ذكرى جمعة رجب: عيد الهداية والاعتزاز بالانتماء الإيماني
76
Share
يحتفل اليمنيون في أول جمعة من شهر رجب الحرام كل عام بذكرى عظيمة ترتبط بجوهر هويتهم الإيمانية وتاريخهم العريق. هذا اليوم ليس مجرد تاريخ يُسجل في ذاكرة الأمة، بل محطة فارقة تجسد لحظة عظيمة في مسيرة الشعب اليمني نحو الإسلام، وتجسد الروح الإيمانية العميقة التي ميزت هذا الشعب منذ دخوله في الإسلام. إن إحياء هذه المناسبة يمثل امتداداً للصلة القوية بين اليمنيين ودينهم الحنيف، ويعبر عن تقديرهم العميق للنعمة الإلهية التي أكرمهم الله بها.
إن أهمية هذا اليوم تعود إلى كونه مرحلةً مفصليةً في التاريخ اليمني، حيث حمل معه نور الهداية الإلهية ودعوة الحق التي أوصلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، بتكليف من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمنيين، ليقرأ عليهم رسالة الإسلام في اجتماع كبير في صنعاء. استجاب أهل اليمن لهذه الدعوة الطاهرة بحماس وصدق، فدخلوا في دين الله أفواجاً، لتكون هذه اللحظة المباركة بدايةً لانتشار الإسلام في مناطق واسعة من البلاد، ما جعل اليمن أحد أبرز الأركان الراسخة في نصرة الإسلام والدعوة إليه.
يمثل هذا الحدث التاريخي -الذي يحتفل به اليمنيون عيداً سنوياً- فرصةً للتذكير بفضل الله ونعمه، وللاعتزاز بالانتماء إلى هذا الدين العظيم. فهو يوم يعكس ارتباط اليمنيين العميق بالإيمان، ويؤكد على دورهم التاريخي في دعم الإسلام ونصرته. إن الاحتفال بهذا اليوم لا يقتصر على كونه مناسبةً تاريخية، بل هو تعبير عن الامتنان لله عز وجل على نعمة الهداية، وتجديد للعهد بالإيمان والالتزام بقيم الدين الحنيف.
كما أن هذا اليوم يعكس أبعاداً أعمق ترتبط بالشخصية اليمنية التي تجسدت فيها معاني الإيثار والتضحية والإيمان العميق. لقد أثبت اليمنيون -عبر هذا الحدث العظيم- أنهم شعب اختاره الله ليكون من رواد الإسلام الأوائل، وأنهم لم يترددوا لحظة في تلبية نداء الحق، حتى في ظل ما قد واجهوه من تحديات وصعوبات.
ومن هنا، تأتي أهمية الاحتفال بهذه المناسبة التاريخية العظيمة، لأنها تعيد إلى الأذهان أعظم المحطات الإيمانية التي مرت بها الأمة اليمنية. كما أنها تذكير للأجيال بضرورة الحفاظ على هذه الهوية الإيمانية وتعزيزها، والانطلاق من هذا الإرث العظيم نحو مستقبل يعكس عظمة الانتماء إلى الإسلام، واستمرار دور اليمنيين في نصرة الحق والدين في كل زمان ومكان
3- تعبير عن الشكر لله “سبحانه وتعالى” من خلال الحديث عن هذه النعمة، ومن خلال الأذكار التي يُعَبِّر بها الإنسان عن الحمد لله، وعن الشكر لله، وعن التمجيد لله “سبحانه وتعالى”، وعن الاعتراف بهذه النعمة العظيمة.
4- الاعتزاز بصفحة من أنصع صفحات التاريخ لشعبنا العزيز، وهي صفحة مهمة جدّاً، دورٌ عظيمٌ وتحولٌ كبيرٌ ومهمٌ جداً في تاريخ شعبنا العزيز نحو الاتجاه الصحيح والعظيم في الإسلام، فالاعتزاز بذلك التاريخ المشرف شيءٌ مهم بالنسبة للأمم والشعوب.
5- العمل على ترسيخ وتعزيز الهوية الإيمانية والانتماء الإيماني لشعبنا العزيز؛ لأنَّ هذا يحتاج إلى أنشطة تثقيفية، أنشطة تربوية، اهتمام على المستوى العملي للارتقاء الإيماني.
6- تربية الجيل الناشئ وحمايته، والحفاظ عليه مما يستهدفه في انتمائه الإيماني من جهة المنحرفين والمحرّفين تجاه الحرب الناعمة الشرسة جداً التي تستهدف الإنسان المسلم اليوم في كل الأقطار: تستهدفه في وعيه، في ثقافته، في فكره، في أخلاقه، في قيمه، في توجهاته، في مواقفه، في كل شؤون حياته، حتى في زيّه، حتى في عاداته وتقاليده.
مميزات الانتماء الإيماني للشعب اليماني
من المهم جداً أن نستوعب المميزات لانتماء شعبنا الإيماني، لدرجة أن يقول رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يِمَانيَّة))، وهذا تعبير عظيم ومهم جداً، يدل على عِظَم تَجَذُّر الانتماء الإيماني لشعبنا، وأصالته الإيمانية، ورسوخه الإيماني.
وهناك مميزات مهمة جداً لهذا الانتماء الإيماني، ومنها:
1- الإقبال الطوعي برغبة كبيرة، وانسجام مع الإسلام. هناك من القبائل العربية -وفي بعض المناطق- من دخلوا في حروب مباشرة ضد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” وضد الإسلام، وعلى مراحل متعددة. بينما كان الموقف للشعب اليمني الإقبال طوعاً، سواءً السابقون منه في المرحلة المكية، أو الأوس والخزرج الذين أقبلوا على الإسلام طوعاً، وآووا ونصروا. فالغالب في إسلام أهل اليمن كان هو الإسلام الطوعي، بدون حروب، بانسجامٍ فطري مع الإسلام. وهذا يدل على ما كانوا عليه من انسجام فطري مع قيم الإسلام، مع مبادئه. يدخلون في الإسلام جماعات بالآلاف المؤلفة، في اليوم الواحد كان يدخل الآلاف في الإسلام ويعتنقونه.
2- انتماؤهم إلى الإسلام وانتماؤهم الإيماني متميز، بإقبالهم للجهاد في سبيل الله تعالى، بدءاً بالأوس والخزرج الذين كان لهم شرف الإيواء، والمناصرة للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، والجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”. فتميزوا بجهادهم، ومواقفهم الإيمانية والمشرفة، وتضحياتهم في سبيل الله، وعطائهم الذي بلغ إلى درجة أن قال الله عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. روحية متميزة وعظيمة تُعَبِّر عن قيم راقية جداً، وعن وعيٍ عالٍ وعن إيمانٍ صادقٍ وراسخ، عن توجهٍ جادٍ وصادق، عن كرم وسخاء وشجاعة وإيثار.
وأول شهداء الإسلام كانت الأسرة اليمانية (أسرة عمار بن ياسر) فقد كان والد عمار ووالدته أول شهداء الإسلام.
3- وكان منهم نماذج راقية جداً في إيمانهم، كعمار بن ياسر الذي قال عنه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بأنه: “مُلِئَ إِيْمَاناً مِنْ قِمَّةِ رَأسِهِ إِلَى أَخْمَصِ قَدَمَيه”، وكان المقداد والأشتر ممن لهم دور بارز، وحضور فاعل، ومؤثر، وعظيم، وَمُشَرِّف في تاريخ الإسلام، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى حتى الاستشهاد.
4- مستوى الإسهام، انتماء ترتب عليه مواقف، جهاد، تضحية، وإسهام عظيم في تحقيق إنجازات كبرى في نشر الإسلام، في مواجهة أعدائه، في الفتوحات الكبرى، وهكذا كان الإسهام عظيماً ومهماً، في مقدمته: إسهام الأوس والخزرج الذين سمَّاهم الله من عنده تسميةً منه “سبحانه وتعالى” بالأنصار، وهذا وسام شرف كبير وعظيم جداً.
5- المحافظة على القيم، والاستمرار عليها، وتوريثها من الآباء إلى الأبناء جيلاً بعد جيل. هذا الإيمان المتميز برسوخه، بكماله، باتجاه المنتمين إليه اتجاهاً صادقاً في الاستجابة لله “سبحانه وتعالى”، انطلقوا في إيمانهم بوعيٍ ويقين، بوعي عالٍ، وبصيرةٍ نافذة، ويقينٍ راسخ؛ لذلك لم يرتابوا مهما كان هناك من تشكيك وتلبيس، ومهما كان هناك من محاولات لزعزعة قناعاتهم الإيمانية الراسخة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
6- المحافظة على هذا الانتماء الإيماني في جذوره العظيمة: التحررية، الأخلاقية، الحضارية، على مدى التاريخ. وفي آخر الزمان، هناك أمل من كل أبناء الأمة على مستوى المذاهب المختلفة، ولديهم روايات عن دورٍ مميز لليمنيين في آخر الزمن في نصرة الإسلام، في الموقف لمواجهة أعداء الأمة، في السعي لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، في الثبات على الإسلام، وفي حمل راية الإسلام وراية الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”.
جذور الانتماء إلى الإيمان
1- جذوره التحررية؛ لأنَّ الإيمان يحررنا عن العبودية لغير الله “سبحانه وتعالى”، وهذا أول مبادئ الإيمان وأعظمها وأكبرها: أنه يحررنا من العبودية لغير الله “سبحانه وتعالى”، فلا نكون عبيداً إلِّا لله، وهو أيضاً يحررنا من التبعية لأعدائنا، فنتحرك بأصالة في انتمائنا للإيمان، أصالة الفكر، أصالة الهدى الإلهي، أصالة القيم، الأخلاق، المواقف، بعيداً عن التبعية للأعداء.
2- الجذور الأخلاقية؛ لأنّه دين الأخلاق، والقيم، والكرامة، والعفة، والصلاح، والزكاء، وغير ذلك.
3- الجذور الحضارية، في بناء الحياة على أساسٍ من هدى الله “سبحانه وتعالى” وتعليماته.
واقع الأمة اليوم بين الانتماء الإيماني والارتداد
آخر الزمن كما ذكر الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم (في سورة المائدة) تواجه الأمة اختباراً كبيراً، يفرز هذه الأمة في واقعها، وفي انتمائها، وفي مصداقية انتمائها للإيمان فرزاً كبيراً، الحالة الخطيرة في آخر الزمن كما في الآيات المباركة من سورة المائدة، وهي آياتٌ بيناتٌ واضحات، تبيِّن مدى الاختبار الكبير للأمة، وسقوط الكثير من الناس في ذلك الاختبار.
العنوان هو: حالة ارتدادٍ عن مبادئ الدين وَقِيمِه في أوساط الأمة، امتداداً للولاء لليهود والنصارى، في إطار ذلك الولاء تحصل حالة ارتداد عن مبادئ من أهم مبادئ الدين، وقيم من أهم قِيَمِه، وتشمل كثيراً من أبناء الأمة، ولهذا قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
الانتماء الإيماني مسؤولية
المسؤولية كبيرة على شعبنا العزيز في انتمائه الإيماني، عندما قال رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((الإيمان يمان))، هذا وسام شرفٍ كبير وفضل عظيم، ولكن هناك مسؤولية في الحفاظ على هذا الإيمان، في ترسيخه، في تجسيد قِيَمِه، في تربية الجيل الناشئ عليه؛ ليرث الأبناء هذا الشرف العظيم، وليتربّوا على هذه الأصالة الإيمانية.
وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة، بدءاً من عملية “طوفان الأقصى” المباركة، وما نتج عن ذلك من صمود غزة شعبا ومقاومة، وإسناد للمجاهدين في غزة والضفة من قبل حزب الله واليمن والعراق، وبوتيرة متصاعدة في مستوياتها، بدءاً من استشهاد القيادات من حزب الله وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله، ومن حركات المقاومة الفلسطينية، واستهداف اليمن بالغارات الأمريكية والبريطانية على مدى عام كامل، وصولا إلى إسقاط سوريا في براثن الجماعات التكفيرية، تجلت مسؤولية الانتماء.
أبرز صور الإسناد اليماني
من منطلق المسؤولية الإيمانية تحرك شعبنا العزيز (قيادة وشعبا) بكل ما يمكنه، تحركاً شاملاً، ومن ذلك التحرك:
1- بالمظاهرات والمسيرات التي لا مثيل لها في أي بلدٍ آخر على مستوى كل العالم.
2- بالموقف العسكري في الاستهداف للعدو الصهيوني بالصواريخ والمسيَّرات.
3- في منع السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني من العبور في البحر الأحمر، وخليج عدن وباب المندب، والاستهداف لها في بحر العرب، والبحر الأبيض المتوسط، وأجزاء من المحيط الهادي.
4- الاستهداف للسفن الأمريكية والبريطانية وغيرها من السفن التجارية أو العسكرية المساندة للكيان الغاصب أو المتوجهة إليه.
5- أنشطة التعبئة العسكرية: وشملت معظم المحافظات، وأصبح المنتمون إليها بمئات الآلاف، وهذا مسار مهم جدّاً.
6- على مستوى التحرك في الفعاليات المتنوعة.
7- على مستوى التبرع بالمال.
8- على مستوى الأنشطة الإعلامية في الجبهة الإعلامية.
9- على مستوى المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وهي مسألة مهمة للغاية.
ختاما
من منطلق قوله صلوات الله عليه وآله:((من سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس من المسلمين))، ((من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم يجب فليس بمسلم))، نؤكد:
أولاً/ أن علينا مسؤولية -كوننا أمة مسلمة- أن نتحرك، وألَّا نَمَلّ، وأن نتجه إلى تصعيد موقفنا، وأن تتسع دائرة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية.
ثانياً/ أننا بحمد الله، وبتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، لسنا في هذا الشعب اليمني المبارك ممن يخاف من أمريكا، ولا ممن كان سقف موقفه إلى الدرجة التي لا يُغضِب أمريكا.
لأننا شعبٌ مجاهد، نعتمد على الله “سبحانه وتعالى”، ونواجه العدو، شعبنا العزيز لا يتهرب من ميدان المواجهة، وأياً كانت هذه المواجهة، ومع أي عدو مهما كانت إمكاناته وقدراته، نحن شعبٌ يعتمد على الله القوي العزيز، الله “سبحانه وتعالى” الأكبر والعظيم.
ثالثاً/ مهما قدّمنا من الشهداء فلن يؤثِّر علينا ذلك، لن يضعف موقفنا، ولن يَفُتَّ في عَضُدِنَا، ولن يقلل من مدى اهتمامنا وثباتنا.
فإذا كانت المواجهة مباشرة مع الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، فذلك أحب إلينا، ونحن مستعدون لفعل ما يلزم، ونقاتل بكل جرأة؛ لأننا لا نعتمد على أنفسنا، بل نعتمد على الله “سبحانه وتعالى”.