أفق نيوز
الخبر بلا حدود

غزة بين وعد بلفور ووعد ترامب

33

دينا الرميمة

على وقع خطوات العائدين إلى مدنهم عزفت غزة لحن النصر المنبثق من بين ركامات الدمار وسيل الدم النافر على مدى ثلاثة أشهر وعام وجذوة الصمود والتشبث بالأرض والهوية المتجذرة في أعماق التأريخ كجذور المسجد الأقصى، وأشجار الزيتون يحملون على أكتافهم حقائب ملئت بشعور الأمان والأمل بحياة دون إزعاج الكاميرات التي تلاحق أوجاعهم.

ومع أنهم يعلمون أنهم عائدون إلى أطلال تحوي ذكرى الماضي الجميل وبعض أشلاء الراحلين وغصة الفقد وذكريات الحرب إلا أن فرحة التحرير لأرضهم طغت على تلك المشاعر التي تراود أفئدتهم ومخيلاتهم.

وبالتالي فقد كانت مشاهد عودتهم هي الشاهد الأكبر على الهزيمة التي لحقت بالعدوّ الصهيوني وانتصار قذيفة الياسين على كُـلّ أسلحة الغرب العسكرية والدبلوماسية، ومنها أرسلوا رسالة للعالم أن النصر هو لصاحب الأرض الذي يستميت لأجل عدالة قضيته وليس لمن يؤمن يقيناً أنه يقاتل على أرض ليست أرضه مهما تجذر فيها، يومًا ما سيقتلع منها.

وبنفس الوقت فقد شكلت تلك المشاهد لدى الكيان الصهيوني غضباً ورعباً جعلهم يخرجون عن صمتهم ليعترفوا بفشلهم في تحقيق الأهداف التي تغنى بها “نتن ياهو” على مدى خمسة عشر شهراً عاشوها جميعًا بنفس الجحيم الذي عاشته غزة!! ونتيجة لهذا الفشل الذي لم يلحق فقط بهم إنما بأمريكا الشريك الفعلي في هذه الحرب، لذلك حاول ترامب تحقيق ما فشلوا فيه بلغة الحرب عبر تصريح وقرار يقضي بتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، ظناً أن الشعب الذي تحمل خبث العالم وأدوات القتل التي صبوها فوق رأسه والحصار الذي أطبقوه عليه والجوع والمأساة، وبصبر العالمين تجرعه كمن يشرب البحر قطرة قطرة رفضاً للتهجير وخشية أن تصيب فلسطين نكبة ثانية سيرضخ لأمره ويهاجر عن أرضه التي منحها أعظم التضحيات.

وهو يعلم أن هذا القرار هو بمثابة وعد بلفور ثان وأشبه بجرعة مواساة للصهاينة ولقي الترحيب من حكومة نتن ياهو وعلى رأسها اليمين المتطرف والمنزعج جِـدًّا من قرار وقف إطلاق النار، وهو من حاول إطالة زمن الحرب حتى يتسلم ترامب كرسي الحكم الأمريكي ليأتي أَيْـضًا ويمنحهم الضفة الغربية الممنوحة بقرار أوسلو للفلسطينيين!!

وكأنما ترامب قد تولى حكم الأرض بأسرها وليس فقط حكم أمريكا التي زاد أعدائها بقرارته الهمجية ضد بعض الدول المجاورة كالمسيك وكندا ودول أوروبا.

وبالتالي فقرار التهجير الذي يريد فرضه بالقوة على سكان غزة وكذلك على مصر والأردن قد عارضه الكثير ولقي استهجان أصدقائهم قبل أعدائهم.

وما بين غزة فلسطين وريفيرا الشرق التي يحلم بها ترامب، وَما بين وعد بلفور ووعد ترامب هناك شعب متمسك بأرضه ويد ضاغطة على الزناد تعلم أن الحرب التي عاشتها غزة ليست إلا جولة من جولات الصراع، سيتبعها صولات وجولات وسيثبت فيها الشعب الغزي على أرضه بمقاومته التي خرجت من الجولة الأولى منتصرة وشاهدها العالم بكامل هيئتها ومعداتها، أضف إلى معدات تحمل بصمة الكيان ولم تضعف باستشهاد قادتها بل واصلت المعركة وستواصل مع الداعمين لها من دول المحور معركة التحرير التي بدأت بالطوفان وستنتهي بالتحرير الكامل لغزة وكلّ فلسطين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com