التوغل الإسرائيلي في العمق السوري ومزاعم “تحرير الشام”
88
Share
افق نيوز | يحيى الربيعي
على مدى السنوات الماضية، شهدت الساحة السورية تصعيداً خطيراً من قبل الكيان الإسرائيلي، الذي اتخذ من الظروف الراهنة جراء سيطرة الجماعات المسلحة على دمشق، فرصة لتحقيق أهداف استراتيجية.
تحرك العدو الإسرائيلي منذ الساعات الأولى لسقوط دمشق في أيدي الجماعات المسلحة وباشر في احتلال الأراضي السورية وتنفيذ مئات الغارات الجوية دمر خلالها عتاد وأسلحة الجيش السوري. وذلك بعد أن أعلن إلغاء اتفاق فض الاشتباك الموقع في العام 1974، ومباشرة التوغل في الأراضي السورية بداية باحتلال مناطق حيوية مثل جبل الشيخ، الذي يُعتبر نقطة استراتيجية كونه يشرف على العاصمة دمشق وجنوب لبنان ومناطق في الأردن.
وصباح اليوم تجاوزت الدبابات الإسرائيلية القنيطرة وباتت على مشارف ريف دمشق، كما توغلت قوات العدو في ريف دمشق الجنوبي المحاذي للحدود اللبنانية واحتلت قرية حينة وتقدمت إلى مشارف خان الشيخ التابع لمنطقة قطنا والمقابلة لقضاء راشيا داخل الأراضي اللبنانية، كما احتل “الجيش” الإسرائيلي قرى وبلدات عرنة وبقعسم والريمة وحينة وقلعة جندل والحسينية وجياتا الخشب في ريف دمشق الجنوبي.
وذكرت وكالة “رويترز” عن 3 مصادر أمنية أن التوغل العسكري الإسرائيلي في سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من دمشق، كما وصلت قوات العدو الإسرائيلي إلى قطنا التي تقع على مسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية إلى الشرق من المنطقة العازلة.
وقال الإعلام الإسرائيلي إنّ “الجيش وصل إلى قرب بلدة قطنا في ريف دمشق على مسافة 10 كلم (نحو 6 أميال) من أحياء دمشق و15 كلم (نحو 9 أميال) من مركز المدينة، مضيفةً أنّ “الجيش موجود في المناطق الداخلية لسوريا”.
في ذات السياق ذكر أعلام العدو أن 9 قرى في الريف الجنوبي لدمشق احتلها عليها “جيش” العدو الإسرائيلي.
تدمير الجيش السوري
ويوم أمس واصل العدو الإسرائيلي تدمير مقدرات الجيش السوري حيث شن العدو نحو 300 غارة على سوريا في أقل من يومين. واستهدفت غارات العدو العاصمة دمشق ومناطق في الرقة وحلب وجرمايا ومحيط مدينة السلمية في الريف الشرقي لمدينة حماة وسط سوريا ومطار الشعيرات العسكري في ريف محافظة حمص و مواقع عسكرية للجيش السوري في ريف محافظة الرقة شمال البلاد
وذكر الإعلام العبري أن “الجيش” الإسرائيلي هاجم في الساعات الماضية قواعد الجيش السوري مع تركيز على تدمير الصواريخ ومنظومات دفاعه الجوي، فيما أوضح مصدر أمني لإذاعة “الجيش” الإسرائيلي أن الغارات الإسرائيلية هي واحدة من أكبر الهجمات في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي
كما كشف إعلام العدو أن سلاح الجو هاجم في العمق السوري قاعدة سرية للأسد مثّلت سابقاً تهديداً لـ”إسرائيل”، مؤكدا أن سلاح الجو الإسرائيلي دمّر كل بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات في محيط هذه القاعدة السرية، بالإضافة لتدمير مقر قيادة المخابرات السورية بالكامل
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ “الجيش” الإسرائيلي “دمّر أهمّ المواقع العسكرية في سوريا”. وأضاف المرصد أنّه “وثّق نحو 310 غارات إسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد الأحد”
ونقلت وكالة “فرانس برس” أن مركز البحوث العلمية في دمشق، التابع لوزارة الدفاع السورية، والذي استهدفته غارات إسرائيلية مساء الاثنين، دُمِّر بشكل كامل.
ولكن من المثير للقلق أن ردود الفعل من الجماعات المسلحة كانت غائبة بشكل ملحوظ، حيث لم تُظهر هذه المجموعات أي موقف حازم أمام انتهاكات العدو. في السياق نفسه، تجلى الارتياح الواضح الذي أبداه “رئيس الوزراء” الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر ما يجري في سوريا نصراً استراتيجياً للكيان وللخطة الأمريكية لتغيير خريطة “الشرق الأوسط”.
مشروع استعماري توسعي
في 8 ديسمبر 2024، أعلنت إذاعة “جيش” العدو الإسرائيلي عن تنفيذ توغل بري في المنطقة العازلة مع سوريا، وهو تحرك يأتي كجزء من سلسلة من الهجمات الجوية على 300 هدف في مواقع الجيش السوري أعقبه التوسع في مساحات واسعة وصولاً إلى ريف دمشق.
لا تُعتبر الأحداث الأخيرة في المنطقة العازلة في سوريا مجرد تحركات عسكرية عادية، بل هي بمثابة زلزال يكشف المخطط الإسرائيلي الذي استغل الأوضاع في سوريا بعد إحكام سيطرته على القرار العربي. تصريحات “نتنياهو” و”شمعون بيريز” حول ما يُسمى “الشرق الأوسط الجديد” منذ العام 1996، تعكس أن الأطماع الصهيونية لا تنحصر فقط في تغيير الأنظمة، بل توسيع الاحتلال المباشر نحو لبنان وسوريا والأردن ومصر والسعودية.
إن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تمثل جزءًا من عملية ممنهجة تم التخطيط لها عبر سنوات في كواليس الاستخبارات الصهيونية-الأمريكية، بهدف إضعاف الأنظمة العربية ككل، وخصوصاً المحيطة بالكيان الإسرائيلي، مع التركيز على تدمير أي مظاهر قوة فيها، لتحويلها إلى “لقمة سائغة”.
يعكس الربط العضوي بين غزة وبيروت وصنعاء ودمشق وبغداد، القلق العميق لدى التحالفات الصهيونية-الأمريكية، التي تسعى لتفتيت عرى التحالف القائم بين محاور الجهاد المقاومة. تستند “إسرائيل” إلى عقيدة راسخة ترى في إخضاع أي من دول المحور لمشاريع الهيمنة الغربية كسرًا لشوكة أي تحرك عربي يسعى لمواجهة الأطماع الاستعمارية.
من خلال التحليل العسكري الاستراتيجي، يظهر أن استهداف عدة مواقع هامة في سوريا، بما في ذلك المطارات العسكرية والموانئ ومخازن السلاح، يكشف سعي العدو الإسرائيلي لتقويض البنية التحتية للقوة العسكرية السورية.
في إطار التحضيرات العسكرية، قام العدو الإسرائيلي بفتح ممرات في حقول الألغام بالجولان المحتل قبل شهرين، وهو إجراء أثار تساؤلات حول دوافعه، خاصة وأن العديد من المراقبين لم يتمكنوا من الربط بينه وبين التطورات في لبنان. مما يشير إلى أن الإعداد لهذا التوغل قد بدأ منذ فترة طويلة. ولا يستبعد أن العدو الإسرائيلي كان على علم وتنسيق مسبق مع الفصائل المسلحة لحين تدشين مخطط إسقاط النظام في سوريا والتوغل الصهيوني نحو دمشق.
إضعاف المحيط العربي هدف إسرائيلي
ما يبدو واضحًا هو أن الأهداف الإسرائيلية تتجاوز الاستغلال المباشر للوضع في سوريا، بل تتعلق بمسعاهم لتفكيك وحدته الوطنية والسعي للتخلص من مشروع قيام دولة سوريا ذات سيادة مقابل ترسيخ الإحباط في وسط الداخل السوري.، في مسار تكريس رغبات التمدد الاستعماري بشكل واضح.
ما ينعكس حقيقة على “إسرائيل” أنها تعتبر إضعاف القدرات العربية المحيطة بها هو ضرورة استراتيجية. لذا، جاء عدوانها على غزة و حزب الله في لبنان كجزء من سياستها لضمان عدم ظهور أية قوة قادرة على تهديد وجودها المؤقت. وبالتالي، يظل التحذير من أن سوريا يجب أن تبقى ضعيفة حاضرًا في السياسة الإسرائيلية.
كما أن الكيان الإسرائيلي يستغل الوضع الراهن في سوريا لخدمة مصالحه. العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا يشير إلى رغبة العدو في السيطرة الكاملة على المشهد وفرض النفوذ على الجماعات المسلحة والفصائل الأخرى.
احتلال العدو الإسرائيلي للمرتفعات في سلسلة جبال حرمون تعتبر خطوة نحو تعزيز هذا النفوذ العسكري والسياسي، مما يضمن حصة الكيان في أي تقاسم محتمل للنفوذ في البلاد.
كما أن الخطوات التي اتخذها العدو الإسرائيلي عبر التواصل مع الجماعات المسلحة والأحزاب والطوائف في سوريا، تضعنا أمام حقيقة مرعبة، أن ما يجري اليوم في سوريا هو أشبه بكارثة لم تستهدف فقط النظام أو رموزه، بل كذلك هوية سوريا كدولة ذات حضارة وتاريخ عريق. إن مستقبل الفصائل المسلحة والأسئلة حول من يمولها ومن يوجهها يجب أن تكون محور نقاش كبير. فبينما هناك شعارات ترفع عن الحرية والديمقراطية، تتضح الصورة الحقيقية في خلفية الأحداث؛ حيث الهدف هو القضاء على كل منجز سوري تاريخي.
إلى أين تتجه سوريا؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أين تتجه سوريا بعد كل هذه الأحداث؟ المطلوب هنا هو وعي جمعي، فالأهداف ليست مجرد إسقاط حكومة أو نظام، بل هي استئصال لفكرة المقاومة ككل. إيمان الشعب العربي بإمكانية النهوض بمشروع مقاوم من جديد يتعرض للاختبار القاسي.
الحديث عن استهداف مراكز حيوية ومطارات وموانئ عسكرية تحت ذريعة منع وصول الأسلحة إلى الفصائل المسلحة يعكس استراتيجية أكبر بكثير. خصوصا وأن العدو الإسرائيلي يدرك تمامًا أن هذه الفصائل ليست هي التهديد المباشر، بل إن الهدف الحقيقي هو إضعاف الدولة السورية كتشكيل وكيان. وهذا الضعف له تأثيرات مهمة على الأوزان الإقليمية، حيث يسهل على العدو الإسرائيلي تعزيز موقفه ومصالحها في ظل غياب الاستقرار في الدول المجاورة.
أثر هذا الإضعاف هو في تكريس حالة من الفوضى قد تجعل اللاعبين الإقليميين الآخرين أكثر نشاطًا في محاولة ملء الفراغ. إن استهداف مواقع سورية مهمة قد يفتح المجال أمام تنظيمات أخرى أو حتى قوى إقليمية للتقدم في الساحة السورية، مما يزيد من تشتت الحالة السياسية.
ما تشهده الجولان، لا سيما السيطرة على المرتفعات، يمكن أن يُفهم كخطوة تمهيدية للتوسع أكثر في الجنوب السوري، خاصة أن ترامب منح الجولان السوري للكيان الإسرائيلي. وبالتالي، ما نراه من خطوات للعدو الإسرائيلي ليس مجرد ردود فعل عسكرية، بل هو تخطيط طويل الأمد لتجذير وتوسيع السيطرة.
الفوضى الخلاقة في سوريا
لم يتجاهل الصهاينة يومًا ما يحدث في سوريا، بل كانوا دائمًا جزءًا من الجهود الرامية إلى صناعته وإدارة بوصلته بما يخدم ما يريد العدو الوصول إلى تحقيقه من أهداف في المنطقة ككل، وليس في سوريا فحسب.
علاوة على ذلك، لن يغفل الصهاينة اللعب بأوراق سياسية معقدة، كأن يستهدفوا تنشيط الانتماءات الطائفية في البلاد. ولعل ذلك يبدو واضحا من خلال الرسائل التي أرسلوها إلى الطائفة الدرزية والمجموعات الأخرى والتي لا شك أنها تعد جزءا مهما في استراتيجية السعي لتفتيت وحدة سوريا.
القلق يزداد عندما نرى أن الفصائل المسلحة والمعارضة لم تتخذ موقفًا واضحًا مما يحدث، حيث يظهر أن الأمر ليس مجرد صراع بين النظام والمعارضة، بل هو، حسب محللون، تدمير لمنظومة الهوية العربية السورية.
لا يمكن تجاهل أن ما جرى في العراق وفي ليبيا وفي السودان سيُعاد في سوريا. الأحداث في عام 2003 سلطت الضوء على كيفية استهداف الكيانات الوطنية من خلال تدمير الدولة وتحطيم مقدراتها. التجارب التاريخية تؤكد أن ما حدث يشير إلى مخطط أوسع لتفكيك الهويات الوطنية في المنطقة، وليس مجرد نزاع داخلي.
فلسطين.. المعيار لصدق النوايا
إن خروج سوريا من معادلة الأمن الإقليمي العربي يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي، وليس في صالح أي دولة عربية أخرى. السنوات الماضية، شهدت محاولات إسرائيلية ممنهجة لإضعاف سوريا سواء عبر العقوبات أو العمليات العسكرية. كل غارة موجهة نحو مواقع الجيش السوري وكل قرار يُتخذ ضد سوريا كان يرمي في المحصلة إلى خلق هذه اللحظة الحرجة التي تسمح لإسرائيل بالقيام بعملياتها التوسعية.
إن تدمير العدو الإسرائيلي لأسلحة الجيش السوري والتوغل في العمق نحو دمشق يضع الجماعات المسلحة أمام امتحان حقيقي في الرد على هذا العدوان، ويبدو إلى الآن أن تلك الفصائل ليس من أهدافها ردع العدوان الخارجي والتصدي للخطر الإسرائيلي الداهم ما يعني أن تلك الجماعات سقطت في اختبارها الأول فهي إلى الآن لم تصدر حتى بيان إدانة. وما يعزز فكرة التماهي مع العدو الإسرائيلي أن شعار تلك الجماعات هو “تحرير الشام”، فأي شام يريدون وقد باشر العدو الإسرائيلي احتلال الجولان والتوغل نحو مدمش بعد ساعات من سيطرة تلك الجماعات على دمشق!.