سماء اليمن محرمة على الأمريكيين.. اليمن ينهي عربدة الطائرات المسيرة
أفق نيوز | أحمد داود
ظلت الأجواء اليمنية مكاناً مناسباً للعربدة الأمريكية على مدى 24 سنة مضت، فانتهاك السيادة هي سمة أمريكية طبقتها مع أكثر من بلد في العالم.
وتعد حادثة المدمرة الأمريكية (USS COLE) في 12 أكتوبر عام 2000م، والتي نجم عنها مقتل 17 بحاراً أمريكياً وإصابة 38 آخرين بجروح هي نقطة الانطلاقة للأمريكيين لاستباحة الأراضي اليمنية، حيث فرضت واشنطن وجودها العسكري في البلاد تحت مبرر مكافحة الإرهاب، ثم ازدادت وتيرة هذا التدخل بعد توقيع الرئيس الأسبق الخائن علي عبد الله صالح اتفاقية مع واشنطن في هذا الخصوص أتاحت للطيران الأمريكي المسير العبث في أجواء اليمن متى شاء وكيفما شاء.
في الخامس من نوفمبر عام 2002 كانت أول عملية قامت بها أمريكا عبر الطائرات المسيرة، حيث تم استهداف أبو علي الحارثي الذي تتهمه واشنطن بالتخطيط لعملية الهجوم على المدمرة كول، ثم نشطت -بعد ذلك- الغارات عبر الطائرات الأمريكية على مدى السنوات الماضية، في ظل صمت رسمي يمني مطبق، مع أن الكثير منها كانت تطال المدنيين، وتستهدف مناطق لا علاقة لها بما تسميه بـ”تنظيم القاعدة”، وقد بلغ عدد الضربات الجوية للطائرات الأمريكية بدون طيار خلال الفترة (2001 – 2020) 336 ضربة، ووصل عدد القتلى من المدنيين ما يقارب 1389 بينهم نساء وأطفال بحسب دراسة أكاديمية للدكتور الباحث اليمني مشير عبد القوي العثماني.
وبالتدقيق في عدد الضحايا من المدنيين، نجد الرقم مهولاً جداً، وكان يفترض من الحكومات السابقة التحرك، وعدم الصمت، لا سيما أن القتل عن طريق هذه الطائرات يأتي خارج نطاق القضاء والقانون، وهي كما يصفها خبراء القانون (حالات الإعدام خارج نطاق القضاء)، مؤكدين أن الهدف الأساس للولايات المتحدة الأمريكية في استخدام هذا النوع من الطائرات يأتي في إطار القتل في انتهاك واضح وسافر لأسس القانون الدولي.
وإذا كانت اليمن قد عانت الأمرّين جراء القتل العشوائي لضربات الطائرات بدون طيار الأمريكية، فإن عدداً من الدول العربية والإسلامية لم تكن حالة استثنائية، ولا سيما الدول التي تعرضت للاحتلال الأمريكي كأفغانستان، والعراق، وسوريا، وكما يقول الأمريكيون أنفسهم فإن الطائرات المسيرة يمكن أن تقع في الأخطاء الجسيمة.
أفاد تحقيق استقصائي لصحيفة “نيويورك تايمز” أن الولايات المتحدة الأمريكية نفذت غارات بالطائرات المسيرة على قرية “توخار” في الشمال السوري، مدعية استهداف عناصر إرهابية، لكنها قتلت 130 من المدنيين.
وفي عام 2019 شنت القوات الأمريكية غارة فاشلة في بلدة “الباغوز” السورية، وأسقطت قنبلة بوزن 500 رطل على حشد من النساء والأطفال، ثم تبعتها بقنبلة أخرى بوزن ألفي رطل، ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 من النساء والأطفال.
مهام إجرامية متعددة
لسنا هنا في صدد حصر الضربات الجوية للطائرات الأمريكية بدون طيار في البلدان التي تستبيحها، ولكننا نريد توضيح أكثر من حقيقة في هذا الجانب، الأولى: أن الطائرات المسيرة الأمريكية تخترق سيادة الدول، وتنفذ العديد من العمليات العدائية، ولا تعير المدنيين أي اهتمام، كما أنها لا تقر بالخطأ، ولا تقدم أية تعويضات، والشواهد هنا كثيرة ومتعددة، فالمدنيون اليمنيون الذين قتلوا بدم بارد عن طريق هذه الطائرات لم يلتفت إليهم أحد، ولم يتم تعويضهم على الإطلاق.
جانب آخر من الأخطاء الجسيمة للولايات المتحدة الأمريكية عبر الطائرات المسيرة -إلى جانب انتهاك السيادة، وقتل المدنيين- هو قتل الخصوم واغتيالهم، وملاحقتهم في أي مكان يُوجَدون فيه، حيث أعلنت أمريكا على مدى أكثر من عشرين سنة عن اغتيال عدد من القادة الذين تصنفهم بالإرهابيين مثل أنور العولقي، إضافة إلى قيامها باغتيال قيادات في محور المقاومة، مثل الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وفي الداخل اليمني أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية عبر الطائرة المسيرة ام كيو 9 على اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد.
وإلى جانب ما سبق، تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الطائرات بدون طيار، وعلى رأسها MQ-9 في المراقبة، والتجسس، ويمكن تسليحها بصواريخ، وقنابل موجهة بالليزر، ويمكنها أن تطير لأكثر من 1100 ميل على ارتفاعات تصل إلى 15 ألف متر، وفقاً لسلاح الجو الأميركي.
كما يستخدم هذا النوع من الطائرات في الحرب الإلكترونية، وكشف الأهداف، وإعادة البث بالنسبة لمحطات الإرسال، كما يمكن استخدامها كصاروخ موجه انتحاري في حالة فشل المهمة، أو وجود هدف حيوي لتدميره.
السيادة خط أحمر
وإذا كانت أمريكا قد اطمأنت خلال أكثر من 20 سنة لوجود أجواء يمنية مفتوحة أمام طائراتها بدون طيار، فإن اليمن ومنذ أكثر من عام استطاع تثبيت مداميك سيادته الجوية من خلال التعامل الناري مع هذا النوع من الطائرات.
ومنذ معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، التي دخلت فيها اليمن في مواجهة مباشرة مع ثلاثي الشر أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل”، تمكنت الدفاعات الجوية اليمنية من إسقاط 14 طائرة أمريكية بدون طيار من نوع MQ-9 لتشكل ضربة قوية للهيمنة الأمريكية، ولتُفشل مخططاتها في اليمن، لا سيما وأنها باتت تعتمد على هذا النوع من الطائرات مؤخراً في عمليات الرصد المخابراتية، وفي تتبع أماكن القيادات الثورية ومواقعهم، ومخازن الأسلحة، وهو انجاز عظيم يضاف إلى رصيد القوات المسلحة اليمنية، ويراكم من انتصاراتها في مواجهة الأعداء.
بكل تأكيد، فإن اليمن يتجه إلى تحصين سمائه وأجوائه من الخطر الأمريكي المتواصل، وهو بذلك يحقق أكثر من فائدة، منها حماية المدنيين في اليمن من العبث الأمريكي، وحماية السيادة اليمنية من الاختراق غير القانوني، وطي صفحة الاغتيالات غير المشروعة، إضافة إلى العمى الاستخباراتي، وكلها عوامل تجعل الأمريكيين يحسبون لليمن ألف حساب، ويتعاملون معه بكونه بلداً أجواؤه مقدسة لا يمكن استباحتها.