأوسط الجديد.
صور العائدين اللبنانيين إلى قراهم في الجنوب ومواكب سياراتهم ووصولهم إلى القرى الأمامية وخطوط التماس رغم التهديدات حظيت باهتمام لافت من إعلام العدو وأهالي الأسرى الصهاينة، في مقابل غياب صور عودة المستوطنين إلى الشمال؛ بسبب مماطلة حكومتهم التي وعدتهم بالانتصار المطلق في لبنان وقبلها غزة.
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، يمثل لمحور الجهاد والمقاومة بمن فيهم الفصائل الفلسطينية، انتصارًا ميدانيًا، كبيرًا رغم ما قدمه الحزب من خسائر جسيمة كان أكثرها إيلاما استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهذا لا يعني أن المعركة توقفت أو أن التهديدات على أمن لبنان واستقراره انتهت، فالعدو يواصل منع أهالي أكثر من ستين بلدة لبنانية حدودية من العودة إلى منازلهم، ومتكئًا إلى الموقف الأمريكي يواصل التلويح بعودة الحرب، مع إعلان القيادة الوسطى الأمريكية وصول “الجنرال جاسبر جيفيرز” من قيادة العمليات الخاصة إلى بيروت للعمل كرئيس مارك لما يسمى آلية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وهذا الأمر يفرض على الجميع الاستعداد والتنبه لموجة جديدة من التصعيد، في حين أن المطلوب من جبهتي اليمن والعراق البناء على ما حققته الجبهة اللبنانية والتوجه للتصعيد أكثر ولا سيما من جبهتي العراق واليمن”، وهذا ما شدد عليه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطاب الخميس الماضي.
“الظروف الراهنة مهمة للغاية وحساسة جدًا، وما يزيد حساسيتها هو تصعيد الجماعات التكفيرية في حلب السورية ضمن مخطط تكفيري يخدم المصالح الأمريكية والأجندة الصهيونية بالدرجة الأولى؛ وذلك لفصل الجبهات عن بعضها البعض وقطع خطوط الإمداد اللوجيستي والعسكري عن المقاتلين في لبنان, وبالتالي الاستفراد بغزة وإعطاء حكومة العدو الفرصة لتحقيق “نصرها المطلق” الذي عجزت عن تحقيقه طيلة 13 شهرًا من العدوان وحرب الإبادة الجماعية.
في توقيت تحريك الجماعات التكفيرية يبدو واضحًا للعيان أن فشل كيان العدو في الوصول إلى الأهداف الميدانية المحددة في غزة واضطراره إلى الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان دفع الولايات المتحدة وأدواتها في الإقليم لاستخدام هذه الورقة وتجريبها من جديد لعدة أهداف منها:
- زيادة الضغط على حزب الله, وإجباره على تقديم التنازلات بما يسهل لأمريكا السيطرة السياسية والأمنية على لبنان, وإلحاق هذا البلد بطابور المطبعين, ومنع المقاومة أيضًا من التقاط أنفاسها وإعادة ترتيب أوراقها وصفوفها.
- قبل توسيع العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفي خضم المواجهات كانت التقارير الصهيونية تشير إلى وجود خطة للتصعيد العسكري ضد كيان العدو من الأراضي السورية، بالتحديد في اتجاه الجولان المحتل، وانطلاقًا من هذه المخاوف أظهرت جبهة “النصرة” وبقية الفصائل التكفيرية حقيقة التخادم والتنسيق بينها وبين هذا الكيان بالتصعيد في حلب كما فعلت سابقًا, وهي التي لم تنبس ببنت شفة ضد الاعتداءات اليومية والجرائم في غزة.
- الدور التركي ودول التطبيع التي تتقاطع مصالحها مع العدو الإسرائيلي في سوريا والمنطقة العربية لا يجب إغفاله، فالكل له أهدافه، فـ”الإسرائيلي” يريد معاقبة سورية على مواقفها من دعم المقاومة بإشغال الجيش السوري بمعارك جانبية، مع أطماع قضم المزيد من الأراضي العربية لا سيما بعد التهديدات الصهيونية العلنية بالانتقال إلى الساحة السورية، والتركي يحاول تغيير الجغرافيا لمصلحته, في حين ترى السعودية والإمارات أن بقاء نظام الأسد يدعم الحضور الإيراني ويؤثر على نفوذهما السياسي والأمني.
الواقع أن حزب الله لا يزال متماسكًا وفي وضع عسكري قوي، وهروب الأعداء إلى التصعيد في سوريا دليل على محاولة خلط الأوراق وتجريب الأوراق القديمة, ولا يمكن استبعاد امتداد هذا السيناريو إلى العراق واليمن، فالعدو مأزوم، أمام محور الجهاد والمقاومة الذي يقوم بواجبه الديني والإنساني في مساندة غزة، وهذا لا يعني إعفاء بقية الأمة من المسؤولية في مواجهة أعدائها لمنع كل محاولات السيطرة على الأمة والاستئثار بثرواتها وخيراتها.