أفق نيوز
الخبر بلا حدود

قراءةٌ في قمة الرياض ورسائل التوقعات المبطنة

32

د. شعفل علي عمير

تعد القمةُ العربية في الرياض حدثًا بالغ الأهميّة في المشهد السياسي الإقليمي، حَيثُ يجتمع القادة العرب لمناقشة القضايا الملحة التي تواجه المنطقة. ومع العقد من الزمن الذي شهد تغيرات جذرية، فَــإنَّ توقعات الشعوب وحتى الزعماء قد تغيرت أَيْـضًا.

يأتي هذا الاجتماع في ظل ظروف معقدة ووسط أنباء عن إرسال القمة رسائل بتخفيض التوقعات، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذَا كانت هذه الرسائل تهدف إلى طمأنة الحليف الإسرائيلي.

فمنذ إعلان أجندة القمة، بدا واضحًا أن التخفيض في التوقعات هو العنوان الأبرز. وكأن قادة العرب أرادوا أن يرسلوا رسالة مفادها: “لا تتوقعوا الكثير، فنحن بالكاد اتفقنا على موقع الاجتماع”. نعم، لقد قرّروا التركيز على القضايا التي يمكن التوصل إليها بتوافق عام، مثل إدانة الطقس الحار أَو الاتّفاق على أن الصحراء مليئة بالرمال، لكن اللافت للنظر حقًا هو الحديث المتداول عن الرسائل المبطنة التي قد تحملها هذه القمة للحليف الإسرائيلي. يبدو أن زعماءنا عربون للمفاجآت التي لا تنتهي، يسعون دائمًا لطمأنة جميع الأطراف، حتى أن أحدهم قال: “نحن نحب الجميع، ولا نعادي أحدًا، إلا شدةَ الطقس الحار”. قد تكون هذه القمة بمثابة التأكيد على أن العلاقات مع “إسرائيل” تحت السيطرة الكاملة. والرسالة هنا واضحة كنهار مشمس في الرياض: دعونا نخفض التوقعات على جميع الجهات، ولعل الحليف الإسرائيلي يجلس الآن على أريكته الوثيرة، رافعًا قدميه مطمئنًا إلى أن العرب سيواصلون المنافسة المسالمة فيما بينهم على من يستطيع إلقاء خطاب طويل دون الوصول إلى نقطة محدّدة،

ومن خلال قراءة ما يمكن أن تخرج به هذه القمة نشتم رائحة تراخي في الموقف العربي الرسمي وتنازل مذل عن الثوابت القومية والدينية أن الوضع الذي وصلت إليه القمم العربية تعكس حالة من التراخي العربي المتزايدة تجاه القضايا المصيرية. تحولت القمم، التي كانت في الماضي رمزًا لوحدة الأُمَّــة وصرخة ضد الظلم والاحتلال، إلى مُجَـرّد مناسبات بروتوكولية بلا جوهر. فما عاد هناك حديث عن القدس ولا اللاجئين ولا حتى الوقوف ضد سياسة التهجير والتوسع الاستيطاني، في نفس السياق، يبدو أن تلك الرسائل الرخوة تأتي تماشيًا مع رغبات قوى عالمية تسعى لفرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، يُجمّل الوجه القبيح للاحتلال ويمنح الشرعية لسياساته القمعية. فبدلًا من اتِّخاذ موقف صلب وحازم يدافع عن الحقوق العربية، ظهر القادة وهم يكتفون ببيانات خجولة وعموميات لا تُسمن ولا تُغني من جوع

إذا كانت تلك الرسائل بمثابة طمأنة للحليف الإسرائيلي، فَــإنَّ هذه الاستراتيجية لن تجلبَ إلا المزيد من المعاناة للمنطقة بأسرها. إن التغاضي عن الحقوق والمطالب العادلة للشعب الفلسطيني لن يؤدي إلا إلى تعميق الجراح وزيادة الاحتقان الشعبي. فما يمكن اعتباره تكتيكًا سياسيًّا من قِبل بعض القادة، سوف يُنظر إليه على أنه خيانة لتطلعات الشعوب العربية، ومع ذلك، يطرح هذا التحول تساؤلات حول مدى تأثير هذه الرسائل على القضية الفلسطينية، جوهر الصراع في المنطقة. فهل يعني تخفيض التوقعات تنازلًا عن القيم والمبادئ الثابتة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، أم أنه خطوة تكتيكية تسعى لإعادة ترتيب الأولويات في ظل التحديات الإقليمية مثل الملف النووي الإيراني، وتصاعد التوترات في اليمن وسوريا؟

وأمام هذا الواقع المؤلم، يبقى الأمل معلقًا على الشعوب نفسها، المقاومة لكل أشكال الضغوط والتواطؤات، لتبقى القضايا العادلة في الصدارة مهما حاولت بعض الأنظمة تجاهلها أَو التقليل من شأنها.

إن التمسك بالحق والعدالة لم ولن يكون يومًا خيارًا، بل هو الالتزام الطبيعي للشعوب التي تناضل؛ مِن أجلِ الحرية والكرامة. ومن هنا، على القادة العرب أن يعوا جيِّدًا أن الشعوب لن تصمت طويلًا أمام هذه المسرحية الهزلية التي يحاولون تسويقها تحت غطاء الدبلوماسية والاعتدال.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com