العد التنازلي بدأ وعلى “ترامب والنتنياهو” تدور الدوائر
افق نيوز | وديع العبسي
تأكيدا على الثبات في الموقف، والحزم في القرار، جاءت مهلة السيد القائد لوسطاء اتفاق وقف إطلاق النار، ولتؤكد من جهة ثانية على عدة اعتبارات حشرت تفاصيلُها أمريكا و”إسرائيل” في زاوية الذُل والخزي والعُزلة:
أولا: تجاوُز اليمن للتحركات والتهديدات الأمريكية السمجة التي كان من مظاهرها ورقة التصنيف المتهالكة والتي ظنت واشنطن بأنها ستمنحها مساحة مريحة للمناورة وتحقيق هدف تحييد القوات المسلحة اليمنية عن مساندة الفلسطينيين.
ثانيا: إنسانية الهدف، حيث جاءت مهلة السيد القائد بداعي الدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يعيش من جديد حصارا غير أخلاقي وسياسة تجويع وحشية يفرضها الكيان الصهيوني ودائما بضوء أخضر أمريكي، ما يُعري حقيقتهما ككيانين ضد الإنسانية.
ثالثا: الثبات على الموقف المُعلن، منذ بدء العدوان البربري على غزة، والذي انطلقت على أساسه عمليات القوات المسلحة في 19 أكتوبر 2023، وهو وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة والسماح بدخول شحنات الغذاء والوقود، وكل مستلزمات الحياة للفلسطينيين في القطاع.
رابعا: التأكيد على أن ما برز من قوة اليمن كان وليد اشتغال مستمر على تطوير القدرات، وأنها وبمشيئة الله سبحانه قد صارت في المستوى المؤهِل لوضع حد للغطرسة الصهيونية والاستفراد بالشعب الفلسطيني.
خامسا: مثّل موقف التهديد الاستثنائي رسالة واضحة للأنظمة العربية بأن الانكفاء على الذات ودسّ الرؤوس في التراب، لم ولن يجلب الأمن ولا الحق المسلوب لأبناء المنطقة عموما والشعب الفلسطيني بشكل خاص.
سادسا: تجديد التأكيد على استعدادِ الجبهة اليمنية وجاهزيتها للتدخل عسكريًّا واستئناف الضربات على كامل الأراضي المحتلّة في حال انهيار وقف إطلاق النار في غزة، كما جاء في كلمة السيد القائد في استقبال شهر رمضان.
عقب خيبة أمل الشارع العربي
جاء الموقف اليمني عقب خيبة الأمل التي مُني بها الشارع العربي من القمة العربية، إذ عمّقت القمة شعوره بالانكسار، خصوصا وأنها التي جاءت كرد فعل لخطر يتهدد كل المنطقة برؤية ترامب لتوسيع خارطة الكيان ابتداء من تهجير شعب غزة عن أرضهم، كما أنه قُبيل انعقادها كان العدو الصهيوني قد بدأ التصعيد ضد الفلسطينيين متنكرا، بدعم أمريكي صريح، لما وقّع عليه من اتفاق يقضي بتنفيذ ثلاث مراحل تشمل إطلاق الأسرى وخروج جيشه المحتل من كامل غزة وصولا لموضوع إعادة إعمار ما دمرته آلته العسكرية.
مع ذلك لم تكن القمة التي حملت اسم غزة في مستوى المخاطر، فجاء بيانها على ذات المنطق الدبلوماسي الذي اعتادت عليه القمم العربية طوال العقود الماضية، وغابت عنه أي نبرة حاسمة لجهة ردع العدو الإسرائيلي عن استمراره في هذه الانتهاكات، أو العدو الأمريكي عن الاستمرار في إخضاع دول المنطقة لصالح الأجندة الأمريكية الإسرائيلية.
لا حياد عن الثوابت الدينية والأخلاقية
كما جاء الموقف اليمني عقب الاستقواء الإسرائيلي على الشعب الأعزل، وبروز هذا القدر من الشر في محاولته إذلال كل شعوب المنطقة، من خلال استهداف الشعب الفلسطيني، الذي لم ينعم بعد بنتائج وقف إطلاق النار، إذ أخذ مسار التصعيد يتمادى في الاستخفاف، وكأن للعدو أن يفعل ما يشاء من قتل وتدمير واختطاف وتجويع للفلسطينيين، ونهب أكثر للأراضي، وفي هذا منتهى الاستكبار ومنتهى الإذلال للعرب، وهو ما لم يعد مقبولا، ولا أي اعتبار يمكن أن يحول دون القيام بالمسؤولية في إنهاء هذه الحالة.
وكما أطلق اليمن معركته (الفتح الموعود والجهاد المقدس)، يستكمل مسارها منطلقا من المسؤوليات والثوابت الدينية والأخلاقية، ولا يمكن لأي قوة أن تقف أمام القيام بالواجب، ولأمريكا اليوم أن تبدأ بالعد التنازلي للمهلة، وإما أن تجنح للسلم أو تتحمل عواقب دعمها المفتوح للكيان الصهيوني.
وسيعي ترامب هذه المرة أن الحظ كان ضده، حين حمله إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، مُثقلة بأسباب الانهزام والتراجع وخفوت البريق الزائف لشعلة ما يسمى بتمثال الحرية.
المجازفة التي ستسقط بأمريكا
ترامب الذي جاء بتوجهه الرأسمالي لجمع أكبر قدر ممكن من مليارات الدولارات سيخسر كل شيء مع تماديه غير العقلاني تجاه فلسطين أو اليمن، فالرياح لا تسير في صالحه ما يجعله أمام حقيقة مفادها أن التقارير الأمريكية التي لا تزال ترصد حجم خسائر جيشه في البحر الأحمر خلال معركة الـ(15) شهرا ينبغي أن تكون حافزا لمغادرة الغطرسة، والاعتراف بأن ما يهدف إليه مع النتنياهو مستحيل.
ولأمريكا أن تجازف، وستكون بالفعل مجازَفة لأنها لا تزال العاجزة عن التوصل إلى أي طريقة يمكنها من خلالها رد الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية وبأقل التكاليف، وسيكون منتهى الغباء تجريب المجرب، واستهلاك القدرات والطاقات، فيما هناك من خصوم أمريكا كالصين وروسيا من يتابعون الوضع الذي تصر واشنطن على أن تضع نفسها فيه.
يقول القائد البحري الأمريكي المتقاعد “برايان كلارك” من معهد “هدسون”: إن البحرية الأميركية استخدمت صواريخ للدفاع الجوي منذ بدء العمليات القتالية في البحر الأحمر في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من تلك التي استخدمتها الخدمة في كل الأعوام منذ عملية عاصفة الصحراء في تسعينيات القرن الماضي. ويضيف إن بحرية بلاده استخدمت ما قيمته أكثر من مليار دولار من الصواريخ الاعتراضية لإسقاط هذه التهديدات بالطائرات بدون طيار والصواريخ. هذا فضلا عن أن البحرية الأمريكية شهدت أكبر عدد من المعارك في البحر منذ الحرب العالمية الثانية، وفقًا لما قاله كلارك.
حجم التهديد الذي فرضته هجمات القوات اليمنية، أكد عليه أيضا موقع “تاسك بوربُس” الأمريكي المختص بالشؤون العسكرية من خلال استعراضه لتفاصيل الكلفة التي دفعتها أمريكا خلال (15) شهرا من المواجهة البحرية مع القوات المسلحة اليمنية. حيث كشف الموقع عن أن مخزون واشنطن الدفاعي استنزف خلال تلك المعركة “أكثر من مليار دولار”، مشيرا إلى أن “البحرية الأمريكية أطلقت ما يقرب من 400 صاروخ منذ أكتوبر 2023، بما في ذلك 120 صاروخًا من طراز SM-2 و80 صاروخًا من طراز SM-6، ما أدى إلى نقص حاد في مخزون الذخائر الاستراتيجية”.
القادم أعظم
بتوفيق الله كان دائما القادم في العمليات اليمنية أعظم، ما أعطى انطباعا قويا لدى العالم بأن القوة اليمنية الصاعدة تتنامى في قدراتها وتكتيكاتها باستمرار وبشكل ملحوظ، وقد وصفت منصات دولية تطوُّرُ هذه القدراتِ بالكابوس بالنسبة لأمريكا، جاء بعد ظهور مخاوف مسؤولين أمريكيين من امتلاك اليمن صواريخ أرض جو متطورة لمواجهة المقاتلات الأمريكية الحديثة مثل طائرات (إف-16)، وقد اعتبر هؤلاء المسؤولون في تصريحات لشبكة “فوكس نيوز” أن إطلاق القوات اليمنية، صاروخ أرض- جو، على طائرة حربية أمريكية من طراز (إف-16) كانت تحلق قبالة السواحل اليمنية فوق البحر الأحمر في 19 فبراير الماضي، يمثلُ “تصعيدًا كبيرًا” في الاشتباك.
تحذير شركات التصنيف الائتماني
على صعيد تداعيات عودة العمليات اليمنية على الكيان، فإن عودة الحصار ستخيم بآثارها سريعا على وضعه الاقتصادي. وقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، أن مسؤولين اقتصاديين كباراً في كيان العدو تحدثوا مع خبراء في شركات التصنيف الائتماني العالمية، وخرجوا بانطباع مفاده أن “انهيار وقف إطلاق النار في غزة سيؤدي إلى تجدد التصعيد في ساحات أخرى مثل الشمال، واليمن، وسيؤدي ذلك إلى تخفيض جديد للتصنيف الائتماني لإسرائيل”.
وعلى ضوء كل ذلك يلوح في الأفق واقع لن يكون بالمطلق في صالح أمريكا و”إسرائيل” إن استمرا في التعامل مع الفلسطينيين بمنطق القوة التي لا تُقهر، وهي مسألة لا تخفيها المؤسسات العسكرية والأمنية الأمريكية والإسرائيلية في ظل انعدام خيارات التعامل مع التهديد المتصاعد من اليمن.
وكانت مجلة “إيبوك” العبرية تناولت تأكيدات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، المتكرّرة بشأن الاستعداد للتحَرّك عسكريًّا ضد كيان العدوّ والولايات المتحدة في حال انهيار اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة أَو محاولة المضي في خطة تهجير الفلسطينيين، أَو التصعيد ضد لبنان، بما في ذلك التأكيد الذي ذكر فيه القائد بوضوح أن “عودة الحرب ستعني عودة كامل كيان العدوّ تحت النار، بما في ذلك يافا المحتلّة”.
المهلة التي طرحها السيد القائد انعكس تأثيرها في إعلام العدو الإسرائيلي حيث تناولت صحيفة “معاريف” العبرية وموقع “والاه” العبري التهديد اليمني والذي يضاف إلى تهديد مماثل في فبراير/شباط، عندما تم تهديد الكيان بأنه إذا انهار وقف إطلاق النار في غزة أو لبنان، فإن إطلاق الصواريخ من اليمن سيستأنف: “نحن مستعدون لشن هجمات على إسرائيل إذا استأنفت هجماتها على غزة”.
والتناول الذي تكرر في غير تقرير عبري، يعكس بذاته مستوى القناعة بصعوبة احتواء اليمن أو ثنيه عن مواصلة عملياته الإسنادية لغزة. كما يعكس القناعة لدى قادة الكيان المحتل بصدقية ما يقوله السيد القائد. ويعكس أيضا إدراك العدو لحجم الخطر المباشر والاستراتيجي الذي تمثله جبهة اليمن، ويُقر من ناحية ثانية بفشل الهجمات التي تم تنفذيها ضد أهداف مدنية داخل المحافظات اليمنية الحرة.