أفق نيوز
الخبر بلا حدود

تمخّض “ترامب” بأقوى قوته فولد “التصنيف”

137

لا نزال منذ اليوم الأول للعدوان الغاشم على بلادنا نسير على القاعدة التي وضعها السيد القائد في أول خطاباته المبكرة، والتي أكد فيها على ضرورة تحويل التحديات إلى فرص. وفعلاً كنا نحقق التحولات في أوقات قياسية، حتى صار اسم اليمن يُطرح على طاولة النقاشات الدولية.
كما في كثير من الخطابات كرر السيد القائد ذلك وإن بشكل مختلف، بتأكيده على أنه كلما استمر العدوان على بلدنا، زدنا من تطوير أدواتنا الدفاعية والهجومية. وهذا ما حدث فعلا حتى صار تحرك اليمن عسكريا دائما لتحقيق تحولات حيوية في مسار المعركة.
شهد العالم ذلك خلال عدوان الثمان سنوات، وكيف أن اليمن فرض على التحالف الجنوح إلى الهدنة، وشهد العالم ذلك في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” الإسنادية للشعب الفلسطيني، وهي المعركة التي رفعت أكثر من اسهم اليمن على مستوى العالم، حتى صار الجيش اليمني معضلة للمطامع الاستعمارية.

تصعيد أمريكا ينقلب ضدها

الصلف الأمريكي سرّع من ظهور هذه المعضلة بفعل تماديه في استهداف الأمة واستقوائه ودعمه المفتوح للكيان الصهيوني. لا، بل وتعاطيه مع المواقف الدفاعية سواء للمقاومة الفلسطينية أو دول محور المقاومة على أنه إرهاب أو نشاط عدائي ضد “المصالح الدولية”.
ولأن أمريكا أثبتت مرارا أنها لا تفهم، وإذا فهمت تعجز عن تقدير الأمور والعمل وفق متطلبات ما تشير إليه الحقائق. الشعب اليمني حين بدأ معركة التحرر كان يعي أن الغرب -وعلى رأسه أمريكا- لن تسمح بهذا الظهور، فهي التي اعتادت على دول خانعة، إذا لم تفعل من أجلها أو تعلن الانحياز إليها فإنها تلتزم الصمت وتنزوي.
ترامب الذي يبدو أنه يتابع مسار التحولات اليمنية -وهو الذي تابع مراحلها الأولى خلال فترته الرئاسية الأولى- لا شك أنه قد لمس فداحة ما صار إليه اليمن على مستوى ظهور تعقيد جديد مناهض وبشكل صريح للهيمنة وللمشاريع الأمريكية في المنطقة، وكان الواضح أن ترامب قد جلس فعلا يبحث في الآليات المناسبة للتعامل مع المعضلة اليمنية، خصوصا وأنه قد رأى أن اجتهاد سلفه بايدن قد انتهى إلى مخاز كثيرة أحرجت أمريكا وشوهت وجهها. فلا هي التي نجحت في البقاء في البحر الأحمر ودافعت عن نفسها بشكل يليق بمكانتها، ولا هي التي نجحت عملياتها الهجومية على اليمن في إنهاء الخطر اليمني، فحاملات الطائرات بمسمياتها الأربع، تحولت إلى جثث ضخمة وثقيلة لم يعد منها جدوى، وقد فرّت من البحر الأحمر مرارا برفقة مدمراتها الأخرى، وطائراتها الهجومية كانت مثار تندّر أو استنكار، هذا فضلا عن فضيحة طائرة “ام كيو 9” التي جعلوا منها أسطورة، وإذا بها فراشة أمام العزم اليمني المستند أولا وأخيرا على الإيمان بأن التوفيق إنما هو من الله.

البحث عن ملاذ في الأرشيف

إزاء هذا ذهب ترامب يبحث في فعل له القدرة الناجعة على التأثير، وحين تمخض، ولَد موضوع التصنيف بالإرهاب، الورقة القديمة المتآكلة منذ رفعها في المرة السابقة. ويعي ترامب أن هذا التحرك ما هو إلا تحصيل حاصل وتنفيس عن إحباط، إذ أنه قد يتسبب في حصار الشعب اليمني، لكنه لن يضمن له أبدا تحقيق هدفه العالي بالنيل من هذا الشعب وجيشه، لسبب بسيط، هو أن التحرك اليمني في إطار تحويل التحديات إلى فرص، وفي إطار ما يولده استمرار الاستهداف لليمن من دافع أكبر لامتلاك أدوات الردع، كان نشطا على طول الخط لجهة توفير عوامل الصمود والثبات، فذهب للعمل على قاعدة الاكتفاء الذاتي، وصارت المعطيات في هذا الجانب مريحة إلى حد كبير، وفي ذات الوقت كان التصنيع العسكري ينشط في التطوير النوعي والاستراتيجي لسلاحه، بحيث أمكن له القفز على مستوى التصنيع والتكتيك إلى حد تصدر القوائم، وأحيانا التفرد، فهو أول دولة على مستوى العالم استهدف بالباليستي السفن المتحركة، وهو أول دولة على المستوى العربي يصنع الصاروخ الفرط صوتي ويستخدمه، وهو أول دولة عربية تستهدف الكيان الصهيوني بكل جرأة وبصوت علني بلا حسابات أو مخاوف.
ولأن اليمن يعي أيضا حجم التحديات، فإنه يستمر في تأهيل نفسه بنفسه بعوامل الثبات والمواجهة، فلا يأمن لحالة الصمت كما لا تخيفه التلويحات والتهديدات، خصوصا وأن فعله الدفاعي والهجومي إنما يأتي في سياق حق مشروع في الدفاع عن النفس، والدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المستضعف.
واليوم يكاد اليمن يكمل تأهيل كل طاقاته البشرية لمواجهة التحديات، من خلال دورات التعبئة والتأهيل التي صار معها قادرا على حمل السلاح، بإمكانه أن يكون في خنادق القتال ساعة التوجيه. وفي الجانب الآخر، صارت لديه معرفة بالعمليات الإسعافية لأي طارئ، وهو الذي نشط فيه الدفاع المدني من دورات التأهيل لمواجهة أي مخاطر لا سمح الله.

الفعل العكسي للرعونة الأمريكية

العدوان والتهديد والاستضعاف والكشف عن النوايا الخبيثة تجاه اليمن وتجاه الأمة ولّدت مثل هذا التحرك، ولا يبدو أن الأمر سيقف عند هذا الحد، إنما على ترامب أن يعي أن سلوك البلطجة لم يعد لغة بمقدورها تطويع الشعوب وتركيعها، وأنه كلما زاد في أشكال الممارسات العدوانية وتوزيعها على العالم، دفع ذلك الآخرين إلى العمل على اتقاء شره بأقصى الإمكانات المتاحة.
أيضا سيكون على ترامب أن يقيس ردود الأفعال تجاه تحركاته الأولية خلال الأيام الأولى من فترته الرئاسية، وسيجد أن مساحة الرفض لهذه الرعونة بدأت بالاتساع، وكلما زاد منها ستتعاظم واجهة الرفض قبل أن تصبح أمريكا دولة منبوذة وغير قابلة للتعايش وفق ما يقتضيه التعايش من إعطاء السلام أولوية الاهتمام.
وربما أيضا في هذا السياق يجدر الخوض في ملاحظة تستحق التأمل، فكثير ممن هللوا لتصنيف أنصارالله ضمن “قائمة الإرهاب” الأمريكية، يبررون ذلك بأنه يشرعن أي استهداف لليمن أو لأنصارالله حسب زعمهم، فهل فعلا الأمر كذلك؟!
الحقيقة القاطعة التي تنسف هذا الاستخلاص “الذكي” أن استهداف اليمن أصلا لم يكن بحاجة لهذا التصنيف، فالتحالف منذ عام 2015 وهو يستهدف اليمن ومواطنيه، حتى قبل هذا التصنيف، الذي إنما سيُعقد على المنظمات الإنسانية تقديم الدعم للمحتاجين من المواطنين، أما الاستهداف فهو أمر قائم ولم يكن بحاجة لهذا التصنيف

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com