أفق نيوز
الخبر بلا حدود

أمريكا تتحول إلى فائض مزعج للبشرية وتشق طريقها نحو الانهيار

106

ولن يكون من السهولة التخلص من هذه العقدة اليمنية التي تسببت في انهيار سمعة هذه الكائنات الطارئة على البشرية، ولذلك ظلت السفن وشركات الملاحة مترددة عن العودة إلى البحر الأحمر، إذ لم تركن إلى الفقاعة الدفاعية الأمريكية، ولن تكون مستعدة للمراهنة على قوة بحرية لم تستطع حماية نفسها.
اليوم ترامب يحاول وضع صياغات جديدة يكون بمقدورها احتواء هذه المستجدات والتحدي اليمني على وجه الخصوص عن غير ادراك بأن الأمر لا يزال مبكرا عليه، إذ لا يزال عليه غسل عار الهزيمة خلال معركته لصالح الكيان الصهيوني وحماية السفن المرتبطة به، لذلك فإنه لن يكون إيقاف العمليات اليمنية ورفع الحظر عن حركة سفن الأعداء أهم من البدء بهذه المعالجة لاستعادة الفاقد من السمعة وهيبة عقود من الزمن، وهي مسألة تبدو مستحيلة، لأن ثوابت تحرُك القوات المسلحة اليمنية في معركة الإسناد كانت ولا زالت وستبقى الأعلى صوتاً، فهي التي نحت المنحى الإنساني وهي التي بادرت بما يمليه عليها الواجب الديني والأخلاقي تجاه المستضعفين الفلسطينيين.
وعلى هذا يمكن قياس اليوم التالي أو توقعه على صعيد المواجهة، فالهيئات الأمريكية والصهيونية باتت تقوم بالإعلان بالنيابة، عن أن العمليات اليمنية لن تتوقف إلا بعد الانتهاء من تنفيذ مراحل وقف إطلاق النار. أما اعتماد العدو الصهيوني على أسلوب المراوغة، واستمراره في العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني وكذا الاعتقالات المتلاحقة للفلسطينيين فمسألة يبدو أنها ستمر دون تأديب، خصوصا مع الانفلات في ممارسة هذه الأعمال العدوانية بروح معنوية عالية ولّدها الدعم الترامبي المفتوح للكيان.

الوضعية التي يرفضها اليمن

يميل اليمن إلى السلم بطبيعته، لكنه يرفض البقاء على ذات الوضعية التي اتسم بها تفاعل الأنظمة العربية والإسلامية مع قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية من ارتهان للغرب أو خنوع لإملاءاته، ولعل مثل هذه الغاية الواقعية هي التي ساعدت ولا تزال تساعد في البناء على ما تحقق لخلق وضعية جديدة لا تعني اليمن وحسب، وإنما كل المنطقة. واليمن أيضا وقد تخلّق بحضور جديد استثنائي وغير مألوف، سيبقى يراهن على صحوة عربية عملية تغادر حالة الانفلات من الالتزامات تجاه قضايا الأمة.. يدفع إلى التفاؤل، هذا التعاطي الأمريكي الذي أصبح يتسم بالحذر الشديد مع منطقة البحر الأحمر بسبب اليمن، بمعنى انهيار التمثال الثلجي الأمريكي، كما يدفع إلى ذلك تَكَشُّف المخاطر المتوقعة على الأمة بسبب سياسة ترامب غير المتزنة. ما يفرض على العرب إعادة التموضع وفق مقتضيات الدفاع عن النفس من طيش المارق الأمريكي.
كما أنه ووفق توزيع ترامب لتهديداته، تُظهر التحركات الدولية أن أمريكا لن تبقى إلى الأبد مَن تعطي الجَزَرة وتلوح بالعقوبات، فالصين وروسيا وكوريا الشمالية وكوبا وإيران باتت جميعها تدرك أن الجنون الأمريكي قد بلغ منتهاه، لذلك ليس بعد الاكتمال إلا النقصان. وقد تكون ولاية ترامب الرئاسية أفضل فترة تتهاوى خلالها الأسطورة الأمريكية. ومؤخرا تسببت الغطرسة الأمريكية في وقوعها في موضع الاستهداف، فهذه حليفتها الدنمارك تهِبّ دفاعا عن السيادة ولَجْم مطامع ترامب في الاستيلاء على جزيرة غرينلاند، بهجوم معاكس، حيث أطلق دنماركيون، حملةً لـ”ضم ولاية كاليفورنيا إلى الدنمارك”، رداً على تطلعاته للاستحواذ على جزيرة غرينلاند، وضمها إلى الولايات المتحدة، ورغم براءة هذا الحدث إلا أنه يمثل تحديا إضافيا يُفقد أمريكا سلطتها المطلقة التي اعتادت عليها على الشعوب والأنظمة كما كان الحال بعد الحرب العالمية الثانية.

المناورة التي أرعبت العدو

ذات مناورة، أرعبت القوات المسلحة اليمنية الكيان الصهيوني مكرسة المخاوف من القوة الفتية الناشئة، من خلال محاكاتها لعملية استيلاء على مستوطنات، قرأ الجانب الصهيوني حينها الدلالة من هذا العمل بشكل سليم ودقيق، فاليمن في ثوابته لا سقف ولا خطوط حمراء أمامه، ولذلك فإنه يستمر في إرسال الرسائل بأنه ماضٍ ليس فقط في تطوير قدراته وإنما أيضا في تطوير تكتيكاته، من حيث الجرأة والحرفية، وهي مسالة تُقلق كثيرا أمريكا و”إسرائيل”، فالانطلاق العملي من هكذا عقيدة راسخة، إضافة إلى ما قد ظهر من اليمن من بأس واقتدار، يعني صعوبة الاستمرار في السير على مخطط السيطرة على المنطقة، وبالتالي فشل المخطط الذي بدأته أمريكا بخطة “الشرق الاوسط الجديد”.
تقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “اليمنيون يجرون تدريبات تحاكي الاستيلاء على المستوطنات الإسرائيلية ويتعلمون استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة”. معبرة عن مخاوفها من ذلك “قد يبدو غريبًا أن تقوم دولة تبعد عنا أكثر من 2000 كيلومتر بتدريبات شبيهة بالاستيلاء على المستوطنات، لكن من المؤكد أن هذا ليس أمرًا ينبغي تجاهله”.

السيد: عملياتنا تنطلق من إرادة جادة وصادقة

المتغير الذي صارت عليه الحركة عند باب المندب، يشير إلى القراءة اليمنية الصحيحة لمقتضيات المواجهة مع الأعداء، لذلك كان للاهتمام بتطوير القدرات العسكرية بعد الاستعانة بالله سبحانه الأثر المشهود الذي انتهي إلى المآلات المخزية التي منيت بها أمريكا و”إسرائيل”.
لذلك أوضح السيد القائد أن التطوير في القدرات أدى إلى طرد الأساطيل الأمريكية من مساحات واسعة في البحار وحيّدت الاعتراض إلى حد كبير. وبعد تحييد الأساطيل الأمريكية أصبح العدو الإسرائيلي يواجه بنفسه مشكلة الاعتراض في فلسطين المحتلة، وهذه مسألة واضحة وموثقة. لافتا إلى أن مسار عملياتنا كان في تصاعد وتطوير مستمر، لأنه ينطلق من إرادة جادة وصادقة، ومن منطلق المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية. مضيفا أن مسار عملياتنا انطلق من جدية كبيرة في أن يكون هناك فعل مؤثر على العدو يساند الشعب الفلسطيني.
السيد القائد قال أيضا: “واجهنا العدوان الأمريكي برد فعل قوي وحازم، وهو معتاد من كثير من البلدان العربية على الصمت والجمود تجاه ما يفعل، واشتبكنا مع حاملات الطائرات الأمريكية مرات عدة، وطردنا “آيزنهاور” و”روزفلت” و”لينكولن”، والآن نطارد حاملة الطائرات ترومان”، وأكد أن حركة الأمريكي في البحار أصبحت مختلفة عن السابق حين كانت مخيفة ومهددة للآخرين ولا أحد يجرؤ على الرد عليها واستهدافها. موضحا أن الأمريكي شاهد وضعاً مختلفاً تماماً حين تم التصدي له والرد عليه بكل قوة وحزم.
وعلى هذا النحو من الوعي العالي أدرك اليمن أن العدو سيبقى يدور في دائرة الفشل، ولن تتاح له فرصة استعادة المكانة البحرية السابقة كأقوى قوة بحرية في العالم، ولعله يستقيم مع هذا قرار ترامب سحب حاملات الطائرات ترومان، ما يشير بدوره إلى أنه بالفعل لا يريد الذهاب إلى المجازفة والمراهنة على الحظ.

ما لا يبدو بمقدور ترامب

ما يرفع من وتيرة التعاطي بحذر مع الملف اليمني، لم يكن فقط الثبات والاقتدار والمنافسة بتكنلوجيا الأسلحة، وإنما -وهو الأهم- هذه الثقة التي ظلت دائما ملازمة للتحرك اليمني ولخطابات السيد القائد، ومنذ الظهور الأول لاتفاق وقف العدوان على غزة، أكد السيد القائد على إخضاع السلوك الإسرائيلي تجاه تنفيذ الاتفاق للمراقبة، مؤكدا بأن جبهة الإسناد اليمنية “ستبقى في مواكبة لمراحل تنفيذ الاتفاق، وأي تراجع إسرائيلي أو مجازر وحصار سنكون جاهزين مباشرة للإسناد العسكري للشعب الفلسطيني”.
ويعي العدو أن هذه الثقة لا تنطلق من فراغ أو كمحاولة لكسب نقاط، وإنما تماشيا مع عقيدة راسخة. ولذلك فإن التحرك لفعل شيء مع ملف التهديد اليمني يتطلب الكثير من العمل والكثير من التضحيات، وهو ما لا يبدو بمقدور ترامب السير عليه.
من هنا تحاول أمريكا امتصاص آثار فشل تمرير احتلال غزة من خلال الحديث عن استثمار عقاري في القطاع كمحاولة لتخفيف وطأة الفشل، يوازيه التلميح الخفي بأن مشروع الاحتلال لا يزال قائما. حتى وإن انفلت وتهور إلى فعل من هذا القبيل فإنه ربما سيكون سببا في عودة العرب إلى بعضهم.
أمريكا أرادت لنفسها أن تتحول إلى فائض مزعج، وعلى يد ترامب ستغيب السياسة كليا لأن الرجل لا يفهم في السياسة، وسيحضر التعامل العشوائي الاستعراضي مع القضايا الدولية وعلى قاعدة المنفعة والمصلحة أولا، ولهذا باتت التوصيفات تضع أمريكا في موضع لا يليق بطموحاتها الاستحواذية، ويليق بكل اشتغالاتها وتآمراتها وقتلها لملايين البشر ونهبها لثرواتهم، فهي الدولة المارقة، وهي الدولة الطاغوتية، وهي الدولة العنصرية، والدولة المتمردة على المواثيق والعهود والقرارات الدولية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com