غزة تذهلُ الجميع وتواصلُ تلقين البشرية مزيدًا من الدروس
أفق نيوز | محمود المغربي
اعتقد العدوّ الصهيوني أن المجازر والجرائم البشعة بحق أبناء غزة، والتدمير الممنهج لكل شيء في غزة سوف يخلق حالة من السخط الشعبي على المقاومة ويقضي على الحاضنة الشعبيّة لحماس ويفقدها محبة الناس.
لكن العدوّ وبعد دقائق من وقف إطلاق النار وعودة أبناء غزة إلى مناطقهم ومنازلهم التي دمّـرها قد أُصيب بالصدمة والذهول وهو يشاهد أبناء غزة يحتفلون بانتصار المقاومة ويهتفون باسم حماس ويرفعون أعلام حزب الله واليمن، وقد ازدادوا حباً وتمسكاً بالمقاومة دون أن يكترثوا للدمار من حولهم أَو بالأرواح التي فقدوها والدماء التي سألت في سبيل أرضهم التي هي أغلى من كُـلّ شيء.
وما يزيد من صدمة العدوّ وذهول الجميع هو الانتشار الكثيف لرجال الأمن التابعين لحماس وبالزي الرسمي وكأنهم قد انبعثوا من تحت الركام وكأنهم لم يخوضوا أعظم معركة ولم يتعرضوا لعدوان هو الأقذر والأعنف والأكثر نازية وخبثاً وحقداً في تاريخ البشرية، وكأن غزة لم تتعرض للطوفان والإبادة الجماعية ولم تكن محاصرة براً وبحراً وجواً، ومنع عن أبنائها حتى الهواء وأكل أطفالها أوراق الشجر.
لقد اجترح أبناء غزة المعجزات في مواجهة أكثر البشر عنفاً ونازية وقسوة وإجراماً وإسرافاً في القتل وارتكاب المجازر، ولقد لقن أبناء غزة العالم دروساً في الصمود والشجاعة والتضحية والبطولة والثبات والتمسك بالحياة والأرض طوال خمسة عشر شهراً من تاريخ البشرية، الذي لن ينسى ولن يمحى من ذاكرة التاريخ، وها هم اليوم يواصلون تعليم البشرية مزيداً من الدروس في العزة والشموخ والتعالي على الجراح، وفي رفض الخنوع والركوع وحتى مُجَـرّد الانحناء والانكسار لم تظهر عليهم رغم الجراح حتى لا يمنحوا العدوّ وكلّ السفلة والخونة والعملاء لحظة من النشوة والشعور بالنصر.
ومن المفارقات العجيبة التي تضاعف الذهول في المشهد الراهن واتّفاق غزة هو مشاهدة مظاهر الاحتفال والفرح تعم الشارع الفلسطيني وغزة التي تعرض كُـلّ شيء فيها للإبادة بأبشع الصور، وبين مظاهر الحزن والغضب والقهر والشعور بالهزيمة تعم الشارع الإسرائيلي الذي يعاني الانقسام الشديد منذ عملية 7 أُكتوبر وزاد انقساماً باتّفاق غزة، وربما يعود السبب إلى إيمان الطرف الأول والممثل بالشعب الفلسطيني بالأرض التي ينتمي إليها ويدافع عنها والقضية العادلة التي يحملها وتجعله يعتقد أن كُـلّ التضحيات التي قدمها هي قليلة وأثمان عادلة ومستحقة لقضية نبيلة وعظيمة وهي الحرية واستعادة الأرض والحق الفلسطيني وطرد المحتلّ.
أما موقف الطرف الثاني وهو الشارع الإسرائيلي فهو موقف طبيعي لشعب لا يمتلك قضية ولا شعوراً بالانتماء للأرض التي يقفون عليها، وهم يعتقدون أن خسارة بضع أرواح في سبيل لا شيء هو ثمن باهظ وثقيل وأن ليس هناك ما يستحق التضحيات.
وبالطبع هذا أمر لا يفهمه ولا يشعر به من كان مرتزِقاً وخائناً وبائعاً لنفسه وأرضه.