حين تلتقي التضحية بالكرامة، تنبثق حكايات سامية تُخلَّد في صفحات التاريخ.
صنعاء وغزة ليستا مُجَـرّد مدينتين على خارطة العالم العربي، بل هما رمزٌ للثبات والصمود في وجه الطغيان.
ومع ذلك، يتساءل البعض بنبرة مُبطّنة، تُخفي تحتها نوايا مغرضة: “ما الذي استفادته غزة من مساندة صنعاء لها؟” سؤال يَحمل من الإجحاف والتشكيك أكثر مما يحمل من الموضوعية.
تخيَّلوا شجرة عتيقة، جذورها غائرة في الأرض، تتعرض لرياح عاتية تحاول اقتلاعها.
إنها شجرة اليمن التي تحمّلت الحصار والجوع، وقاومت العواصف التي لم تترك شريانًا من شرايين الحياة إلا وحاولت قطعه.
رغم ذلك، حين سمعت أنين شقيقتها فلسطين، مدت أغصانها التي بالكاد تنبض بالحياة لتغطيها من لهيب النار.
هل يُعاب على الشجرة أنها مدت ظلها رغم أوجاعها؟ أم يُمجَّد هذا الفعل كدليل على الأصالة والمروءة؟
من المفارقات العجيبة أن الذين يطرحون هذا السؤال يوجهونه نحو صنعاء وحدها، متجاهلين دولًا أُخرى تتمتع بكل عناصر القوة والاستقرار.
لماذا لا يُطالبون الدول المطلة على مضيق جبل طارق بمنع السفن الإسرائيلية من المرور؟ لماذا لا يُحمِّلون النظام المصري مسؤولية استمرار عبور سفن الاحتلال عبر قناة السويس؟ أليس الأولى بمن يعيشون في رغد العيش والأمان أن يتحَرّكوا قبل أن يُلام المُحاصر الذي بالكاد يجد قوت يومه؟
إنه لمن السخف أن يتم تجاهل الجهود الجبارة لصنعاء التي تتحدى التحالف الأمريكي البريطاني الصهيوني بكل شجاعة، بينما يتم التغاضي عن حكومات لم تحَرّك ساكنًا سوى إصدار بيانات الإدانة الخجولة.
غزة لم تحتَج إلى منافع مادية من صنعاء، بل إلى موقف يُعيد للأُمَّـة العربية كرامتها.
صنعاء قدمت ما هو أثمن من المال، قدمت موقفًا عزز الإيمان بأن فلسطين ليست وحدها.
لقد وقفت صنعاء لتقول للعالم إن الكرامة لا تشترى، وإن الشعب اليمني، رغم الجراح، قادر على إرباك حسابات أكبر القوى.
السؤال الذي ينبغي أن يُطرح ليس “ما الذي استفادته غزة من صنعاء؟”
بل “ما الذي يجب على الأُمَّــة فعله تجاه فلسطين؟” صنعاء أجابت على هذا السؤال، ليس بالكلمات، بل بالأفعال.
أما أُولئك الذين يهاجمونها، فهم إما جاهلون أَو أصحاب أجندات.
صنعاء وغزة، كجناحي طائر، ترفرفان رغم القيود، تُعلّمان العالم أن الحرية لا تُشترى، وأن الكرامة العربية، وإن غابت عن بعض العواصم، لا تزال تسكن قلوب الأحرار.