“معادلة الاستباحة” السيد القائد يحذر ويرسم مسار المواجهة
62
Share
أفق نيوز | إسماعيل المحاقري
الخميس الماضي ألقى السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي خطابه الأسبوعي بشأن تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية في طليعتها الحدث الكبير في سوريا، وما تفرّع عنه من عدوان واختراق صهيوني خطير ، مدفوع بدعم أمريكي متوقع وغير مفاجئ، وفي الحقيقة يعد الخطاب واحداً من أهم خطابات السيد القائد منذ بدء عملية طوفان الأقصى المباركة بما تضمنه من رسائل تخاطب شعوب أمتنا، وتلامس تطلعاتهم، وتحذيرات واقعية من مخططات صهيو أمريكية يراد منها تغيير شكل “الشرق الأوسط” برمته.
الخطاب شامل وجامع، ويحمل رؤية سديدة لجميع القضايا، وهو خطاب عميق واستراتيجي بكل ما للكلمة من معنى، حدد فيه السيد القائد الأولويات ووضع الحلول والمعالجات لأم القضايا، من وحي القرآن الكريم والسنن الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير.
فلسطين “القضية الأم”، وحلها مفتاح لحل كل مشكلة
– رغم أهمية الحدث في سوريا، عقب سيطرة الجماعات المسلحة على دمشق وخطورته لناحية التوغل الصهيوني في الأراضي السورية وما صاحب ذلك من تدمير ممنهج لمقدرات الجيش العربي السوري إلا أن السيد القائد بدأ خطابه من حيث ينتهي دائما بالقضية الفلسطينية وتطورات حرب الإبادة الجماعية في غزة، لتأكيد أولوية هذه القضية ومركزيتها بالنسبة لليمن وباعتبار أن حلها هو مفتاح حل كل أزمات المنطقة العربية وعالمنا الإسلامي.
– في الخطاب تذكير مستمر بجرائم العدو الصهيوني، وما يقابلها من تخاذل وتفرّج لمعظم العرب والمسلمين لدرجة الشعور بموت الضمير الإنساني لدى الكثيرين حتى وهم يشاهدون كل يوم وكل لحظة المشاهد المأساوية للمئات من الأطفال والنساء يقتلون بمنتهى التوحش بنيران العدو، وأفتك قنابله الأمريكية والغربية، أو بسبب الجوع وبرد الشتاء، متنكرين بذلك الواجب الديني والأخلاقي في نصرة المظلومين، ومتناسين عناوين العروبة والعقيدة والجهاد التي حركت بعض الأنظمة كالسعودية والإمارات لشن عدوان على اليمن خدمة للأجندة الأمريكية والمصلحة الصهيونية.
سوريا في عين العاصفة، والجماعات المسلحة أمام اختبار التوجهات
مع المأساة الكبرى في فلسطين المحتلة، يغيب الموقف العربي والإسلامي الرادع وحتى المندد والمستنكر إلا من جبهات محدودة، ويحضر معه العدو الإسرائيلي بعدوانه وإجرامه وأطماعه التوسعية التي لا تتوقف عند حدود فلسطين ولا لبنان، وهذا كان المدخل ليقدم السيد القائد تفسيرا دقيقا لما جرى ويجري في سوريا من أحداث ومتغيرات، ويعرض معطيات مؤكدة يجهلها الناس وعناوين يتلاعب بها الأعداء لصرف الأنظار عن العدو الحقيقي للأمة، كما رسم معالم المرحلة المقبلة، وما يجب أن يكون عليه أي نظام ليحظى بالدعم والمساندة والاحترام.
من مضامين خطاب السيد القائد يتضح الشرح المستفيض للخطة الصهيونية المعدة مسبقا لتدمير مقدرات الجيش السوري، وابتلاع المزيد من الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية لتبيين الواضح وإكمال الحجة مع الإشارة إلى السيطرة والاحتلال الأمريكي لمنابع النفط والثروة، وسط صمت مطبق للجماعات المسلحة أثار استغراب إعلام العدو.
العدو الإسرائيلي يكرّس جهوده لتثبيت معادلة “الاستباحة”
ينظر السيد عبدالملك إلى الأحداث في سوريا من زاوية محاولة تثبيت “معادلة الاستباحة” للأرض العربية وثرواتها وهدر الدماء في أي زمان أو مكان؛ لأنها المعادلة التي يصر العدو الإسرائيلي بدعم وشراكة أمريكية على فرضها، ولا تستثني هذه المعادلة حتى الأنظمة التي توالي اليهود وتبدي استعدادها للتعاون معه، وهذا ما حدث بتحرك شهية التدمير والتوغل الصهيوني في سوريا بالرغم من إبداء “السلطة الحالية” استعدادها للتطبيع مع كيان العدو، وما يؤكد ذلك هو قول وزير الخارجية الأمريكي إن الولايات المتحدة بحاجة إلى حكومة سورية تقوم بتفكيك الأسلحة الكيميائية ولا تشكل تهديداً لـ “جيران سوريا”، في إشارة إلى كيان العدو الإسرائيلي بمعنى يجب أن تكون سوريا مستباحة وضعيفة ومجردة من كل وسائل القتال والدفاع، وهذه معادلة أخرى يريد الأمريكي فرضها وتثبيتها على كل الدول العربية وفق ما أشار ولفت إليه السيد القائد.
ما يفعله الأعداء في سوريا، ويريدونه من نظامها سيفعلونه في مصر ويكررونه في الأردن وصولا إلى السعودية، متى ما سنحت لهم الفرصة، وبالاستناد إلى الحقائق القرآنية أكد السيد عبدالملك أن اليهود يعملون على خلق المزيد من الفرص لتحقيق أطماع الضم والإلحاق ومصادرة حرية الشعوب واستقلالها، وهو مخطط قائم ومعلن ضمن “معادلة الاستباحة” في إطار عنوان “الشرق الأوسط الجديد”.
بعد التفسير الواضح والجلي لأحداث سوريا وتبيين أهداف المخطط الصهيوني وأبعاده على الأمة وضع السيد القائد الحلول، لمواجهة العدوان الإسرائيلي، انطلاقا من المسؤولية الدينية التي تضع الجماعات المسلحة التي تسيطر على بلاد الشام أمام اختبار مهم وحقيقي يكشف ما هو حقيقة توجهها، أولا لناحية ما يحصل في بلدها من استباحة صهيونية، وثانيا تجاه القضية الفلسطينية لا سيما والعدو قدّم شاهدا دامغا وواضحا بأن مسألة اعتداءاته ونزعته الحاقدة ضد أي بلد ليست من أجل ملاحقة إيران والموالين لها فهذه الجماعات بسوريا موقفها معروف في عدائها الشديد للجمهورية الإسلامية.
عداء اليهود للمسلمين ثابت مهما اختلفت مذاهبهم وطوائفهم، وأوهام تنفيذ مشروع “اسرائيل الكبرى” لا تخفى على أحد، والشواهد على ذلك كثيرة، استفاض في شرحها السيد القائد؛ ليقطع بذلك الأعذار على المتخاذلين، ويذكر الجميع بواجباته ومسؤولياته في ترسيخ مبدأ الوحدة الإسلامية وحمل راية الجهاد ضد العدو الاسرائيلي، ولتكون الجماعات التي سيطرت على سوريا محل تقدير وترحيب كان يفترض بها أن تظهر قدرا عاليا من الشدة والشراسة ضد اليهود، وأن تواجه الاجتياح الإسرائيلي ببنادقها ودباباتها وبالسكاكين، والصرخات، والهتافات، والتكبيرات، كما فعلت مع أبناء جلدتها، وهذا ما اشار إليه السيد القائد كقاعدة أساسية تفضح المؤمن من المنافق.
اليمن مع سوريا وشعبها لإفشال
مخطط “الشرق الأوسط” الجديد
واستنادا إلى هذه القاعدة حدد السيد عبدالملك موقف اليمن من سيطرة المسلحين على سوريا، بالوقوف معهم ومع الشعب السوري، ضد العدوان الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، ولا تسامح مع عدو الأمة وهي مسؤولية تقع على عاتق الأمة جمعاء.
الخطر من وجهة نظر السيد القائد هو عنوان “الشرق الأوسط” الجديد، أو تغيير ملامحه، والأخطر منه هو مساعي الأمريكان والصهاينة لتنفيذه عبر تفعيل أنظمة وجماعات وتيارات إسلامية وعربية؛ لضمانة إنجاعه وتجنيب الأعداء الخسائر والكلفة المالية والبشرية، والشعارات والعناوين التي تلاشت مع الهجمة الوحشية في غزة ولبنان سيتم الاستعانة بها لتعميق الانقسامات وتجزئة وتقسيم المقسم كمرحلة ثانية حذر السيد من تبعاتها، وضرورة مواجهتها بعد فرض حالة “التطبيع مع إسرائيل” وتصفية القضية الفلسطينية.
بالرهان الأمريكي على تحريك دول وجماعات عربية وإسلامية لتنفيذ المخطط الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، الذي يواجهه محور القدس في الميدان وليس بالبيانات ولا بالتغاضي والتآمر، حدد السيد القائد المسؤوليات ورسم مسرح المواجهة الذي يدرك أنه مقتل أعدائه، ابتداء بالوعي والإيمان المطلق بخطورة الفتنة الداخلية وحتمية زوال كيان العدو، وانتهاء بحرب حاسمة؛ لتحرير أرض فلسطين، والمقدسات، وهذا المسرح هو كلمة سر الانتصار.
ومن المعادلات المترتبة على ما قدّمه السيد عبدالملك من فهم المخطط الصهيوني، خلال مرحلة التطبيع وما بعدها ليست في حرب بين كافر ومسلم، كي يكون فيها النصر الحاسم والحتمي بل هي مقدمة لحروب بينية طويلة الأمد تخدم مشروع التقسيم والتفتيت ولتجلي الحقائق أكثر ومعرفة من يسير في الاتجاه الصحيح لفت السيد إلى المعايير الواضحة، والمقاييس الثابتة القرآنية، في علاقة المؤمن بالمؤمن
والعلاقة بالكافرين القائمة على العزة والمنعة “أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين” على أن من يسارع ليكون أكثر ولاءً لليهود فهو الخاسر الأكبر، أمَّا الاتجاه الذي رسمه الله، فهو الفوز العظيم، والشرف، والتأييد الإلهي ومن هنا ينطلق الشعب اليمني في مواقفه من قضايا الأمة ومقدساتها بحماس شعبي لا نظير له في العالم.