أفق نيوز
الخبر بلا حدود

“طوفان الأقصى” لا يزال مستمرا.. الالتفاف المطلوب لمواجهة البلطجة الأمريكية

28

أفق نيوز  تقرير | وديع العبسي

 

تصر الإدارة الأمريكية الجديدة على إشعال المنطقة بتوجهاتها العدائية تماشيا مع الأهداف “التلمودية” الصهيونية، وفي الوقت الذي يرى فيه فريق ترامب ونتنياهو أن المرحلة تقتضي مثل هذه الإجراءات لاستعادة السلطة الفوقية على دول المنطقة فإن العرب والمسلمين، أيضا باتوا يدركون أن المرحلة أصبحت تقتضي التحول من الكينونة السالبة المتلقية للتوجيهات الأمريكية إلى الفاعلية في إدارة العلاقات مع أمريكا ودول الغرب بنديّة ووفق تكامل المصالح لا التبعية.

وربما مثّل القرار الترامبي الفاشل باحتلال غزة مؤشرا جديدا على حالة الانهيار التي تعيشها أمريكا، والتراجع المذل لواقع حضورها المهيمن على القرار الدولي، ويكشف لمن ارتضى الخنوع أن أمريكا فعلا لا تقوى على مواجهة من قَبِل التحدي.

وربما لقاء ترامب بالرئيس المصري والملك الأردني سيبدو بعد هذا المستجد بتراجع ترامب عن قراره أو تأجيله حسب زعمه أكثر تمكينا للقائدَين لخلق وضعية مختلفة تحرم ترامب من فرصة الاستمرار في إعطاء الإملاءات والتوجيهات، فالمواقف الدولية الرافضة لفكرة ترامب العبثية في غزة والتي تقدمها الموقف العربي ربما تكون كافية لإقناع كل الزعامات العربية، بأنه وحده الالتفاف حول مصالح الأمة بصوت واحد وإرادة واحدة وقرار واحد كفيل بأن يرد أي مخاطر أمريكية أو صهيونية عن الأمة.

 

ما يستدعيه استمرار الخطر الأمريكي

 

سياسة الضغوط القصوى التي يريد ترامب تطبيقها على العالم، أصبحت تستدعي، صياغات مختلفة في التعامل معه، فهو يتعامل بوضوح ويسير وفق سياقات واضحة تحقق لأمريكا والكيان الصهيوني مكاسب يريدها استراتيجية، ولا يراعي فيها أي تداعيات سلبية محتملة غلى الآخرين بما في ذلك دول حليفة. لذلك سيكون من التحرك الاستراتيجي للعرب أن يتسلحوا بالاتفاق والتوافق لمواجهة هذا الطيش الترامبي.

خطر أمريكا ضد العرب والمسلمين مستمر، ففي القضية الفلسطينية، لا يزال يؤكد على تماهيه واصطفافه إلى جانب الكيان الصهيوني بغض النظر عن أي اتفاقات أو قرارات دولية، فبينما فشل تحركه بخصوص احتلاله غزة مع حفاظه على مخطط توسيع رقعة الاحتلال الإسرائيلي، فإنه وافق على تجديد أسلحة الكيان، بصفقة تجاوز قيمتها الثمانية مليارات دولار، وطبعا استعدادا لجولة قادمة من العدوان المستمر على الفلسطينيين، أو استهداف دول عربية وإسلامية. كما أعطى ترامب لنفسه الحق بالتدخل في الشأن اللبناني للمطالبة باستثناء حزب الله التشكيل الحكومي في تعبير سمج عن مساعيه لتصفية المقاومة وتهيئة مناخات الهيمنة للكيان الصهيوني على دول المنطقة.

على أن الأسوأ من التحركات الترامبية تعاميه عن تصريحات النتنياهو التي دعا فيها إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، ولا يبدو أن ترامب ببعيد عن هذه التصريحات فنتنياهو لا يمكنه إطلاق مثل هذا التصريح عن السعودية التي ينتظر الدخول معها في مرحلة تطبيع، فيما ترامب لا يمكنه إطلاق المقترح خصوصا وهو في بداية ولايته الرئاسية ما يمكن أن تحرمه من الامتيازات التي يلقاها من علاقته بالسعودية والتي دشنها بن سلمان بمبلغ استثماري قدره (600) مليار دولار. مع ذلك فمثل هذا التصريحات وإن جاءت من الكيان الصهيوني مباشرة لا ينبغي تجاهلها واعتبارها في سياق التصريحات العدائية وحسب فأمريكا والكيان اعتادا قذف مثل هذه الأحجار لمخططات قادمة، ما لم تجد من الآن موقفا عربيا وإسلاميا ثابتا.

وستظل أمريكا تستهدف الجميع، بينما سيظل الجميع يراهنون إما على مدفوعاتهم لها بأي صيغة كانت، أو على مواقفهم المتواطئة معها لصالح الكيان الصهيوني، حتى يأتيهم الخبر اليقين بأن القوى الاستعمارية التي تأسست على قتل الشعوب ونهب ثرواتهم هي كيانات غير مؤهلة للتعايش مع باقي شعوب العالم بسلام.

الموقف الصهيوأمريكي تجاه السعودية لابد بالضرورة أن يدفع لمراجعة المواقف والحسابات، خصوصا وأن المناخ العربي يبدو إلى حد ما في وضع جيد لجهة تناغمه وتعاضده ورفضه للصلف الأمريكي الإسرائيلي غير المحتكم لأية ضوابط، وكما ناهض الموقف العربي ورفض رفضا باتا منطق القوة الأمريكي في استهداف مصر والأردن بقراره مصادرة مساحة من أراضي الدولتين لتوطين الفلسطينيين فيها بعد تهجيرهم من غزة، فإنه من المحتّم أن يشتد هذا الموقف في هذا الاستهداف للسعودية، وكما هو الحال أيضا بالنسبة لتونس التي تعرض رئيسها للتهديد الأمريكي بمصير كمصير بشار الأسد.

 

“طوفان الأقصى” مستمر

 

الأكيد أن الهزيمة الصهيونية والأمريكية في السابع من أكتوبر وما بعده قد ولّد هذه الحالة شديدة العدائية تجاه العرب والمسلمين والتي تتمثل اليوم بسياسة “الضغوط القصوى”، إنما في عين الوقت فإن الأكيد أيضا أن ما يجري إنما هو امتداد لتداعيات عملية “طوفان الأقصى”، إذ يحسب لهذه العملية البطولية الاستثنائية هذا الانتصار المتمثل بالشعور العربي الجمعي بواحدية المصير والتقارب في رفض هذه التعديات الأمريكية غير المسؤولة.

والمطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى، استشعار حاجة المرحلة والتحديات إلى الالتفاف حول بعض، والثبات على الموقف الرافض للتدخلات الأمريكية في واقع الأمة، وما سيأتي بعد ذلك لن يكون أقل من تنامي الشعور بصحة التوجه لمواجهة هذه التحديات معا، ومعه لن يكون بمقدور ترامب فرض رؤاه الكسيحة على الأمة العربية والإسلامية.

الخيار الذي تبنته صنعاء

 

خلال الأيام الماضية شهدنا ارتفاع الصوت العربي الرافض لفكرة تهجير الفلسطينيين من أرضهم، كما شهدناه أيضا في إطار الدولة الواحدة كما هو الحال في الأردن حيث اتحد جميع الأردنيين وانسجم الموقف الشعبي والرسمي لرد هذا الخطر الترامبي، وعمّت التظاهرات والمسيرات أنحاء البلاد في ما سمي بسياسة إسماع الرئيس ترامب كلمة الشعب الأردني. وهذه الكلمة كانت شعار مسيرات ووقفات ومظاهرات ذكرى يوم ”الوفاء والبيعة” للملك الراحل الحسين بن طلال والذي تحول إلى يوم “الاعتراض على التهجير ودعم الملك عبدالله الثاني”. هناك أيضا أصدر الأردنيون (120) بيانا ما عكس زخم المعارضة للمساعي الأمريكية في إحداث “خلل ديمغرافي يعيد تسمية وترقيم المعطيات الأمنية” والمساس ”بهوية الدولة الأردنية” وفق الطرح الأردني.

كما شهدناه في ثبات المصريين على موقفهم الرافض لمقترح ترامب ومطالبتهم بتمكين الفلسطينيين من دولتهم. ورفعت مثل هذه المواقف من مستوى الروح المعنوية في الوجدان العربي، الأمر الذي رأى فيه اليمن فرصة أكيدة للتقارب العربي من أجل قضايا الأمة، وأكدت صنعاء، على لسان أكثر من مصدر قيادي، استعدادها للوقوف إلى جانب الشعبين المصري والأردني في أيّ مواجهة متوقعة، إلى جانب استمرارها في مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وقال عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد البخيتي” إن صنعاء مستعدة لدعم مصر والأردن عسكرياً في حال تعرّضهما لأيّ اعتداء أمريكي”. وأضاف إنه “إذا ما قررت مصر أو الأردن أو كلاهما تحدّي أمريكا، فإن اليمن سيقف بكل قوة إلى جانبهما، ومن دون خطوط حمر”. وقال إن “ما يحدث يؤكد من جديد أن خيار الإسناد لأيّ جبهة مقاومة، والذي تتبنّاه صنعاء، هو الخيار الصحيح”.

وربما لن يكون من المبالغة القول بأن “طوفان الأقصى” دحرج الأحداث بهذه الطريقة التي أوجدت التفافا استثنائيا حول حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم وضد التفكير الترامبي العبثي المستهدف للقضية الفلسطينية على وجه العموم، إذ مثّل التفاعل الكبير بشأن نوايا ترامب، مظهرا بالغ الأهمية لجهة بروز القضية الفلسطينية من جديد وبشكل أقوى على واجهة المشهدية الدولية، الأمر الذي مثّل بدوره ثمرة لدماء الشهداء الذين ارتقت أرواحهم في معركة الكرامة ضد الكيان الصهيوني بما فيهم من قادة المقاومة. كما وتسبب الطوفان الفلسطيني في ترسيخ حقيقة النزعة الأمريكية الشريرة تجاه العالم خصوصا عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com