أفق نيوز
الخبر بلا حدود

وحدةُ المواقف وعزيمةُ الأحرار

45

صفاء المتوكل

التأريخ لا يصنعه المتخاذلون، ولا يكتبه إلا الأحرار الذين يرفضون الذل والهوان، ويمضون بثبات نحو أهدافهم العظيمة، غير آبهين بالتحديات والمؤامرات التي تحاك ضدهم. فالأمم التي تنشد الكرامة لا تنتظر من الآخرين أن يمنحوها الحرية، بل تنتزعها انتزاعًا بدماء الشهداء وتضحيات الأبطال. وهذا ما تصنعه اليوم المقاومة في فلسطين واليمن، وكل الساحات التي تواجه الطغيان والاستكبار العالمي.

إن وحدة الموقف هي العامل الحاسم في هذه المعركة الطويلة. فالتاريخ يثبت أن الانتصار لم يكن يومًا حليف المتفرقين أَو المتردّدين، بل كان دومًا من نصيب من التزموا بقضاياهم وآمنوا بعدالتها، واستعدوا لتقديم كُـلّ غالٍ ونفيس في سبيلها. وهذه الحقيقة تتجلى اليوم في وحدة محور المقاومة، الذي صمد رغم كُـلّ المؤامرات والضغوط، ولم يتراجع قيد أنملة عن التزامه بالقضية المركزية للأُمَّـة: القضية الفلسطينية، التي تمثل عنوان العزة والصمود في وجه الاحتلال الصهيوني وداعميه.

إن ما يميز الأحرار هو العزيمة الصُّلبة التي لا تنكسر. فحين تخور قوى الجبناء أمام التهديدات والحصار، تزداد قوى المجاهدين صلابة؛ لأَنَّهم يدركون أن المعركة معركة وعي وصبر وإيمان، قبل أن تكون معركة سلاح وجيوش. فإيمان المقاوم بعدالة قضيته يجعله يتفوق على أعدائه الذين يقاتلون بلا قضية ويدافعون عن كيان غاصب زرع في قلب الأُمَّــة بالإرهاب والمجازر. لكن الأحرار يدركون أن الظلم، مهما طال، مصيره إلى الزوال، والتاريخ شاهد على ذلك. فكم من إمبراطوريات وجيوش ظنت أنها ستحكم العالم إلى الأبد، لكنها تلاشت أمام إرادَة الشعوب التي لا تقهر. فالإيمان بقضية عادلة كفيل بتحقيق النصر، مهما كانت العوائق والتحديات.

اليوم نشهد معادلة جديدة رسمتها المقاومة بدماء الشهداء وبصواريخها التي تجاوزت كُـلّ الحسابات التقليدية. فحين تتوحد المواقف وتترسخ العزائم، تنهار منظومات الهيمنة، مهما امتلكت من ترسانات عسكرية وإعلامية وسياسية. وهذا ما يجعل العدوّ يعيش حالة من الرعب والارتباك؛ لأَنَّه يدرك أن هذه المواجهة لم تعد كسابقاتها، وأن زمن الانتصارات الوهمية قد ولى إلى غير رجعة.

فالشعوب التي كسرت الحصار وصمدت رغم القصف والتجويع، قادرة على تحقيق المزيد من الانتصارات وإحداث تحولات استراتيجية في موازين القوى. وهذا ما نشهده اليوم في فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والعراق، حَيثُ تصطف الشعوب جنبًا إلى جنب في مواجهة مشاريع الاحتلال والتبعية والهيمنة. فالمعادلة واضحة: لا مكان للحياد ولا مجال للرمادية. إما أن تكون في صف الأحرار، أَو في صف المستكبرين. والتاريخ لن يرحم المتخاذلين ولن يسامح من خذل القضايا العادلة أَو سكت عن الحق في لحظة تستدعي من الجميع موقفًا واضحًا وصريحًا.

فالنصر حليف من يثبت على الحق، مهما طال الطريق ومهما اشتدت المؤامرات والضغوط. فالإرادَة الصلبة تصنع المستحيل، والتاريخ يكتبه المقاومون لا المهرولون للتطبيع والانبطاح. ولن يكون مصير المحتلّين إلا الزوال، ولن يكون مصير الأحرار إلا المجد والانتصار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com